الرؤيا الجمالية في فكر العقاد تنال امتيازاً

05/23/2010

للطالب -الدكتور- ياسر عبد الرحيم

كانت لحظة استثنائية سيبقى يذكرها فترة طويلة، كذلك سيبقى ابنه الصغير يعيشها طويلاً وهو يرى والده يُحتفى به أمام جمع غفير، وستبقى ماثلة في ذاكرة العائلة والأصدقاء. إنها لحظة نيله درجة الدكتوراه، لحظة يتغيّر فيها مجرى حياته بتفاصيلها. تأملوا الدكتور ياسر عبد الرحيم وهو ينتظر نتيجة عمله وحصوله على اللقب الذي سيعني له الكثير. لحظة لن يدركها سوى من جرّب حلاوتها وثقلها الذي يحمّله مسؤوليات جمة.

فقد دعت كلية الآداب والعلوم الإنسانية لحضور مناقشة رسالة الدكتوراه التي أعدها الطالب ياسر عبد الرحيم بعنوان «الرؤيا الجمالية في فكر العقاد»، بإشراف الأستاذ الدكتور حسين الصديق، وذلك يوم الخميس الماضي 20 أيار 2010 على مدرج إيبلا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة حلب. وتألفت الدراسة من مدخل وأربعة فصول، عرض المدخل تحديد مصطلح الرؤيا الجمالية التي هي نتاج علاقة الإنسان الاجتماعي الثقافي بالواقع، وموقفه من الله والإنسان والكون. وتحدث الفصل الأول عن التيارات الاجتماعية الثقافية، والتاريخية السياسية وأثرها في صياغة الرؤيا الجمالية في فكر العقاد، ودرس الفصل الثاني نظرية المعرفة، من خلال تحديد مفهوم الإنسان والمعرفة في فكر العقاد، وهي دراسة لتوضيح الأسس الثقافية التي يقوم عليها مفهوم الجمال، ودرس الفصل الثالث مفهوم الجمال، فقدّم مدخلاً عن الفكر الجمالي، ومن ثمَّ درس المقولات الجمالية كما ظهرت في فكر العقاد، وتمثلت بدراسة الجمال والجلال والقبح، ثمَّ ناقش الموضوع الجمالي وطبيعته، من خلال دراسة الجمال الطبيعي والجمال الإنساني والجمال الفني. واهتمَّ الفصل الرابع بالأدب وقضاياه الجمالية، فدرس أداة الأدب (اللغة)، والشكل والمضمون والإبداع الفني، وتناول مفهوم الشعر ووظيفة الأدب والوحدة الفنية في القصيدة، كما درس عناصر الشعر المتمثلة في العاطفة والخيال والموسيقى. وقد خلصت الدراسة إلى أنَّ البحث في مفهوم الجمال هو دراسة علم الجمال، والقضايا التي تم تناولها في هذه الدراسة تمثل الرؤيا الجمالية في فكر العقاد. وأنَّ دراسة نظرية المعرفة، ومفهوم الجمال، والأدب وقضاياه الجمالية، هي في إطار علم الجمال، لأنَّها قضايا فلسفية بما تؤديه من وظائف معرفية تزوّد المتلقي بالثقافة اللازمة لبناء عقله، ونقله من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل بأسلوب جمالي وفني. وقد دافع الباحث عن أطروحته بادئاً بالقول إنَّ في ثقافتنا العربية مقومات كثيرة تشكل تياراً كبيراً يرسم مفهوم الجمال لدينا، ويحكم نتاج المبدعين العرب المسلمين طوال قرون عدة. وهو تيار استوعب ما عند الثقافات الأخرى في القرون الأولى، وخضع لمنظومة المفهومات الثلاثة: الله، والإنسان، والكون، وقدَّم مفهوم الله على مفهومي الإنسان والكون. ورأى أن عباس محمود العقاد ذو ثقافة موسوعية، ومؤلفاته تمثل ثقافة عصره، وامتازت كتاباته بالبحث والتحليل والدقة، وهو متنوع الثقافة بين الأصالة والتجديد، فقامت مؤلفاته على استيعاب الثقافتين العربية والغربية معاً. ومن هنا فإنَّ دراسة الرؤيا الجمالية لديه يمكن عدّها صورة عن هذا الفكر الجمالي العربي، فأفكاره الجمالية لا تمثل رؤيته الفردية فقط، وإنَّما تمثل أبرز المفاهيم الجمالية التي يمكن رصدها في ذلك العصر. وختم الباحث كلامه بالقول: «إنَّ البنية الأساسية التي تثبت أصالة الرؤيا الجمالية في فكر العقاد هي المعرفة التي انطلق العقاد منها إلى مفهومي الجمال والأدب، فالمعرفة لا يمكن تجاهلها أو الغض من شأنها، إضافة إلى واقعه الاجتماعي الثقافي الذي كوّن تلك الرؤيا.

وقد تألفت لجنة الحكم من السادة الأساتذة الدكاترة: فؤاد المرعي، أحمد زياد محبك، مصلح النجار، ماجدة حمود، والمشرف حسين الصديق.

بعد عرض الباحث أطروحته وسماع ملاحظات لجنة الحكم ومناقشتها، قررت اللجنة منح الطالب ياسر عبد الرحيم درجة الدكتوراه في الآداب بدرجة ممتاز وعلامة قدرها 87 درجة.


من حضور جلسة مناقشة رسالة الدكتوراه
للباحث ياسر عبد الرحيم

آراء في أطروحة ياسر عبد الرحيم حول العقاد:
الدكتور فؤاد المرعي من لجنة التحكيم حدثنا عن رأيه فيما قدمه الباحث ياسر عبد الرحيم في أطروحته فقال: «أتفق مع كثير من الأفكار التي وردت في الرسالة لكني أختلف مع أفكار أخرى، وموضوع الغوص في الرؤيا الجمالية في أطروحات الدكتوراه فكرة رائعة وغير مطروقة من ذي قبل، والجهد المبذول من قبل ياسر كان واضحاً ومتميزاً لكن هذا لا يغني عن الاختلاف، وقد برزت شخصية الباحث ياسر عبد الرحيم من خلال دفاعه عن بعض أفكار معينة، والحق أننا كنا نفتقد لمثل شخصية الباحث ياسر في كثير من الأطروحات السابقة».

من جانب آخر قال الأستاذ الدكتور أحمد زياد محبك: «البحث يدور حول علم من أعلام الثقافة العربية هو عباس محمود العقاد، وهو بحث جريء تقدم به الباحث ياسر عبد الرحيم، وخاض تجربة دراسة الأفكار الجمالية عند العقاد، والباحث متمكن من بحثه وواع لما يكتب، وبحثه استوفى الرؤيا الجمالية في فكر العقاد ولم يخلٌ من بعض الأخطاء في الأحكام التي أطلقها عن العقاد والتي خطأ بها العقاد، ونحن نوافقه في بعضها ونخالفه في بعضها الآخر».

بينما قالت الأستاذة الدكتورة ماجدة حمود: «دراسة العقاد صعبة ومما يحمد للباحث ياسر أنه استطاع فهم العقاد ودراسة نتاجه الجمالي، وهي دراسة صعبة وشاقة في آن معاً، وهناك بعض الأخطاء التي وقع بها الباحث وهي طبيعية، ولا تمس جوهر البحث، فمما يحمد للباحث لغته الجيدة واستيعابه لما يكتب».

أما الدكتور مصلح النجار من الجامعة الهاشمية في الأردن، فحدثنا عما اتفق مع البحث وما اختلف عنه فقال: «أنا مطلع بشكل كبير جداً على المشهد الأكاديمي ومستوى الدراسة الأكاديمية لأقسام اللغة العربية في معظم أنحاء الوطن العربي، وأطروحة اليوم لديها سوية أعلى مما قدم وشاهدنا وناقشنا، لمسنا الجرأة في الطرح وتقديم الفكرة، وبقليل من التنقيح وبعض اللمسات الإضافية سيكون لهذه الدراسة مكانتها الكبيرة التي سيتخذ بها ضمن إطار الدراسات الجمالية العربية عموماً، أتفق مع ما قدم من طرح في مسألة الأحكام الصارمة والتي برز تشدد الباحث في إطلاقها سواء أكان في حالة الإعجاب أم المخالفة، وعلى الرغم من ميلي لأسلوب العقاد وأفكاره لكني لا أميل إلى تطرفه وهذا ما تأثرت به الأطروحة، بالمحصلة القارئ العربي سيكون مسروراً بما قدم له من دراسات أكاديمية في هذا الجانب، لأن الدراسة الأكاديمية في الغالب سويتها أعلى بكثير مما يقدم من دراسات عشوائية».

من جهته تحدث الدكتور حسين الصديق المشرف على أطروحة الدكتوراه المقدمة عن رأيه في هذه الأطروحة من حيث النوعية واختيارها لمجال البحث والمناقشة فقال: «الأطروحة رائدة في مجالها، بمعنى أنها الأولى من نوعها، فهي أول أطروحة دكتوراه في الرؤيا الجمالية في الأدب الحديث، واستطاع باحثها (ياسرعبد الرحيم) أن يكون صاحب اختصاص سلفاً، وهذا البحث هو إنجاز له باعتباره خطوة أولى بالنسبة إليه حتى يكمل بها مسيرته، على الرغم مما قيل من قبل لجنة التحكيم إلا أن الإيجابيات لم تذكر إلا في إطارها العام فقط وهذا متعارف عليه في مناقشة أطروحات الدكتوراه والماجستير عموماً».

من اليمين: الدكتور أحمد زياد محبك، الدكتور فؤاد المرعي،
والدكتور مصلح النجار

والتقينا الباحث ياسر عبد الرحيم الذي وحدثنا عن بحثه قائلاً: « عباس محمود العقاد ذو ثقافة موسوعية، ومؤلفاته تمثل ثقافة عصره، ويمكن عدّها وثيقة تحتوي على صورة عريضة للحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية التي شهدها عصره، فقد اشتغل بالأدب والفلسفة والاجتماع والنقد والتاريخ والسياسة والتراجم، وامتازت كتاباته بالبحث والتحليل والدقة، وهو متنوع الثقافة بين الأصالة والتجديد، فقامت مؤلفاته على استيعاب الثقافة العربية والغربية معاً، ومن هنا فإنَّ دراسة الرؤيا الجمالية لديه يمكن عدّها صورة عن هذا الفكر الجمالي العربي، فأفكاره الجمالية لا تمثل رؤيته الفردية فقط، وإنَّما تمثل أبرز المفاهيم الجمالية التي يمكن رصدها في ذلك العصر، إذ إنَّ الفكر الجمالي عند الفرد جزءٌ من الفكر الجمالي السائد في المجتمع، والعلاقة بينهما جدلية قائمة على التأثر والتأثير، ومهمة علم الجمال دراسة انعكاسات الواقع الاجتماعي وتطوراته في الفن، ورصد الوعي الاجتماعي وأسسه الجمالية من خلال الأعمال الفنية، والعمل على تطوير ذلك الوعي وإشاعته بين أفراد المجتمع لإغناء الشخصية الإنسانية وتحسين علاقاتها بالواقع. لقد اهتمت هذه الأطروحة بالفكر الجمالي عند العقاد، وهذا ما ميّزها عن باقي الدراسات التي اهتمت بالعقاد، وهي دراسات تأريخية تناولت مواقفه النقدية، والمعارك الأدبية، وجوانب من شخصيته، وترجمة حياته، ووصف مؤلفاته وتصنيفها. على حين أنَّ الجانب الجمالي لديه لم يُدْرَس دراسة علمية تساعد على صياغة فكره الجمالي بصورة متكاملة، والإشارة إلى بعض النصوص الجمالية لديه في تلك الدراسات لا تشكل هذه الصورة ولا تحدد موقعه في الفكر الجمالي المعاصر، وكانت أقرب إلى ميدان النقد منها إلى ميدان علم الجمال، وهذا ما حاولت هذه الدراسة تلافيه».

ماذا عن منهج البحث؟
ولدى سؤال الباحث عبد الرحيم عن منهج البحث قال: «رصدت هذه الدراسة ظاهرة من ظواهر علم الجمال، وهي الرؤيا الجمالية، واقتصرت على دراسة النصوص النثرية في فكر العقاد، وقامت على منهج معرفي هو المنهج الثقافي الاجتماعي الذي يدرس الظاهرة الجمالية انطلاقاً من أصولها الثقافية الاجتماعية التي أنتجتها وأثَّرت فيها، وعملت على تحقيقه من خلال منهج إجرائي يعتمد على جمع النصوص الجمالية والأفكار الفلسفية المتعلقة بها من مصادرها التي بلغ عدد صفحاتها أكثر من خمسة وعشرين ألف صفحة مما كتب العقاد، ومن ثمّ تصنيف تلك النصوص المنتقاة ودراستها دراسة تحليلية ثقافية اجتماعية في ضوء علم الجمال، وقد كان من أهم المشاكل التي اعترضت هذه الدراسة عدم وجود نموذج يحتذى بها في مثل هذه الدراسات الجمالية العربية المعاصرة التي تنطلق من البنى الثقافية الاجتماعية ضمن الواقع الاجتماعي، وكثرة مؤلفات العقاد التي تجاوزت مئة كتاب في مواضيع عدة، ومن أهم النتائج التي توصل إليها البحث هي أنَّ البنية الأساسية التي تثبت أصالة الرؤيا الجمالية في فكر العقاد هي المعرفة التي انطلق العقاد منها إلى مفهومي الجمال والأدب، فالمعرفة لا يمكن تجاهلها أو الغض من شأنها، إضافة إلى واقعه الاجتماعي الثقافي الذي كوّن تلك الرؤيا، وقد جاءت آراء العقاد في مفهومي الجمال والأدب نظراتٍ غربية في رداء إسلامي، فقد أخذ العقاد من الثقافة الغربية الجديدة الوافدة واستوعبها، وفي الوقت نفسه حافظ على الثقافة العربية (العالمة) وجمع بينهما في رؤيا معرفية وعت حقيقة الماضي ولم تستخفَّ به، كما وعت حقيقة الحاضر ولم تغفل عنه، وبذا اكتسب قيمة موضوعية حددت رؤيته الجمالية للواقع الثقافي الاجتماعي، فبقدر ما يعي المبدع الواقع تكون رؤاه أكثر وضوحاً، ومن البديهي أنَّ إقامة التوازن بين الأصالة والمعاصرة يجعل العمل الفني معبراً عن الواقع الذي يصدر عنه، لأنَّه يعبّر عن هموم وقضايا تهمُّ الثقافة الاجتماعية، وبذلك يبدو منسجماً مع هذه الثقافة».

جمال طحان - حلب

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق