عمر بن عبد العزيز

هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص...، أبو حفص القرشي الأموي، أمير المؤمنين. وأمه أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.


ولد عام (62هـ/682م) بحلوان في مصر، فترعرع في بيئة مصرية اشتهرت بالنعيم، وفي بيئة اشتهرت بالكرم والتقوى. حفظ عمر القرآن الكريم وهو صغير، وما إن بلغ سن الرشد حتى اشتد حرصه على طلب العلم، ورغبته في تعلم الأدب، لذلك طلب من أبيه، عندما أراد أن يخرجه معه إلى الشام، أن يرسله إلى المدينة ليتردد على فقهائها، ويتأدب بآدابهم.


حقّق له والده رغبته، فلازم مشايخ قريش وتجنَّب شبابها، وما زال ذلك دأبه حتى اشتهر ذكره، فشبَّ متفقهاً في الدين، راوياً للحديث عن كثير من الصحابة والتابعين، وعكف على دراسة الأدب، ونَظَمَ الشعر، حتى بلغ مرحلة متقدمة، وكان حجة عند العلماء. فقد قال الإمام أحمد بن حنبل: «لا أدري قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز».


ظل عمر في المدينة حتى وفاة والده في عام (85هـ/704م) وآلت الخلافة إلى عبد الملك بن مروان، فبعث بطلب ابن أخيه إلى دمشق وزوجه ابنته فاطمة وعينه والياً على إمارة صغيرة في الشام هي خناصرة من أعمال حلب. ويبدو أن عبد الملك أراد أن يدربه على الإدارة وفن الحكم. وبقي عمر والياً على خناصرة حتى وفاة عمه عبد الملك في عام (86هـ/705م) وتولية ابنه الوليد الخلافة الذي استمر في التعاون مع ابن عمه، فعيَّنه والياً على المدينة في عام (87هـ/706م).


يعتبر وصول عمر بن عبد العزيز إلى الحكم وعهده حدثاً متميزاً لا في تاريخ الأسرة الأموية فحسب، بل في تاريخ العرب والإسلام عبر العصور، فقد كان رفيع المكانة في الأسرة الأموية، متميزاً بأخلاقه وسلوكه، وحين شعر سليمان بن عبد الملك بدنو أجله ـ وهو في مقتبل العمر ـ تأثر بنصيحة رجل صالح هو «رجاء بن حيوة» بأن يستخلف رجلاً صالحاً وأثنى له على عمر بن عبد العزيز؛ فجعله ولياً لعهده وجعل الولاية من بعده ليزيد بن عبد الملك إرضاءً لأفراد البيت الحاكم.


بايع الناس بالخلافة عمر بن عبد العزيز، فكان عهده بدء فترة جديدة متميزة، استهدفت إحداث تبديل جذري يتناول المفاهيم والأسس السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي سادت المجتمع الأموي، وأراد عمر بسياسته الجديدة تقويم الانحراف الذي ساد الدولة. ولسوء الحظ فقد انتهت هذه التجربة الإصلاحية بموت صاحبها المبكر، فعادت الأمور سيرتها الأولى، بل أوغلت في الانحراف والاستهتار، فأدى ذلك بالحكم الأموي إلى النهاية المحتومة.


كان عمر بن عبد العزيز معروفاً بنزعته الإنسانية وبإيمانه العميق بمبادئ الإسلام وبالجرأة على الجهر، بما يعتقد مهما اشتدت المواقف وصعبت الظروف. تولى في عهد الوليد بن عبد الملك ولاية المدينة، فخفف كثيراً مما في نفوس سكانها من نقمة وكراهية للبيت الأموي، حتى غدت المدينة ملاذاً للفارين من اضطهاد الحَجّاج وطغيانه، وكان ذلك سبباً لعزله بتدخل وإلحاح من الحجاج، مما زاد في محبة الناس له وثقتهم به.


عندما ولي الخلافة اتجهت إليه الأنظار وبخاصة من المعارضين للسياسة الأموية ليقوم بدور المصلح من الفساد والانحراف، فاتجه إلى سياسة الحوار والإقناع بدلاً من سياسة الحرب وسفك الدماء وأمر بسحب الحملة المحاصرة للقسطنطينية وعزل معظم الولاة وعين بدلاً منهم رجالاً من ذوي الكفاءة والصلاح، وعمل على إحقاق الحق أياً كان صاحبه، ورفع الظلم ونشر العدل، وعمل على إلغاء العصبية القبلية، وإصلاح الإدارة بمحاربة جميع أوجه الفساد، واتبع سياسة مالية تقوم على العدل وعدم إرهاق الرعية قائلاً: إن الله بعث محمداً هادياً ولم يبعثه جابياً. وقد لقيت سياسته كل تأييد من قبل الرعية، لكنها لقيت معارضة من أفراد البيت الأموي ومن قبل المنتفعين من السياسة الأموية.


كان عمر بن عبد العزيز بعيداً عن كبرياء الملوك، زاهداً في الملك غير طامع فيه، ولعل الخلافة سعت إليه دون أن يسعى للوصول إليها. ويبدو أن ظروفاً غير عادية، أسهمت في ذلك، أهمها: وفاة الخليفة سليمان وهو يتابع أخبار حملته إلى القسطنطينية التي كان أحد قادتها ابنه داوود، بينما ابنه الآخر كان لا يزال صغيراً، فاستغل رجاء هذا الفراغ وتوصل إلى إقناعه بتولية عمر بن عبد العزيز خليفة له.


أعاد عمر إلى الناس سيرة الخلفاء الراشدين. فما وُلِّي الخلافة خطبهم فقال: «أيها الناس، إنه لا كتاب بعد القرآن، ولا نبي بعد محمد عليه السلام، وإني لست بقاضٍ ولكني منفِّذ، وإني لست بمبتدع ولكني متبع، إن الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس بظالم إلا أن الإمام الظالم هو العاصي، ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عز وجل». وفي رواية أنه قال: «إني لست بخير من أحد منكم ولكنني أثقلكم حملاً، ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ألا هل أسمعتُ؟».


وفي خطبة له في مستهل عهده أنه قال: «من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلا فلا يقربنا: يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها ويعيننا على الخير بجهده، ويدلنا على الخير على ما نهتدي إليه، ولا يغتابن أحداً، ولا يعترض فيما لا يعنيه». فالتفَّ حوله الفقهاء والزهاد وتجنبه الشعراء والخطباء.


توفي عمر بن عبد العزيز في (الخامس والعشرين من شهر رجب عام 101هـ/شهر كانون الثاني عام 720م) وهو بخناصرة من دير سمعان بين حماة وحلب عن عمر يناهز التاسعة والثلاثين عاماً. وكانت مدة خلافته سنتين وخمسة أشهر، ويعتبر عهده من أحسن عهود الخلفاء حتى إن بعض المؤرخين اعتبروه متمماً لعهد الخلفاء الراشدين. وخلفه يزيد بن عبد الملك.


 

مواضيع ذات صلة: