الطيارون الثلاثة الأوائل في حديقة ضريح صلاح الدين

28 04

تجري الآن أعمال تجديد ساحة ضريح صلاح الدين الأيوبي والساحة الواقعة شمال الجامع الأموي، في حي الكلاسّة.
يلاحِظ الزائر أن هناك خمسة قبور تجاور ضريح صلاح الدين عُرّف منها اثنان هما الدكتور عبد الرحمن الشهبندر المناضل السوري الذي اغتيل بيد عملاء الاحتلال في السادس من تموز 1940، والثاني ياسين الهاشمي الذي تولى رئاسة الوزارة العراقية مرتين، وجاء إلى دمشق بعد انقلاب الإنكليز عليه وتوفي في دمشق في السابع والعشرين من كانون الثاني 1937.‏
هناك ثلاثة قبور تدل الشواهد على أنهم من الطيارين العثمانيين، ويزور الزعماء الأتراك هذه القبور حين يزورون دمشق.‏
لا يعرف سوى قلة أهمية هؤلاء الشهداء الثلاثة، ولا سيما أن الجهات المسؤولة عن المكان ولا ندري أهي الأوقاف أم السياحة أم محافظة دمشق، لا تضع لوحة توضيحية تبين أهمية هؤلاء الشهداء.‏
كان لا بد من العودة إلى عشاق دمشق لنعرف نبذة عنهم، وعثرت على طلبي عند عاشق الشام الراحل قتيبة الشهابي في كتابه التاريخي النادر «الطيران ورواده في التاريخ الإسلامي»، وإذا بهؤلاء صادق وفتحي ونوري هم أول ثلاثة طيارين في الدولة العثمانية، ويورد الشهابي قصة قدوم هؤلاء في كتابه نقلاً عن مذكرات خالد العظم الذي حضر هبوط أول طائرة في دمشق، ويذكر أن أهل دمشق لم يصدقوا أول الأمر أن جسماً من الحديد يمكنه الطيران في السماء واعتبروا هذه المقولة كفراً من عمل الشيطان، حتى حل شهر ربيع الأول من سنة 1332 للهجرة الموافق لكانون الثاني 1914م حين هبطت أول طائرة عثمانية فوق أرض المرج الأخضر عند جنينة النعنع (الملعب البلدي) الذي حل في موضعه اليوم معرض دمشق الدولي القديم.‏
كانت الطائرة ألمانية الصنع يرجع بناؤها إلى السنوات 1910 و1913م ويبلغ طولها سبعة أمتار وكذلك طول جناحيها ومزودة بمحرك لا تتجاوز قوته مائتي حصان بخاري وكانت حجرة الطيار ومعاونه مكشوفة بغير ساتر لها وكان اسمها بالتركية «معاونت مليه» ما معناه نصيرة الدين، وعُرفت على ألسنة الناس باسم «طيارة صادق وفتحي».‏
بدأت هذه الطائرة رحلتها من الأستانة (إسطنبول) إلى دمشق وكان من المفروض أن تكمِل رحلتها إلى فلسطين فالقاهرة وهي محطتها الأخيرة على عشر مراحل، لكنها سقطت بالقرب من طبرية في فلسطين ونُقل جثمان الطيارِ ومعاونه إلى حيث دُفنا في حديقة ضريح صلاح الدين الأيوبي إلى الشمال من الجامع الأموي.‏
عند زيارة الأضرحة نقرأ ما كتب على الشواهد، وقد أصبحت واضحة بعد أعمال التجديد التي تمت منذ سنوات وقد كتب على شاهدة القبر الأول إلى يمين الزائر: «هذا قبر راصد طيارة معاونت مليه الملازم الأول المدفعي ومرافق نظارة الحربية العثمانية الشهيد صادق بك، تاريخ السقوط 3 مارت 1330هـ تاريخ التجديد 1340هـ».‏
كتب على شاهدة القبرالأوسط:‏ «هذا قبر الطيار الشهيد اليوزباشي العثماني فتحي بك الذي أحرز رتبة الشهادة يوم سقوطه 3 مارت 1330هـ تاريخ تجديده 1340هـ».‏
كتب على شاهدة القبر الثالث: «هذا قبر الطيار العثماني الشهيد الملازم أول نوري بك الذي نال رتبة الشهادة بسقوطه مع طيارته الشهيرة في يافا ونقل جثمانه إلى دمشق تاريخ السقوط 8 مارت 1330 هـ تاريخ التجديد 1340هـ».‏
أما قصة السقوط فيمكن الإشارة إليها باقتضاب بأن الطائرة الأولى التي حملت فتحي وصادق سقطت قرب طبرية، ونُقل جثماناهما بالقطار إلى دمشق وصُلي عليهما في جامع التكية، ثم حُملا إلى حديقة ضريح صلاح الدين حيث كان مرقدهما الأخير.‏
أما الطيار الثالث نوري بك فوصلت طائرته بعد أسبوع من الأولى وهبطت في بساتين المزة، وفي طريقه إلى القاهرة هوَت الطائرة في البحر قرب يافا، وقُتل نوري بينما نجا مساعده، ونُقل جثمانه أيضاً إلى دمشق ورقد بجانب زميليه.‏
يُذكر أن احتفالات واسعة جرت للطيارين الأولين صادق وفتحي وجرت ولائم بحضور والي دمشق، وكذلك كان الاحتفاء بنوري، ولكن كانت أخف قليلاً نظراً لأن أهل دمشق كانوا حَزانى على فتحي وصادق.‏
نشير بهذا الصدد أيضاً إلى أن فتحي قاد أول طائرة تهبط في حلب عام 1913 بحسب ما ذَكر خير الدين الأسدي في موسوعة حلب المقارنة هبط في حلب.‏
تبقى إشكالية صغيرة وهي أن الشهابي يَذكر أن تاريخ هبوط أول طائرة في دمشق كان في ربيع الأول عام 1332 هجرية، بينما كتب على شاهدة القبر 3 مارت ،1330 ومارت هو الشهر الثالث في التقويم التركي ويساوي ربيع الأول في التقويم الهجري وآذار في التقويم الغربي.


الثورة

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

    صور الخبر

    بقية الصور..

    اسمك

    الدولة

    التعليق