«رحيق احتضار» لغسان كامل ونوس.. عندما يتزين الشعر بالموسيقا

27 كانون الثاني 2015

.

تعتمد القصيدة الشعرية عند غسان كامل ونوس في مجموعته رحيق احتضار على مقومات أساسية يرتكز عليها الفعل الشعري ولا سيما الصورة التي تساهم في تكوينها العاطفة والدلالة القائمة على مفردة منتقاة خارقة للمألوف تشعر القارئ أنها قادمة من لغة عادية لكن في واقع الأمر يصعب تفكيك بنيتها بسهولة والوصول إلى محاولة تقليدها أو تكوينها.

والشاعر ونوس يعتمد في قصائد المجموعة على الكيف الذي يتنامى على مفهوم الكم مع وقوفه عند الحركة الايقاعية في الوزن والموسيقا ما يشير إلى حالة مبتكرة كما جاء في قصيدة وسواس ..

مساء هو التوق .. واللحن والهدهدات

حنين هو النبض .. واللون والحشرجات

ميول النهار .. تقوس وجه المدى

ولون الضجيج .. يطوف من أخر الاحتضار.

كما أن القافية والروي في مثل هذا النوع من النص الشعري يأخذان مدى واسعا يتمثل في قدرة الشاعر على الافصاح الموشى بالإيحاءات ما يوحي بأن ونوس عبر عن تجربة نفسية توازي الموهبة التي ساهمت في تكوين نصه الشعري حتى ولو خرجت عن المألوف الخليلي.

ونجد أن القصائد اعتمدت غالبا على المقطع المقيد أو الخارج على نطاق القيد في بعض الاحيان لأنها الوسيلة التي اتبعها ونوس في إدخال الموسيقا كبنية أساسية في حدث النص ساهمت بالتعويض عن الالتزام بالشطرين و محاذاته بما يشبهه من اسلوب شعري يقول في قصيدة عكر..

كم قطرة يحتاج هذا العقم .. كي يصحوا

كم جدول وخرير أوقات وعاصفة

وهمس وانكشاف

كم نبضة بالباب .. أو خطو .. تعرج واستقام.

ويغيم على ونوس في مجال الفضاء الشعري الحزن ولكن يتمكن الشاعر داخله أن يخلق حالة من الألفة بين الحزن والمفردات لتكون القصيدة غير عادية ومليئة بالشجن والانسانية والانسياب بدلا من الأسى والنحيب والتراجع كما ورد في قصيدة عكر.

وأحيانا يسعى إلى مقاربة فرضية يوازي خلالها ما يدور حوله في عالم كشفت حقيقته كمتآمر ضد وطنه فيقول في قصيدة رحيق انتصار..

ضباب يلف الجهات الندامى ..

أم الصبر أفق يضيق

تغيم الرؤى أم دخان يسوس الحريق.

وبهذا يكون الشاعر قد زاوج بين الاستفهام والافتراض دون أن يتخلى عن المرجعية اللغوية ملتزما بآفاق اللغة السليمة ومنظور التحليل الذي يرتكز على أساس المنطق المنهجي والتطبيقي معبرا عن حالة عالم انعكس على الشاعر كما في قصيدة منارة..

ماذا تخبىء في لهاثك .. أيها المشغول

بالوقت الملظة ..

ماذا على الوقع المدمى من رحيق.

وتظهر ايديولوجية خاصة من خلال علاقة الشاعر بمنظومته الفكرية والنفسية والبيئية تدل على اتخاذ موقف واضح تلتزم فيه كل النصوص وكأن في معنى رحيق احتضار ومكوناته احتجاج على وضع آلم الشاعر يقول في قصيدة حجاب..

وأعلم أنك لم تقتف خافقي

ولم تنتظر توبتي

ولم تحتمل أن تقول ولا أن أقول .. وأعلم أنك أكبر من حاجة أو رجاء.

ويكون بذلك قد التزم الشاعر غسان ونوس بمقومات القصيدة دون أن يؤطر عاطفته أو يشوه المعنى المنهجي والتطبيقي لجملته الشعرية كما حافظ على تنوع النغمة الموسيقية في قصائد المجموعة الشعرية التي كتبها برغم أن غسان ونوس عرف بأنه روائي وقاص.

يشار إلى أن المجموعة تتضمن أربعة وثلاثين نصاً من شعر التفعيلة وتقع في 184 صفحة من القطع الوسط وهي من إصدار الهيئة العامة السورية للكتاب.


محمد الخضر

سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق