منبج

هيرابوليس: المدينة المقدسة

الموقع:
تقع مدينة منبج (هيرابوليس) إلى الشمال الشرقي من مدينة حلب الحالية على بعد 80 كم بالقرب من نهر الفرات (الشكل 1)، وتقوم على أرض فسيحة ترتفع نحو 398متراً عن سطح البحر، والمعدل السنوي لأمطارها يزيد على 250مم1.


الشكل 1: موقع مدينة منبج/هيرابوليس

يغلب على سكان هذه المدينة العمل بالزراعة أو رعي الماشية إلى جانب بعض الحرف الضرورية لتلبية حاجاتهم. كما استغل سكان المنطقة القدماء وفرة المياه فيها وقربها من سطح الأرض وسهولة تناولها، فأوجدوا أنظمة للري وأنشؤوا أقنية لجر المياه من مسافات بعيدة؛ ولا تزال بعض أمثلتها ظاهرة حتى الوقت الحاضر.

أصل التسمية:
تشكل منبج في الحقيقة المفتاح الأساسي لتاريخ المنطقة كاملة، وأقدم ذكر لها يعود للألف الثاني قبل الميلاد، عندما سيطر الآشوريون على موقع مدينة منبج، وأخذوا بالتوسع لبناء إمبراطوريتهم، وكان ذلك الموقع يسمى آنذاك نامبيجي (Nampige) أي النبع، بينما دعاها الآراميون نابيجو (Nappigu). وقد حُرّف هذا الاسم مع الزمن فأصبح مابوج (Mabug) أي النبع أيضاً، ودعاها اليونانيون باسم بامبيسي (Bambyce)، وفي العصر الروماني عرفت باسم هيرابوليس (Hierapolis) أي المدينة المقدسة2. اعتباراً من العصر البيزنطي، أصبحت منبج «متروبولي» إقليم الفرات، ونقطة عسكرية هامة ضد الفرس الساسانيين، لما كانت تتمتع به المدينة من أهمية دينية، إضافة إلى أهميتها التجارية والعسكرية.

لمحة تاريخية:
كما ذكرنا سابقاً، فأن المعلومات المتوفرة عن مدينة منبج في الألف الثاني قبل الميلاد تتمثل بذكر بسيط جداً خلال الحكم الآشوري، وكذلك الأمر بالنسبة للعصر الآرامي، حيث أن منبج كانت ضمن مملكة «بيت عديني» الآرامية الواقعة بين البليخ شرقاً وضفتي نهر الفرات الأوسط غرباً، وكانت عاصمتها مدينة برسيب (تل أحمر حالياً) الواقعة إلى الجنوب من مدينة جرابلس.

وقبيل سيطرة الإسكندر المقدوني على المنطقة، كانت المدينة تحت حِكم أسرة عبد حدد، وهي أسرة آرامية3، وأصبحت منبج في ظلها مركزاً لعبادة الإلهة آتارغاتيس (ATARGATIS)4 (الشكل 2).

الشكل 2: أترغاتيس دمشق
وبعد سيطرة الإسكندر المقدوني على المنطقة، أعادت زوجة سلوقس الأول (خليفة الإسكندر) بناء معبدها للتدليل على مدى احترام السلوقيين لهذه الآلهة. ومما زاد في أهمية منبج أنها أصبحت خط الدفاع الأول في مواجهة الفرس في العصر الهلنستي، واستمرت في لعب هذا الدور في العصرين الروماني والبيزنطي فيما بعد. وقد كانت المدينة محصنة بسور منيع تعرض للتخريب والتهدم بعد هجرها. في عهد الإمبراطور جوستنيان، اتخذها قاعدة له بعد أن أمر بترميم أسوراها وأخذت الجيوش تنطلق منها للإغارة على بلاد الفرس؛ وفي العصور المتأخرة، أخذت حجارة السور وأبنية المدينة لاستعمالها من قبل الأهالي في بناء منازلهم إضافة إلى حجارة أبنية المدينة الأخرى. وحتى الوقت الحاضر لا تزال هذه القطع الحجرية موجودة داخل المنازل التي تم تمثل أجزاء من أعمدة، وقواعد أعمدة، وسواكف5 (الشكل 3).

الشكل 3: عناصر أثرية معاد استخدامها

وعندما بدأت الفتوحات العربية الإسلامية كانت منبج تحت الحكم البيزنطي، إلا أنها تحررت على يد أبي عبيدة، وبقيت المدينة بعدها نقطة حدود أيام العصر العباسي خاصة في عهد الخليفة هارون الرشيد 786م الذي أعاد تنظيم الحدود الشمالية لدولة الخلافة العباسية، فعمد إلى فصل منبج عن جند قنسرين وجعلها مركز منطقة العواصم الجديدة والتي تضم المناطق الحدودية السورية والجزيرة العليا، وبذلك أصبحت تُشكل خط التماس الأول مع البيزنطيين. وفي زمن سيف الدولة الحمداني، استعرت المعارك بين الدولة الحمدانية والبيزنطيين، وقد زادت أعباء سيف الدولة مع أنه وقَّع مع الإخشيديين خلفاء الطولونيين صلحاً في عام 945م حصل بموجبه على إقليم واسع يتألف من عواصم أنطاكية ومنبج؛ في حين استعادت هذه الأخيرة أهميتها بسبب قربها من مدينة حلب ولثروتها الزراعية، وقربها من نهر الفرات قرب معبر على النهر دعي باسم جسر منبج حيث تقوم قلعة نجم، وفي الواقع أن منبج بقيت هدفاً للبيزنطيين خلال النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي، مما جعل الحرب بين الطرفين شبه مستمرة.

أصبحت منبج بعد ذلك تحت سلطة الزنكيين، حتى احتلها صلاح الدين الأيوبي 1176م. وبوفاة الملك الصالح أيوب ملك مصر، واغتيال ولده توران شاه، انتقل الحكم إلى المماليك؛ وقد تعرضت بلاد الشام خلال حكمهم إلى غزوين: أولهما بقيادة هولاكو المغولي الذي 1258م، أما الغزو الثاني فكان بقيادة تيمورلنك، الذي غزا في عام 1401م شمال سورية، واستولى على مدينة حلب ومنبج، وهدم هذه الأخيرة بعد أن فتك جنوده بسكانها، كما فعلوا ذلك بحلب ودمشق.

وفي عام 1517م كان آخر سلاطين المماليك قونصوه الغوري الذي هزمه العثمانيون في معركة مرج دابق قرب حلب، وبذلك انتقلت السيادة من المماليك إلى العثمانيين، وأصبحت منبج جزءاً من أملاك السادة الجدد، وفقدت المدينة أهميتها بعد ذلك التاريخ ولم يطرأ عليها أي تغيير في ظل الحكم العثماني سوى أنها استقبلت أفواجاً من الشركس المهاجرين من القوقاز عام 1878م ليقيموا فيها ويصبحوا من مواطنيها.

منبج في كتابات المؤرخين والرحالة:
عاش لوسيانوس السمسياطي في القرن الثاني الميلادي، وهو أقدم المؤرخين وأهمهم الذين تحدثوا عن هيرابوليس6، وقد تحدث عن قصة بناء المعبد والطقوس المكرسة للآلهة آتارغاتيس ومعبدها وبحرتها المقدسة، ورغم وجود الكثير من المعلومات التي تدخل إطار الأسطورة. إلا أن كتاباته تعتبر في غاية الأهمية وهي الوحيدة الموجودة عن مدينة هيرابوليس ومعبدها من ذلك العصر. نجد بعد ذلك ذكر للمدينة في كتابات الرحالة العرب ومنهم ياقوت الحموي الذي ذكر مدينة منبج وسورها بما يلي: «كان على منبج سور مبني بالحجارة محكم، بينها وبين الفرات ثلاثة فراسخ وبينها وبين حلب عشرة فراسخ، شربهم من قُنِيٍّ تسيح على وجه الأرض، وفي دورهم آبار كثيرة، أكثر شربهم منها لأنها عذبة صحيحة»7.

كما وصفها ابن حوقل بقوله: «وبالقرب من بالس8 توجد مدينة منبج، حصينة، كثيرة الأسواق القديمة.. والمدينة حصينة عليها سور أزلي، روحي وبقربها مدينة سبخة»9.

وقد تعرضت المدينة وسورها وأبنيتها للتخريب والدمار، ولم يتبقَ منها إلا بعض الأجزاء البسيطة التي سنأتي على ذكرها لاحقاً، وهذا الدمار الذي لحق بالمدينة بدأ في عام 748م جراء زلزال تسبب بهدم العديد من دورها، وتبعه زلزال آخر عام 1345م، والغزو المغولي عام 1401م على يد تيمورلنك ووقوعها في يد الحكم العثماني فيما بعد وفقدان أهميتها وهجر مبانيها.

من المعروف أنه خلال القرن العشرين، كانت لا تزال بعض البقايا الأثرية ظاهرة في المدينة خصوصاً السور، والمشكلة الحقيقية حالياً تكمن بعدم وجود أي دراسة ميدانية لتلك البقايا خصوصاً بعد أن اختفى معظمها في الوقت الحاضر بسبب أعمال البناء الحديثة والتوسع العمراني لمدينة منبج، لا سيما بعد انتقال عدد كبير من سكان الفرات إلى منبج بعد أن غُمرت قراهم وأراضيهم.

البقايا الأثرية في المدينة:
إن المشكلة التي تعترض الآثاريين والمهتمين بتاريخ هيرابوليس (منبج) تتمثل باندثار أغلب المباني الأثرية التي تعود للعصور الكلاسيكية وما بعدها، ومن جهة أخرى التوسع العمراني الذي شهدته المدينة خلال السنوات الأخيرة من القرن العشرين، أضاع فرصة إجراء أعمال تنقيب داخل المدينة كما هو الحال في المدن المأهولة. وبالتالي تلعب الصدفة بين الحين والآخر الدور الأساسي في الكشف عن بعض البقايا الأثرية التي لم تتعرض للتخريب. أما خرائب هيرابوليس فلم تنقب بعدُ ولا يوجد أي وصف مفصل للمدينة ولا حتى أي مخطط دقيق لها. إلا أنه يمكننا الاستدلال على موقع المعبد، والأكروبول، وبعض أجزاء السور المتأخر التي لا تزال ظاهرة، والحي البيزنطي، ومنطقة المدافن.

1- المعبد: يحتل مكانه حالياً ملعبُ منبج وقسم من الحديقة العامة (الشكل 4)، وحتى الوقت الحاضر لا نملك أية وثائق أثرية عن هذا المعبد باستثناء الوصف الذي أتى على ذكره لوسيانوس في كتابه الآلهة السورية، حيث يذكر قصة بناء المعبد والطقوس التي كانت تجري ضمنه ومن المناسب هنا أن نأتي على موجز لوصف لوسيانوس لهذا المعبد.

الشكل 4: الملعب حالياً حيث كانت بحرة المعبد

يذكر لوسيانوس أن معبد هيرابوليس من أعظم المعابد قداسةً وإجلالاً، ومن أغنى المعابد التي عرفها، فالثروات تأتيه من الجزيرة العربية ومن الفينيقيين والبابليين والآشوريين، حتى أن عدد الاحتفالات الدينية وكثرة الحجاج لا يبلغ عند أي شعب آخر ما يبلغه شعب هيرابوليس.

ويتابع لوسيانوس قصة بناء المعبد ويروي أنه سمع العديد من الأساطير حول بناء المعبد، إلا أنه لا يأخذ بها، ويسرد قصة بنائه على أن الصرح القائم اليوم (يُقصد بذلك أيام لوسيانوس القرن الثاني الميلادي) ليس هو نفسه الذي بُني في الأصل. إن المعبد القائم اليوم هو من بناء ستراتونيس -زوجة أحد الملوك الآشوريين-، وهي المرأة التي عشقها ابن زوجها، حيث أن الابن وقع طريح الفراش وأخذ جسمه يذبل يوماً بعد يوم، حتى كشف الأمر أحد الأطباء. ويروي لوسيانوس عن عبقرية الطبيب في كشفه للمرض بعد أن علم بعدم وجود أي علة، حيث طلب الطبيب من الملك أن يستدعي جميع من في القصر ووضع يده على قلب الشاب الذي بدا ساكناً حتى وصول زوجة أبيه حيث أخذ قلبه بالخفقان وتصبب عرقاً، وهنا كشف الطبيب للوالد عن مرض ابنه فما كان من الملك إلا أن نقل له زوجته ومملكته.

ويذكر أن ستراتونيس رأت حلماً وقد أمرتها الآلهة هيرا ببناء معبد تكريما لها في هيرابوليس، فتروي ستراتونيس حلمها لزوجها ويرسلها إلى هيرابوليس مع المال والجند لبناء المعبد، ويستدعي الملك أحد أصدقائه المخلصين ليرافق زوجته، وكان شاب رائع الجمال يدعى كومبابوس. وما أن علم كومبابوس بمهمته حتى ألح على الملك إعفائه من هذه المهمة، إلا أن الملك أصر على رأيه وهنا ما كان من كومبابوس إلا أن ذعن لرغبات الملك وطلب منه مهلة ليستعد للسفر، حيث عاد كومبابوس لمنزله شاكياً بؤسه، وتوصل إلى قرار يبعد عنه أي قلق بمرافقته لزوجة الملك وهو أن يصبح عاجزاً، حيث قطع عضوه التناسلي ووضعه في إناء وختمه وقدم الإناء للملك قائلاً: «مولاي لقد كان هذا الإناء أثمن ما أحتفظ به عندي، واليوم أعهد به إليك طالما أني انطلق في رحلة طويلة».

وخلال مدة بناء المعبد وقع ما كان يخشاه كومبابوس، حيث أن ستراتونيس التي كانت تقضي معظم الوقت معه بدأت تحبه وبدأت تتحين الفرصة لتكشف له عن حبها، فوصلت الأخبار إلى الملك وقد أصاب الملك حزنٌ عميقٌ، فاستدعى كومبابوس دون أن ينتظر انتهاء العمل، إلا أن كومبابوس كان مطمئناً حيث أنه ترك دليل براءته لدى الملك، وما أن وصل حتى أمر الملك بإيداعه بالسجن. ولما مثل أمام الملك أتهم بالخيانة وسوء ائتمانه وسلوكه السيئ اتجاه الآلهة وعقوبة ذلك الموت، ولما أحس كومبابوس بأنه سينقاد للعقوبة، بدأ بالكلام وطالب بإحضار وديعته وعندما استلم كومبابوس الإناء فض الختم وأظهر ما في الإناء وكشف هو نفسه عن الحالة التي آل إليها، وخاطب الملك قائلاً: «لما أردتني في هذه الرحلة فإني وافقتُ مرغماً، ولما جلبت أوامرك علي ضرورة قاسية قمتُ بما تراه، وهو صنيع يليق بمولاي». ولما شاهد الملك ما قام به كومبابوس وسمع كلماته، عانقه الملك باكياً وعاقب الوشاة بالموت وغمر كومبابوس بالهبات والعطايا.

وطلب كومبابوس من الملك أن يسمح له بالعودة لإكمال بناء المعبد، حيث أكمله وقضى فيه ما بقي من حياته. ويروي لوسيانوس أنه تم تكريم كومبابوس بأن نحت له تمثال من البرونز ووضع في المعبد، وقد رآه بنفسه وهو على شكل امرأة إنما في ثياب رجل، وأن الكثير من أصدقاء كومبابوس قد خصوا أنفسهم وانتظموا في نوعية الحياة نفسها التي عاشها كومبابوس، وأصبحت عادة متبعة في المعبد.

أما عن موقع المعبد، فيحدثنا لوسيانوس أنه أقيم على تلة وهو محاط بسور مزدوج، ويتجه نحو الشمس، ويتم الولوج إليه عن طريق مصطبة حجرية، يليها مدخل الهيكل المزدان بأبواب ذهبية. كذلك الأمر بالنسبة لداخل المعبد، الذي يحتوي على مصلى مخصص للكهنة فقط وقد وضع فيه تمثال من الذهب لهيرا وآخر لزيوس.

وبالقرب من المعبد توجد بحيرة كانت تحتوي على أنواع مختلفة من الأسماك، وفي وسطها يرتفع مذبح حجري تُحرق فوقه العطور باستمرار. وكان الكثير من الناس يأتونه يومياً سباحة ويحملون معهم القرابين إيفاء لنذر ما. وعلى شاطئ هذه البحيرة كانت تقام احتفالات كبرى تدعى النزول إلى البحيرة، حيث كانت تنزل كافة تماثيل الآلهة وفي مقدمتها تمثال هيرا. ويذكر لوسيانوس العديد من الأعياد التي كانت تجري ضمن المعبد، وأهمها عيد بداية الربيع؛ كما يتحدث عن الطقوس التي تجري ضمن هذا العيد10.

حاولنا من خلال الموجز أن نظهر ما وصف به لوسيانوس معبد هيرابوليس، وللأسف لا توجد بين أيدينا أية وثائق عن مخطط المعبد ومنشأته، إلا أن ما تجدر الإشارة إليه أن سكان مدينة منبج وقبل أن يُبنى الملعب كانوا يستذكرون وجود بحرة كانت تتجمع فيها المياه وكانوا يسبحون ضمنها وأنها كانت تحتوي على سمك. وفي عام 2010، تم إجراء بعض الأسبار الأثرية11 داخل الملعب بعد العثور على بقايا جدران أثرية مؤرخة على العصر البيزنطي؛ كما تم الكشف عن حدود البحرة المقدسة. ونأمل في السنوات القادمة أن متابعة أعمال التنقيب ضمن الحديقة المجاورة للملعب حيث تقبع بقايا معبد هيرابوليس.

2- السور: يصف فرانز كومون12 الذي زار المدينة عام 1907 سورَ المدينة، حيث تطلب ذلك أكثر من ساعتين للدوران حوله وهو بحالة جيدة مع الخندق الذي يسبقه، وأن حجم الخرائب الذي تحتويه المدينة عظيم بامتداده، وهو يشكل مقلعاً واسعاً يستغله السكان لبناء منازلهم.

وحالياً اندثرت أغلب أجزاء السور وحلت مكانه أبنية سكنية، إلا أنه يمكننا أن نشاهد بعض الأجزاء، حيث يتطلب هذا الأمر مزيداً من البحث والدقة لا سيما وأنها تقع داخل المنازل أو أسفلها، وهذه الأجزاء تعود لعصر جوستنيان وأعمال الترميم التي أمر بها أثناء استقراره في المدينة. وتتوضع هذه الأجزاء في الجهة الشمالية والشرقية، أما أجزاء السور في الجهة الجنوبية والغربية فهي مخربة بالكامل ولم يتبقى منها ما هو ظاهر (الشكل 5).

الشكل 5: بقايا السور الشمالي

3- الأكروبول: يتوضع ضمن الحي القديم في المنطقة العليا من منبج وما يعرف باسم منطقة القلعة من قبل الأهالي، وضمن هذه المنطقة نجد جداراً مبنياً بقطع حجرية كبيرة مخرب نتيجة الأعمال الحديثة من قبل الأهالي. ويتألف الأكروبول من حجارة كلسية طرية مبنية بشكل متناوب بأحجار طولية ومن ثم عرضية. من الأرجح أنه يعود للعصر الروماني (الشكل 6).

الشكل 6: بقايا جدار في منطقة الأكروبول

4- الحي البيزنطي: كما ذكرنا سابقاً، كان للصدفة دورٌ كبير في الكشف عن البقايا الأثرية، ففي تاريخ 25 تشرين الثاني 2008 وأثناء قيام آليات مجلس المدينة بشق طريق، تم الكشف عن لوحة فسيفساء تم تأريخها على العصر البيزنطي13 تضم رسومات حيوانية ونباتية (الشكل 7)؛

الشكل 7: لوحة الفسيفساء المكتشفة بالصدفة
كما تم العثور على بقايا لوحة أخرى في نفس المنطقة، إضافة إلى بقايا جدران ومنشآت أثرية وذلك في الجزء الشمالي الشرقي من مدينة منبج. وقد تم الكشف عن منطقة المدافن المؤرخة على نفس العصر14، وذلك في الجزء الشرقي من المدينة، وهذه المدافن محفوظة بحالة جيدة خصوصاً رسوماتها الجدارية ذات المواضيع الهندسية والنباتية (الشكل 8)، والتي تقدم معلومات هامة عن العمارة والطقوس والعادات الجنائزية في المنطقة خلال العصر البيزنطي.

الشكل 8: الرسومات الجدارية داخل المدفن

ختاماً يمكن القول أنه حتى الوقت الحاضر لا توجد معلومات كافية عن تاريخ المدينة، لا سيما وأن المدينة لم تأخذ نصيباً كافياً من الأعمال التنقيبية والدراسات الأثرية، خصوصاً وأنها كانت تتمتع بأهمية دينية واقتصادية وعسكرية كبيرة خلال العصرين الهلنستي والروماني، فضلاً عن الأهمية الفنية والتي تتجلى بوضوح في الأعمال النحتية المعروضة في الحديقة العامة (الشكل 9)،

الشكل 9: أحد الأعمال النحتية المعروضة في حديقة منبج
والتي عُثر عليها بالصدفة أثناء أعمال البناء في المدينة. لقد كانت منبج مركزاً هاماً لفن النحت الذي تميز بمفهوم جمالي محلي تأثر بالفنون السورية خاصة الفن التدمري، حتى أن بعض الباحثين وصفوا هذا الفن على أنه امتداد للمدرسة الفنية التدمرية15. وسواء أكانت امتداداً للفن التدمري أم كانت مدرسة فنية مستقلة، فإن الاثنين معاً يندرجان ضمن ما ندعوه الفن السوري خلال العصر الكلاسيكي.

عمل نحتي آخر في حديقة منبج

الهوامش:

1. حتي، فيليب: 1982، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، ج 1، بيروت، ص 186.

2. هيرابوليس: أي المدينة المقدسة عرفت بهذا الاسم لما لها من حرمة دينية لدى سكانها، ولما تحتويه من معابد وثنية يحج إليها الألوف من الناس وبخاصة الوثنيون فيهم لحضور الاحتفالات الدينية التي كانت تقام فيها، والتي يشرف على تنظيمها وتنفيذها رئيس كهان المدينة، وكان يتميز عن الآخرين بلباسه الأرجواني اللون. وكانت أعظم آلهة هيرابوليس الإلهة أتارغايتس Atargatis.

3. يذكر أن المدينة بلغت أوج إشعاعها الحضاري قبل الغزو المقدوني وذلك في عهد أسرة عبد حدد، وهناك قطعة نقدية تم العثور عليها تحمل على الوجه نقش لوجه الربة آتارغاتيس تضع غطاء على وجهها ووشاحاً على رأسها مترافقة باسمها باللغة الآرامية، وعلى الوجه الآخر كتب اسم عبد حدد باللغة الآرامية أيضا ومثل على شكل ملك-كاهن وقد حكم منبج حوالي 332 ق.م. انظر
DUSSAUD R; Topographie historique de la Syrie antique et médiévale, p. 475.
GOUIDE to the priricipalcoins of the Greeks, London, 1965, p. 53

4. آتارغاتيس ATARGATIS: وهي نفسها هيرا الآشورية ويقال أن أصلها بابلي وقد توجت آلهة الخصب إلى جانب الآلهة الفينيقية عشتروت، وقد رأى اليونان فيها أفروديت، ولم تكن آتارغاتيس خاصة بمدينة هيرابوليس وإنما كانت عبادتها منتشرة في كافة معابد سورية. وأن الآلهة كانت واحدة إنما كانت تبدو عدة آلهة من خلال تعدد أسمائها وتعدد أشكالها. للمزيد عن الآلهة آتارغاتيس انظر
DUSSAUD R; 1904, Note de mythologie Syrienne, Revue archéologique, Paris, p. 225-226.

5. وصفي، زكريا: 1934، جولة أثرية في البلاد الشامية، دمشق، ص 219.

6. لوسيانوس السمسياطي LUCIANUS S: 120- 180 م ولد في ساموساتا (سمساط) من أعمال سورية على الضفة اليمنى لنهر الفرات وإلى هذه المدينة ينسب، و هو أحد كبار كتاب وفلاسفة القرن الثاني الميلادي وينسب له أكثر من ثمانين مؤلفاً، رحل إلى أثينا في سن الأربعين حيث هجر البلاغة وتعلق بالفلسفة وطور نوعا من المحاضرات ذات الطراز الأفلاطوني جعلته مشهورا في عصره ودفعت روما إلى أن تعهد إليه وظيفة حكومية لصالحها في مصر حيث يعتقد أنه قضى نحبه هناك.

7. الحموي، ياقوت: 1977، معجم البلدان، ج 5، بيروت، ص 206.

8. بالس: هي نفس موقع مدينة إيمار على الفرات.

9. ابن حوقل: 1979، صورة الأرض، بيروت، مكتبة الحياة.

10. مونييه، ماريو: 1992، الآلهة السورية، ت. موسى الخوري، أبجدية المعرفة، 7، دمشق، ص 25- 56.

11. في عام 2010 تم تشكيل بعثة مشتركة سورية-فرنسية ينوب عن الجانب السوري همّام سعد، وعن الجانب الفرنسي جوستين غابوريت لإجراء أسبار أثرية داخل الملعب بعد العثور على بقايا جدران أثرية حيث تم الكشف عن حدود البحرة المقدسة ونتائج عمل البعثة لم تنشر بعد.

12. CUMONT F; Etudes Syriennes, p. 22-24.

13. للمزيد يمكن الرجوع الخبر على الرابط التالي:
http://www.esyria.sy/ealeppo/index.php?p=stories&category=news&filename=200811271630018

14. للمزيد يمكن مراجعة الخبر على الرابط التالي:
http://www.syria-online.net/اكتشافات-أثرية-جديدة-جدران-مبنية-من-حج.html
15. شعث، شوقي: 1989، تمثالان مصادران من منبج، الحوليات الأثرية السورية، م 38+39، المديرية العامة للآثار والمتاحف، دمشق، ص 53 وما بعد.

همام شريف سعد

اكتشف سورية