الإصلاح الثقافي يتطلب تحويل قناة دراما إلى قناة ثقافية شاملة

01 تموز 2012

.

بعد أن سلم بعض وزراء الإعلام السابقين مهام الإنتاج التلفزيوني الدرامي إلى شركات من القطاع الخاص الذي سلمها بدوره إلى شركات ومحطات غربية وأميركية ناطقة بالعربية وبعد انحدرت الدراما السورية إلى مستويات دنيا من المتاجرة بالعقول والعواطف وإثارة الأحاسيس الإحباطية وكشف العيوب التي تعاني منها شعوب العالم كلها كالكذب والقتل والعنف والخيانة والانحلال والاحتيال بأساليب تغري المتفرج العربي والسوري بوجه خاص بتقليدها واعتبارها مشروعة درامياً وواقعياً لأن من يرتكبها على الشاشة ينجو غالباً من أي عقاب ويفوز بالغنيمة ويبقى في عيون الناس نجماً معصوماً عن الخطأ أو نجمة محبوبة كما كانت الحال عليه في مسلسلات سورية عديدة جديدة (تحت المداس، قاع المدينة، زمن العار، الخبز الحرام، دروب ضيقة، وغيرها) وجاءتنا قناة (سورية دراما) لتزيد الطين بلّة وتعيد علينا تكرار عرض أشد أعمالنا الدرامية رداءة سواء من حيث المضمون أم الأشكال المتخلفة. وبرامج سردية مملة عن هذه المسلسلات القديمة وغيرها من المسلسلات الجديدة التي تروج لها القناة قبل موسم رمضان القادم كما تروج (لنجومها) وآخر أخبارهم الفنية والشخصية ا لتي لا تهم أحداً من الجمهور سوى شركات الإنتاج الخاصة ومموليها وعملائها.

ثم إن إلغاء القناة الثانية وهي قناة الأسرة والمجتمع شكل انتكاسة كبرى وكان التركيز على قناة دراما انتكاسة أكبر. لأن الأسرة والمجتمع بحاجة إلى عدة قنوات متخصصة تتحاور مع الجمهور وتساعده على حل مشاكله العائلية والمجتمعية على عكس قناة دراما التي ثبت أنها تؤدي إلى تفاقم هذه المشاكل وتخريب العلاقات الأسروية وترسيخ العادات السيئة لدى أفرادها ولاسيما من الأطفال واليافعين الذين يشاهدون التلفزيون ومسلسلاته والذين تعلموا منه العنف والكذب وفقدوا مناعتهم في قبول دعايات المحطات الفضائية وأكاذيبها واعتادوا على الفساد والكسب غير المشروع.

كان علينا منذ البداية إنشاء قناة ثقافية شاملة تشمل العروض الدرامية والمختارة بعناية ومناقشتها مع جمهور المتفرجين العرب في برامج اتصال مباشرة تطرح فيه الأسئلة الناقدة على الكتاب والمخرجين والفنانين الذين صنعوا هذا العمل الدرامي أو ذاك. كما تشمل البرامج السياحية والتنويرية.

إن القناة الثقافية ستساعد في تثقيف المواطنين وترهيف أحاسيسهم ورفع مستويات أذواقهم وتقاربها إلى جانب تسليتهم وتلبية رغبتهم في مشاهدة المسلسلات والبرامج الثقافية والمسابقات التثقيفية التي تعتمد على سبر المعارف العلمية والفنية وتاريخها وتطورها إسهاماً في إغناء العقول وإعادة الحضارة العربية الأصيلة إلى الأذهان بلا تهريج ولا مبالغة في الصراخ التمثيلي، وبلا سخرية من الأجداد ولاسيما من الشعراء والأدباء والفلاسفة والفنانين الكبار. كما كانت الحال في مسلسلات رأيناها على الشاشة في المواسم الرمضانية الماضية. ثم كررت قناة دراما عرضها حتى الإملال ولا تزال.

إن عدداً لا بأس به من مسلسلاتنا الدرامية يستحق إعادة العرض ولكن ليس بالضرورة على شاشة قناة متخصصة بالعروض الدرامية بل على الشاشات الأخرى مثل القنوات الأولى والثانية والتربوية وكذلك الثقافية المقترحة. ذلك لأن فكرة تخصيص قناة للدراما فكرة متخلفة وساذجة بالأصل رغم كل الاحتفالات بها والترويج لها.

أليست الدراما بنت المسرح؟ فهل ننشئ قناة فضائية للمسرح وثانية للسينما وأخرى للموسيقا وثالثة للفنون التشكيلية ورابعة للقصة والرواية والفلسفة والشعر؟ إن القناة الثقافية والمقترحة سوف تجمع هذه الأجناس التراثية والثقافية والأدبية كلها على قدم المساواة وسوف تشجع الإنتاج الإبداعي في الدراما التلفزيونية والمسرحية والسينمائية وفي الغناء والرقص والموسيقا وكذلك الإبداع العلمي والأدبي وفي الشعر والقصة والرواية وتتفرغ للبحث عن المواهب الشابة في هذه المجالات.

والمطلوب منها التعاون الوثيق مع المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني الفتية. وكذلك مع نقابة الفنانين والفنون التشكيلية والصحافة الثقافية والمكتوبة وكذلك مع أفضل شركات إنتاج القطاع الخاص التي صار ممكناً التمييز بوضوح بينها حسب مستويات أعمالها التي رأيناها خلال السنوات الماضية.

القناة الثقافية المقترحة بديلاً من قناة دراما لن تهمل الدراما التلفزيونية بل ستعطيها حقها من الاهتمام لكنها لن تهمل المسرح والسينما والآثار والموسيقا والفنون التشكيلية المتطورة جداً في سورية. ولاسيما في مجال التصوير والنحت والحفر والرسم على الزجاج. لن تكتفي بالعروض الثقافية الفنية والمختارة بل ستهتم بالجمهور وتثقيفي على مختلف فئاته العمرية وتقديم ندوات عن النشاطات الثقافية والفنية ومسابقات في المدن والبلدات والقرى بالتعاون مع وزارات الإدارة المحلية والثقافة والسياحة وسوف ترون أن تكاليف هذه القناة بما فيها رواتب كبار الموظفين والعاملين فيها ستكون أقل بكثير. وأن جمهورها أكثر بكثير من جمهور (قناة دراما التي اعترضنا بالأصل على إحداثها وذكرنا مراراً وتوقعنا في مقالات عديدة سابقة أنها ستكون قناة ترويجية مملة لا متعة فيها ولا فائدة وأن مشاهديها سوف يتضاءلون يوماً بعد يوم وهاهي ذي تكرر نفسها بلا أي اهتمام بمشاهدتها أو تثقيف وبلا أي مردود اجتماعي أو اقتصادي يذكر.

ولننظر إلى ما حققته تجارب الفضائية السورية والقناة التربوية والقناة الأولى وكذلك قناة دنيا الفضائية السورية من نجاحات ولنحاول الاستفادة من هذه التجارب في التخطيط لنجاح القناة التلفزيونية الفضائية الثقافية السورية المقترحة بديلاً من قناة (سورية دراما) التي صارت تقليدية مكررة مثل أي جهاز لعرض المسلسلات القديمة ثم الترويج لها بسماجة وإعادة عرضها حتى صارت مملة مزعجة. كما نرجو إعادة تشغيل القناة الثانية وتركيز اهتمامها على مسائل الأسرة والمجتمع وتوثيق التعاون بينها وبين المجتمعات الأهلية المعنية بالمرأة والأطفال وتنظيم الأسرة وتطوير التعليم سواء في المدارس الحكومية أم الخاصة والتركيز على نشاط الطلبة وإبداعاتهم وتشجيعها في المجالات الفنية والاجتماعية والإلكترونية والخاصة وبالمعلوماتية وتطوراتها الحديثة دعماً لما تقوم به القناة الثقافية والشاملة من مهام وما سوف تحققه من أهداف وطنية وقومية وأخلاقية ملحة في مسيرة الإصلاح.


عدنان حبال

صحيفة الوطن

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق