متحف للجيولوجيا الأول والوحيد في سورية

27 09

يعتبره رسالة وطنية أقسم على حملها

بات متحف الدكتور فواز الأزكي للجيولوجيا معلماً معروفاً في قرية قسمين، والتي تبعد حوالي 20 كم شمال شرق اللاذقية، وكل من يأتي إلى هذه القرية الجميلة لا بد من أن يزور المتحف أو يراه على الطريق أو يسمع عنه من أحاديث أهالي القرية الذين أصبحوا يشعرون بأن هذا المكان لا يخص الدكتور الأزكي فقط بل يخصهم ويعنيهم جميعاً، وهو أول متحف جيولوجي والوحيد في سورية ويحتل قسماً كبيراً من بيته وأرضه التي ورثها عن أهله.
ولادة الفكرة

وللدخول في عوالم ومحتويات المتحف والجهد المبذول في البناء وجمع العينات المختلفة التقت «تشرين» بالدكتور فواز الأزكي المدرس في قسم الجيولوجيا بكلية الجغرافيا في جامعة تشرين، وتحدث في بداية اللقاء عن ولادة فكرة إقامة المتحف حيث قال: «بأن الفكرة قديمةٌ منذ أن كنت طالباً في جامعة بوخارست برومانيا، حيث تحولت غرفتي في المدينة الجامعية إلى ما يشبه المتحف الصغير لما كانت تحويه من رفوف وضعت عليها عينات ونماذج من الصخور والفلزات والمستحاثات التي جمعتها أثناء الجولات الحقلية الطلابية كنت أرتبها وفي داخلي يعشش حلمٌ أن أجد في وطني بعد عودتي متحفاً جيولوجياً أغني مكوناته بهذه العينات».
و يضيف الأزكي «عدت إلى الوطن بعد التخرج وشرعت أجول سيراً على الأقدام من سفوح جبل الأقرع حتى سلسلة جبال لبنان الشرقية، وبعد 16 سنة من العمل الحقلي المتواصل أصبحت العينات التي جمعتها بحاجة إلى تصنيف وترتيب ومكان مخصص لاقتنائها كي تحقق الفائدة العملية القصوى، لذلك قررت في تموز عام 2001 تحويل منزلي الوحيد في قرية قسمين إلى أول متحف جيولوجي في سورية، ومن هنا كانت بداية الحكاية مع هذا المتحف الذي استغرق مني حوالي السبع سنوات في بناء الأقسام والأجزاء المختلفة والرفوف ووضع الهويات على العينات وتنفيذ ا لمجسمات في البهو الخارجي وغيرها من الأعمال».
البهو الخارجي

متحف الدكتور فواز الأزكي للجيولوجيا ويتألف المتحف من قسمين وحول ذلك يقول الدكتور الأزكي: «القسم الأول هو المتحف الطلق ويشغل مساحة 1500 متراً مربعاً من البهو الخارجي للمنزل، ويتوزع على جانبي المدخل عينات نموذجية ضخمة لمختلف أنواع الصخور المنتشرة في سورية بأبعاد تتراوح بين 60 سم-230سم، وأوزانها 40 كغ و1.5 طن، ووضع على كل عينة هوية كتب عليها اسم الصخر بالعربية والانكليزية ومصدره، أما أرضية المدخل فقد رصفت من صخور البودينغ من سرير النهر الكبير الشمالي، وصخور البودينغ من أم الطيور ورصف البهو بصخور الغابر والمميزة لصخور المعقد الأفيوليتي في منطقة رأس البسيط ووضع فيه مقاعد من رخام البدروسية تتسع لـ 80 طالباً، تؤمن إلقاء المحاضرات في الهواء الطلق.
ويتابع الأزكي: «لقد قمت بتصميم وتنفيذ بانوراما السلسلة الساحلية ومقطع جيولوجي من اللاذقية غرباً إلى فالق الغاب شرقاً بطول 11م، أي بمقياس رسم 1/5000 ويبين مقطع تضاريسي مع الأعمار الجيولوجية وخارطة جيولوجية بطول مترين وعرض 1.3م لشمال غرب سورية، أما فيما يخص بانوراما الديناصورات فقد عملت نماذج من الديناصور العاشب وهو أضخم ديناصور سيطر على الأرض في دور الجوراسي بطول 23 م وارتفاع 7 م، وآخر لاحم يلقب بالريكس وهو أشرس ديناصور ظهر على سطح الأرض ويبلغ طوله 8 م وارتفاعه 3 م، ويُعد آخر ديناصور منقرض في نهاية الدور الطباشيري من حوالي 65 مليون سنة، وأيضاً الدينا صور الطائر اللاحم والذي منه انحدر عالم الطيور وطوله 4 م وطول جناحيه في حال الطيران 4م، والجدير بالذكر أنّ جميع الأبعاد المذكورة آنفاً هي بالأبعاد الحقيقية كما تظهرها الحفريات الجيولوجية في العالم.
أيضاً في القسم الخارجي نفذت كرة أرضية بقطر 220 سم ومقابلها الخارطة التضاريسية لسورية ثلاثية الأبعاد بمساحة 11 متراً مربعاً، وكتبت عليها عبارة «علمني الفلك أنّ الأرض أجمل الكواكب، وعلمتني الجيولوجيا إنّ هذه الخارطة هي أجمل رقعة على الأرض».
عوالم القسم الداخلي ‏
أما القسم الثاني من المتحف فهو الجزء الداخلي وهو مكون من عدة أركان قمت بتصميمها وتنفيذها محترماً الثقافة السورية القديمة في طريق البناء، فالمعابر بين الأركان المختلفة نفذت بأقواس خالية تماماً من البيتون المسلح وجميع الحجارة المستخدمة هي من سلسلة الجبال الساحلية، الركن الأول في هذا الجزء خصصته للمستحاثات وهو على شكل اسطوانة بقطر 6 م وبسقف دائري مائل عليه من الأعلى مجسم لنجم البحر من الحجارة، ولماذا نجم البحر؟ لأنه موجود في سورية كمستحاثة في الصخور ويعيش في البحر المتوسط ككائن حي فاعتبرته رمزاً للمستحاثات السورية، وعلى السقف الداخلي وضعت مجسماً للشمس وكواكبها بأبعادها النسبية بالنسبة للأرض وعلى الجدران الداخلية وضعت بانوراما باليوجغرافيا الأرض أي شكل سطح الأرض من 200 مليون سنة، وحتى بعد 50 مليون سنة وعلى الرفوف صناديق خشبية نموذجية ذات واجهات زجاجية وضع فيها مختلف أنواع المستحاثات المكتشفة في سورية وكتب عليها اسم المستحاثة وعمرها ومصدرها.
وما يميز هذا الركن وجود مستحاثة لجنين الديناصور وبهذا الخصوص قال الدكتورالأزكي: «بأن هذا الجنين منطبع على صخور فيليسية من الزمن الكريتاسي أو الطباشيري، ويبدو أن بيضة الديناصور سقطت عند شاطئ البحر وانكسرت وفي داخلها الجنين ودخلت إليها الرسوبيات التالية فترك الجنين آثاره عليها ولقد تمّ العثور على المستحاثة في قرية العامود في منطقة الصلنفة في 6 آذار 2001، ويبلغ طولها 23 سم وبعرض 11.5 سم، ووجودها يدل بأن سورية كانت موطناً أو معبراً للديناصورات خلال الدور الطباشيري».
و يكمل «أما ركن الفلزات صممته ونفذته ليكون بشكل موشوري وسقفه معين مائل كتبت عليه بالحجارة “sio2” لأن هذه الصيغة الكيميائية ترمز لفلز الكوارتز وهو أكثر الفلزات انتشاراً في سورية، وعلى الرفوف وضعت صناديق وفي داخلها جميع أنواع الفلزات الموجودة في سورية، وعلى كل صندوق هوية للفلز بالعربية والانكليزية».
ويضيف «الركن الثالث قمت بتصميمه وتنفيذه بشكل نصف كرة سميته ركن الجيولوجيا الفطرية، وأعني فيها كيف استطاع الإنسان السوري استخدام الصخور بشكل صحيح فطرياً دون أن يدرس الجيولوجيا، حيث استطاع استخدام الغضار لصناعة الصحون والجرار وبعض الأدوات المنزلية الأخرى، وصناعة الأجران من الحجر الرملي والباطوس لعصر الزيتون والرحى لقشر وجرش القمح من صخر الغابرو القاسي وغيرها من الأدوات الأخرى».
و يكمل «الركن الرابع سميته ركن الثقب الأسود، وهو عبارة عن دهليز مقوس ومظلم ينتهي بالركن الخامس والذي يحتوي على نموذج للمغارات المنتشرة في جبالنا الساحلية بسورية بصواعدها ونوازلها. لننتقل بعدها الى ركن الصخور والذي وضعت في صناديقه المنتشرة على الرفوف عينات من مختلف أنواع الصخور في سورية مع هوياتها، وعلى الجدار وضعت أقدم خارطة جيولوجية لسورية منذ عام 1945 والذي نفذها دوبارته من فرنسا، والى جانبها أحدث خارطة جيولوجية لسورية. وينتهي المتحف بالركن الأخير المخصص للمكتبة والتي تحتوي على أكثر من 700 كتاب باللغات العربية والانكليزية والفرنسية والروسية والرومانية، وتشكل مراجع علمية لجميع الطلاب والباحثين المهتمين بالجيولوجيا، كما يحتوي الركن على عينات من جميع أنواع الخامات في سورية كالرخام والجص والفوسفات والنفط والإسفلت والملح الصخري والحديد، إضافة للحقيبة الجيولوجية الفردية مع كامل عدتها وأدواتها».

المتحف رسالة وطنية ‏
ويقول الدكتور فواز الأزكي: «إنّ هذا المتحف رسالة وطنية أقسمت على حملها بصدق وهو تحت تصرف جميع المؤسسات العلمية والتربوية في سورية وكل من يريد زيارة المتحف مجاناً، وللتأكيد على ذلك كتبت على البوابة عبارة "الدخول إلى هذا المتحف مجاناً" بالعربية والانكليزية، وأطمح أن يشكّل صرحاً علمياً وثقافياً وسياحياً لوطني سورية».
ويقوم الدكتور الأزكي بالجولات الحقلية لجمع العينات في أوقات العطل الرسمية وأيام الجمعة، حيث يحمل الحقيبة الجيولوجية الفردية على ظهره مع الزوادة الشخصية وينطلق في الصباح الباكر يستقلّ الباص إلى منطقة ما تنتشر فيها صخور من عمر جيولوجي يكون قد حددها على الخارطة الجيولوجية مساء قبل الرحلة، وهناك يقوم بالرحلة سيراً على الأقدام في الجبال والوديان، ويقوم بمطرقته بنزع العينات اللازمة ويضعها بأكياس نايلون يكتب عليها اسمها ورقمها وموقعها، ويضعها في حقيبته الظهرية، وعندما تصل حمولتها إلى ما يقارب 80 كغ يعود بأقرب وسيلة نقل، وعندما تكون العينات من الوزن الثقيل يضطر لاستئجار جرار أو تركس أو سيارة قلاب لنقلها إلى موقع المتحف.
وذكر بأنه مشى ما يقارب 740 كم ضمن الأراضي السورية سيراً على الأقدام من أجل جمع العينات التي يزخر بها متحفه.

قريباً مرصدٌ فلكي ‏
ويقول: «إن تكاليف بناء أجزاء المتحف بكاملها وجميع تكاليف الجولات الحقلية والروافع وسيارات النقل لنقل عينات الصخور الكبيرة من رواتبي الشخصية فأنا وزوجتي صديقان متفقان جداً فراتبها مخصص للمصروف وراتبي للبحث والجيولوجيا».
وحول الآفاق المستقبلية قال بأنه سيقوم قريباً بتصميم مرصد فلكي على سطح المتحف مزود بتلسكوبات مختلفة العدسات وقوة تكبير تصل إلى 360 مرة تمكنه وزواره من رصد القبة السماوية من سورية على مدار السنة.
ولقد زار المتحف خلال نيسان الماضي «شهر الرحلات في وزارة التربية» 1600 طالب ابتدائي وإعدادي وثانوي، إضافةً لطلاب أقسام الجيولوجيا في الجامعات السورية وخاصة أيام المعسكرات الجيولوجية السنوية والتي تقام في منطقة اللاذقية وأيضاً زاره الكثير من الضيوف الأجانب من روسيا وفرنسا ورومانيا واليابان وبعض السائحين من دول الخليج.
تضحية ‏
وفي لقاء مع الدكتور غالب السيدا الأستاذ في جامعة دمشق في كلية الجغرافيا سابقاً قال: «إنّ المتحف هو مبادرة شخصية من الباحث فواز الأزكي أخذت منه الجهد الكبير والمال الوفير بغية تحقيق ما لم يتحقق سابقاً في إنشاء نواة لمتحف جيولوجي لعله يكبر ويتسع ويأخذ اهتمام المؤسسات العلمية الجيولوجية لإنشاء متحف جيولوجي شامل للقطر العربي السوري ليكون المرجع الأساسي للباحثين الجيولوجيين السوريين والعرب والأجانب لأن مثل هذه المتاحف في العالم تستوجب دعماً مالياً كبيراً من قبل الدولة، فالجهد المبذول من قبل الدكتور الأزكي لإنشاء هذا المتحف على أرض ملك شخصي يعتبر تضحية كبيرة نابعة من إحساس إنسان يعشق العلم ويكرس وقته وحياته وماله بغية تحقيق فائدة للوطن وأجياله الحالية والمستقبلية».


عاطف عفيف

تشرين

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:
صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

علاء شعبان:

انا طالب جامعي في الجيولوجيا سنة 2009-2010 وحابب كتير دراسة هالفرع للسنه الاولى وان شاء الله انبسط فيه واكبر تحيه واكبر سلام واقوى عهد لفواز الازكي ما رح قصصر بالدراسه حتى صير من الالمهيئين للقائك والتعررررف عليك اكثر

سوريا

عبد الرحمن رجوب:

أنا طالب سنه ثانيه بترول والجيولوجيا عنصر كتييييير مهم بفرعنا وبتمنا نهتم بالجامعه أكتر بموضوع الفلزات والصخور وجيولوجيا النفط والغازوشكرا

syria

syria

طارق نمورة:

كل الشكر لصاحب هذا العمل

سورية

سورية