تل حلف

يقع تل حلف (جوزانا القديمة) الأثري على الضفة الغربية لنهر الخابور، بالقرب من الحدود السورية-التركية، وعلى بعد 3 كيلومتر جنوب غربي منطقة رأس العين السورية.

تم اكتشاف الموقع من قبل العالم الألماني ماكس فون أوبنهايم M.Von.Oppenheim من خلال أسبار أجراها عام 1899، بعد إبلاغ بعض المواطنين له بوجود تماثيل في منطقة تل حلف، وحفريات أخرى قام بها بين الأعوام 1911 و1913 و1927 و1929. وقد دلت التنقيبات الأثرية أن الاستيطان ابتدأ في الموقع منذ الألف السادس قبل الميلاد، ثم أصبح مستوطنة مزدهرة في الألف الخامس قبل الميلاد، قبل أن يغدو في مطلع الألف الأول قبل الميلاد، عاصمة لمملكة بيت بحياني الآرامية والتي تعد الأقوى بين ممالك الشمال الآرامية، وكان اسم المدينة عندها (جوزانا).



وأظهرت الحفريات مدينة تعود إلى العصر الحديدي، لها مخطط مستطيل مساحته (600×300 متر) محاطة بنظام دفاعي من الأسوار المتضمنة أبراجاً ذات مسافات منتظمة. تحيط المدينة الخارجية بالمدينة الداخلية ذات المساحة (150×200 متر)، والموجودة في الجهة الشمالية المركزية، والتي تقوم فيها الأبنية الهامة كالقصر والقلعة.



وقد أمكن حصر فترتين رئيسيتين من استيطان الموقع، الأولى هي فترة تمتد من أواخر الألف السادس قبل الميلاد، وحتى منتصف الألف الخامس قبل الميلاد، وقد وجدت فيها مساكن مستديرة وآنية فخارية جميلة دقيقة ومتعددة الألوان، بينها مجموعة كبيرة مزخرفة بطلاء جميل لامع أقرب إلى التزجيج، مصقولة أو مزينة بأشكال هندسية ونباتية وحيوانية وإنسانية، وهناك أيضاً مجموعة مميزة من الأواني الحجرية والنحاسية والصوانية، وتماثيل مصنوعة باليد. ولتميز المجموعة الفخارية فقد أطلق اسم الموقع على الفخار المشابه أينما وجد، وأصبح يعرف باسم فخار تل حلف، والذي وجد مثيله في مواقع عديدة منتشرة في شمال سورية والعراق وبحيرة وان حتى في قلب القفقاس.

ومن أشهر هذه المواقع السوية الرابعة في رأس شمرة، وتل عربجية وتل ياريم تبة في العراق. وقد عثر على هذه الطبقة على عمق 22 متر شمالي سفح التل.



ويبدو أن الموقع قد تم هجره حتى الفترة الثانية من بداية الألف الأولى قبل الميلاد، عندما أصبح تل حلف أحد الممالك الآرامية في شمالي سورية، وعرف في السجلات الآشورية باسم جوزانا، والتي هي مركز منطقة بيت بحياني الآرامية، وفي القرن الثامن قبل الميلاد أصبحت جوزانا مقاطعة آشورية.



ومن أهم المكتشفات العائدة لهذا العصر بالإضافة إلى المساكن والبيوت، القصر الذي كشف فيه عن نقوش ومنحوتات تعود إلى الملك الآرامي كابارا بن قاديانو، وقد شيد هذا القصر وفق المخطط المعروف بـ"بيت هيلاني" أي البيت العالي، وتألف من قاعة مستطيلة أولى تليها قاعة مستطيلة ثانية هي قاعة العرش، أمامها باحة مكشوفة مسوّرة، لها مدخل ضخم يليه درج كبير من الحجر المنحوت، وتم تزيين المدخل بمنحوتات حجرية ضخمة، ونقوش بارزة، وتتضمن هذه المنحوتات والنقوش جنوداً واقفين بأسلحتهم أو في وضع مبارزة أو صيد حيوانات مختلفة، بالإضافة إلى مخلوقات متمازجة تتضمن شكل الإنسان العقرب، الإنسان السمكة، الرجال الثيران، الأسود المجنحة، وشكل آدمي برأس أسد وغيرها، وتضم النقوش مشاهد الحرب والصيد والطيور، وصراع الوحوش وبعض الكائنات الخرافية، كما تضم مشاهد دينية ومشاهد قرابين، وقد وجد أيضاً مدفن ملكي يحتوي العديد من الأواني والتحف.



لقد نُقلت معظم هذه المنحوتات إلى متحف البرغامون في برلين، وعرضت في جناح خاص "متحف حلف" ورغم تدمير المتحف في الحرب العالمية الثانية، فقد بوشر في السنوات الأخيرة بإعادة ترميم ما تبقى من هذا الجناح، أما المنحوتات الأخرى فهي موجودة في متحف حلب.



تظهر هذه المكتشفات تميز صناعة المنحوتات في تل حلف وشمال سورية، عن فنون باقي المنطقة، وتمتعها بخصوصية لافتة، مما دفع إلى الاعتقاد باختلاف الموروث الحضاري لهؤلاء الفنانين، في فترة ازدهار مملكة بيت بحياني وعاصمتها جوزانا، التي كانت أكبر وأقوى الممالك الآرامية في الجزيرة السورية.