إشكالية الكاتب ودور النشر مع ثقافة الغلاف

13 تموز 2011

الأغلفة عتبات بصرية على هامش اهتمامات سوق الكتاب العربي

يشكل الغلاف عتبة للنص المقروء حيث يعتبر مدخلاً بصرياً إلى موضوع الكتاب بل ربما يرجع اقتناء كثير من القراء لكتابهم المفضل نتيجة لإعجابهم بصياغة غلافه حيث تعيدنا كثير من الأغلفة إلى عناوين لا تنسى من المكتبة العربية فمن يستطيع تجاهل الأغلفة التي صممها أدونيس لكتبه الشعرية كـ /مفرد بصيغة الجمع/ و/وراق يبيع كتب النجوم/ أو الأغلفة التي صممها /نزيه أبو عفش/ لكتابه الشعري /أهل التابوت/ وغيرها الكثير فيما يعاني سوق الكتاب العربي اليوم من تكرار هائل في موضوعات الأغلفة ونمطيتها بل ومباشرتها الفنية التي تعتمد على عناصر الإبهار البصري بعيدة كل البعد عن الفهم الحقيقي لفحوى النص الذي يختزنه المنتج الفكري أو الأدبي.

الكاتب السوري أسامة إسبر يرى أنه مهما كان الغلاف جميلاً فإنه لا يغري القارئ الحالي ويقول: إنني أركز في دار بدايات التي أديرها على أناقة الغلاف عبر تركيزي على قياس القطع الصغير لكن الموضوع يبدو اليوم أكثر تجارية حيث أن هناك ميلا من الموزعين للتعامل مع الكتاب الضخم عبر استخدام حرف براق ليس له علاقة بالجاذبية الفنية.

إذاً غلاف الكتاب من العناصر الهامة والأساسية في الترويج للكتاب وزيادة مبيعاته وخاصة حين يحتوي على عناصر وقيم فنية وجمالية مدروسة تلائم المضمون ما يسهم في بيع الكتاب دون معرفة مضمونه في كثير من الحالات يوضح الفنان التشكيلي صباح الحديدي انه من المهم جدا أن يكون مصمم أغلفة الكتب محترفاً ومثقفاً حيث من الأجدر أن يمارس هذه المهمة طلاب كلية الفنون الجميلة ولاسيما أن على التصميم أن يرتبط ارتباطا وثيقا بمضمون الكتاب.

ويضيف.. يميل التصميم الناجح بشكل عام إلى البساطة والوضوح ووجود مساحات كبيرة فارغة تساعد القارئ في التركيز على عناصر هامة وأساسية على الغلاف كالعنوان واسم الكاتب واسم دار النشر وأن تكون الألوان متناسقة من حيث الدرجة ومكملاتها أما الألوان المتضادة فمن الممكن استخدامها في حالات معينة حين يكون موضوع الكتاب يطرح إشكاليات كبيرة.

وللأسف تلجأ الكثير من دور النشر بسورية لمصممين غير مختصين في تصميم أغلفة كتبها وذلك سعيا لخفض التكاليف وعدم الإيمان بأهمية ودور غلاف الكتاب في جذب القارئ وزيادة كمية بيع الكتاب وهذا يسيء بشكل كلي للكتاب كمنتج ثقافي ولعملية الترويج بأكملها يلفت الحديدي إلى أن كتابا بغلاف غير جميل أو مدروس لا يجلب القارئ وتخف نسبة بيعه كثيرا والعكس صحيح فبعض الكتب مضمونها ضعيف ويشتريها الكثيرون لجمال غلافها وهنا قد يخدم الغلاف الكاتب بشكل جيد فيما يتعلق بالمبيعات.

أما الشاعر إبراهيم الجبين فيرى أن عنوان النص أو الكتاب هو جزء من النص وهذا ينطبق على غلاف الكتاب أيضاً فالكاتب يقدم نفسه من خلال أغلفة كتبه إذ إنه يحمل رسالة واضحة عن المضمون.

يقول الجبين: أنا ضد الكتب التي ينفصل فيها الغلاف عن محتواه مع أن التشابه ينبغي أن يأتي من تفرد دور النشر في هذا القرار والكاتب يجب أن يشرف على اختيار غلافه أو أن يقدم هذا الغلاف كجزء من مؤلفه مع أن التشابه الحالي في الأغلفة يأتي من القائمين على دور النشر التي باتت تعمل حسب الطابع أو الهوية البصرية لشكل سلسلة الكتب التي تصدر عنها.

هناك الكثير من الكتاب السوريين الذين لا يتدخلون في أغلفتهم ويتركونها لدور النشر وهذا تقصير حسب رأي الجبين الذي يعتقد أنه من المفروض أن يصمم الغلاف شخص يمتلك القدرة على فهم الاتصال البشري وهذا مهم جدا لأنه لا ينبغي أن تكون الكتب منفرة ولاسيما إننا أمة لا تقرأ كثيراً فلا يجب أن يضاف لذلك أن تكون الأغلفة تحصيل حاصل فتكون غير جذابة بصرياً لأن الكتاب سلعة بالنهاية يقول الجبين.. فن الاتصال البصري علم قائم بحد ذاته للفنون الإنسانية وعلى مصمم الأغلفة أن يدرك تماما معنى أن يكون الكتاب جذاباً ويدفع القارئ إلى الاقتراب وشراء هذه السلعة وإما أن يكون منفراً فيكسد الكتاب كأي بضاعة أخرى غير رائجة وفي صالح دور النشر أن تدرك معنى أنها مؤسسات تعمل لتربح ويجب عند اختيار المادة أو السلعة التي ستباع أن تختار اسم الكاتب والمادة وشكل الكتاب والمطلوب من دور النشر الانتباه إلى هذا الأمر لأنه هو الوحيد الذي سيساعد على إنجاح عملية البيع والتلقي عند القارئ.

ويفترض أن يكون العنوان على غلاف الكتاب كمدخل لقراءة النص لكن معظم الفنانين التشكيليين أو مصممي الأغلفة يذهبون إلى التزيين وأن يكون الغلاف درجة أولى تحاول أن توقع بصر القارئ على الكتاب أي أنها تحاول أن تقدم صدمة بصرية لكنها على الغالب تقع في البشاعة وليس الجمال هذا ما يراه الناقد أنور محمد الذي يقول إن الغاية كما درج في أذهان الكثير من مصممي الأغلفة أن يكون فخا لاصطياد القارئ ودائما يفترض أن تكون الأغلفة عتبة أولى في الكتاب وتقوم بعملية جذب حقيقي وليس نبذ القارئ لشراء الكتاب.

ويضيف.. تتدخل على الأغلب دور النشر بطباعة أو تصميم هذا الغلاف ويندرج ذلك في إطار الفن التشكيلي الصناعي لأنهم يتعاملون مع الكتاب كبضاعة يفترض أن تجذب إليها المستهلك أي القارئ لذلك هناك ورشات عمل تقوم على صناعة الأغلفة ودور النشر الأوروبية تهتم كثيرا بالغلاف وتتعامل معه على انه عتبة أولى لدخول الكتاب ولقراءة النص أما دور النشر العربية فهي لا تفكر بالطريقة نفسها التي يفكر فيها صانع الكتاب الغربي بينما يرى الأوروبيون الذين وظفوا أموالهم في صناعة الكتاب أنها صناعة رابحة وعلى الغالب كل الأغلفة لا تتطابق في تصميمها حتى في إطار التزين أما في المؤسسات الرسمية واتحاد معظم الأغلفة لا علاقة لها بالكتاب.

ويضيف.. يفترض بدور النشر إن تتعاقد مع فنان تشكيلي مختص بالرسم ويعرف كيف يقرن بين لونين أو يصنع ضربة فرشاة فيها شيء من الجمال حتى لو ضرب لونين من الأحمر وينبغي أن تكون لديه أحاسيس كبيرة من المسؤولية بأنه صانع الجمال وسوق له نحن كمواطنين كمستهلكين للكتاب لا احد يحترم ذائقتنا البصرية بالتالي حتى حاسة اللمس أيضا التي تصطدم بخشونة الكتاب فيقدم ورقا رخيصا جدا.

بدوره يرى سعيد البرغوثي مدير عام دار كنعان أن الكاتب قاصر عن اختيار الغلاف المناسب لكتابه لان اختيار الغلاف وتصميم الغلاف توافق أو تماهي الغلاف مع داخله هو أمر على درجة كبيرة من الأهمية وهذا يعود عمليا إلى الاختصاص حيث أن الكاتب اختصاصه ان يكتب في موضوع ما سواء أكان موضوعاً أدبياً أم فكرياً أم بحثياً... لكنه لا يملك الموهبة ولا القدرة ولا الاختصاص على تصميم الغلاف.

يقول البرغوثي: إن معظم الكتاب لا يملكون القدرة على تحقيق وتصميم الغلاف الذي يريدونه ولكن أحيانا يتدخل بعض الكتاب لإعطاء أفكار ما حول غلاف ما ونحن كناشرين بطبيعة الحال نعتد بهذه الأفكار ونأخذها على محمل الجد ونناقش الكاتب فيها قد لا نتفق وقد نتفق معه وأحيانا يصل الأمر أنه إذا أصر كاتب ما على غلاف ما فقد لا نضع اسم دار النشر على الغلاف.

ويضيف: الغلاف هو الإطلالة الأولى للقارئ التي تحدد موقفاً مبدئياً بالنسبة له ليقتني الكتاب أو لا يقتنيه فالغلاف قد يكون محرضا بشكل إيجابي أو على العكس قد يكون منفراً لافتاً إلى أن الغلاف بالنسبة للناشرين المعنيين بالنسبة للكتاب من ناحيتين جمالية وموضوعية.. الناحية الجمالية تحفز المتلقي أو القارئ على اقتناء الكتاب والناحية الموضوعية من جهة أخرى أن يكون هذا الغلاف يعبر بشكل ما عن مضمون الكتاب.

ويوضح البرغوثي إن من تعاملت معهم من الفنيين المعنيين عمليا بتصميم الكتاب في دار كنعان هم معنيون تماما بمعرفة مضمون هذا الكتاب لكي تكون هذه المعرفة هي التي تأخذ بيدهم وتساعدهم على تصميم غلاف يتفق ويتماهى مع مضمون الكتاب ثم يأتي بعد ذلك المضمون فإما أن تنشا علاقة عابرة وآنية وإما أن تنشا علاقة دائمة حيث ينظر المتلقى إلى الغلاف فيستهويه وينتقى ذلك الكتاب ثم يدخل إلى المضمون وإما أن يترك هذا الكتاب ولا يقرؤه أبداً أو أن تنشأ معه علاقة موسمية أو دائمة وإنما لم ينشأ هذا بالمطلق من الغلاف فقط فهناك الدعاية والمخزون المعرفي عند هذا المتلقي الذي رأى هذا العنوان واستهواه وذهب إليه.

ومن الناحية العملية يبدي بعض الكتاب ملاحظاتهم عن الخيارات التي يقدمها مصمم الدار لكن القرار الأخير ينبغي أن يعود للناشر كما يرى البرغوثي لأن الناشر يمتلك الخبرة بموضوع الغلاف والمسؤول الفني يعطي الخيارات وأنا أناقشه فيها وعلى الغالب نلتقي مع العلم أن مهمة تصميم الكتاب لا تعود فقط إلى الفنانين التشكيليين.

يقول مدير دار كنعان للنشر.. إن الفنانين التشكيليين لهم مهمات ابعد من ذلك بكثير على أهمية تصميم الكتاب حيث أن هؤلاء الفنانين يذهبون بأعمالهم أبعد من تصميم غلاف كتاب وإن كنت استعنت ببعض الفنانين التشكيليين وأرى أنهم تواضعوا عندما وافقوا على تصميم غلاف كتاب لان تصميمه لا يرتقي على أهميته إلى سوية العمل الفني في حين أن غلاف الكتاب هي غاية جمالية وتعبيرية وإيحائية توحي بشيء ما عن مضمون هذا الكتاب وبالتأكيد أن معظم أغلفة الكتب التي تصدر لا تعبر عن مضمونها فهناك دور نشر تهتم بهذا الجانب وهناك دور نشر لا تهتم بذلك لان تصميمالغلاف هو مكلف عمليا.

ويضيف البرغوثي: أنا كصاحب دور نشر رغم كل المخزون المعرفي الذي لدي لا ادخل بنص الكاتب وليس لي الحق أن ادخل .. لي الحق بان اقبله أو ارفضه والكاتب نفس الشيء ليس له الحق بالتدخل بمعنى التدخل ولكن نحن نرى انه لا مانع من تبادل الآراء في الموضوع أما انه لا بد من أن يأخذ رأيه بالغلاف غالباً أن معظم الكتاب الذين تدخلوا في أغلفة كتبهم للأسف كان تدخلهم مردوده سلبياً وهذا لا يعيبهم لأنه ليس من اختصاصهم.. لا يعيبهم على الإطلاق.


سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق