اكتشاف تزيينات جصية مجسمة في منطقة فندق الميريديان بتدمر

31 08

عثر في عام 1975 في أسبار مشروع فندق الميريديان (فندق الشام حالياً) على مجموعة كبيرة من الجص الجداري المزخرف ذي النوعية العالية جداً. بدأ المنقب خالد الأسعد على الفور بالمتابعة وتركيب أجزاء الكسر الكثيرة. وبهدف التعاون المشترك مع المنقب آنذاك قمت في خريف الأعوام 1981 و1987 تؤازرني زوجتي إنغماري بارلاسكا بالتنسيق الدقيق لهذه المواد وتركيب الكسر الكثيرة الأخرى. كما نشرتُ دراسة أولية في عام 1975 حول مكتشفات محلية أقدم من هذا النوع. ودرست بضع قطع مشابهة من مواقع سورية أخرى والنظائر المميزة في بقاع أخرى من الإمبراطورية الرومانية. ومن المكتشفات الجصية المشابهة ذات التأريخ الأحدث قام رودلف فيلمان عام 1985 بمعالجة المواد المطابقة المستمدة من التنقيبات السويسرية في نطاق معبد بعلشمين. وقد نشرت بضع عينات للمكتشفات الجصية من أحد أسبار هارالد إنغهولد سنة 1924 في دراستي المذكورة عام 1985. وفي هذه الأثناء نشر غونهلد بلوغ بالكامل القسم الأكبر من مجموعة هذه اللقى الموجودة حالياً في كوبنهاغن. يعود الاكتشاف الأكبر لمثل هذه التزيينات الجصية في تدمر إلى ما عثر عليه رايموند دورو 1939ـ1941 في البيت المزدوج الذي كشفه شرق منطقة معبد بل، وقد قام ادموند فريزول بالتحضير لنشره. لم تستنسخ من هذه المواد إلا عينات حتى الآن، وفي عام 1988 اكتشف الآثاريون البولونيون تزيينات جصية أخرى.
عرضت أمثلة نموذجية من حفرية المريديان في المعارض المتنقلة المختلفة وذلك منذ عام 1982. ومن بين ستة رؤوس جصية ذات نقش نافر رفيع هناك أربعة من مجموعة الميريديان وقع عليها اختياري للقى الرومانية من سورية للمشاركة في معرض (بلاد بعل) والتي عرضت أولاً في ـ برلين (الغربية). وتضمن المعرض الذي أقيم أولاً في وارسو عام 1986 حول تدمر ست عشرة كسرة من جصيات الميريديان، من بينها بضع قطع غير مجسمة تعرض لأول مرة، اختارها بشكل أساسي ميشال غاوليكوفسكي والعلماء البولونيون الآخرون.
احتوت كتب الأدلة المتواضعة نسبياً حول المعارض المماثلة في وارسو ولينينغراد وبرلين (الشرقية) وبودابست نسخاً قليلة فقط من هذه المواد. لم تصور سائر القطع المعروضة إلا في الدليل الصادر عام 1987 من قبل إرفين روبرشتبرغر حول المعرض المقام في مدينتي لينز وفرانكفورت. وتقدم القطع المنتقاة انطباعاً جيداً حول التنوع والنوعية الرفيعة للزخارف الجصية المكتشفة في منطقة الميريديان.
يقع موضع الاكتشاف في الجزء الشمالي من المنطقة الحالية للفندق، حوالي 75 متراً إلى الشرق من نبع أفقا المتاخم من الخارج للسور الغربي لمنطقة الفندق. وتتبع الكسر الجصية لبناء لم يتم الكشف عنه بالكامل، والقسم الأكبر من صالة كانت مخصصة للأغراض الطقسية مع مذبح للبخور ومذبح متعدد الأجزاء. بالإضافة إلى ذلك عثر على أربعة مذابح تامة في هذا النطاق، ثلاثة منها عليها نقوش كتابية، وتظهر على الرابع زخرفة نافرة شديدة التآكل لامرأة مصلية.
يلحق بالصالة الطقسية ذات الأبعاد 9.25×6.40 متر بهو مربع، ومن المحتمل أنه كان يحتوي على زخارف جصية أيضاً. هناك عدد كبير من الكسر ذات مقاطع ملساء يبدو أنها أجزاء من الباب والكوى الجدارية في القاعة الرئيسة. تحظى العناصر المجسمة والرؤوس بخاصة باهتمام مميّز. وكانت تستخدم في أغلبها كتزيين لأطناف بسيطة نسبية مع شغل مسطح يظن بأنها كانت موضوعة على ارتفاع ثلثي الجدران. وقد استطعت تجميع بضعة أجزاء منها. ينبئ التناسب المتباين للرؤوس وكذلك العرض المختلف للأطناف عن وجود أنظمة زخرفية متباينة. فسلسلة الرؤوس الكبيرة ذات الزخرفة النافرة الرفيعة المدهشة لها وجهات غير منتظمة، حيث تتجه بشكل مائل إلى الأسفل، لذلك لا تترك أثراً كأنها عناصر أفاريز معمارية، بل أقرب ما تكون إلى تزيين منفصل مثبت في الطنف.
علاوة على ذلك من المؤكد وجود طيور وأزاهير متفتحة رائعة في هذا النطاق، يضاف إليها أيضاً رؤوس وأعضاء حيوانات أخرى مثل مقدم أسد أخّاذ.
لا تتميز الرؤوس الآدمية فيما بينها من خلال نسبها الكبيرة فحسب، وإنما باختلاف موضوعاتها أيضاً. من القطع الأكثر تأثيراً بضعة أقنعة حزينة ذات تسريحات رائعة ويميّز أحد الأقنعة الملتحية من خلال قلنسوته على أنه ملك مسرح شرقي (رياموس الطروادي؟). وربما يدل أحد الرؤوس غير الملتحية والذي يرتدي غطاء الرأس ذاته على الأمير باريس. يتبع لسلسلة الأقنعة المسرحية المذكّرة الكبيرة قطع أنثوية مقابلة فيتكرر ظهور رؤوس هائجات وجنيات. يمكن أن تندرج هذه المجموعة بمفهومها الواسع ضمن الحلقة الديونيزية، والتي تعد منها أيضاً الأقنعة الحزينة.
من القطع القليلة المسماة الرؤوس ذات الحجم الصغير محسنان اثنان مميزان بزينتهما بالأرياش. ويمكن أن يفسر رأس بخوذة يونانية على أنه آرِس. ومما يؤسف له عدم وجود معلومات حول المواضع المضبوطة لاكتشاف الكسر المتفرقة. لذلك يتعذر تنسيق الموضوعات المجسمة المختلفة حسب مجموعات محددة. يندرج هذا التحفظ على كسر الأجسام بخاصة والكسر الصغيرة، التي يبدو أنها تتبع للنقوش النافرة. في حالات استثنائية فقط كما هو الحال في رأس آرس المخمن أمكن تركيب كسرتين متجانستين. لا يدعو هذا الكشف إلى الدهشة لأن الرؤوس كانت تُشغل على الدوام منفصلة ثم يصار إلى تثبيتها بخوابير جوفاء. يتبع للتفصيل المعماري للجدران أيضاً تشكيل فاخر يعرف بالقنصليات المزهرة. لبعضها منظر مائل من خلال تأثيرها المستغرب الحاذق. وقد استخدمت شجيرة النخيل الجميلة كركن في القبة المنحنية(؟).
من ناحية الطراز تعتبر الزخارف الجصية من موقع الميريديان بلا شك خارجة عن الأعمال الرومانية الصرفة، أي أنها لفنانين سوريين ـ غربيين. انطلاقاً من هذه الناحية تقدم مجموعة المكتشفات مثيلاً لها كالفسيفساء المعروفة المكتشفة في البيت المزدوج الكبير خلف منطقة معبد بل.
وكما هو الحال في هذا البيت الخاص الثري المجهز بمثل هذه الأعمال الجصية الغنية فإن الصالة الطقسية القريبة من نبع أفقا زودّت أيضاً بأعمال جصية رائعة، ويبدو أنها ترجع إلى أواخر زمن ازدهار تدمر، أي في النصف الأول من القرن الثالث الميلادي.


كلاوس بارلاسكا

الحوليات الأثرية العربية السورية|المجلد الثاني والأربعون|1996

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق

هند:

اشياء جميلة

الجزاءر