شتاء موسيقى على الطريق في اليوم الرابع والأخير من أيام عيد الأضحى

03 12

دمشق، أقدم المدن المأهولة في التاريخ، تتعدى كونها مكاناً لتصبح زمناً بحركة دائمة وحضارات متعاقبة، فهي المدينة الممكنة و المستحيلة، المفتوحة والمغلقة، ومن هنا يتعذر وقف شهوة الكلام عنها.

تميزت دمشق كمحافظة بطبيعتها الخاصة، فمن قاسيون كجبل تتربع تحته دمشق، إلى الغوطة، إلى بردى وفروعه، إلى الطبيعة المعمارية التي ميزت دمشق القديمة بحاراتها، أسواقها، بيوتها العربية، حماماتها، مقاهيها، أضرحتها، كنائسها، وجوامعها.

وإذا تناولنا البيت الدمشقي كحالة موسيقية، سنجد أنه يمتلك خصوصية بما تضمنه من أماسٍ موسيقية وسهرات اعتاد الدمشقيون على إقامتها، وهذا ليس بغريب على شعب ينتمي إلى حضارة لها الفخر في تأليف أول أغنية حب في تاريخ البشرية، فمن الموشحات والأغاني الشعبية التي تتميز بطابعها الدمشقي السوري الخاص، إلى الرقص، وكل تلك الحالة الموسيقية التي تشكل فسحة لقاء وجداني بين أفراد العائلة والأصدقاء، كانت تتم ضمن فضاء البيت الدمشقي ذي السعة المكانية، والتي إن دلت فهي تدل على الرخاء، وعلى الحس الجمالي العالي لفضاء المكان.

من ذلك العمق التاريخي للبيت الدمشقي إلى خارجه حيث الساحات العامة والحدائق الدمشقية التي ميزت الفضاء الخارجي لتلك المدينة، لتكون تلك الحدائق و المنتزهات مكاناً للقاءات الأصدقاء والعائلات.

كم كانت الموسيقى بما تتضمن من غناء، وعراضات، وأعراس تفعل فعلها في تأكيد الروابط الوجدانية والتواصل بين الناس!! أغنية من هنا، وأغنية من هناك، لتتحول النزهة داخل المكان لفرح جماعي فيه كل ملامح العفوية و المباشرة، وقتها لم يكن بعد للتلفزيون وللوسائل التكنولوجية تلك المساحة في حياة الدمشقي.

أما اليوم فتغدو محافظة دمشق كمدينة معاصرة أكثر اتساعاً و أكثر حيوية بساحاتها العامة وحدائقها وصروحها الثقافية، فمن مكتبة الأسد إلى دار الأسد للثقافة و الفنون (دار الأوبرا السورية)، إلى المعهد العالي للموسيقى وكلية الفنون الجميلة إلى كليات دمشق العريقة، وغيرها من الصروح الهامة.

إن دعم مشروع «موسيقى على الطريق» من قبل محافظة دمشق يحمل أبعاداً ومضامين مهمة للغاية، منها الرغبة الضمنية وغير المعلنة في استمرار دمشق كعاصمة ثقافية من خلال دعم بعض النشاطات التي تمت خلال العام الماضي، والتي أثبتت فعاليتها في زيادة حيوية المدينة، إذ تعمل على إضفاء بعد جمالي ثقافي خاص يكون قريباً من الجمهور بشكل حي ومباشر. إن تظاهرة «موسيقى على الطريق» تقدم متعة الاستماع الموسيقي للناس في الأماكن العامة، من ساحات وحدائق ومسارح مكشوفة. وفيها أيضاً شيء من السعي إلى إعادة بعض من الذاكرة للجمهور الدمشقي، وبالتالي جعل دمشق بساحاتها وحدائقها مثل بيت دمشقي عامر بالموسيقى والسهرات، لكن أفراده هنا تحكمهم صدفة اللقاء ومتعة المفاجأة.

إن ما تقوم به محافظة دمشق في هذه الخطوة يتعدى مهامها الأساسية من الاعتناء بالمدينة كحالة عمرانية، تنظيم ساحاتها وشوارعها، والاعتناء بحدائقها ومعالمها الحضارية، ليذهب بعيداً نحو البناء الثقافي الجمالي والفني للمواطن الدمشقي.

وهكذا تابع مشروع «موسيقى على الطريق» فعالياته، حيث وجدنا فرقة «نوتا» تعزف في سوق الحميدية وفرقة «نوى» في ساحة المسكية وفرقة «جسور» على عتبة درج مقهى النوفرة.

فرقة «جسور»: ألوان موسيقية من بلاد الشام
ليس غريباً أن تقدم فرقة «جسور» أجمل الألحان من موسيقى بلاد الشام، فهي التي حملت على كتفها منذ التأسيس، هذه المهمة الصعبة لتحيي هذا التراث الجميل والغني.

فقدمت الفرقة بقيادة مؤسسها الموسيقي السوري صلاح عمو معزوفات وأغانٍ أدهشت الحضور، فمن فلسطين أدت «سماعي نهوند» للمؤلف روحي الخماش. ومن العراق قدمت أغنية «فوق النخل» ومن لبنان أغنية «أهواك بلا أمل» للفنن زكي ناصيف، و«حبيتك تنسيت النوم» لزياد الرحباني، و«ياسمين الشام» من التراث الدمشقي، وجميع هذه الأغاني جاءت بصوت المغنية السورية ميراي بيطار.

بالإضافة إلى ذلك، قدمت الفرقة مقطوعة موسيقية من التراث الأرمني بعنوان «رقصة أرمنية» ومقطوعتين من التراث الكردي هما «سلاف» و«كفوكي».

وقد نال ما قدمته فرقة «جسور» إعجاب الحضور الذي صفق طويلاً للفرقة وموسيقييها.

وبهذا تكون جمعية صدى ومحافظة دمشق قد أنهت احتفالاتها بعيد الأضحى المبارك، حيث سيستأنف مشروع «موسيقى على الطريق» حفلاته كالمعتاد، مساء كل جمعة حتى نهاية عام 2009.

«اكتشف سورية» يلتقي بالمستمعين:
والتقى «اكتشف سورية» بعدد من الحضور الذين علقوا على الحفلة ومشروع موسيقى على الطريق.

حسين علي (20 عام): «في الحقيقة كنت متجهاً في أول أيام العيد إلى سوق الحميدية في دمشق القديمة لألتقي ببعض من الأصدقاء وصادفت إحدى الفرق وهي تعزف فيه فجذبتني موسيقاها، واتصلت مع أصدقائي لنحضرها معاً، وهكذا علمت بأنه هناك كل يوم ثلاث حفلات، ومن يومها أحاول حضورها كافة، إنها موسيقى جميلة وأصوات نسمعها لأول مرة».

نسرين عابد (17 عام): «أتمنى أن تستمر هذه الفعالية، فموسيقاها راقية ولا نسمعها في التلفزيون والإذاعات، وأقول في خاطري، هل في سورية هكذا فرق جادة ولا ندري بها!!؟».

محمود علي (35 عام): «اليوم حضرت فرقة جسور وأمس حضرت فرقة نوى، وأنا سعيد بالموسيقى السورية الجميلة».

وبدوره قال مدير الفعالية الموسيقي شربل أصفهان لـ «اكتشف سورية»: «في الحقيقة فإن البرنامج المتفق عليه بين جمعية صدى ومحافظة دمشق، والذي بدأنا بتحضيره منذ بداية العام كان سينتهي في نهاية شهر تشرين الأول، ولكن فاجأتنا محافظة دمشق برغبتها بتقديم المشروع بنسخة شتوية تمتد إلى نهاية 2009، ووجدنا نفس الرغبة عند جمعية صدى. ولحماسنا الشديد وإيماننا بأهداف المشروع، فقد بدأنا خلال وقت قصير جداً بتحضير هذه العروض في أماكن مختلفة».

ثم أجاب أصفهان عن سؤال طرحه «اكتشف سورية» سابقاً عن عدم وضوح البرنامج للنسخة الشتوية قائلاً: «كون تمديد المشروع جاء بشكل مفاجئ، فمن الطبيعي أن لا يكون هناك برنامج محضر سلفاً».

وتابع: «وأريد أن أقول من خلالكم، أن ما قدم كان بمثابة حفلات تجريبية لشتاء موسيقى على الطريق، وأن الأماكن التي اخترناها للعروض (درج النوفرة، سوق الحميدية، ساحة المسكية)، تقدم فيها عروض موسيقية لأول مرة، ولذلك فمن الطبيعي تجريب هذه الأماكن التي لم نكن نعرف مدى صلاحيتها للعروض الموسيقية، وما التجهيزات اللازمة لنجاح مثل هذه العروض».


إدريس مراد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

فرقة «جسور» في موسيقى على الطريق رابع أيام العيد

من موسيقيي فرقة جسور

المغنية ميراي بيطار

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق