مؤتمر الدين والمجتمع في الشرق القديم في يومه الثاني
دراسات متنوعة لأشكال التطور الثقافي والمعماري والفني ضمن الأطر الدينية والاجتماعية

07/نيسان/2010

انفرد «اكتشف سورية» بتغطية المؤتمر الدولي الذي انعقد في دمشق في رحاب بيت العقاد مطلع الأسبوع الماضي وعلى مدى ثلاثة أيام 25-27 آذار 2010. وقد افتتح المؤتمر يوم الخميس 25 آذار 2010 بحضور عدد كبير من الباحثين والعلماء والمهتمين بموضوع تطور الهويات الدينية في خضم عمليات التغير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لمنطقة الشرق القديم، وتناولت كلمات الجهات الراعية، ممثلة بجامعتي أرهوس الدانمركية ومانستر الألمانية ومعهد ريليجين أند بوليتيك ومؤسستي نوفو نورديسك الدانمركية وكارلسبرغ الألمانية، الأهمية الكبيرة للمنطقة كمختبر تاريخي حضاري لمختلف أنواع النشاط الإنساني من دين وعمارة وفن وشؤون سياسية واقتصادية وعسكرية، والدور الكبير الذي لعبه هذا الشرق في ما اتضع عليه العالم اليوم من تشكلات دينية فكرية سياسية متنوعة.

وقد اتسم اليوم الثاني من المؤتمر بكثافة لافتة في المحاضرات التي تناولت جوانب متعددة على درجة كبيرة من الأهمية، نثبتها هنا للدلالة على أهميتها ومدى الاهتمام العالمي بمنطقتنا وحضارتنا التي تعد واحدة من الحواضن الأساسية التي نضجت فيها سمات العالم المعاصر كما هو اليوم.

الجلسة الصباحية: المعالم الدينية في المقاطعتين النبطية والعربية ضمن الإمبراطورية الرومانية
انطلقت أعمال الجلسة الصباحية بإدارة الدكتور فرانك داوبنر Frank Daubner من جامعة شتوتغارت الألمانية، وركزت المحاضرات الصباحية على المباني الدينية من معابد وأماكن مقدسة في مختلف المناطق السورية، بدءاً من الساحل وانتهاء بالمناطق التي ساد فيها الأنباط وجنوب سورية.

«معالم المباني المقدسة في الساحل السوري»، للدكتورة جوليان أليكوت Julien Aliquot، من المعهد الفرنسي لدراسات الشرق الأدنى IFPO، دمشق، سورية:
بنت الباحثة محاضراتها على النصوص الإغريقية واللاتينية التي وجدت في سورية، وعلى نتائج بعض بعثات التنقيب التي تعمل منذ العام 2007 في الساحل السوري، بالإضافة إلى العديد من القطع الأثرية الموجودة في المتاحف والمتعلقة بالمنطقة. وأشارت الباحثة إلى أن مكان دراستها هو في المنطقة الممتدة من جبل الأقرع (جبل كاسيوس) شمالاً وصولاً إلى سهل عكار جنوباً مروراً اللاذقية، جبلة، بانياس، وصولاً إلى جزيرة أرواد (أرادوس). وبينت المحاضرة تنوع البنى الدينية وفقاً لتعدد الطوائف الدينية وممارستها في فترة سيطرة العقائد الوثنية وصولاً إلى مقدم الإسكندر الكبير وولادة السيد المسيح.

«قاعات الاجتماع للمجموعات الدينية في الشرق الأدنى القديم: دراسة مقارنة»، للدكتورة إنج نيلسن Inge Nielsen، من جامعة هامبورغ، ألمانيا:
عالجت هذه الورقة العلمية الهامة التنوع الذي نشهده في البنى المعمارية التي أشادتها المجموعات الدينية العديدة المتنوعة التي سادت الشرق القديم في الفترة الهيلنستية وصولاً إلى العهد الروماني. والسؤال الذي تطرحه الباحثة هو كيف انعكست عمارة تلك الغرف والقاعات على الطوائف المختلفة عند استخدامها من قبل أعضائها في اجتماعاتهم الدينية؟


أثناء جلسات العمل لمؤتمر
الدين والمجتمع في الشرق القديم
المنعقد في رحاب بيت العقاد

«من النبطية إلى المقاطعة العربية: تغير الهويات الدينية وعبادة ذو الشرى»، للدكتور بيتر ألباس Peter Alpass، من جامعة دورهام، إنكلترا:
يستكشف الباحث في محاضرته الدور الذي لعبته عبادة الإله العربي القديم «ذو الشرى» في تشكل الهويات الدينية في المقاطعة النبطية والمقاطعة العربية ضمن الإمبراطورية الرومانية. وقد كان موقع الإله ذو الشرى معقداً في الخارطة الدينية للمنطقة وخصوصاً بالنسبة للمملكة النبطية التي لعب فيها دوراً استثنائياً. وكانت عبادته مرتبطة بقوة بالدور السياسي للملك، ويظهر ذلك تبلور نوع من إله وطني بالنسبة للأنباط. أو على الأقل المحافظة على نوع خاص من الهوية الدينية للأنباط. ولا بد أن هذا دفع بالرومان إلى التوجس من عبادة هذا الإله في مطلق الأحوال.

«التمثيل الإمبراطوري في عملة المقاطعة العربية»، للدكتورة كريستينا مارتا أكوا Cristina M. Acqua، من جامعة وستفاليا ولهلهم-يونيفرسات مانستر، ألمانيا:
تتناول الدارسة في محاضرتها العملة كونها الوسيط الأمثل التي نستطيع من خلالها فهم عناصر الاستمرارية والتغير في الممارسات الثقافية والدينية للمدن القديمة. وتركز في ورقتها البحثية على القطع النقدية التي تم ضربها وتصنيعها في المدن الواقعة في المقاطعة العربية، في محاولة لتقييم ما إذا كانت القطع النقدية قد استخدمت لتوصيل رسائل خاصة خلال الحقبة الرومانية، وكيف كان ينظر إلى الإمبراطور من قبل السكان المحليين. فمن المعروف أن العملة المحلية لم تكن تحت السيطرة الرومانية المباشرة، وبالتالي فمن خلال دراستها نستطيع أن نفهم بشكل أفضل، كيف تصورت المجتمعات المحلية ومثلت الأباطرة الرومان، وأيضاً مع أي الآلهة أو التقاليد كانوا يريدون ربط حكامها ولماذا؟

«الاستمرارية والتغير في الهويات الدينية في سورية الجنوبية من العصر الهيلنستي إلى الفترة الإمبراطورية»، للدكتور كلاوس شتيفن فرايبرغر Klaus Stefan Freyberger، المعهد الألماني للآثار، روما:
أكد الباحث الألماني أن المعابد والنصوص المكتشفة – سواء في سورية الجنوبية أو أنحاء أخرى من المنطقة – أظهرت استمرار الطقوس والعبادات بالنسبة للآلهة المحلية القديمة في شرق المتوسط لفترة طويلة من الزمن، وصولاً إلى الفترة الإمبراطورية الرومانية. وقد تم إضافة الآلهة الإمبراطورية كجانب جديد من العبادة، مع الاحتفاظ بالتقاليد الدينية القديمة، بل وأحياناً إقامة نوع من الربط بين أساليب ورموز العبادات القديمة والآلهة الجديدة. وقد ظهر هذا التوازي بين الممارستين الدينيتين على العمارة الدينية آنذاك، من خلال بناء معابد جديدة، تشير إلى الديانة الإمبراطورية، معظمها تم بناؤه في القرن الثاني بعد الميلاد، والتي كانت مخططاتها الأفقية والعمودية شديدة الشبه بالعمارة القائمة سابقاً.

الدكتور توماس ويبر يحاضر في الجلسة المسائية
عن الرخاميات المكتشفة في الساحل السوري

الجلسة المسائية: رحلة أثرية تاريخية في أهم المواقع السورية، معبد بعلشمين في سيع، الساحل السوري، معبد بل في تدمر، والهويات الدينية في دورا أوروبوس
تضمنت الجلسة المسائية متعة التجول المعرفي والعلمي في عدد من أهم المواقع الحضارية والعمرانية في سورية، فانطلاقاً من حوران في الفترة الرومانية، أخذنا المحاضرون إلى معبد بعلشمين في سيع هذا المعلم الهام في دراسة المعابد السورية، قبل أن يعودوا بنا إلى الساحل السوري وأولى المكتشفات الرخامية في منطقة الشرق الأوسط، ثم معبد بل في تدمر هذا المنجز المثير للدهشة، وإطلالة أخيرة على آخر المكتشفات في دورا أوروبوس على نهر الفرات. والجدير ذكره أن الجلسة كانت بإدارة الباحث الفرنسي موريس سارتر Maurice Sartre الذي أعطى المجال لنقاشات كبيرة ومتنوعة.

«الآلهة الجديدة في حوران في العصر الروماني»، للدكتورة آني سارتر Annie Sartre، من المعهد الفرنسي لدراسات الشرق الأدنى IFPO، دمشق، سورية:
تناولت الباحثة في محاضرتها ما أظهرته آخر المسوحات الأثرية في حوران (سورية الجنوبية)، وما تظهره النصوص اليونانية واللاتينية المكتشفة حول إقامة الشعائر الدينية المرتبطة بتكريم الآلهة الجديدة سواء من خلال المعابد أو النصب والتماثيل أو التقدمات البسيطة. وقد أثرت هذه الدراسات لائحة الآلهة التي تمثل القرى المختلفة في تلك المنطقة وألقت المزيد من الضوء حول العبادات المرتبطة بها.

«أبحاث أثرية جديدة في معبد سيع في سورية الجنوبية: الآلهة اليونانية-الرومانية تدعو نفسها إلى حضرة بعلشمين»، للدكتورة جاكلين دينتزر-فيدي Jacqueline Dentzer-Feydy، من المركز القومي للبحوث في نانتير، فرنسا:
يشكل معبد بعلشمين في سيع في جنوب سورية واحداً من أهم المعالم الأثرية في التاريخ الديني لسورية، وذلك لأمرين اثنين، الأول كون المعبد يشكل مرجعاً أساسياً لدارسي تطور المعابد السورية القديمة، والثاني كون الشخصية الإلهية التي كرس لها المعبد، تعد من أهم الشخصيات الإلهية في الشرق الأدنى القديم، فهو واحد من الآلهة الكونية التي انتظمت إدارة العالم في ذلك الزمن. ينتصب معبد بعلشمين في سيع على القمة الغربية لتل عالٍ، إلى الجنوب من مدينة قنوات على الجانب الجنوبي الغربي من جبل العرب. وقد تم بناء المعبد كتقدمة لبعلشمين (رب السموات في سورية الغربية)، وربما أيضاً لسيعا، التيخة المحلية في هذا المكان المقدس. وركزت الدكتورة جاكلين في محاضرتها على تطور المعبد – المعماري والديني - على مر السنوات ابتداء من القرن الأول قبل الميلاد إلى نهاية القرن الثاني الميلادي. وتحدثت عن التنقيبات الجديدة في المعبد التي تلقي المزيد من الضوء على التسلسل العمراني التاريخي للمعبد الذي تم تنقيبه للمرة الأولى من قبل العالم الكبير هنري سيريغ، ثم تابع الاكتشاف العالم بتلر. وبينت الباحثة وجود آثار حضارتين كبيرتين على جدران المعبد ثم تلخيصهما بالفترة النبطية والفترة الرومانية، ويبدو أن المبنى الرئيسي خصص لبعلشمين بمفرده، قبل أن ينضم إليه إلهان آخران (اكتشاف بتلر 1916). وقد بقيت معرفتنا عن معبد بعلشمين محدودة حتى تم التوصل إلى اكتشاف الباحة الثالثة عام 2007، فأصبح لدينا ثلاث بوابات لكل من الباحات الثلاث: أولى نبطية (اكتشفها بتلر)، وثانية رومانية اكتشفها منقبون أمريكان، وثالثة تم اكتشافها في تنقيبات 2007-2010 على يد الباحث برنارد فورنييه. وقد توصلت الباحثة في نهاية بحثها إلى تصور عام لمعبد بعلشمين في سيع المقام على هضبة والمكون من ثلاث طبقات تدل على الحضارات المتعاقبة التي استخدمته في نشاطاتها الدينية والثقافية والسياسية.

«الشخصيات الدينية كما تعكسها المنحوتات الرخامية من الساحل الفينيقي-السوري»، للدكتور توماس ماريا ويبر، من جامعة جونس غوتنبرغ في ماينز، ألمانيا:
ركزت ورقة الدكتور ويبر على الهويات الدينية التي تظهرها التماثيل الرخامية التي تم اكتشافها على الساحل السوري وخصوصاً في مدينة بالانسيا «بانياس الحالية»، والتي تعتبر نموذجاً جيداً لدراسة المدن القديمة على الساحل الفينيقي. وأكد الباحث في ورقته أن أول نماذج من المنحوتات الرخامية في منطقة الشرق الأدنى قد تم استخدامها في الساحل السوري وخصوصاً المنحوتات الثلاثة التي تم اكتشافها في مدينة لاوديسيا «اللاذقية»، وكانت أول منحوتات رخامية في الشرق، ثم النماذج الرخامية في مدينة جبلة، قبل أن يرجع الباحث على مناطق أخرى في سورية، في دراسة مقارنة لما تم اكتشافه فيها.



عالم التدمريات الدكتور ميشيل غافليكوفسكي
ومحاضرة عن معبد بل في تدمر

«بل من تدمر»، للدكتور ميشيل غافليكوفسكي Michal Gawlikowski، من جامعة وارسو، بولونيا:
الدكتور ميشيل غافليكوفسكي هو واحد من أهم الباحثين والمنقبين الذين عملوا على مدينة تدمر الأثرية العظيمة، يحاول في ورقته هذه القيام بمراجعة علمية لما كتبه مستكشف تدمر الكبير هنري سيريغ، من خلال مناقشة ورقته البحثية «بل من تدمر» التي كتبت عام 1971، وإذ يقر الدكتور غافليكوفسكي بصوابية معظم ما طرحه سيريغ آنذاك، فهو لا يرى بداً من إجراء بعض المراجعات التي تستند إلى ما تم اكتشافه مؤخراً سواء في تدمر أو في غيرها من الحواضر السورية القديمة، مما يجعل الصورة العامة للحضارات القديمة في سورية وعلاقتها ببعضها والمفاهيم والفنون والقيم التي أبدعتها أكثر وضوحاً واتساعاً. ويأخذنا الدكتور غافليكوفسكي في رحلة تاريخية دينية لغوية أثرية لمسيرة الإله بل بدءاً من انطلاقه من أرضه الأكادية وصولاً إلى تدمر وعلاقاته بمختلف الآلهة التي تبعته مثل عجلبول ويرحبول، والعلاقات المتماهية بينه وبين زيوس في العصر الهيلنستي وجوبيتر في العصر الروماني وكيف يظهر ذلك في الآثار التدمرية. كما ناقش الدكتور غافليكوفسكي العلاقة بين الإلهين الكونيين في تدمر (بل وبعلشمين)، وكيف أنهما حكما الكون دون وجود أي تعارض بينهما (وفق العقائد التدمرية)، ومن ذلك تلك المنحوتة الرائعة التي أظهرها لنا الدكتور غافليكوفسكي والتي تظهر الإلهين على طرفيهما فيما يجلس بينهما الإلهان الأقل شأناً عجلبول ويرحبول (القمر والشمس) في جلسة إدارة عامة للكون.

«الاستمرارية والتغير: الهويات الدينية في دورا – أوروبوس»، للدكتور تيد كايزر Ted Kaizer، جامعة دورهام، إنكلترا:
أصبحت دورا – أوروبوس الواقعة على ضفة نهر الفرات بلدة مشهورة إثر توجه البعثات العلمية إليها سواء من جامعة ييل الأمريكية أو الأكاديمية الفرنسية للنقوش والكتابات (1928-1937)، حيث أظهرت تلك البعثات تمتعها بعوالم دينية مختلفة. وقد تم تأسيس المدينة كمستعمرة سلوقية، وتناوب البارثيون والرومان في السيطرة عليها، وكانت لها علاقتها المميزة مع تدمر، إلا أنها تركت في المحصلة إرثاً هاماً يلقي الضوء على الحياة الفنية والدينية في تلك الحقبة. تلك الحياة التي حاول الباحث تيد كايزر توضيح معالمها الدينية من خلال دراسة ما ظهر من منحوتات ورسوم، وتتبع تطور العبادات في المعابد المختلفة التي تضمها البلدة القديمة، سواء أكان معبد الآلهة التدمرية (الذي سمي فيما بعد معبد بل)، أو معبد أفلاد أو معبد أرتيميس. وأظهر الباحث وثيقة هامة تعتبر الوثيقة الأفضل لاستيضاح الحياة في تلك البلدة في مطلع القرون الميلادية، وهي وثيقة أتت من العام 180م، وهي عقد مكتوب شهد عليه عدد من الكهنة منهم كاهن أبولو، مما يظهر تنوع وغنى الشخصيات الإلهية في المدينة آنذاك.

«اكتشف سورية» يلتقي منظمي المؤتمر:
على هامش هذا اليوم العلمي الطويل، التقى «اكتشف سورية» بمنظمي المؤتمر، الدكتورة روبينا راجا، والدكتور أخم ليشتينبرغر، محاولاً منهما استيضاح أسباب عقد المؤتمر، والجهات الداعمة له، واختيار دمشق لاستضافته، فكان هذا الحوار:

هل من الممكن أن تعرفانا بالمؤسسات الراعية لهذا المؤتمر واهتماماتها بشكل عام؟
مؤسستا «ريلجين أند بوليتيك» و«نوفو نورديسك» بالإضافة إلى مؤسسة «كارلسبرغ» هي مؤسسات علمية معنية بالدراسات الإنسانية والاجتماعية والتاريخية، وتبحث بالعلاقات الوثيقة التي تربط الدين بالمجتمع والسياسة والثقافة عموماً، واهتمامات هذه المؤسسات ممتدة على مستوى العالم من أوروبا إلى القارتين الآسيوية والأميركية، مما يجعل الشرق الأوسط في دائرة الاهتمام العلمي لهذه المؤسسات، وقد تكرمت بتمويل المؤتمر دون أن تقرر برنامجه.


مندوب اكتشف سورية يلتقي منظمي المؤتمر
الدكتورة رابينا راجا والدكتور أخم ليشتينبرغر

فمن هو المنظّم إذاً؟
قمنا (الدكتورة راجا والدكتور ليشتينبرغر) بتنظيم المؤتمر كونه يقع في محور الدراسات التي نقوم بها حول تاريخ الأديان في الشرق والاستمرارية والتنوع التي تميزت بها الشخصيات الدينية المعبودة والهويات الدينية في الشرق القديم، إضافة إلى التغيرات التي طرأت على الأديان والعبادات والهويات الدينية ضمن حالة التغير المستمر للأطر السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي تميزت بها المنطقة خلال حوالي 1000 عام من تاريخها. وقد قامت المؤسسات المذكورة سابقاً بتمويل المؤتمر، إلا أن تقرير موضوعاته والمحاضرين المشاركين به كان من إعدادنا وإدارتنا. وقد تم اختيار دمشق لاستضافة أعمال المؤتمر كونها تقع في قلب هذا العالم الذي يشكل موضوع أبحاثنا، واستضافتنا من قبل المعهد الدانمركي الذي يستقر في بيت دمشقي عريق جميل كان أمراً لطيفاً جداً.

وهل من خلاصة توصل إليها المؤتمر، وهل يمكن القول بوجود خيط يصل بين الديانات القديمة في الشرق والديانات المعاصرة، ضمن صيرورة من التنوع والتغير؟
من الصعب الجزم باستنتاج كهذا، فمعلوماتنا عن الديانات القديمة لا تزال بحاجة إلى الكثير من الدراسة والتمحيص، كما أن معلوماتنا – كأوروبيين – عن الديانات المعاصرة ليست بهذا القدر من التدقيق، وبالتالي فإن الخروج باستنتاجات قاطعة أمر يبتعد عن العلمية بقدر كبير. إلا أنه يمكن القول أن هناك الكثير من الملامح المشتركة التي تبدو في العبادات أو البحث عن إله كوني أوحد هو أصل الوجود والمتحكم به، إلا أنه وكما سبق القول فهذا يحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث، وما حاولنا أن نقوم به في هذا المؤتمر هو تبادل أكبر قدر ممكن من المعلومات بين باحثين من مختلف الأعمار والخبرات لتدعيم معرفتنا بهذه الموضوعات.

يبقى التساؤل عن عدم وجود مؤسسات سورية أو باحثين سوريين في مؤتمر كهذا، يتعلق إلى درجة كبيرة بتراث وحضارة سورية القديمة وينعقد في دمشق؟
لقد حاولنا كثيراً البحث عن باحثين سوريين لديهم أبحاث هامة في هذا المجال، لكننا للأسف لم نوفق إلى التعرف إليهم، وقد حاولنا كذلك البحث من خلال الإنترنت ومواقع الجامعات السورية التعرف إلى الاختصاصيين البارزين في هذا المجال دون جدوى. ولا شك أن وجود باحثين سوريين كان سيغني هذا المؤتمر بكل تأكيد، وهو ما يدفعنا إلى محاولة خلق تواصل كهذا في المستقبل.


محمد رفيق خضور
تصوير: عبد الله رضا
اكتشف سورية

طباعة طباعة Share مشاركة Email

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك