من سورية

بوابة تدمر من جهة المسرح

سوق عكاظ: محاضرة للباحث محمد قجة في الأسبوع الثقافي السوري بالدوحة
ضمن احتفالية الدوحة عاصمة الثقافة العربية 2010

03/شباط/2010

بحضور وزيري الثقافة السوري والقطري، والسفير السوري في الدوحة رياض عصمت وحشد من المثقفين والمهتمين، وضمن فعاليات اليوم الثاني للأسبوع الثقافي السوري في الدوحة، ألقى الباحث محمد قجة محاضرته بعنوان «سوق عكاظ قراءة معاصرة» بدأها بسرد تاريخي عن الوجود العربي، الذي لم يكن فقط في نجد والحجاز ويثرب والطائف، إنما كان ممتداً إلى ينابيع دجلة والفرات. وقال: «إثباتنا على ذلك هو الكشوفات الأثرية، مثل ‎مملكة الحضر‎، وفيما بعد ‎تدمر، والبتراء، و‎بلاد الشام التي كانت محتلة من البيزنطيين الذين شكلوا أقلية سكانية، إضافة إلى سكان البلاد ‎الآراميين، وهم أصل ‎السريان، إضافة إلى السكان العرب وكان أغلبهم من النساطرة، حتى أتت معركة اليرموك والتي تعتبر أنها حررت الشرق بكامله».

أما بما يتعلق بأسواق العرب في الجاهلية، فقد ذكر قجة أن العرب اختلفوا حول أسمائها وعددها، فهي ثمانية عند القلقشندي في صبح الأعشى، وفي خزانة اليعقوبي وعند التوحيدي أحد عشر سوقاً، ويرتفع العدد لدى مؤرخين آخرين إلى أربعة عشر ثم سبعة عشر مع اختلاف في تسمياتها وتواريخها.


جانب من الحضور في مسرح قطر الوطني

وفي حديثه عن سوق عكاظ، حدّثنا قجة: «لقد عرف العرب سوق عكاظ قبل نحو 1500 عام، حيث استمر من القرن الأول قبل الإسلام حتى عام 129 للهجرة، قبل سقوط الدولة الأموية بفترة وجيزة. وقد دمّر الخوارجً السوقَ، وقاموا بنهبه ونهب الشاعر الجاهلي الشهير النابغة الذبياني، الذي كان يعتبر عمود هذا السوق، والمحكِّم الأول والأخير في الشعر، وهو من كان يعطي الجوائز، ويأمر بتعليق القصائد على جدار الكعبة، أو يقول للشاعر أن يعود في العام القادم. لقد كانت تقام للذبياني خيمة خاصة حمراء اللون يتوافد عليها الشعراء من كل الأصقاع. وبعد هذا التدمير لم تقم للسوق قائمة. وبعد انتقال العاصمة العربية من دمشق إلى بغداد، ظهر العديد من الأسواق، وانتهى نهائياً دور سوق عكاظ التقليدي». ويتابع قجة قائلاً: «يُعتبر سوق عكاظ أشهرَ الأسواق العربية على الإطلاق، ويُعتبر هذا السوق انعكاساً لصورة الحياة العربية قبل الإسلام في معظم أشكالها، وهو أيضاً مركز أساسي لتبادل السلع التجارية، وفي الوقت ذاته هو مركز للتبادل الثقافي والاجتماعي والإعلامي والقانوني. كان يعقد هذا السوق في موعده المحدد في شهر ذي القعدة من كل سنة، ويستمر لمدة ثلاثة أسابيع، وفي بعض الأحيان يستمر لمدة شهر كامل. أما كلمة عكاظ فتعني الفخر والجدل وإقامة الحجة. ففعل عكظ يعني قهر وعرك، وتعاكظوا يعني تفاخروا وتجادلوا في أمورهم».

جانب من الحضور في مسرح قطر الوطني

وسرد الأستاذ قجة عدداً من أشهر القصص التي مرت في السوق الشهير، منها ما ورد بخصوص الخنساء عندما دخلت على النابغة وأنشدته:
إن صخراً لتأتم الهداة به
كأنه علم في رأسه نار
فأجابها الذبياني: «والله لولا بصير أنشدني آنفاً (ويقصد الأعشى) لقلت إنك أشعر الجن والإنس».

وقد روى قصة عمرو بن هند وعمرو بن كلثوم، حيث قال: «حينما أراد عمرو بن هند إذلال عمرو بن كلثوم ومن ورائه قبيلته تغلب، دعاه إلى زيارته وأشار إلى والدته هند أن تطلب من ليلى والدة عمرو بن كلثوم أن تخدمها، فقالت ليلى: "ليقم صاحب الحاجة إلى حاجته"، ولما أعادت هند الطلب صاحت ليلى: "وا ذلاه.."، فما كان من عمرو بن كلثوم إلاّ أن وثب على عمرو بن هند لقتله، وبعدها غادر الوفد التغلبي إلى الحيرة».

الإعلامي نضال زغبور مقدم المحاضرة

وفي قصة أخرى، قال: «ما رُوي عن خطبة قس بن ساعدة الإيادي وقد احتشد الناس من حوله، في موقف يمثل الحرية الفكرية والنشاط الإعلامي، هذا النشاط الذي سبق ما يماثله في عواصم العالم بمئات السنين. حوله يصغون وهو يعظهم قائلاً: "أيها الناس اسمعوا.. من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آتٍ، ليل داجٍ، ونهار ساجٍ، وسماء ذات أبراج، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون.." وأنشد:
في الذاهبين الأولين من القرن لنا بصائر
لما رأيت مورد للناس ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها يسعى الأكابر والأصاغر
أيقنت أني لا محالة حيث صال القوم صائر

وفي هذا السوق الشهير كان الأطفال والنساء من ضحايا وأسرى الحروب يُباعون ويُشرَون، منهم زيد بن حارثة. كما كان يشهد مبارزات وسباقات خيول. إلى أن جاء الإسلام، وتغيّرت العديد من المعايير التي كانت تحكم السوق في الجاهلية.

وختم الباحث قجة محاضرته قائلا: «إن هذه الأسواق تصلح للقراءة المتعمقة بوصفها جزءاً من التاريخ العربي، الذي نعود إليه من أجل إقامة مقارنات والوصول إلى فهم مؤثراته في الحياة الثقافية والاقتصادية».


أ. سلامة
تصوير عبدالله رضا
الدوحة
اكتشف سورية

طباعة طباعة Share مشاركة Email

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك