ليلى نصير.. خمسة عقود من التعاطي البصري مع الإنسان المهزوم وأزماته الروحية

26 تموز 2014

.

حازت الفنانة التشكيلية السورية ليلى نصير مؤخرا جائزة الدولة التقديرية للآداب والفنون في نسختها الثالثة وذلك تكريما لعطائها الفني الواسع باعتبارها أحد رواد الفن التشكيلي السوري وتقديرا لمنجزها الإبداعي الذي تمخضت عنه مسيرة امتدت لخمسة عقود اختبرت خلالها شتى الأساليب والتيارات الفنية وصولا إلى مرحلة من النضج الفني وهو ما أفضى إلى عشرات الأعمال الفنية ذات الخصوصية المتفردة والقيمة الفكرية والإبداعية العالية.

وفي هذا السياق ذكرت الفنانة نصير في حديث لمراسلنا أنها ورغم الحصول على العديد من الجوائز المهمة في محافل دولية متنوعة إلا أن هذه الجائزة تركت اثرا خاصا في نفسها كونها تمثل تقديرا لمنجزها الابداعي من قبل بلدها ولذلك فهي تمثل بالنسبة لها تتويجا لمسيرتها الفنية الطويلة وتأكيدا على حضور الدولة السورية في هذه المرحلة العصيبة حيث ما زالت تهتم بالفنون والآداب وتكرم مبدعيها رغم الحرب الشرسة التي تخوضها.

و أضافت أن تكريم الدولة لها وللآخرين من الأسماء الثقافية هو شكل من اشكال مقاومة المفاهيم التكفيرية البشعة التي تعمل القوى الإرهابية على نشرها وتكريسها في المجتمع السوري الذي اعتاد تصدير قيم المحبة والسلام والتآخي إلى العالم «فالسوريون هم ابناء حضارة اوغاريت العظيمة ممن لا يمكن تقسيمهم او تحويلهم عن مبادئهم التاريخية الأصيلة».

وأشارت نصير إلى أن تجربتها الفنية الطويلة والتي امتدت لعقود من الزمن مرت بالعديد من المنعطفات فلم تكن تجربة يسيرة إذ أنها خضعت في كثير من الأوقات لظروف على درجة من الصعوبة طبع كل منها اثره الخاص على تجربتها وخاصة أنها انطلقت إلى هذا الفن في زمن لم تكن فيه المرأة كما هي عليه اليوم فكان لها السبق مع ثلة من النساء المثقفات في فتح الافاق وتعبيد الطريق أمام أجيال متتالية من النساء اللواتي خضن ميادين الفكر والثقافة ليصبحن عناوين بارزة في المشهد العربي عموما.

ونوهت بأن خصوصية تجربتها الفنية الطويلة جاءت من قدرتها على الالتزام الكامل في انساقها البصرية المختلفة بمراحلها المتلاحقة بموضوع الإنسان في حالاته المختلفة ولا سيما الإنسان البسيط الذي يعارك الحياة بقساوتها اليومية ويعاني مرارة الظروف من حوله الامر الذي يخلف لديه العديد من الأمراض والاضطرابات النفسية العقيمة في بعض الحيان.

ومن الناحية التقنية ركزت الفنانة على التجريب في مختلف الاتجاهات حيث بدأت بالواقعية الكلاسيكية ومنها إلى الواقعية الحديثة فالتعبيرية والتعبيرية التجريدية والسريالية إلى جانب الطباعة دون ان يفلت النحت منها مستخدمة في ذلك الرصاص والباستيل والالوان الزيتية والغواش والاكرليك وسواها ممن يمكن له ان يوسع من معرفتها ومن قدرتها على التعاطي الأمثل مع العمل الفني.

و قالت: «اليوم أعود للتركيز على الرصاص الذي انطلقت منه ربما لأنني احب الخط واعتمد عليه في تحديد الكتل وفي عملية البناء البصري على خلاف غيري ممن يهتمون باللمسة الفنية على نحو اساسي لكن عملية البناء هذه لم تمنعني يوما من التمرد في تصوير افكاري على المساحة البيضاء فقد قمت بتكسير النسب مرارا وتكرارا ربما لتأثري الكبير بالفنون القديمة المصرية والسورية».

و تابعت.. «تطورت تجربتي في مراحلها المتلاحقة وظل الانسان همي الأساسي ليتحول اليوم في هذه المحنة العصيبة إلى هاجس حقيقي انقله إلى المتن الأبيض حيث اركز حاليا على الأطفال المشردين في العالم عموما وفي سورية على وجه التحديد ممن يجوبون الشوارع طوال النهار فيعيشون جحيما يوميا يفيض بالفقر والعوز والألم والخوف».

وأضافت الفنانة «إن الانسان اليوم في كل مكان من العالم مساق إلى الذبح بفعل الموجات التكفيرية التي تجتاح العالم فما يحدث في سورية سينتقل تدريجيا إلى كل الأصقاع بفعل قصور الفكر والتفكير لدى شريحة واسعة من الناس الذين تسيرهم القوى العظمى عبر تشويه افكارهم وعقولهم والتغرير بهم بطرق متعددة وهو ما دفعني إلى رفض هذا الانسان المعاصر عبر تصويره ضمن مشروع بصري اشتغل عليه حاليا ويظهر فيه الانسان المعاصر بجسد آدمي ورأس حيوان».
و لفتت إلى أن مسؤولية كبيرة تقع اليوم على عاتق النخبة المثقفة لتجاوز الازمات المتراكمة وتوعية المجتمع وتصويب أفكاره من جديد نحو وجهتها الصحيحة موضحة ان للمثقف دورا تنويريا فاعلا يسهم إلى حد بعيد في «إخراج هذا الإنسان المهزوم من النفق المظلم الذي يرتع فيه اليوم والذي سيؤدي به إلى دمار فكري شامل».

و قالت كل فن من الفنون قادر على فعل الكثير في هذا الجانب بصورة غير مباشرة تساعد على حفظ قيمته الابداعية حيث يمكن للفنان والاديب والمثقف عموما ان ينقل هذا الواقع ويعكسه على الورق وعبر القلم والكاميرا وشتى الادوات الابداعية بعيدا عن التوثيق المباشر.

يشار إلى أن نصير من مواليد اللاذقية عام 1941 تخرجت عام 1963 من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة قسم التصوير.. عملت أستاذة محاضرة في كلية العمارة بجامعة تشرين وأعمالها مقتناه من قبل وزارات الثقافة والسياحة والداخلية ضمن مجموعات خاصة وحصلت على براءة تقدير من رئاسة مجلس الوزراء عام 1989.


رنا رفعت

سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق