بيت الحكمة في ثاني أيام الدوحة عاصمة الثقافة العربية 2010

31 01

مع العرض الثاني لأوبريت «بيت الحكمة» على مسرح «صالة دفنة» في شيراتون الدوحة، تكون الليلة الثانية من ليالي الدوحة عاصمة الثقافة العربية قد مضت بتوقيع قطري سوري، العرض الذي شارك فيه أكثر من مائة وعشرين ممثلاً وممثلة، وراقصاً وراقصة، أتى ليعبر عن فترة ذهبية عاشتها أمتنا العربية، مهد لها هارون الرشيد، وبنى مجدها ورسخها في التاريخ المأمون.

إن الدوحة اليوم بنهضتها وحراكها الثقافي المميز، هي أشبه ما تكون لمن يحضِّر لإعادة بيت الحكمة ولكن بمفهوم العصر، لتتحدى كل الصعاب، وتسير بخطى ثابتة واثقة، متشحة ومزينة هذه الأيام برايات الثقافة العربية. إنها اليوم عروس الثقافة العربية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

كان عرض «بيت الحكمة» -الذي أتى بتوقيع الفنان المسرحي جهاد سعد وبمشاركة فرقة إنانا ومديرها الفنان الموهوب جهاد مفلح- كان مميزاً بنجومه وراقصيه وخطِّه الدرامي التاريخي وانسجامه مع اللوحات المميزة للفرقة، فعلى الرغم من أن القصة التاريخية المعروفة للعرض، والتي أتت بفترة تاريخية عباسية مزدهرة كانت سمتها العامة هي الاستقرار، إلا أن إخراج العمل استطاع أن يكسر ذلك الإيقاع التراتبي للأحداث، واستطاع بجدارة أن ينقلنا من بلاط هارون الرشيد إلى بلاط شارلمان من خلال الحركة الذكية للمسرح الدوار، مع حركات الراقصين المبدعين، لنسير مع العرض وننتقل معه من مكان إلى آخر، ومن خلافة هارون الرشيد إلى خلافة المأمون.

لقد تعمَّد جهاد سعد أن يكون ديكورَ مسرحه تقنياً بامتياز وقريباً إلى التجريد في الوقت ذاته، فقد خلى الديكور من الطنافس التقليدية لبلاط الخليفة، كما خلى من الزخرفة والزركشة، واكتفى على دلالات بسيطة لها علاقة بالمكان والزمان.


لوحة الساعة

تضمن العرض لوحاتٍ راقصة لفرقة إنانا في غاية الاتقان والروعة والابتكار، حيث كان أولها لوحةَ الساعة لتجسدها الفرقة من خلال أجساد عناصرها والموسيقى الرائعة المعتمدة في تيمتها على دقات الساعة. لقد شعرنا بميكانيكية الساعة وحركة عقاربها ودقة علاقاتها الآلية المتكاملة، لتلتحم العناصر في نهاية هذا المشهد مكونةً ساعة بشرية رائعة بألوانها وحركاتها ودقتها. ومن ثمَّ مشهد اختراع الساعة المائية في زمن هارون الرشيد، واقتراح ولي عهده المأمون بأن تُرسل هذه الساعة إلى الملك شارلمان كهدية رمزية بدلالاتها الكبيرة، التي فهمها شارلمان بشكل دقيق.

أما لوحة «زفاف المأمون»، التي شارك فيها رقصاً عبد المنعم العمايري (المأمون)، وميسون أبو أسعد (عروسة المأمون) مع احتفالية الفرقة بالطبول وإيقاعات الفرح وألوان الشرق الزاهية، وحركات فرحة، فقد كانت احتفاليةً تليق بأعراس الملوك والأمراء بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وفي نهاية مشهد العرس، يأتي مشهد وفاة هارون الرشيد، حيث استطاع المخرج هنا أن ينقلنا من أجواء الفرح والصخب الراقص، إلى أجواء الصدمة والحزن. في هذا المشهد المتفن جداً، وقف هارون الرشيد في أعلى نقطة من المنصة المسرح الدوَّارة، لتتحول وقفة هارون الرشيد وتبدو للجمهور وكأنها نصب تذكاري. وتأتي المشاهد السينمائية المتقنة في الخلفية مع المشاهد المسرحية لتتكامل جميعها وتمتعنا. هنا يغادر هارون الرشيد بوقار وعظمة البلاط، ليستلم المأمون الخلافة بحركة مسرحية جميلة، ويتحول المسرح بديكوره إلى دار لتصنيع الكتب، ليكون أولُ عمل يقوم به المأمون -الخليفة الجديد- هو تفحصه للكتب التي تُعد وطريقة حياكتها، فيعترض عليها أثناء حواره مع يحيى الذي يجيب المأمون بأن العيب قد يكون من الإبرة وليس الحائك.


مشهد زفاف المأمون

ومع تقدم العرض، تبدأ انتصارات المأمون العسكرية بحملته على جيوش الروم، حيث أتت من خلال مشهدية سينمائية تلتها مشهدية مسرحية راقصة كانت ممتعة لنحسَّ بأن هناك جيش جرار لا ينتهي على خشبة المسرح، بسيوفه وصرخاته البطولية، ومعركته الباسلة التي ينتصر في نهايتها جيشُ المأمون الأخضر على جيش الروم الأحمر. ثم يأتي مشهد طلب الصلح والهدنة من الروم إلى المأمون، فيوافق عليها المأمون بسرعة، ولكن موافقته تأتي مشروطة بأن يضاف على الجزية التقليدية هذه المرة أمهات كتب الفلسفة والأخلاق والمنطق الموجودة في بلاط الروم. بعدها يأتي يحيى بالكتاب ويمرره فوق رؤوس الجميع بمشهدية واضحة الدلالات، لينتهي العرض بكتابة المأمون لعبارة «بيت الحكمة»، وكأنها لافتة ستعلق على باب إحدى الجامعات.

بعد العرض المسرحي، تم عرض فيلمٍ وثائقي سريع، اختُزلت فيه نواحي التطور النهضوي الفكري والاجتماعي والثقافي والاقتصادي الذي تعيشه قطر، في عرض تفاعل معه الجمهور الذي زاد عن 1200شخصاً غصت بهم صالة دفنة في تصفيق حار وطويل.


أ. سلامة
تصوير: عبدالله رضا
الدوحة

اكتشف سورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

صور الخبر

مشهد الساعة

مشهد الساعة

مشهد الساعة

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق