بعد أكثر من ربع قرن على ترجمته ليس لدى الكولونيل من يكاتبه

08 آذار 2011

ليس لدى صالح علماني اليوم من يكرّمه

على الرغم من كل ماحققه من نجاح وشهرة، لم تبرز الأنا في أحاديثه، فما نقله للعالم العربي من روائع أدب أمريكا اللاتينية بلغة عربية جميلة رائعة، يمتلك مقوماتها ومفرداتها وجماليتها، مُغنياً بذلك ذائقة المثقفين والمبدعين العرب، حريّ به أن يقول ولو لنفسه: أنا من فتحت للقارئ العربي نوافذ عديدة ليقرأ منبهراً الأدب اللاتيني.

حين نصحني أحد الأصدقاء منذ زمن بعيد، ألا أقرأ عملاً روائياً سواء لغابرييل غارسيا ماركيز، أو إيزابيل الليندي، أو ماريو فارغاس يوسّا، أو غيرهم من أدباء أمريكا اللاتينية، إلا بترجمة صالح علماني، لم أكن أعلم ما المتعة أو ما الفائدة التي تقدمها ترجمة علماني بالمقارنة مع ترجمات أخرى، ولكنني عندما قرأت أحد الأعمال الإسبانية بترجمتين مختلفتين، إحداهما لعلماني والأخرى لمترجم آخر، أدركت حقيقةً مدى الغنى اللغوي الذي تقدمه ترجمة علماني.


الأديب صالح علماني

هو من أغنى المكتبة العربية بعشرات الترجمات لكبار أدباء اللغة الإسبانية، وقد أُطلق عليه الكثير من الألقاب.. فهو مترجم برتبة كولونيل، وهو عرّاب أدب أميركا اللاتينية ولايزال ضمن مشروعه الثقافي الذي بدأه منذ عقود ثلاثة، يترجم لهؤلاء ممن يسمون بأدباء تيار الواقعية السحرية. في الأمس زار مدينة حلب ليحاضر عن «الرواية والترجمة» في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، وهي الزيارة الثقافية الأولى له، والتي ستتابع بزيارات أخرى، لتحتفي به مدينة حلب مترجماً من الطراز الرفيع.

«فضاءات التقى المترجم المبدع علماني، وكان هذا الحوار»

بدأت أستاذ صالح مع الترجمة من خلال قراءة «مئة عام من العزلة» لماركيز، وترجمت بعد قراءتك لها مايزيد اليوم عن تسعين مؤلفاً لماركيز والليندي ويوسّا، حبذا لو تحدثنا عن تجربتك مع ماركيز وماذا تود أن تقوله له؟
«في عام 1970، غادرت إلى برشلونة لدراسة الطب ثم تركتها لدراسة الصحافة. لكنني صمدت سنة واحدة فقط، لأعمل بعدئذ في الميناء واختلطت بعالم القاع كأي متشرد. وبينما كنت في أحد مقاهي برشلونة ذات مساء، جاءني أحد أصدقائي، وحينها كان غسان كنفاني قد قتله الإسرائيليون، لأنهم كانوا يعرفون ما الذي سيكون عليه كنفاني، إذ كان يكتب كما كان يكتب ماركيز، كاتب يعمل بتقنيات جديدة في الرواية العربية ليصبح عالمياً فعندما كنت أحدث صديقي ذاك عن كنفاني، وعن الرواية، طلب مني مرافقته إلى بيته، ليعطيني كتاباً وكان مئة عام من العزلة لغابرييل غارسيا ماركيز باللغة الإسبانية، وأشار إلى أن هذا الكتاب يمثلنا نحن، فلماذا لم نكتبه نحن؟ من هنا كانت بدايتي مع ماركيز، ومن ثم بدأت بمتابعة كل ماكتبه، وكل مايكتب في أمريكا اللاتينية، وشاء الحظ أن أذهب إلى كوبا لأدرس تاريخ أمريكا اللاتينية. أما ما أقوله لماركيز، فليس هناك ما أقوله، لأن هذا الرجل يقول للعالم أجمع، فماذا بإمكاني أن أقوله له».

لماذا مزّقت روايتك، هل لأنك وجدت متعة وتحليقاً في الترجمة، لم تجدها في كتابة الرواية؟
«بعد أن ترجمت أول رواية لغابرييل غارسيا ماركيز، وهي رواية ليس لدى الكولونيل من يكاتبه وقد طبعت في بيروت، وأذكر ماذا كتبت صحيفتا السفير والنهارعنها، كنت أقول إن ماكتبته شيء عادي، فهي رواية عادية، وكثيرون من يكتبون بهذا الشكل، ولكن قلت لنفسي بعدها: إذا قوبلت ترجمتي بإعجاب في الصحافة، فلن تلقى كتاباتي ذلك الإعجاب، إذن أنا مترجم، ولهذا مزّقت روايتي، وفضّلت أن أكون مترجماً جيداً على أن أكون كاتباً سيئاً».

كان هذا في مرحلة الشباب، ألا تفكر الآن بكتابة رواية؟
- أبداً.

ماذا عن دور الترجمة في تطوير لغة الرواية؟
«اللغة العربية حتى القرن التاسع عشر، رغم التطور الذي حصل، وصلت إلى أساليب في التعبير باللغة العربية كانت لاتزال قاصرة عن محاكاة لغة الرواية، فلغة الرواية تحتاج للغة بسيطة، أقرب إلى لغة الشارع العادي دون الإسفاف طبعاً. وكبار الروائيين الأوائل كنجيب محفوظ من الذين كسروا هذا التابو، بمقابل الروائيين الذين كانوا مازالوا يحافظون على الأساليب المقعرة الجميلة، ولكنها غير صالحة للرواية.
فنجيب محفوظ أعطى الرواية هذه اللغة السلسة البسيطة المباشرة، ولم يكن هذا الأمر ليحصل لدى محفوظ لولا الترجمة، إذ كان للترجمة أكبر الأثر في هذا التطور الذي أحرزته الرواية العربية، واليوم سيكون الأثر الأكبر، وأنتظر هذا الأمر من الروائيين الحاليين ومن الأجيال القادمة، وسيتسع الإقبال على قراءة الرواية وكتابتها لدى الجيل القادم. وأنا متأكد من هذا الأمر، وسيظهر لدينا كتّاب يشار إليهم بالبنان في العالم، لأن آخر منجزات الرواية العالمية قد بدأت تصل إلى الروائيين، وهم يتابعون. وأنا عندما أترجم لا أضع في ذهني القارئ العادي، إذ أضع: ما الذي سيتعلمه الروائي من هذه الرواية؟! وسأقول لك أكثر: عندما أترجم، كنت أقول: كيف سيقرأ محمود درويش هذا الكتاب؟ ففي ذهني كنت أترجم لمحمود درويش، ولكن الآن لا أعرف لمن سأترجم؟!».

قلت في محاضرتك التي أقيمت في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى مؤخراً: إن الترجمة ظاهرة ديمقراطية، كيف تكون اللغة ديمقراطية؟
«قلت إن الترجمة ظاهرة ديمقراطية، لأنها تساوي بين اللغات، لاتوجد لغة منسية، أو لغة مهملة، أو لغة متفوقة، الترجمة تجعل جميع اللغات منفتحاً بعضها على بعضها الآخر، ولاحاجة لصاحب اللغة الضعيفة أن يتعلم لغة القوم، لأن الترجمة توفر له أن يقرأ مايُكتب بلغة القوم. إذن من هذا الجانب هي ديمقراطية، هي تحافظ على كل التداولات والاختلافات اللغوية في العالم، وبالتالي تحميها وتبقيها».

كيف يضفي علماني روحه على النص، هل كل شيء متعلق باللغة الأخرى، أم هناك شيء شخصي من قبل المترجم؟
«هناك الكثير مما يمتلكه المترجم، فعن غير قصد، أو بدون وعي منه تظهر بصمته في النص، فهناك ثقافته وإيديولوجيته ودينه وعقائده وكل العوامل التي توارثها وعاشها، هي إرث ينعكس بطريقة أو بأخرى في الترجمة، ولذلك نتساءل: فلماذا اختار هذه المفردة ولم يختر تلك، رغم أنها تعتبر مترادفات؟!».

هل لعلاقة الحب التي تجمع المترجم مع المؤلف دور في هذا الشأن؟
«هذا مما لاشك فيه».

من أحببت من الكتّاب الإسبان؟
«كثيرون، وأولهم غابرييل غارسيا ماركيز، وهو محبوب من قبل العالم كله، وليس من قبلي فقط».

ماذا يقول صالح علماني لمدينة حلب؟
«أنا سعيد جداً بوجودي في حلب، مسرور بوجودي في هذا البناء الجميل الذي لم أره من قبل. حلب مدينة جميلة فيها الجو الثقافي الغني، ولم يتح لي من قبل أن أزور حلب إلا في زيارات تجارية، فهذه هي المرة الأولى التي أزور فيها حلب في نشاط ثقافي، فزياراتي التجارية كانت في الثمانينيات حينما كتب أعمل في المكتب التجاري وكنت آتي إلى حلب لعقد صفقات تجارية مع تجار حلب».

صالح علماني مترجم كبير في سورية يجب أن يكرّم، وذلك لأنك استطعت أن تقيم جسراً مابين الأدب الإسباني والقارئ العربي، هل هناك جهة معينة تعتب عليها لأنها لم تكرمك؟
«أنا لا أبتغي أي تكريم، وأنا سعيد بوضعي الحالي، ولا أجد أنني يجب أن أكرم، فهناك كتّاب كبار».


بيانكا ماضية

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق