أسمهان وليس سراباً أكثر المسلسلات السورية مشاهدة هذا العام

2008/28/10

ما زال بعض المسلسلات الدرامية التلفزيونية يشكو من فقر أو ضحالة في المضمون ومن شبه انعدام الهدف الاجتماعي التنويري أو أي فائدة معاصرة أو مستقبلية يمكن أن يجنيها المتفرجون العرب من مختلف الأعمار والأفكار. وقد كان منها نصوص تعب المخرجون والممثلون والفنيون بالإضافة إلى الشركة المنتجة في صناعتها وتحويلها من الورق إلى أشرطة فيديو جاهزة للعرض على الشاشة، لكنهم بمعظمهم لم يستطيعوا تخليصها من أخطائها المكتوبة على الرغم من استعانتهم بمستشار درامي أو معالج فني أو مشرف عام كما قرأنا على الشاشة في مقدمة كل حلقة واختتامها.
المسلسل الأول الذي عانى من مشكلة النص هو «أسمهان» حيث رأينا بوضوح محاولات المخرج شوقي الماجري التغلب على هشاشة البناء الدرامي ومنع المبالغة في أداء بعض الممثلين بسبب جنوح الحوار بمعظمه إلى السطحية والتكرار وكثرة وتطويل مشاهد الحفلات والولائم والأحاديث الجانبية يضاف إليها فيما بعد أخطاء المونتاج حيث ظلت المشاهد الغنية بالأحداث والدلالات تمر أمامنا سريعة مقتضبة وغامضة أوحت إلينا في كثير من الأحيان بإدانة أسمهان – الأميرة آمال الأطرش- وتجريمها بالعمل السياسي لمصلحة الفرنسيين والإنكليز طمعاً في المال الذي بدت لنا الفنانة السورية شرهة إلى الحصول عليه بأي سبيل. وأوحت في أحيان أخرى إلى أنها كانت امرأة مزاجية مستهترة في علاقاتها العاطفية العديدة على عكس ما كانت عليه في الحقيقة والواقع من رصانة وهدوء ورقة وحب للوطن. أضف إلى ذلك خطأ تغيير شكل وجهها واستبدال الشامة السوداء الصغيرة تحت شفتها «بخال» رمادي كبير على ذقنها. ونشهد أن المخرج بذل جهوداً مكثفة لتغطية عيوب النص وأن الفنانة المتألقة سلاف فواخرجي والفنان المتميز عابد فهد والفنانة القديرة ورد الخال ومعهم عدد من نجوم مصر وسورية ولبنان قد ساعدوا المخرج شوقي الماجري في جهوده الإبداعية واستطاعوا إنجاحها وتحقيق ما توصل إليه مسلسل «أسمهان» من مستوى فني ممتاز وجماهيرية عربية واسعة النطاق. أما أسباب تفكك النص وافتقاره إلى الانسيابية ومنطقية تسلسل الأحداث إلى الحد الأدنى من عمق الحوار على لسان شخوص أذكياء وأمراء ومشاهير العصر الذهبي من الفنانين العرب، فقد ترجع إلى تعدد من ساهم في كتابة السيناريو بدءاً من ممدوح الأطرش وانتهاء بنبيل المالح وقد اطلعت على النص الأصلي الذي كتبه ممدوح الأطرش ورفعت الهادي قبل نحو خمس سنوات عندما تقدم به إلى التلفزيون العربي السوري – مديرية الإنتاج – وكم أتمنى اليوم بعد مشاهدة المسلسل على الشاشة لو أن هذا النص بقي كما كان عليه قبل التبديل والتعديل وقبل التركيز على مساوئ مفترضة في شخصية أسمهان وتجاهل محاسنها، ذلك لأن مديرية الإنتاج التلفزيوني كلفت قمر الزمان علوش بإعادة كتابته كله ثم رفضته الرقابة بحجة أن علوش تورط كما قيل في الإساءة لأسمهان وأخيها فؤاد والطعن في صفاتهما العربية السورية الأصيلة وهكذا لجأ ممدوح إلى شركة فراس إبراهيم التي لجأت إلى المخرج نبيل المالح فكتب لها النص التوافقي الإشكالي الذي تم إنتاجه بمشاركة عربية تمويلية وتوزيعية. وشاهدناه في رمضان على عدد من الشاشات.
وعلى كل حال فقد نجح مسلسل أسمهان فنياً وجماهيرياً ونجا من خطر احتراق الطعام على الرغم من كثرة واختلاف أذواق طباخيه، أو الذين كتبوا فيه هنا وفي مصر، والفضل في نجاحه يعود للنجمة السورية الرائعة سلاف فواخرجي وزملائها الفنانين ولأغاني أسمهان بصوت المطربة وعد البحري وللمخرج التونسي القدير شوقي الماجري وكذلك طبعاً لشركة فراس إبراهيم المنتجة الأولى وصاحبة المشروع والمدافعة عن نجاحه وتوزيعه حتى الرمق الأخير.
أما العمل الثاني الذي نجح أيضاً، بفضل مخرجه ونجومه المحبوبين من الجنسين وعلى الرغم مما كان النص مصاباً به وظهر أحياناً على الشاشة من مطمطة ورتابة، وإفراط في السوداوية، فهو مسلسل «ليس سراباً» من إنتاج سورية الدولية وإخراج الفنان الشاب الموهوب المثنى صبح.
ولعل الذي يؤخذ على نص هذا العمل المعاصر المهم هو ما تورط به الكاتب الشاب فادي قوشقجي من إطالة الحوار ومحاولات تسييسه وتحويل أكثر من نصف مشاهده إلى جدل إيديولوجي أو تنظيري عقيم حول دور الصحافة والفن والأدب ثم مسائل مفترضة في سورية مثل التعصب الطائفي والديني أو خضوع المثقفين للقوى العظمى في الغرب أو الشرق من خلال حوارات سردية مباشرة ثنائية أو من طرف واحد اقتربت من تعليقات على أحداث لم نرها أو حشوها ببؤس المحبين وبكائهم المرير أو بالخواطر الفلسفية والذاتية للكاتب الدرامي جلال «عباس النوري» وغير ذلك من الأمور التي أساءت إلى حيوية الدراما وأهملت ضرورة وجود صراع واقعي منطقي مسوّغ بين شخوصها وعرض هذا الصراع في مشاهد قصصية تنسجم فيها حركة الصورة ولقطاتها مع الحوار وأدائه العفوي الطبيعي وتسير حسب إيقاع متوازن مقبول بعيد عن الإملال والرتابة وعن سيطرة جو البؤس والتشاؤم على أصوات المتحاورين أو انخراطهم غالباً في البكاء والتأملات اليائسة حتى الحلقة الأخيرة. ولقد استطاع الإخراج والتمثيل تخليص النص من معظم عيوبه ودعم مصداقية الأحداث القليلة في حلقاته وتعميقها بجودة الأداء خفة ظله والتقطيع المناسب بين اللقطات من أجل شدّ المتفرجين ودعوتهم للمتابعة والإصغاء وانتظار ما سيحدث. مع أنهم وقفوا حائرين أمام عدة مشكلات منها مشكلة حنان مع زوجها السابق مثلاً، فهي مشكلة غير واقعية لأن القانون العربي السوري لا يسمح للأم المطلقة بالاحتفاظ بأولادها بعد بلوغهم سناً معينة إلا إذا ثبت للمحكمة عدم صلاحية الأب لرعايتهم وتربيتهم. كما أننا لم نقتنع بقصة خيانة السيدة أم تمام (أمانة الوالي) لزوجها عن طريق الإنترنيت وبوجودها في شقة جارها الشاب ثم طلاقها، ولم نر تمهيداً أو سبباً لانقلاب عامر (وائل شرف) المفاجئ إلى شاب متدين ضيق الأفق ومتطرف رغم دراسته العلمية في أوروبا. أو للخوف الصبياني من إعلام زواج جلال وحنان حتى موته فجأة في نهاية المسلسل ولا لمغزى تكرار مشاهدهما الغرامية اللاهثة أو الحزينة الطويلة جداً على الموبايل أو على «الصوفا» وإسراف الجميع من الجنسين في التدخين ونفث دخان سجائرهم في وجوهنا عبر لقطات ضخمة لوجوههم كادت تغطي الشاشة بكاملها وتفسد مصداقية المشهد.
لكننا إذا تجاوزنا الأخطاء والعثرات المذكورة في المسلسلين قلنا إنهما كانا رغم اختلافهما في النوع أو المضامين أفضل المسلسلات السورية المعاصرة هذا العام من حيث المستوى الفني والجودة الموضوعية إلى جانب المسلسلات الشعبية «باب المقام» و«الحوت» و«بيت جدي» والديني «قمر بني هاشم» والكوميدي «كل شي ماشي» والتاريخي «أبو جعفر المنصور».

عدنان حبال

الوطن

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق