جوقة شآم للإنشاد الكورالي بقيادة حسام بريمو

2008/06/04

غواية الاستماع والاستمتاع

في أول إطلاق علني لها، قدمت جوقة «شآم» بقيادة الفنان المبدع حسام بريمو، حفلاً كورالياً بمصاحبة الموسيقى (قانون وتشيللو وإيقاع وناي) وأهدت جمهورها الذي غصت به قاعة كنيسة «كيريللوس» إحدى عشرة أغنية من أنواع الغناء المحبب إلى القلب، المرتبط بذاكرتنا وما قدمته أجيال مختلفة من كبار الفنانين، فوسع المكان قوالب موسيقية متعددة، أعادت إلى الأذهان جماليات تراثنا الغنائي العربي واتجاهاته وأبعاده الحركية الواسعة جداً.
جوقة «شآم» تضم نحو أربعين منشداً شارك في هذا الحفل نصفهم تقريباً، وتتراوح أعمارهم بين اثنا عشر وأربعة وستين عاماً، وغالبيتهم العظمى لم يمارس الغناء يوماً، وبعضهم لم يعتد سوى الدندنة (مع نفسه) في أفضل الأحوال، وبالرغم من ذلك فإن وقوفهم على مسرح أمام جمهور كثيف هو إنجاز يحسب لهؤلاء ومؤسس الفرقة.
استخدم الفنان بريمو أسلوباً ذكياً فائقاً بدرجة تحسسه لحاجات وإمكانيات المنشدين تمحور في التعامل مع صوتين لا أربعة أصوات كما عودنا دائماً بسبب قلة خبرة كثير منهم، بأسلوب التداخل الإيجابي بين الأصوات الذكورية والنسائية والقوية والأقل قوة، مع المحافظة على اللحن والكلمات والإيقاع، وبغير زخارف صوتية غير معتادة، وعلى الترديد والتجاوب، مركّزاً على التفاعلات التي أعتبرها شخصياً خاصة بأسلوب حسام بريمو في القيادة بين الأصوات المختلفة بطريقة مونودية تعتمد التلوين عند الأصوات القوية المدربة (مثل صوت يامن الموسى وعفاف قسيس) والثبات لباقي الأصوات، التي بدت شجاعة باستخدامها العُرَبات الصوتية بما يتجاوز إمكاناتها الصوتية.
لقد حرص الفنان بريمو على التعامل مع ما يقع خلف المقاييس الفنية لصالح المقاييس الجمالية، لأنه بخلاف ذلك يقع تحت وقع المجازفة وبما أنه مدرك لهذه الحقيقة، فإن تعاطيه مع جوقة شآم وفق هذا المعيار قد حقق نقلة مفهومية في ابتكار وسائل التعليم والتعبير المعتمد على الخبرة والتراكم المعرفي ونقل الأثر الفني لا بأسلوب كلاسيكي، بل أسلوب يرتبط تماماً بثقافته الواسعة فالثقافة المتواضعة تنتج أعمالاً متواضعة لذا جاءت أغلب أعماله التي اختارها لحفل «شآم» تحمل بصمات ذكائه وقدرته وتعاطيه مع شكل النصوص لتكون منسجمة مع النسيج العضوي للعمل الأصلي، وللتدليل على ذلك نضرب مثلاً في تركيزه في بعض الأغنيات على عدم الالتزام بقواعد الأداء الأصلي الصعب وطبيعته بسبب حدة المنطقة الصوتية التي تهدد في إجهاد الحبال وتؤثر على وضوح الصوت عند المنشدين.
ما قدمته «شآم» هو غواية الاستماع والاستمتاع وتمرين مهم على كيفية القيادة، وقلب كلي لمفاهيم مستويات العمل الفني الناجح، ولقد أدرك الحضور بحِسهم العالي حقيقة لم يلمسوها خارج إطار هذا المكان أن في داخل كل إنسان فناناً كامناً يمكن إطلاقه ببعض الجهد والمتابعة والتواصل والتوازن. وجعلت من مستويات جديدة، سيدة لفكرة نجاحِ أي نشاط موسيقي كورالي من هذا النوع أساسه قائد فنان مبدع، وترجمة فنية أكثر إبداعاً، وجمهور واعٍ جعل الحضور ينشد ويصفق ويكمل الأغنيات مع المنشدين، حيث أتيحت الفرصة للجميع على حد سواء للمقارنة بين أصواتهم والآلات، فشكراً لجميع من أسهم في إمتاعنا.

البعث

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق