أحمد معلا في نظر الصحافة العالمية

12 11

رجل بخصائص مميزة

ما يزال الفنان أحمد معلا مستمراً في جولته العالمية التي ابتدأت في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال مشاركته بمعرض «علامات: فن عربي معاصر» في غاليري ساندارام تاغور في نيويورك، وهو يتابع الآن معرضه في غاليري غرين آرت بدبي، وعن هذا الفنان المتميز كتبت الصحفية كيتي باتشر «Katie Boucher» في صحيفة «The National» الصادرة باللغة الإنكليزية مقالاً بعنوان «A man with Characters» تناولت فيه السيرة الذاتية والفنية لهذا الفنان السوري المختلف والذي يتمتع بشخصية مميزة في حياته وفنه.

ولأهمية المقال رأى «اكتشف سورية» نشر ترجمته باللغة العربية لوضعه في متناول قرائه والمهتمين بعالم الفن التشكيلي السوري.

رجل بخصائص مميزة:
في مقابلة مع صحيفة «The National» أجراها جيم بوبلا، يقول الرسام السوري أحمد معلا: «بما أني أتمتع بخلفية مسرحية، فإنني لا أستطيع أن أقدم رسوماً صغيرة. وأجد نفسي مجبراً على استعمال لوحات ذات أحجام كبيرة، فالمسرح بالنسبة لي هو هذه اللوحة».

لو أخذنا أي معرض يقيمه فنانون قادمون من الشرق الأوسط، سنجد أن الخط العربي يشكل جزءاً – في مكان ما - من معالم هذه اللوحة. وعن ذلك يقول الفنان السوري أحمد معلا: «إن ذلك يستخدم بطريقة ما كختم يظهر به الفنان العربي هويته»، ويقيم أحمد معلا معرضه الجديد في غاليري غرين آرت بدبي تحت عنوان «أعمال جديدة»، والذي يُظهر فيها العديد من النصوص الكلاسيكية التي اعتاد حفظها في شبابه. وعلى الرغم من ذلك، تبقى أسبابه في استخدام الخط العربي مرتبطة أكثر بفكرة التواصل منها بتأكيد الهوية القومية. وعن هذا يقول: «قد أكون من أي مكان آخر، ولكني سأظل أستخدم هذه الأحرف. إنها شفرة أستخدمها مثل أية شفرة أخرى. لسوء الحظ، يقرأ الغرب الأعمال الفنية لهذه المنطقة بهذه الطريقة، ولكن ليس كل من يستخدم الخط العربي يحاول أن يؤكد أو يشكل هوية ما. وفي حالتي، فأنا أقوم بذلك من زاوية فلسفية».

وفي الحقيقة، فإن هذا التطور الحديث نسبياً في أعماله، والذي احتوى مقدماً وبشكل أساسي على مشاهد رمزية للخراب والموت، لا يركز كثيراً على النص بقدر ما يركز على النسيج الذي يقوم بخلقه متقدماً في أنحاء اللوحة ببطء وحذر، حيث يتم نقش الحروف في كل إنش منها واحداً فواحداً، ويصفها بتناسق مع قماش اللوحة، بعضها قابل للقراءة، وبعضها لا. يقول معلا: «بدأت اللعب مع هذه الأحرف منذ بعض الوقت. في بعض الحالات يتلاقى النص والرمز؛ وفي أحيان أخرى يكون الأمر مجرد تشكيل فني بالأحرف، وفي أحيان أخرى يكون الأمر تجريداً». بلا شك، فإن طبقات اللون المصفوفة وفق أسلوب بولوك، وبالتالي ضياع التنظيم الذي يعرفه النص في الخط العربي، يجعل من هذه الأعمال متميزة عن الكثير من الأعمال الحروفية الأخرى التي تعرض على جدران صالات العرض المختلفة في المنطقة.


من أعمال الفنان أحمد معلا

إنه سلوك ممنهج تم بناؤه خلال مراحل، بدءاً من الكلمة المنفردة قبل حوالي السنتين، وتطوراًً باتجاه تدويم كتلة النص والذي اختار أن يعرضه هنا في دبي.

خلال بنائه لهذه المهنة – حاز أحمد معلا على بينالي اللاذقية وجائزة البردة، وتباع أعماله الآن بعشرات الآلاف من الدولارات – وبعيداً عن عمله الرمزي، فقد بدأ معلا يشعر بأن الإمكانات الموجودة في الحروفية والخط العربي لم يتم إطلاقها بعد بشكل كامل، ويقول عن ذلك: «لقد أردت أن أدفع بالحدود إلى أقصى مدى لأرى أين يمكن أن تأخذني، إنه تحدٍ كبير بالنسبة لي أن أعود إلى الخط العربي. إذ لم يحاول أحد بشكل جدي أن يعمل على الخط العربي بهذا الشكل من قبل».

لقد نظر أحمد معلا إلى شموليته - من منظور أعمال فناني المنطقة - كنتائج لمزيج مستمر. حيث يقول: «معظم هؤلاء الفنانين من الخطاطين وحسب، وبالتالي فهم غير قادرين على صنع نوع من التكامل بين أعمالهم والرسم، بدلاً من ذلك هم يحاولون أن يقوموا بالرسم بمعزل عن الخط العربي، وهذا غير ممكن لأنهم خطاطون في حقيقتهم وليسوا رسامين. ولذلك، أنا، أشكل النقيض من ذلك، وبالتالي فما تراه ليس ممارسة لفن الخط – بل إنه رسم».

مرتدياً بذلة بنية غامقة، وبشعر أسود غير مرتب يتدلى فوق ياقته، يكتسب معلا مظهراً فوضوياً لطيفاً لمعلم جغرافيا. ومع ذلك فإن هذه اللوحات ذات الأحجام البالغة الضخامة، مع هذا الاستخدام المتقن للألوان الموزعة بسخاء، تشير إلى المشاهد الداخلية لدراما متكاملة. يقول معلا: «لدي خلفية مسرحية، وبالتالي لا أستطيع أن أقدم رسوماً صغيرة، وأجد نفسي مجبراً على استعمال لوحات ذات أحجام كبيرة، فالمسرح بالنسبة لي هو هذه اللوحة».


من معرض تحية لسعد الله ونوس
للفنان أحمد معلا

في أعماله الرمزية التي يقدمها في معرضه، والتي تحتوي العديد من المعالم المميزة، يستخدم أحمد معلا منصة مسرحية ليقدم الناس ضمن نقاش فلسفي عاطفي حاد. ويقول عن ذلك: «إن الأمر هو كأن تملك بناءً كاملاً وتقوم بقطعه نصفين كي تجد المشهد»، ويتابع: «إن الأعمال مبنية على شكل طبقات، والخط العربي والأعمال الرمزية مرتبطان ببعضهما بشكل وثيق». وفيما قد تكون القضية كذلك من الناحية الفلسفية، لكن في الحقيقة لا تبدو هذه الأعمال مختلفة بشكل كبير – فالانحناءات المعقدة الحلقية للنص تصرخ بعيداً عن الأشكال التجريدية الملوحة لأعماله الأخرى.

وبالتالي، ما هي فلسفته؟ إن الأسلوبين اللذين يظهران في علمه، كما يقول، يهدفان إلى ذات الشيء: هذا المجتمع ينهار إلى نقطة مناقضة للتحضر الإنساني. ويعبر عن ذلك بكلماته: «لقد كنت دائماً شديد الانتقاد للمجتمع، وجزء من السبب الذي دفعني للبدء بمكاملة الكلمات هو أن أكون قادراً على التعبير عن نفسي بشكل أكثر وضوحاً». في أحد أعماله المختلطة، والتي مزج فيها الرمز مع النص، كانت الكلمات مأخوذة من إحدى قصائد المتنبي وأخرى مأخوذة من إحدى قصائد المعري، واللذين يعودان إلى القرن العاشر، تتحدث عن زمن القرود. ويقول عنها: «هذه الكلمات ما تزال صالحة جداً لأيامنا هذه، أنا ناقد للإنسانية بالمجمل. لقد أصبحنا قروداً».

وفي أعمال أخرى تنتمي لأسلوبه الرمزي تظهر مجموعة من الناس تقف مجتمعة على شاطئ، بينما تظهر سفينة في الأفق، ويبين أحمد معلا فكرته: «إنه نفس المركب الذي أتى على ظهره نابليون، الآلة الطابعة، والكمبيوتر، وكل هذه الأفكار الجديدة المثيرة»، ويكمل فكرته قائلاً: «ولكنه أيضاً نفس المركب الذي جلب المأساة الفلسطينية والفقر. إنها أفكار متناقضة، وفي الوسط نجد هؤلاء الناس المساكين الذين ينتظرون على الشاطئ والذين قد يحصلون على الآلة الطابعة أو أي اكتشاف مثير جديد، أو ربما ينتظرون شيئاً أسوأ – الفقر أو الحرب».

وربما لا تثير هذه المقاربة القومية لفلسطين أي دهشة في حديث أحمد معلا، فالنضال موضوع يحتل الصدارة لدى الكثير من الفنانين المعاصرين السوريين. ويقول معلا: «إنهم دائماً يحاولون أن يجدوا طريقة للتعبير عن كفاحهم الوطني».

وهل قابلية المتلقي للطريقة التي يوضح بها وجهة نظره لمشاهده، أمر مهم بالنسبة له؟ يقول: «بكل تأكيد أنا مهتم، وسيكون هذا دائماً جزءاً مهماً من عملي، ولكن الناس قد يقرؤون أعمالي بشكل مختلف». على الرغم من ذلك تبقى أعمال معلا الرمزية تتمتع بحس عالٍ من هاجس الخوف، إن كراهيته الشديدة للرضا البشري عن النفس بعيدة عن الوضوح في خطوطه. وهو يصر، على كل حال، أن كلا الأسلوبين – الرمزي والحروفي - مرتبطان بشكل وثيق. وحسب كلماته: «إنهما ليسا كيانين منفصلين، لكن كل منهما يمتد ليتصل بالآخر».

من أعمال الفنان أحمد معلا

وعلى الرغم من أن استخدام الخط العربي شائع في بقية أنحاء الشرق الأوسط، فإن ذلك ليس السائد في موطنه الأصلي سورية. «من النادر أن تراه في العمل الفني» يقول معلا: «يظهر غالباً عندما يستخدمه الرسامون في أعمالهم، إنه خط يستخدم لأغراض تزيينية. عملي يدور حول شيء أكثر عمقاً».

بدلاً من ذلك، بقيت المدارس السورية تعبيرية بشكل كبير. يقول معلا: «نحاول في أعمالنا أن نقوم بالعمل الذي يشبه بشكل ما الاتجاهات الحالية في المعارض العالمية». ولكن الاهتمام الغربي بالفن السوري يبقى دون السوية المطلوبة، رغم ذلك. ويبين معلا: «ربما في الماضي كان هناك بعض الاهتمام عندما كان الطلاب السوريون يذهبون للدراسة في الخارج، لكنه ليس نفس الاهتمام الآن. فأفكار العرب في تغير مستمر. والاهتمام الغربي بالفنانين السوريين الشباب سيشكل دعماً كبيراً، إذا ما استمر هذا التغير بشكل دائم».

لحسن الحظ، فإن الدعم من الداخل قدم شيئاً من التعويض عن هذا الوضع. حيث يقول معلا: «هناك مجلس أعلى للفنون في سورية الآن، ومتحف وطني، ونحن نحاول أن نقيم صالة وطنية للعرض. وهناك العديد والعديد من الشبان الذين يصبحون مهتمين بالرسم والفنون البصرية، والعديد من الناس الذين يأخذون هذه المجازفة بالتوجه إلى الفن. وآمل في مكان ما أن هذا سوف يولد شيئاً ملموساً وأكثر وضوحاً».

إن الأسعار العالية التي طلبها بعض نظرائه الإيرانيين في السنوات الأخيرة، ما تزال، حسب قوله، بعيدة عن اهتمامه، على الرغم من ذلك. «أنا فنان، ولست تاجراً أو سياسياً. أنا لا أفهم لماذا بعض الأسعار مرتفعة جداً. فإحدى اللوحات بيعت بسعر 5000 دولار (18500 درهم) في يوم وفي اليوم التالي قفز سعرها إلى 50000 دولار (185000 درهم). إما أن المسألة إدارة أعمال ماهرة، أو حملة دعائية، أو إعلانية.. وهذا لا يشكل حافزاً بالنسبة لي».

يبقى أن نقول أن معرض «أعمال جديدة» لأحمد معلا مستمر في غاليري غرين آرت، دبي، حتى 20 تشرين الثاني 2009.


.


ترجمة: محمد رفيق خضور

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق