عندما يرسم أحمد معلاّ: نشعر وكأنه يستعيد بناء أشكال دمّرها قبل قليل

22 أيار 2011

لمزيد من احتمالات الرؤية واختلاف المتعة في كل منها

غالباً ما يشكـّل أي معرض جديد للتشكيلي أحمد معلا فرصة مشاهدة مثالية واستثنائية من حيث إدهاشها - بعيداً عن التسميات والعناوين - لما تضمّ من احتمالات التجريب في المواد والأدوات، وحتى لا نؤطـّرها في حالة معينة بحدّ ذاتها، والتشكيلي معلاّ المتحرّر من كل القيود والاتجاهات والأساليب، وحتى التقنية الخاضعة لديه للتجريب والبحث عن وسائل جديدة للتعبير، وعن المختلف في الصياغة من أجل مربعات آسرة من الوجد والصوفية يتنافس فيها كل من اللون والضوء على الاحتفاء بشخوصه أو حروفه المحتشدين والمحتفين هم أيضاً – افتراضياً - لمناسبة ما ..؟ أو للاحتفاء ربما بالمشاهد الذي فاجأه هذا الحشد في نفس الكادر والانتقال منه إلى كادر آخر مجاور، ودائماً بحيوية ولياقة كدنا نسمع كلما اقتربنا منها رجع صدى أصوات وموسيقى تتردّد في المكان، وكأنها تقدّم في كل مربع أو مشهد، فصلاً صاخباً من الحياة، أو حتى يوماً أو لحظات نسترجعها من الذاكرة، بحيث تتحول اللوحة في لحظة معيـّنة إلى ما يشبه المسرح من حيث الدراما التي تحدثها تلك التردّدات للألوان والأشكال في آن، ما يشعرنا بضجيج هنا و سكون هناك، برقص في وسطها وندب ونحيب في الجوار، ربما لذلك اعتقدنا أنه في تلك اللحظة المفترضة كانت اللوحة تمثـّل زماناً محدّداً ومكاناً متحوّلاً، لتعكس بالتالي شكلاً أو جانباً حقيقياً من يومياتنا، ومن سفر التشكيلي وترحاله وحبّـه للأمكنة وشدّة تعلـّقه بها، من خصوصيتها ربما وما بقي من تفاصيل حميمة في ذاكرته الحاضرة دائماً، من خلال حديثه ورسمه، حتى أصبحت مكوّناً أساسياً لسلوكه وشخصيته المميّزة بحضورها المؤثـّر.


من الأعمال المشاركة في معرض التشكيلي أحمد معلا في دبي

عندما تصل لوحة أحمد معلاّ إلى ذروة نشوتها البصرية في لحظة محدّدة، حيث تتماهى فيها الرؤية والرؤيا، مثلما في جداريته الكبيرة «تحية لأبي العلاء المعرّي»، ذلك الذي كان يتحسّس الأشياء ببصيرته، فجعلها التشكيلي على شكل مجموعة من المَشاهد تبدو كمربعات من الفرجة لحالات عديدة ضمن نفس المساحة والمسافة من الرؤية، عندئذ تصبح المشاهدة أغنى وأشمل كونها تعرض في نفس الوقت لكثير من الأحداث المتداخلة تشكيلياً، والمترفة بالجماليات والمؤثـّرات البصرية من تناغم الألوان التي ترسم إيقاعات هؤلاء الأشخاص وترداد حركاتهم في فضاء المشهد، بالإضافة إلى ما تصيغه ريشة خبيرة من رقص للحروف بعيداً عن مدلولاتها كمعان، بتداخل رشيق مع نسيج اللوحة ومضيفة لإيقاعها تناغماً وموسيقى، بينما يتحول المتلقي إلى شاهد على تحوّلات تلك اللوحة التي تضمّ عدداً من الكوادر يحتوي كلّ منها على مكونات حضوره منفصلاً وليعزّز مع مجاوره البانوراما البصرية المشغولة بعناية من حيث التفاصيل وهي تـَظهر بكامل لياقتها كما العروض التي تـُقدم على المسرح الدائري، وخاصة عندما تتجاوز مساحة حامل العرض العشرة أمتار مربعة، ومن مكانه يجول المشاهد بنظره عمودياً وأفقياً يرقب تلك الأحداث المتتابعة من كادر إلى آخر والمتداخلة مع بعضها والمنفصلة في نفس الوقت لمزيد من احتمالات الرؤية واختلاف المتعة في كل منها من حيث التأمل وجرعة التخيـّل التي يضخـّها الفنان في جزئيات العمل.

من أعمال التشكيلي أحمد معلا

إن في أي محاولة لاستعراض ولو بعض المحطـّات المميزة في تجربة التشكيلي أحمد معلا التي قدّمها في معارض مستقلّة سابقاً، هي لا شكّ محاولة يائسة لاستحالة توصيف أي منها، وخاصة في مثل هذا النوع من الكتابة، أمام اتساع مساحة الاشتغال وأهمية وتميّز أعمال بعض التشكيليين من حيث التجريب والمغامرة،هاتين الصفتين الملازمتين بامتياز لتجربة التشكيلي أحمد معلاّ كتوصيف، ولوحات معرضه «4 x 4 = 52» بغاليري الآرت هاوس بدمشق 2009، بالإضافة إلى عشرات اللوحات التي أنجزها التشكيلي ما بين 2007 - 2009، والموجودة في مرسمه بضواحي دمشق، لا شكّ ستبقى تعكس تلك الأعمال بوضوح ذلك التنوّع في هذه التجربة الغنية والحاضرة بقوة في المشهد التشكيلي السوري والعربي اليوم.

ومرسم التشكيلي فضاءه الخاص الذي حقـّقه مثلما كان يحلم كغيره من التشكيليين، مُوفـّراً فيه كل شروط العرض والمشاهدة المثالية للوحاته ذات المساحات الرحبة، من حيث الإضاءة أو مسافة الرؤية، بالإضافة إلى ورشة صغيرة تؤمن له تجهيز الشاسيهات للرسم، مع كل ما يحتاجه من ألوان وأدوات ومواد خاصة يمكن أن يستفيد منها لإنجاز اللوحة «المشروع الأبقى والأكثر متعة في الحياة» والتي غالباً ما تحقـّق له التوازن، أو حتى الاستقرار الذي يعيشه اليوم مع عائلته وأطفاله في نفس المكان الذي يرسم فيه، وما زالت تشكل له المساحة الأرحب لاحتواء شغبه ومزاجه ورعونته بكامل لياقته، لتتحول بذلك إلى فضاء يعكس باللاوعي كثيراً من الرغبة بالحلم، وقليلاً من الواقع بضبابيته.


من أعمال التشكيلي أحمد معلا

يقول أحمد معلاّ : «وإذ أنسكبُ أو أنصاع أو أرفض، أُداور وأحتاط أو أصمد وأتمسّك، فإنما لجذوة الحياة وتوقـّدها، فيما يجعل من الهدم وإعادة البناء، ثم الهدم وإعادة التركيب مذهباً، خاصة وإن اللبنات التي تكوّننا هي هي، لا تكثر ولا تقلّ، بل تتلوّن وتتغيّر تحت تأثير المحيط».

من أعمال التشكيلي أحمد معلا

إن أهم ما يميّز تجربة أحمد معلاً برأيي، رغم تنقـّلاتها من محطة إلى أخرى، اهتمامها بالإنسان كقيمة عليا يقود التشكيلي فيها دراما المشهد بلياقة متحرّكاً أفقياً وعمودياً ومحدثاً في كل مرة مجموعة من التردّدات على شكل نسق من البشر المتراصين والمندفعين باتجاه محدّد، وغالباً ما تثير هذه الحركة العنيفة من فرشاة نزقة ومثقلة باللون في أحيان كثيرة فضول المتلقي لمعرفة سبب هذه الرغبة من الأشخاص بالخروج من الكادر باتجاهه أو بالعكس في بعض الأحيان، وهذا التفاعل الذي وصل في بعض تجارب أحمد معلاّ إلى حد اعتماده المشاهد ذاته عنصراً أساسياً من بناء مشهده والتكوين المتحرّك لاحتمالات عديدة من الرؤية في نفس الفضاء، كما في معرض «ميرو بثلاثة أبعاد»، مكرّراً التجربة وبطريقة مختلفة إخراجاً وتقديماً في معرضه «تحية إلى سعد الله ونـّوس»، عندما استحضر بأجواء جنائزية من خلال الرسم على جدران الصالة وبناء فضاء مسرحي يعكس بجلال أهمية تجربة ذلك المبدع ورحيله المفجع، وقد أرادها التشكيلي حدثاً تشكيلياً بامتياز، وهكذا بقيت هذه التجربة الغنية بمحطاتها المؤثـّرة تخطو متسارعة بثقة وموضوعية على نفس المسار إلى اليوم .

أحمد معلاّ وهو يرسم، كمن يمارس هواية أحبها بعيداً عن التصنع والادّعـاء، تشعر وكأنه يستعيد بناء أشكال دمّرها قبل قليل، يشبه في رسمه أحياناً طفلاً يبني قصراً من الرمال على شاطئ قريب من الموج، أي طفل هذا «الأحمد» الذي فضـّل المغامرة في قلب المحيط، هو نفسه الذي نشاهده بعد كل عمل يراقب المشهد من بعيد، وما زال بشغف ينتظر هدوء العاصفة، لتظهر الألوان على حقيقتها، ولتستمرّ الأشكال والحروف في تماهيها.


التشكيلي أحمد معلا

أحمد معلاّ:
سورية 1958 .
• 1981 خريج كلية الفنون الجميلة - قسم الاتصالات البصرية – جامعة دمشق .
• 1987 خريج المدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية - باريس .
• 1986- 1989 دكتور مدرّس في كلية الفنون الجميلة – دمشق.
• أقام بحدود العشرين معرضاً شخصياً عرض من خلالها رؤيته في أكثر الموضوعات الحياتية، وبالتالي لأكثر من مرحلة في تجربته الفنية.
• كانت له مساهمات في عديد من التظاهرات الفنية والمعارض الجماعية داخل وخارج سورية.
• ساهم في إطلاق عديد من الأفكار الحيوية التي تخدم الفن والفنانين عموماً في سورية.
• عضو لجان تحكيم للعديد من التظاهرات التشكيلية والغرافيكية والفوتوغرافية، مصمّم غرافيكي وخطّاط، له مجموعة كبيرة من الملصقات وأغلفة الكتب والحملات الدعائية.
•ى مصمّم سنوغرافيا لمجموعة من أعمال المسرح القومي.
• مصمّم هندسة مناظر وديكور لمجموعة من الأعمال السينمائية والتلفزيونية.
• له مساهمات أدبية ونقدية في العديد من الدوريات العربية.
• 1988 حاز على الجائزة الأولى في مسابقة مدينة كيل بألمانيا.
• 1988 جائزة أفضل ملصق خارجي ميونيخ .
• 1999 الجائزة الكبرى - بينالي اللاذقية.


* غازي عانا

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق

علا:

أنا من محبي الفن ومن الطامحين إلى دخول كلية الفنون الجميلة وعندما أرى أعمال عمالقة الفن أمثال أحمد معلا أزداد حباً للفن و شوق لدخول الكلية

سوريا

سامر الزعبي :

اجمل لوحات ترها عيني

سوري