في محطة قطار حلب يعمل وفي محطة الفن الإيمائي يبدع

25 كانون الثاني 2011

نجدت إسماعيل كلّسلي في حوار خاص مع «اكتشف سورية»

الفن الإيمائي هو الفن الذي تعجز من خلاله الكلمة عن تقديم المعنى، ولذلك كانت لغته هي اللغة العالمية التي استطاعت أن تدخل قلوب الناس من دون وسيط، فهو فن كفن الموسيقا والفن التشكيلي، هو لغة الجسد الذي تعجز لغة غيرها عما تقدمه من معانٍ ورموزٍ ودلالات.

وفي هذا الفن يعمل فنانون قليلون، إذ ليس من السهل أن ترسخ صورة فنان في أذهان الجماهير من دون أن يكون قد أبدع فيما قدمه لها من مشاهد تبقى راسخة في الذاكرة، فن التمثيل الإيحائي أو فن التمثيل الصامت هو ما يسمى بالـ (بانتوميم)، ويعود أصل هذه الكلمة إلى اللغة الإغريقية، وهي مشتقة من كلمتين (panto) وتعني كل شيء، ومن كلمة (Mimeomai) وتعني أقلِّد، ومن مجموع هاتين الكلمتين انبثق مصطلح البانتوميم أو فن التمثيل الإيمائي الذي يعني فن التقليد أو فن المحاكاة لكل ما تحتويه الحياة.

وفي حلب فنان عرفته الجماهير من خلال برنامج «الكاميرا الخفية» وهو أول من أدخل فن الإيماء في مشاهد الكاميرا الخفية في سورية، يعمل الآن موظفاً في الخطوط الحديدية السورية في محطة قطار حلب، وربما أتاحت فرصة احتكاكه بالناس من خلاله عمله في المحطة أن يبتدع مشاهد خاصة بأجواء المحطة وبالمسافرين، ولذلك لم يستقل هو قطار السفر، بل ترك المسافرين هم الذين يستقلونه فيما بقي هو في المحطة ليستقل قطار فن الإيماء.

نجدت إسماعيل كلّسلي الذي اتخذ فن الإيماء موهبة له، و شارك في برامج الكاميرا الخفية في سورية بداية مع الفنان زياد سحتوت، التقاه «اكتشف سورية» ليتحدث قائلاً: « أنا إنسان يعشق التمثيل وخاصة مدرسة التمثيل الإيمائي التي انطلقت بها منذ صغري وبقيت دفينة بداخلي، ألا وهي مدرسة الفنان العالمي شارلي شابلن، أحببتها لأنها تنطق بلغة الصورة وهي التي أوصلت رسالة جميلة إلى العالم بغض النظر عن اللغات، فالحركة التي تصدر عن الإنسان ووصلت إلى الإنسان تكون لها الأفضلية، فللغة دورها وللحركة الإيمائية دورها أيضاً، لأن رسالتها تكون إيمائية تنطق بها الصورة والجسد، وهي رسالة سريعة الوصول، لا تحتاج إلى بريق ولا إلى إشعال نار، وهي اللغة التي أحببتها لأنها وصلت إلى قلبي من خلال شارلي شابلن وحركاته، فأصبح لديّ ردة فعل، وبعد مرور سنوات عديدة فوجئنا بأن الفنان العالمي مستر بن عندما انطلق ودخل إلى قلوبنا كان من خلال الإيماء، فأصبح عندي ردة الفعل بأن لدي المقدرة على اقتحام هذا العالم من خلال الإيماء، فمثلما أوصل شارلي شابلن رسالته وأضحكنا، كنت أتمنى إضحاك الناس، بدأت منذ الصغر بتقليد حركات الأقارب والأهل، وكان يقال لي بأن هذه الحركات غير لائقة اجتماعياً، ولكنني كنت أعتبرها فناً لا حدود له.


الفنان نجدت إسماعيل كلّسلي

أعمال الفنان شارلي شابلن استوعبتها كأفلام ودرستها دراسة خاصة، من خلال أن لكل حركة دلالتها، فحين أنظر إلى الساعة فهذا يعني أنني متأخر، وعندما أضع يدي على رأسي فهذه تحية، وعندما أمشي بسرعة يعني أنني قلق فدرست رموز الحركات، فالفن الإيمائي منذ أن خلقت البشرية كان هو المتداول بين البشر قبل ظهور اللغة، وكثيرون من الأدباء خطوا هذه الخطوة ليوصلوا رسائل عديدة من خلالها.

أما أنا فقد انطلقت بالفطرة وباجتهادي الشخصي، فليس هناك من يسعى لتدريس هذه اللغة، فالمنتج يقول لا أقوم بتدريس هذا الأمر أريد شيئاً يباع في السوق، ولذلك عندما أردت عمل شيء من شارلي شابلن أو شيء من كوميديا، وجدت أن برنامج الكاميرا الخفية هو الأقرب وسيلة لدخولي هذا المجال، فانطلقت مع الأستاذ زياد سحتوت الذي تشرفت بمعرفته والذي أكن له الفضل والاعتزاز في هذه الخطوة التي مشيتها معه، إذ أمسكني من يدي ليقدمني إلى الجمهور من خلال بعض المشاهد التي اخترتها أنا بنفسي.

ففي البداية كان برنامج «منكم وإليكم والسلام عليكم» الذي قدّم في عام 1986 ، ثم برنامج «طنّة ورنّة» ثم «طوشة ولوشة» فبدأت معه عبر هذا البرنامج الأخير، وطلبت منه أن أقدم شيئاً خاصاً بي كحركات إيمائية، لأنني أحب أن أقدم لغة شارلي شابلن، فساعدني الأستاذ زياد كثيراً وقدم لي ثلاث كاميرات من خلال المشاهد الأولى وكانت تجربة جميلة بالنسبة لي، هذه التجربة التي لفتت نظر الكثيرين، ففتح لي المجال ووقف مشرفاً عاماً على المشاهد التي قدمتها، وأنا أعتز بهذا الإشراف لأنها كانت الخطوة الأولى في هذا العالم الجميل، ثم تابعت معه في برنامج من هون لهون وتتابعت البرامج، وشعر الناس أنني قدمت أشياء جميلة».

وعن الغرور الذي قد يصيب الفنان
يقول: «لست مغروراً وأنا في الأصل هاوٍ، ثم تابعت في العمل بهذه البرامج وكان برنامج نقطة انتهى الذي أخذت فيه دور البطولة، وقد أعدّه رضوان قنطار وأخرجه هيثم حمّود، فيما كان مقدم البرنامج الأستاذ الكبير سمير غانم وعبر ثلاثين حلقة، وكان العمل مشتركاً "سوري مصري أردني لبناني" ثم طلب مني الأستاذ طارق مرعشلي المشاركة في برنامج للكاميرا الخفية، واسمه اليوم يومك وقد قدمته الفنانة ناهد حلبي وعرضته القنوات الفضائية، وقد لعبت فيه دور الرجل الأجنبي ودور المخرج ودور الطبيب، ودور التاجر الذي لا يهمه سوى سعادته الشخصية لكل قصة حلقة، وكان العمل ناجحاً نوعاً ما وقد قدمت في هذه الأدوار كل ما أملك من طاقة.
ثم كان برنامج صار لازم نضحك لقناة الديرة الفضائية، طلبه مني الأستاذ مازن السعيد، فعملت فيه معداً ومخرجاً وممثلاً، وقد اشتغلت معي فيه الفنانة اللبنانية سيليسيا حجل، والفنانتان هناء محمد، وسيدرا محمد علي، وهناك بعض المشاهد القصيرة لمواهب صغيرة أحبت أن تعمل معنا، وقد تم التصوير في شوارع مدينة حلب، عبر مشاهد مضحكة جميلة، وفي بعض الأماكن التي تحمل صبغة خاصة كعيادة طبيب أسنان.

العمل جديد وقد اشتغلنا الجزء الثاني منه الذي تم تصويره والتجهيز لتسويقه، هذا العمل في جزئه الأول كان ناجحاً جداً والرهبة التي عشتها من خلاله كانت كبيرة جداً، كما تم العمل أيضاً على الجزء الثالث منه وبقي عرضه على إحدى القنوات الفضائية».

وعن البدايات الفنية
تابع قائلاً: «انطلقت من المسرح الشبيبي عبر مسرحية ليلى والذئب، وبعد الدراسة الثانوية دخلت مجال الوظيفة فعملت في مطار حلب مضيفاً جوياً، ثم عملت في مؤسسة السكك الحديدية للشبيبة فضل كبير علي، فقد صقلت موهبتي وأوصلتني إلى مرحلة الاحتراف، فأدخلتني في عالم الهواية التي أحبها، والتي مستعد لتقديم كل ما لديّ من أجلها».

أما عن صعوبات العمل مع شركات الإنتاج
يقول: «تفرض شركات الإنتاج شخصيات نسائية ليس لديها الهواية ولا الموهبة، مما يفرض على العمل صعوبات كبيرة في طريقة التعاطي معها وفي عدم استيعاب ما يقدم لها من أدوار، لقد اخترت لنفسي فريق عمل مميزاً أعتز به وبموهبته الفنية، ومنهم الطفلة سينتيا ميخانجي ذات الموهبة الجميلة التي صورت معي مشاهد رائعة حقاً، إذ أظهرت موهبتها في المشاهد الخاصة بها بشكل عفوي وتلقائي وببراعة فائقة».

وعن تشابه بعض المواقف الهزلية الكوميدية التي تقدمها البرامج العربية مع بعض المشاهد التي تقدمها البرامج الكوميدية الغربية
يقول: «هناك مناخ متطور وهناك مناخ متأخر، ومن الممكن أن نجد عبقرياً هناك وعبقرياً هنا قد يكون الغرب هم السباقون في هذا المجال ولكن ما نقدمه لا يمكن غض الطرف عنه، لأن فيه الموهبة والابتكار والتجديد والإبداع، لقد سبقتنا القنوات الفضائية الغربية في تقديم هذه البرامج ولكننا لم نكن مقلدين أو محاكين لما فعلوه، إذ أن ما نفكر به هو كيف ندخل قلوب الناس على مختلف شرائحهم عبر المشاهد التي نقدمها لهم، فالكوميديا ليست خاصة بعالم دون آخر هي ليست وقفاً على العالم الغربي دون العربي، وما نقدمه في قنواتنا العربية لا يقل مستوى عما يقدمه الغرب، ومن السهل أن نجعل الناس يبكون ولكن من الصعب جداً أن نجعلهم يضحكون، وإن أردت إضحاك الناس فعليّ أن أعرف ما الذي يضحكهم وما الذي يبكيهم».

أما عن اختيار أفكار المشاهد الكوميدية
فيتابع كلّسلي: «هناك الكثير من القصص التي تصلح لأن تكون مشاهد تلفزيونية كوميدية هذه القصص تعتمد على النكتة السريعة، فخير الكلام ما قل ودل، فنعتمد على تقديم العبرة في النهاية من خلال كلمة أو موقف ما. فالطرفة السريعة والإبداع في تقديم الفن الإيمائي هو ما نعتمد عليه».

وفي النهاية سألناه عن المشروع الحلم، أو الأمر الفني الذي يتطلع إليه نجدت كلّسلي هل هو الشهرة أم المال
قال: «ما أود الوصول إليه هو التعب، أن أجد ثمرة تعبي الذي أبذله في عملي، لا أريد مالاً وإنما أريد تعباً، فعندما أكون سخياً في تقديم تعبي في العمل الذي أقوم به أكون قد حققت ما أريد، وعندما يقضي الإنسان عمره في الكاميرا الخفية ويجمع في النهاية ما يقارب سبعة أو ثمانية ملايين، ويأتي لطلب مليون في عمل ما يكون رخيصاً في نظر الناس، لأن الفنان لا يقدر بما يتقاضاه من مال، وإنما بما يقدمه للجمهور وعلى سبيل المثال تقاضى أحد الفنانين المصريين الذين عملوا معنا في الكاميرا الخفية مبلغ ثلاثة ملايين من كاميرا قناة الديرة، فيما تقاضى نجدت كلّسلي ثلاثمئة ألف وفي النهاية هو ظهر في العمل وأنا ظهرت في العمل، فما أسعى إليه ليس المال إنما الدخول إلى قلب الجماهير».


بيانكا ماضيّة – حلب

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

الفنان نجدت إسماعيل كلّسلي

مشهد تمثيلي للفنان نجدت إسماعيل كلّسلي

مشهد للفنان نجدت إسماعيل كلّسلي

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

مراد المراد:

ليس الايماء لغة عالمية فقط بل هو فن الذواقين المرهفين ومع تقديري واعجابي لكل ما قدمه الاستاذ نجدت إلا أنه لدي أمنيتان:
الأولى هي :أن تتبنى القنوات السورية رعاية هذه الظاهرة و تشجيعها بقوة لأنها حالة فذة وفريدة
الثانية هي :أن يقوم الأستاذ نجدت بنقل معاناة الجماهير الكادحة من فقراء ومساكين و مبتوري الأذرع والأرجل و الأيدي والجائعين على الأرصفة

سوريا

:

احلى ابو اسماعيل واحلى قرابة

هيزر:

احلى ابو اسماعيل والله رفعت راسنا

syria