تل العمارنة
يقع تل العمارنة على الجهة اليمنى من نهر الفرات على بعد 8كم تقريباً إلى الجنوب من مدينة جرابلس الحالية، وأظهرت التنقيبات التي قامت بها البعثة البلجيكية على أن تل العمارنة يضم بقايا أثرية تعود إلى عصر حلف، العصر البرونزي المبكر، العصر البرونزي الوسيط، العصر الآشوري، والعصور الهيلنستية والرومانية والبيزنطية.
يقع تل العمارنة على الجهة اليمنى من نهر الفرات على بعد 8كم تقريباً إلى الجنوب من مدينة جرابلس الحالية، وذلك عند خط العرض 44 َ 36 ْ شمالاً وخط الطول 38 ْ شرقاً. يأخذ هذا التل، الذي يحده من الشمال والغرب وادي العمارنة، شكلاً بيضوياً تقريباً بطول 300م وعرض يقرب من 200م. ويصل ارتفاعه إلى عشرين متراً فوق مستوى المنطقة المحيطة به.
لم يكن الاستيطان في الموقع مقتصراً على التل نفسه وإنما امتد على المسطح ذي التكوين الجيولوجي القديم المحيط به. وقد لفت هذا الموقع انتباه المنقب البريطاني الشهير ليونارد وولي Leonard Woolley حينما كان يقوم مع ت.لورنس T.E. Lawrence (الذي اشتهر باسم "لورانس العرب") بالتنقيب في كركميش خلال الأعوام 1911ـ1914م. حينذاك أجرى ليونارد وولي أولى أعمال التنقيب الأثري في التل، وقام أيضاً بشراء بعض المواد الأثرية لحساب المتحف البريطاني. وكانت هذه المواد مستخرجة بطرق غير شرعية من قبور يعود تاريخها إلى العصر البرونزي القديم، ويفترض أنها جاءت من موقع تل العمارنة.
أما التنقيبات الحديثة فقد شرعت بها، منذ عام 1991م، بعثة آثارية من جامعة لييج في بلجيكا بإدارة أونهان تونكه Ö.Tunca. ويأتي عمل هذه البعثة ضمن مشروع إنقاذ آثار وادي الفرات المعرضة للغمر في أعقاب تشييد سد تشرين في شمال سورية. وقد دلت التحريات الآثارية على أن تل العمارنة يضم بقايا أثرية تعود إلى عصر حلف، العصر البرونزي المبكر، العصر البرونزي الوسيط، العصر الآشوري، والعصور الهيلنستية والرومانية والبيزنطية.
إن بقايا عصر حلف، أقدم العصور الممثلة في الموقع، تمتد بشكل رئيس تحت بستان فستق في شمال ـ شرقي الموقع مما ضيق من مساحة التنقيب الذي يهدف إلى استظهار هذه البقايا. ولم يؤدِ مجس السبر الذي حفر بمساحة 68م2 وبعمق 2ـ4م إلى الكشف عن بقايا بنائية من عصر حلف، واقتصرت المكتشفات على بعض اللقى. ومن أهم هذه اللقى كسرة فخارية تعود إلى ذلك العصر وتحمل رسوماً حيوانية بلون أحمر على خلفية برتقالية اللون.
ومن العصر البرونزي القديم، الدور الرابع، اكتشفت بقايا بناء تضم موقداً، ولكن هذه البقايا تعرضت لتخريب شديد. ومن المكتشفات التي تعود لهذا العصر أيضاً تمثال صغير من حجر الكلس عثر عليه خلال تنقيبات الموسم الخامس، عام 1995م. وعلى الرغم من أن هذا التمثال لم يكتشف في موضعه الطبقي الصحيح، وإنما وجد في الركام الدفني للعصر البرونزي الوسيط، فإن أسلوب نحته وخصائصه الفنية تدل على أن تاريخه يعود إلى العصر البرونزي القديم. يبلغ طول هذا التمثال 17.8سم وعرضه 9.4سم، ويمثل رجلاً ملتحياً. ويظهر التمثال أوجه شبه مع تماثيل عصر في السلالات المعروفة من بلاد بابل ومنطقة ديالى في العراق، وهي التماثيل التي تعود لمتعبدين. وإذا صحت هذه المقارنة فإنها لا تثبت فقط نسبة التمثال إلى العصر البرونزي القديم وإنما تجعل منه أول تمثال لمتعبد يكتشف في سورية من الألف الثالث قبل الميلاد.
وجدت بقايا عدة بيوت في سوية العصر البرونزي الوسيط (النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد)، ولكنها لم تكن واضحة المعالم وخالية تقريباً من اللقى الأثرية. والقطعة الوحيدة الملفتة للانتباه من هذا العصر هي ختم اسطواني يحمل مشهداً يظهر فيه شخصان أحدهما جالس.
وفي موسم تنقيب عام 1998م اكتشفت البعثة الآثارية البلجيكية بقايا بناء كنيسة على بعد 400م جنوب التل. ويتضح من هذه البقايا أن أبعاد البناء كانت 18.5×17.5م، وكان يضم ثلاثة أروقة تظهر فيها فسيفساء جميلة. واستناداً إلى هذه الفسيفساء أمكن إرجاع تاريخ الكنيسة إلى القرن الخامس الميلادي أو بداية القرن السادس الميلادي. كذلك اكتشف ضريح في شمال ـ غربي الكنيسة مشيد بأحجار كبيرة من الكلس الأبيض، ولا تعرف الشخصية التي خصص لها هذا الضريح. كما أنه لم يتم التوصل إلى معرفة الاسم القديم لتل العمارنة.
مراجع للاستزادة:
ـ أونهان تونكه، "تل العمارنة"، معرض الآثار السوري الأوروبي، (دمشق، 1996)، ص 69ـ70.
ـ أونهان تونجا، الوقائع الأثرية السورية، (دمشق، 1998).
- Ö.Tunca, "Tell al-Amarnah", in International Synposium on the Archaeology of the Upper Euphrates, January 28th-30th, 1998.