تدمر والسهوب السورية

28 حزيران 2007


وادي القبور في تدمر

تدمر واحة على أطراف الصحراء العربية، في منطقة تعتبر قاحلة وتتسم بوجود السهوب الصحراوية (البوادي) وتبعد تدمر 200 كم تقريباً عن حوض الفرات وعن الساحل السوري، وتعتبر نقطة هامة على الطريق التي تصل بلاد الرافدين والبحر الأبيض المتوسط، كما تمثل تناوباً من الصحراء إلى الطريق الطبيعي لحوض الفرات، طريق أطول ولكنها أسهل وذلك بفضل وجود نهر الفرات وأراض زراعية وقرى آهلة.

وهنا نريد أن نشير إلى الظروف الجغرافية لهذه الواحة مع التركيز على المعطيات الجيولوجية والبنيوية، كذلك على الظروف الجوية والمائية في الحاضر والماضي.

التضاريس والبنية:
من الناحية البنيوية تقوم منطقة تدمر في موقع متوسط بين السلسلة الجبلية المتموجة الحديثة التي ترسم القوس الكبير لجبال طوروس وزاغروس من الشمال إلى الشرق من جهة، وبين الصفيحة العربية الصلبة المائلة من الشرق إلى الجنوب من جهة أخرى. وهي شاهدة على الأحداث التي أثرت على منطقة العبور هذه.

تمثل سلسلة الجبال التدمرية شكلاً محدباً، ضيقاً، مائلاً ومتصدعاً مفصولة عن بعضها البعض بطيات عريضة ومقعرة، وهي تتفرع من سلسلة جبال لبنان الشرقية وجبال القلمون وتمتد على شكل قوس تقريباً باتجاه جنوبي غربي وشمالي شرقي إلى نهر الفرات عبر جبل بشري.

ومن المحتمل أن الحركات الأرضية التكتونية مازالت تتلاحق لحد الآن. والجفاف يساعد على التفرد وتشكل المنخفضات المغلقة، الشيء الذي يميز المناطق الجافة، وكذلك المناطق المروية نسبياً مثل جيرود. التركيب العام هو نفسه في جميع المناطق يجمع بين التضاريس والسهول الجبلية والمنخفضات المغلقة. وتبدو التضاريس على شكل جبال كلسية أو مارنية في السفوح الجرداء التي تغطيها الطبقات الصخرية وتخترقها الوديان المنخفضة ومقطعها الطولي ممتد جداً.

في أسفل هذه الجبال تنتشر منحدرات واسعة وسهول جبلية صخرية مغطاة بالحصى. تكونت من سيلان مياه جوفية شكلتها التضاريس. وتمثل مقطعاً عرضياً مقعّراً مع انحدار قوي في البداية ثم ما يلبث أن يخف باتجاه الأسفل تخترقه قنوات المياه. وهنا يبدأ تدريجياً تجمع المياه بمقطع مقعّر ومحدد: وتقل الترسبات شيئاً فشيئاً باتجاه الأسفل (رمال ثم طمي). وأخيراً يتحول أسفل الحوض إلى سبخة مسطحة وصلصالية ووسخة وخالية من الزرع تتجمع فيها المياه في الشتاء حيث يتراكم فيها الملح على مر السنين.

والتركيب الذي نلاحظه على أطراف الصحراء في سورية والأردن على حد سواء (Besançon et al…, 1989) هو ما يميز خصوصاً حوض تدمر الواسع الذي تشغله سبخة كبيرة مساحتها 330 كم مربع وارتفاعها 364 متر. وتكون هذه السبخة راكدة خلال الشتاء، وبدون شك تستثمر ملوحتها منذ زمن بعيد. والعتبة الطبوغرافية التي تفصلها نحو الشرق على خط طول جبال آرك من حوض الفرات لا يتجاوز ارتفاعها 410 متراً.

حوض جيرود عالٍ وأصغر كثيراً ومن نفس النموذج بسبخته اللامعة بالملح وكثبان الطمي النقية (Abdul-salam, 1996). وبالمقابل نجد منخفض الكوم أكثر تعقيداً لأنه ليس مغلقاً بالكامل وتتلاشى منه كتلتان: وادي فتايا في الشرق يلاقي وادي مقيبرة ووادي عويج في الغرب الذي يتجه مباشرة نحو الشمال باتجاه الرصافة. إن جزءاً من الماء النازل على البركة يبقى فيها ويتجمع في السبخة الكبيرة على عمق 420 متراً. ولكن الأملاح لا تتراكم فيها بسبب النقل الريحي المستمر للجزيئات الناعمة. وبشكل موازٍ لمنخفض تدمر وأكثر ارتفاعاً منه يمثل الحوض الواسع والممتد من الدوّ نموذجاً آخر لأحواض تجمع المياه.

ومع أنه هناك وديان عديدة آتية من الجبال المجاورة تتلاقى فيها ولكن لا تشكل فيها أية ترسبات لسبخة، بالرغم من وجود بعض التجمعات الصغيرة لمياه الفيضانات في الأجزاء الأكثر انخفاضاً. وهذا يعود لترشح المياه السريع التي تساهم في تغذية ينابيع تدمر (Safadi, 1954) الحارة والكبريتية كينابيع السُخنة، فالمياه المترشحة تعبر طبقات كلسية طباشيرية وعندما تصل إلى عمق كاف عابرة لطبقات تصبح فيها المياه ساخنة ومعدنية (Ponikarov, 1960).

إن التركيب العام الطييّ واحتمال استمرار التغيرات، على القشرة الأرضية من جهة وعلى المناخ الصحراوي السائد من جهة أخرى يمنع الوديان من التفرق نحو الخارج ويسهل تلاقيها نحو حوض الفرات، حتى هنا حيث عائق التضاريس ليس مهماً جداً كما في شرق تدمر.

وعلى العكس تماماً فإن الشبكة الهيدروغرافية أدت إلى متابعة عدم استقرارها وإلى تجزأتها إلى قطع كل واحدة مستقلة بحد ذاتها نسبياً وتنتهي كل واحدة بنصف سبخة حيث توضع مياه الفيضان الرمال والطمي. وعلى عكس ما نعتقد لا يوجد هناك اتجاه عام لردم هذه المنخفضات لكن الريح تحمل تدريجياً الجزيئات الناعمة، حتى عوامل التعرية تحملها أحياناً. وعمق الأحواض ينخفض تدريجياً عقب فعالية الحت الريحي.

مع هذا من الممكن أن يتشكل مؤقتاً سير جزء من الشبكة الهيدروغرافية غير المنتظمة بسبب هطول الأمطار الهامة التي تنشأ من جراء رطوبة المناخ. ومن جهة أخرى يوجد غالباً جريان تحتي في أعماق الوديان، مع أنه ضعيف وبطيء إلا أنه كافٍ لدفع الناس مبكراً لحفر الآبار فيه.

كما يوجد في المنطقة طريقتان للتزود بالماء، فالينابيع غالباً ما تكون حارة وكبريتية تتغذى من طبقات المياه العميقة خلال تقدمها البطيء والمعقد من جهة، وطبقات المياه الناتجة عن الجريان الحتي للوديان التي تتغذى من مياه الأمطار التي ترشحت عبر الطمي والذي يسير ببطئ نحو الأسفل، والتي يمكن الوصول إليها عبر الينابيع من جهة أخرى.

لقد سمحت الينابيع التي تتغذى من طبقات المياه العميقة بإقامة تجمعات حضرية في السُخنة وتدمر بينما الينابيع المرتبطة بتجمعات المياه التي تعتمد على الجريان الحتي لمياه الوديان ساعدت على تكوين خط سير للقوافل التي تأخذ أحياناً مسار الوديان بين تدمر وحوض الفرات (Poidebard, 1934).

كما تقدم الوديان ميزة أخرى، فالترسبات تكون هناك سميكة وطينية بحيث تتجمع المياه فيها خلال الفصل الممطر وتبقى الأرض فيها رطبة وقتاً أطول من أي مكان آخر. وممكن أن تتم زراعة الحبوب في السنين ذات الأمطار الجيدة بالرغم من ضعف معدلات الهطول.

معطيات مناخية:
خلال 43 سنة من المراقبة (1946-47، 1988-89) سجلت منطقة تدمر معدلات هطول سنوية تقدر بـ 136.7 مم خلال 43.2 يوم ممطر (Traboulsi, 1991) وتتركز هذه الهطولات من شهر تشرين الأول إلى شهر أيار، بينما في الأشهر الصيفية (من حزيران إلى أيلول) هناك جفاف تام. ومن جهة أخرى يمثل مستوى النظام السنوي معدلين مرتفعين للهطول يقعان في شهري كانون الأول ونيسان خصوصاً تفصل بينهما هطولات خفيفة في شهر شباط (الصورة 3). في الواقع يختلف توزع الأمطار من سنة لأخرى.

وتعتبر السنتان الممطرتان (1968-1969 و1971-1972) سنوات رطبة ولكن لكل شهر فيهما نسبة هطول مختلفة عن الآخر. ونلاحظ خلال هاتين السنتين تفاوتاً في معدلات هطول الأمطار من شهر في بداية الفصل الممطر وشهر في نهايته. ومن جهة أخرى فقد كان لسنة 1971-1972 معدل هطول مرتفع في شهر نيسان بينما سجلنا معدلين هطول مرتفعين في سنة 1968-1969، الأول مرتفع جداً في شهري كانون الأول والثاني، والثاني أقل منه أهمية ويقع في شهر آذار مع معدل هطول منخفض نسبياً في شهر شباط.

في الواقع يمكن أن نحصل على معدل الهطول المرتفع في أي فترة من الفصل الممطر ولكن مع تواتر شديد في شهر كانون أول وكانون الثاني من جهة وشهري آذار ونيسان من جهة أخرى. خلال 43 سنة من المراقبة حصل ارتفاع في معدلات الهطول خلال الشتاء 18 مرة (42% من حالات ارتفاع معدل الهطول: 10 مرات في شهر كانون و7 مرات في شهر كانون الثاني ومرة واحدة فقط في شهر شباط). وحصل ارتفاع في معدلات الهطول 19 مرة في الربيع (44% من الحالات: 8 مرات في آذار و10 مرات في نيسان ومرة واحدة في أيار) و6 مرات في الخريف (4% من الحالات: 5 مرات في تشرين الثاني ومرة واحدة في تشرين الأول).
نلاحظ في هذا الترتيب التنازلي: تساوي شهري كانون الأول ونيسان (10 مرات) ثم آذار (8 مرات) ثم كانون الثاني (7 مرات) ثم تشرين الثاني (5 مرات). يرتبط معدل الهطول المرتفع الأول (كانون الأول ـ كانون الثاني) بنماذج من المناخ غير منتظم الهطول في الشتاء في هذه المنطقة (نماذج من المناخ في الشمال والغرب والجنوب الغربي). بينما نجد أعلى معدل هطول في الربيع في سورية عندما نتجه إلى الشرق وذلك بسبب تواتر نماذج من مناخ "البَرَد" على مر الفصل، إن توضع جبهة من الهواء البارد فوق المنطقة الحارة يولد عدم الاستقرار وينتج عن ذلك أمطار رعدية. وخلال الفترة الواقعة بين 1961-1975 (Traboulsi, 1981) حصل 56.2% من نماذج مواسم البَرَد في الربيع.

في الواقع إن النظام الوسطي نظام نظري ففي القياس نجد اختلالاً في معدلات الهطول على مر الشهور مما يخلق ظروفاً مختلفة جداً من سنة لأخرى. طغت خلال سنوات الجفاف ظروف التصحر على الجزء الأكبر من سوريا ففي عام 1972-1973، فعلى سبيل المثال، تلقت المناطق الواقعة على أطراف البلاد فقط كميات هطول من الأمطار أكثر من 150 مم أقصى الشمال الشرقي وأقصى الجنوب الغربي والشمال الغربي (في الغرب على محور السلمية ـ حلب). إذاً تقع منطقة تدمر بين خطي التماطر 25 و50 مم حيث لا تتلقى أكثر من 30مم في الأمطار. وبالمقابل وخلال سنة رطبة (ممطرة) يتلقى جزء كبير من البلد أكثر من 250مم من الأمطار. ففي عام (1966ـ1967) على سبيل المثال سجلت منطقة تدمر 114.2 مم حيث زُرعت مساحات واسعة من الصحراء، ونسبة الهطول في تلك السنة لم تكن أعلى نسبة هطول عرفتها المنطقة ففي عام 1971-1972 سُجل معدل هطول 257.8 مم وهو رقم قياسي لتلك الفترة الواقعة بين (1946-1988).
ولكن علينا أن نشير أيضاً إلى أهمية هذا التباين الإقليمي والمحلي، ففي سنة واحدة سجلت معدلات هطول سنوية مختلفة في مناطق قريبة نسبياً كما في مدن تدمر وحماه والحسكة. فالخط البياني للفروق الطبيعية يشير أنه في سنة (1966-67) هطلت أمطار جيدة في حماه وأمطار خفيفة في الحسكة في حين كانت الأمطار قليلة جداً في تدمر (الصورة 7). وسنة 1973-1974 كانت قاحلة في حماه وهطلت أمطار خفيفة في الحسكة بينما هطلت أمطار غزيرة في تدمر.

وهذه الفوارق الإقليمية مرتبطة بنماذج المناخ غير المنتظم، يتغير تواترها من سنة لأخرى حسب فعاليات مراكز الحركة الديناميكية والحرارية التي تتحكم بها. ومع هذا فإن كمية الهطول المولدة من نماذج المناخ غير المنتظمة، مختلفة من محطة لأخرى حسب عدة مقاييس للضغط الجوي: تأثيرات مناخية قارية وطبوغرافية... الخ.

تقدر معدلات هطول الأمطار الناتجة عن نماذج مناخ "البَرَد" بـ 21.7% في تدمر و7% في الحسكة و11.8% فقط في اللاذقية وبالمقابل ينتج عن نماذج المناخ في الشمال 31.3% من مجمل المتوسط السنوي في اللاذقية، بينما تنخفض النسبة المئوية بشكل واضح في الشرق: فهي 24% في الحسكة و22.3% في تدمر (Traboulsi, 1981).

إن اختلاف معدلات الهطول على مر السنين (متوسط الفروق بين السنوات المتعاقبة المفصولة عن بعضها بمتوسط عام)، كبير جداً في تدمر (50%)، كذلك اختلاف معدلات الهطول على مر الشهور وخصوصاً خلال الشهور الانتقالية (107 إلى 200%) حيث تكون هطولات الأمطار في هذه الفترة من السنة مهمة جداً للمحاصيل الزراعية. عموماً لا تتأثر منطقة تدمر كثيراً من سنوات الجفاف كذلك بقية أجزاء سورية (تنحصر في 3 أو 4 سنوات جفاف).

على عكس منطقة السهل حيث تطول سنوات الجفاف والنتيجة تكون أكثر دراماتيكية (18 سنة جفاف متوالية). (B. Fontaine, 1991)، حيث تحصل الهطولات في الصيف وتكون درجة الحرارة مرتفعة جداً؛ لكن في سورية على العكس فالنظام المغياثي الشتوي يتبع درجات الحرارة المنخفضة مما يساعد على تكوين مخزون من المياه الجوفية في باطن الأرض.

ويمثل النظام الحراري السنوي المتوسط أدنى معدل هطول وذلك يعود إلى الفترة الممطرة من حيث فعالية الهطول وأعلى معدل هطول صيفي وذلك يعود إلى الجفاف المطلق. تتمثل الفروق الحرارية الكبيرة بالتفاوت الحراري السنوي: هناك 22.2 ْ درجة مئوية فرق بين متوسط حرارة الشهر الأكثر حرارة في السنة والشهر الأكثر برودة في السنة. فالشتاء بارد بشكل عام ومتوسط درجات الحرارة الصغرى فيه تقدر بـ 5 ْ درجات مئوية خلال الثلاثة أشهر التالية: (كانون أول ـ كانون الثاني ـ شباط). يقدر متوسط درجة الحرارة في شهر كانون الثاني بـ 2.4 ْ درجة مئوية، البرد (To ≤ 0) مهم نسبياً ويقدر بـ 17.4 يوم بالسنة موزعة من شهر تشرين الثاني إلى آذار مع تواتر كبير في شهري كانون الأول وكانون الثاني كذلك عدم انتظام أيام سقوط البرد على مر الشهور مهم أيضاً: فأيام سقوط البرد الأولى تبدأ عموماً في نهاية شهر تشرين الثاني ولكن ممكن أن لا تحصل إلا في نهاية الخمس الأخير من شهر كانون الأول وممكن أن تحدث في الخمس الثاني من شهر كانون الثاني وتكون آخر أيام البرد بين الخمس الأول من شهر كانون الثاني ونهاية شهر آذار وذلك حسب السنين (Kerbé, 1979). إن أيام البرد الحادة ليست استثنائية (To ≤ -5o): أحصينا منها وسطياً 0.9 يوم بالسنة (كانون الأول، كانون الثاني، شباط). وسجل أدنى معدل حراري في شهر كانون الأول 8.5 (Alex, 1985). الصيف حار جداً ومتوسط درجة الحرارة العظمى مرتفع جداً، فقد تجاوزت 30 ْ خلال خمسة أشهر ومتوسط درجة الحرارة في شهر تموز يقدر بـ 37.8 ْ. ودرجات الحرارة تبقى تقريباً أعلى من 30 ْ خلال الفصل الحار خلال 149.4 يوم، والأيام التي تكون فيها درجة الحرارة العظمى 35 ْ واردة أيضاً فقد أحصينا منها 89 يوماً بالسنة وسطياً. أخيراً ليست استثنائية الأيام التي تكون فيها درجة الحرارة العظمى 40 ْ درجة مئوية فقد سجلنا منها وسطياً 12 يوم بالسنة موزعة من شهر حزيران إلى شهر أيلول، وسجلت أعلى درجة حرارة في شهر آب 46.5 ْ (Alex, 1985).

وعلى عكس النظام المغياثي، فتفاوت درجات الحرارة ضعيف جداً على مر السنين، كما هو الحال في متوسط درجات الحرارة (4%) كحد ادنى و(7%) أو (6%) كحد أقصى على سلم القياس الشهري حيث تتسع الفروق خصوصاً في الشتاء، ففي شهر كانون الثاني تكون نسبة الفروق في درجات الحرارة الصغرى 73% و25% فقط لفروق درجات الحرارة العظمى. وترتبط هذه الفروق المتعلقة بدرجات الحرارة الشتوية بتعاقب نماذج من المناخ: نماذج مناخ غير منتظمة في الشمال (من المسار القاري) وإعصاري من الشمال الشرقي خصوصاً، مما يولد جبهات هوائية باردة، بينما يحمل المناخ الجنوبي الغربي والغربي وكذلك المناخ الإعصاري الجنوبي الشرقي الى سورية جبهات هوائية حارة نسبياً.

في سورية نجد النظام المغياثي للأمطار الشتوية، مع أعلى معدل للأمطار الذي يميل شيئاً فشيئاً نحو الربيع وتدريجياً عندما نتجه نحو الشرق، مناسب جداً للتجليات وخصوصاً الحبوب (Pabot, 1957). تغطي النباتات الطبيعية في السهوب العشبية التي تكثر فيها النجليات (أصابع العروس، الحلفاء ـ الأرطاسية والحبوب البرية) الوديان والمنخفضات خصوصاً ولكنها تكون منفتحة أكثر على المنحدرات الصخرية، بينما نجد في الجبال المروية جيداً عدداً لا بأس به من الأشجار وخصوصاً الفستق الحلبي. ولكن الإنسان شغلها في وقت مبكر جداً ولحد الآن. إن استثمار هذه المنطقة كثيف جداً اليوم وهو مرتبط بالتكاثر الديموغرافي والتطور الاقتصادي والثورة الصناعية، فاستغلال المراعي وحراثتها وزراعتها بالشعير خلال السنوات الممطرة قلصت الغطاء النباتي وفاقمت من حدة مشكلة تآكل التربة المائي والهوائي إلى درجة أصبح ممكناً معها أن نتكلم عن مشكلة تصحر حقيقي، الشيء الذي يدعو لتحكيم الضمير فالماء والأرض ثروة لا تقدر بثمن مثلها مثل الثروة الأثرية. وإذا كانت منطقة تدمر متصحرة الآن فإنه لدينا دلائل أكيدة من الماضي القريب نسبياً عن وجود فترات ممطرة. كما لوحظ وجود أحجار كلسية بحيرية أو مرتبطة بينابيع حول سبخة تدمر جاثمة فوق العمق الحالي للحوض، ويوجد سلسلتان متوازيتان على التوالي بارتفاع 373 متر و380ـ385 متر أو تدريجياً من 10 إلى 20 متر من العمق الحالي للمنخفض. توجد أيضاً أحجار ترافيرتينية في جبل الكوم وجبال أرك. وعلى موقع تدمر نفسه توجد أدوات أثرية قديمة من العصر الباليوليتي المتوسط والأعلى تنضم إلى أحجار النبع الترافيرتينية، دليل على استثمار الإنسان المبكر لينابيع تدمر. نلاحظ في سلسلة جبال أرك تُرب غني بالصوان المنحوت من العصر الإيبياليوليتي. وكذلك في مسار وادي عيد في واحة تدمر وادٍ يمتلئ بالترسبات الطينية الناعمة، ولكن بتركيبة طبقية معقدة وهو ما يميز فترة من الزمن محتمل أنها كانت أكثر رطوبة من الوقت الحالي، كما سجل مستوى رطب ومظلم في الكربون المشع: 18.900 +/-200 et 19.410 +/-15 ans B.P (Sakguki, 1978) وليس من المستبعد أن تكون هناك فترات ممطرة أقصر وغير ملاحظة في عهود تاريخية أقرب للعصر الروماني. نجد في مقطع أرضي في واحة تدمر طبقة صلصالية وفخارية عضوية سُجلت في الكربون المشع 14C de 1.860 +/-70 et 1.930 +/-30 ans B.P دليل على وجود اضطرابات في درجة الرطوبة التي ممكن أن نتبينها أيضاً في منطقة الجزيرة بفضل علم البالينولوجي (Rosner and Schabitz, 1991). وهذه الفترات الممطرة أدت إلى إشغال المنطقة وإعطائها أهمية سمحت بتقدم زراعة الحبوب وتكثيف الغطاء النباتي وتغذية المياه الجوفية فيها.

وقد تمتع الرومان بشروط مناخية جيدة نسبياً، ولكن من الضروري إجراء أبحاث أكثر اجتهاداً وأكثر منهجية لتأريخ وتسجيل صفات فترات تحسن المناخ لفهم تفاعلها مع المعطيات السياسية والاقتصادية والديموغرافية.


بول ساتلافيل ومريم طرابلسي

الحوليات الأثرية العربية السورية|المجلد الثاني والأربعون|1996

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق

جهينة:

شكرا لانو هاد الشي سهلي الحفظ في البكالوريا

:

لك انا بدي ماالفرق بين السفوح والسهوب الجبلية ليش مابتجاويوني عأد السؤال مشان الله بدي الجواب مع تحيات لارا الشربجي