هارون الرشيد


الدولة العباسية

أبو جعفر هارون الرشيد 170-193هـ/786-809م


هو هارون الرشيد، أمير المؤمنين، ابن المهدي، القرشي الهاشمي أبو جعفر وأمه الخيزران، أم ولد.


بويع له بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي في شهر ربيع الأول عام 170هـ/ شهر أيلول عام 786م بعهد من أبيه المهدي وعمره خمسة وعشرين عاماً.


ظهرت عليه ملامح النجابة والذكاء منذ صغره، ولما أصبح شاباً همَّ والده أن يرشحه للخلافة من بعده مباشرة، وشجعته الخيزران على ذلك لأنها كانت تؤثره على أخيه الهادي.


يُعتبر الرشيد من أوسع الخلفاء العباسيين شهرة، وقد تجاوزت شهرته الشرق، ووصلت إلى الغرب حيث تناولها المجتمع الغربي بالتحليل والدراسة، وحاول بعض ملوك أوروبا التقرب منه، واكتساب مودته.


لقد امتزجت في أخباره حقائق التاريخ بخيال القصص، واتصف بمجموعة من الصفات الشديدة الاختلاف، والتي قلَّما تجتمع في شخص واحد. فهو سياسي بارع فيه حزم المنصور وعنفه وأساليبه مع مرونة واضحة وسخاء بالمال لاصطفاء الناس، شديد الاهتمام بشؤون الرعية، يطوف في الأسواق، ويغشى المجالس، متنكراً، ليقف على أحوال الناس، شديد الإحساس، حاد المزاج، سريع التأثر، يثور غضباً ويفرط في الانتقام، وقد ترق عواطفه فيبكي، ويظهر رحمة متناهية، وعطفاً كبيراً.


يحب الشعر والأدب والفقه، قرَّب الشعراء والمغنين والأدباء والفقهاء وأكرمهم، وشجع حركة التعريب، ويبدو أنه كان ذا ملكة شعرية وأدبية، اتسمت جلساته الليلية بالمناقشات الفكرية الرفيعة.


والواقع أن هذه الصور المتباينة للرشيد كانت انعكاساً للعصر الذي عاش فيه، ولتربيته التي تربى عليها، ولطبيعته النفسية، فقد كان عصره، عصر بذخ بما توفر من موارد وأموال وتقدم علمي وفلسفي. وتربى في بيئة مترفة، ونشأ نشأة جهادية وقيادية.


يُعتبر عصر هارون الرشيد، العصر الذهبي لدولة الخلافة العباسية. فقد بلغت في عهده درجة لم تصل إليها من قبل، فأصبحت مركز التجارة العالمية، وكعبة رجال العلم والأدب. أما شخصيته فتمثل تاريخ عصر أكثر مما تمثل تاريخ إنسان.
اختار الرشيد في عام 175هـ/791م ابنه محمد الأمين ولياً للعهد مع أنه لم يكن قد تجاوز الخامسة من عمره وفضله على أخيه الأكبر عبد الله المأمون بتأثير من زوجته زبيدة وأخواله بني هاشم والفضل بن يحيى، إلا أن بعض بني هاشم أنكروا بيعته نظراً لصغر سنه.


وفي عام 183هـ/799م بايع الرشيد لابنه عبد الله المأمون بولاية العهد بعد الأمين، وولاَّه خراسان وما يتصل بها من همذان إلى آخر المشرق، وكان ذلك بتأثير جعفر بن يحيى.


وفي عام 186هـ/802م بايع الرشيد لابنه القاسم بعد المأمون ولقبه المؤتمن وولاَّه الجزيرة والثغور والعواصم، وكان ذلك بتأثير عبد الملك بن صالح مربي القاسم.


وهكذا وقع الرشيد في خطأ أسلافه، بفعل خشيته على الحكم من بعده. وبدا هذا التعيين لأولياء العهد وتجزئة الدولة بينهم؛ وكأنه خطر يهدد الدولة بالحرب الأهلية. وفعلاً أدَّى التنافس بين الأخوين الكبيرين المأمون والأمين، في حياة الرشيد، إلى تخوف الخليفة على مستقبل الدولة بعد وفاته. لذلك عقد عدة جلسات متتالية لبحث هذا الموضوع مع وزرائه ومساعديه، وأقرَّ الرأي على أخذ العهود على الأميرين في الكعبة بالوفاء بما في تسمية العهد الخاصة بكل منهما.


وحجَّ الرشيد في عام 186هـ/802م واصطحب معه ولديه لتنفيذ ما اتفق عليه. فأخذ العهد عليهما بألا يتدخلا في شؤون بعضهما البعض، وفي شؤون أخيهما المؤتمن. وعلَّق نسخة من العهد في فناء الكعبة ليزيد في قدسيته وليؤكد تنفيذه.


خرج الرشيد من بغداد في عام 193هـ/808م قاصداً خراسان لوضع حد لثورة رافع بن الليث، واستخلف ابنه محمد الأمين على بغداد، واصطحب معه ابنه عبد الله المأمون. وكان الرشيد يشكو من علة في بطنه ويرتدي حزاماً من حرير لتسكين الألم. ولما وصل إلى طوس في شهر صفر، اشتدت عليه العلة حتى عجز عن القيام. وتوفي ليلة السبت في شهر جمادى الآخرة 193هـ/ شهر آذار عام 809م.


 

مواضيع ذات صلة: