مؤتمر الهوية الوطنية يختتم أعماله
24 كانون الثاني 2018
.
مع اختتام أعمال مؤتمر «الهوية الوطنية: قراءات ومراجعات في ضوء الأزمة السورية» شدد المشاركون على دعم الهوية الوطنية الجامعة على اعتبارها مشروع لعقد اجتماعي متكامل، في مواجهة مخاطر وتحديات غير مسبوقة على صعيد الهوية، وبهدف قطع الطريق على قوى خارجية تسللت إلى العديد من دول المنطقة عبر «بوابة الهويات» لزعزعة أمن الدول والمجتمعات.
وأكد المشاركون في مداخلاتهم على أن الهوية الوطنية في سورية أصبحت تمثل تحدياً مركباً نظراً لكثرة العناصر المكونة للاجتماع السوري واختلافها وتمايزها، إضافةً إلى إسقاطات تداعيات الأزمة والحرب التي تتعرض لها سورية منذ عام 2011 ما جعلنا أمام لحظة تاريخية تستوجب إعادة النظر بموضوع الهوية.
وشهد اليوم الثاني من أعمال المؤتمر، ثلاث جلسات تناولت الأولى «تجليات الهوية الوطنية السورية» وشارك فيها الدكتور طلال معلا بورقة تحت عنوان «الهوية والتراث الثقافي، التنوع كهوية» والأستاذ نبيل سليمان بورقة حملت عنوان «الطائفية كصدع هوياتي في المخيال الروائي السوري 2011-2016» والإعلامية ديانا جبور بورقة تحت عنوان «الهوية الوطنية والدراما السورية المصورة» والدكتور سنان حسن بورقة تحدثت عن «الإشكالية الهوياتية معمارياً: في تفكيك المفهوم والفهم المأزوم» والدكتور عمار خيربك بورقة تحت عنوان «الأرشيف الرقمي الوطني السوري».
الدكتور الباحث والفنان التشكيلي طلال معلا قال لـ اكتشف سورية: في ورقة البحث التي قدمتها تناولت هموم الهوية الوطنية من باب علاقتها بالتراث الثقافي ومن خلال اهتمامي في جوانب لها علاقة بالتراث اللامادي أو ارتباطها بالمتاحف في سورية وأثرها في تشكيل الهوية المشتركة للمواطن السوري، كما عرضت الاستقصاءات الحقيقية والمجتمعية والثقافية التي قمنا بها في المحافظات السورية منذ بدء الأزمة مع المجتمع السوري والوصول إلى نتائج يمكن البناء عليها من قبل أصحاب القرار أو الجهات التي ستقوم بتحليلها لبناء المشاريع المستقبلية، فمثلاً لا يمكن البناء على خطط استراتيجية دون الاعتماد على معلومات وآراء المجتمع التي تعكس حالها في تطلعاتها المستقبلية، وماهي المؤثرات التي تلعب دوراً هاماً في اتخاذ المواقف والمتغيرات في البيئة المحيطة بها، لأنه في التنمية المستدامة نعمل على هذه العلاقة بين الثقافة والمجتمع للوصول إلى حالة من التغيير برؤية مستقبلة قادرة على قراءة المستقبل بشكل صحيح، فعندما نرصد علاقة الإنسان بالمتحف نقوم برصد هذا السؤال الذاتي أمام ذاكرة وزمن طويل وحضارات مختلفة، وكيف يرى «الإنسان» نفسه اليوم وهو ينظر إلى هذا المتحف، ثم كيف يستطيع هذا المتحف أن يلعب دوراً اجتماعياً في بناء العلاقات بين افراد المجتمع حيث يفسح مجالاً للتفاعل مع هذا الإرث بصورة عامة، فليس المقصود هنا أن نضع كل تلك الآثارات في المتاحف وإنما استخلاص المعاني والعِبَر من هذه الآثار.
واردف بالقول: الهوية السورية اليوم مصابة في واقع الحال بسبب الحرب المدمرة التي تتعرض لها وأثرت عليها وزادتها منعة من جانب وأصابتها في جوانب اخرى، لذلك نقول أننا نمتلك هوية ولنا القدرة على تثبيتها وجعلها حالة مستقبلية تميز الإنسان السوري سواء كان في نضاله ومجابهته للأخطار والمغامرات التي يخوضها من أجل أن تبقى هذه الهوية الأساس الذي نستطيع القول أنه يوحدنا، نحن جميعاً أصحاب وجهات نظر متفقة حول هذا الموضوع رغم كل هذا التنوع ذو الحدين، لذلك نبحت في نقاط الاتفاق عير التراث الثقافي الموروث وما نوّرثه للأجيال القادمة عبر صياغة هوية قادرة ومتمكنة تستطيع أن تمثلنا بشكل صحيح.
الدكتور الكاتب أحمد محمد الدرزي قدم في المؤتمر ورقة بحث في الهوية المشرقية: يرتبط المؤتمر بالأزمة السورية التي افرزت مجموعة من العناصر المتوارية تحت السطح، أحد هذه العناصر مسألة الهوية الوطنية وما تحتها وفوقها من هويات. ان عودة الصراع بين الهويات التي كانت سائدة فترة الخمسينيات حيث كان السوريون بحكم هشاشة الجغرافيا السياسية لديهم، فقد لجئت النخب السياسية إلى التعويض عن ذلك لحماية سورية بطرح الهويات؛ القومية العربية؛ الهلال الخصيب؛ القومية الاجتماعية، أو الهوية الإسلامية ضمن إطار ما يسمى الخلافة الإسلامية، وهناك أيضاً بعداً رابع من الهويات فيما كان يدعى بالهوية الأممية زمن الاتحاد السوفييتي، الآن وبسبب حجم الحرب الكبرى على سورية ظهرت هذه الهويات من جديد ومنها الهوية الإسلامية من خلال التيار السلفي (الإخوان)، وكذلك عودة المناداة بما يسمى سورية الاجتماعية القومية على خلفية سوء تعامل العرب كنظم وسلطات مع الأزمة السورية، وهناك طرح مستمر لما يسمى العروبة أو الهوية القومية، وعودة طرح الهوية الأممية عبر المشروع الأوراسي.
وأضاف: هناك مسألة أخرى لم يلتفت إليها غالبية المثقفين في سورية وهي أن هذه المنطقة والتي تضم سورية، العراق، إيران، تركيا، مصر، تعتبر جغرافياً وتاريخياً منطقة مفتوحة شئنا أم ابينا، وبالتالي شاركت شعوبها في بناء هذه المنطقة وان كانت البداية من بلاد سومر وعليه فهناك طريقة للتعامل مع أبناء هذه الحضارات يختلف عن البعد القومي المؤدلج هو أقرب على إمكانية الشراكة، بمعنى آخر ان طرح هذه الهويات وازماتها وكذلك استمرارية بقائها الان ومستقبلاً سوف يبقي عملية الصراع قائمة في المنطقة الأمر الذي سوف يؤدي إلى استنزافها إلى أجلٍ غير منظور، وللخروج من إطار الصراع في المنطقة لا بد من التحول إلى إطار الشراكة ما بين شعوبها، من هنا طرحت مسألة البحار الخمسة التي لم يلتفت إليها أكثر السوريون حيث تابعت الغالبية العظمى المؤدلجة السير في ركاب الهوية القومية العربية ونحن ليس ضدها فهي انتماء طبيعي ولكن ليس بمعناها الإيديولوجي، هذه المسالة تخرج المنطقة من الصراعات إلى نهضة كبرى تعم خيراتها على الجميع دون أن يستأثر احد بعائداتها.
الدكتورة أشواق عباس عضو مجلس الشعب تحدثت في المؤتمر عن بناء الهوية الوطنية السورية، قالت لـ اكتشف سورية: إن مجرد التوجه نحو طرح مفهوم الهوية في ظل الأزمة السورية يعتبر غاية موضوعية لم يعد ضرباً من الترف الفكري، كأن نجتمع للإقرار بما يناسبنا من هويات، فخلال الحرب ظهر بشكل واضح أن الهوية السورية أصابها ثلم ما .. هناك حقيقةً من بدأ بالتساؤل عما اذا كان لدينا هوية واحدة أم العديد منها، خاصة أنه لدينا نماذج ميدانية في المناطق التي خرجت عن سيطرة الدولة أصبحت هويات ما دون الدولة أو لنقل "اغترابية" تتطلع نحو الخارج، لذلك طرح هذا الموضوع هو هدف بحد ذاته. وهنا اعود للتأكيد انه لا أحد قادر على الزعم معرفته بالهوية المطلوبة الآن، ان مجرد فتح الباب للنقاش يعتبر ضرورة وجودية للدولة السورية.
الدكتورة أيسر ميداني الناشطة في الساحة السياسية وخلال حضورها فعاليات المؤتمر قالت: الاطروحات التي مازالت تراود تفكيري أننا لم نعط الفكر الوطني ما يستحقه، الفكر الذي يحمل ثقافة وحضارتنا لمواجهة الفكر الغربي الامبريالي الذي يعمل على محو ثقافتنا وتشويه تاريخنا من خلال كتابته كما لو أننا مجموعات وأقليات وعرقيات وطوائف. ان المعسكر الغربي الذي تمثله بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الامريكية هم رواد الفكر التقسيمي ونفي الهويات عن باقي الشعوب، ونحن للأسف لم نقم بالعمل الكافي للتصدي لهذا الفكر، هناك تقصير بحق عروبتنا وسوريتنا وهويتنا، علينا أن نوليه النقد وتفعيل الفكر من خلال الاطروحات البناءة التي تتصدى لهذا الفكر الهدام، والتي تم طرح بعضها في مؤتمر اليوم بكل جرأة وشجاعة لا بد من تقييمها ودراستها للتصدي للهيمنة الغربية على فكر نخبنا الثقافية. وكذلك يجب تطوير مراكزنا البحثية حتى يُكتب تاريخنا من وجهة نظرنا وليس من منظور المستعمر صاحب الأفكار الإقصائية والتقسيمية.
الدكتورة نهلة عيسى بحثت ورقتها في الهوية الوطنية والحرب، قالت: يبحث المؤتمر في مسألة شديدة الأهمية كونها المرة الأولى التي يتم فيها اختراق هذا "التابو"، فسابقاً كان الحديث عن الهوية الوطنية من محرمات السياسة السورية حيث كان يعتبر تشكيكاً بما هو ثابت، إلا أنه في حقيقة الأمر وهم من الأوهام. ان الحديث عن الهوية السورية بعد سبع سنوات من الحرب مورست فيها ضغوط خارجية لا يمكن نكرانها وكذلك داخلية اثرت سلباً على مفهوم الهوية الوطنية وأحدثت فيه تصدعات، لهو أمر في غاية الأهمية لأنه يبحث فيما اسميه "اليوم التالي" أي ما بعد الحرب، حيث يحدد الأسئلة الهامة التي يجب الإجابة عنها، وربما السؤال الأهم "من نحن" وكيف نحافظ على الـ "نحن" على خلفية تنوعنا الثقافي والعرقي والديني والقومي، بالشكل الذي يحافظ على الجغرافية السورية. مجمل مداخلات المؤتمر تدور ضمن هذا الإطار .. نوايانا حسنة لكن ربما الحرب تجاوزتنا إلى حد كبير .. نرجو عندما يأتي "اليوم التالي" تكون لدينا الإجابات الواضحة .. المؤتمر محاولة أولى ارجو ان لا تكون الأخيرة.
الدكتور رضوان قضماني عضو الهيئة التدريسية بجامعة البعث، أستاذ في اللسانيات، قال لـ اكتشف سورية: نعم استطاع هذا المؤتمر ان يحدد نقاط علام لملامح الهوية السورية، على الرغم من كل الانتقادات والملاحظات الجانبية استطاع المؤتمر ان يحدد ان هذه الهوية هي هوية معاصرة على خلفية المقولة التي تبناها المؤتمر على ان الهوية حركية غير ثابتة، يتطور مفهومها وفقاً للظرف الراهن والماضي والمستقبل، تحدد موقعها ضمن هذا المنحى، الذي بموجبه طُرحت الكثير من الآراء المختلفة التي تغني المفهوم ولا تشتته حسب اعتقادي فهي اختلاف وليس خلاف.
وأضاف: أن المكون الأساسي لمفهوم الهوية السورية في ظل الأزمة هو المواطنة التي تعني الارتباط بالأرض والدولة، فهي علاقة جدلية يجب ان تتكامل في ظل أزمة تحيلنا إلى غزوٍ خارجي وفرقة داخلية سببها خلاف وليس اختلاف، وحتى تكون الهوية الوطنية سمة أساسية للجميع يجب أن تستند على ثقافة الهوية؛ كيف تكون مواطناً .. كيف تحقق مواطنيتك .. هذه مسألة هامة جداً في فهمي على الأقل للهوية الوطنية، وحتى لا تكون كلمة مواطنة معجمية أقول أن المواطنة تعني المساواة والحرية وحرية التعبير، ولطالما كان هذا المفهوم متواجداً إلا ان الأزمة كانت سبباً في صعوده إلى الواجهة من جديد.
الأستاذة ديانا جبور تطرقت في ورقتها إلى الهوية الوطنية والدراما السورية المصورة وصرحت لـ اكتشف سورية: هناك إشكالية على درجة كبيرة من الأهمية، سؤال وجودي له علاقة بالهوية الوطنية، فقد أثار انتباهي خلال الحرب تلك النزعة الثأرية الانتقامية التي وسمت سلوك المحتجين فمن الجائز ان تكون ضد نظام سياسي؛ أما ان تصب جام غضبك على مؤسسات الدولة ومرافقها الخدمية ذات المنفعة العامة، فهذا دليل على إشكالية في الهوية، وفي ترتيب الأولويات بين ما هو سياسي وبين ما هو وطني .. تُرك هذا المجال للكثير من العناصر والعوامل الخارجية للتلاعب فيه، إلا أنه لا تزال هناك إمكانية لإعادة الاشتغال على موضوع الهوية السورية الجامعة التي لا تقصي احداً، وهنا يجب التمييز بين الهوية الجامعة والهوية الواحدة، فالهوية العامة تجمع الهويات الصغرى وتسمو عليها.
وتضيف: المواطنة في تعريف مقتضب هي المساواة بين افراد المجتمع كافة بغض النظر عن الجنس أو الدين أو العرق أمام القانون وفي القانون لضمان التساوي، وعندما يتحقق هذا الأمر يصبح الجميع على قدم المساواة عليهم ما عليهم من حقوق ولهم ما لهم من واجبات.
وكان المؤتمر قد انطلق في يومه الأول بثلاث جلسات تناولت عناوين «الهوية: إشكاليات التعريف» و«الهوية الوطنية: تحديات البناء» وفلسفة الهوية والأنا والذات والآخر والعوامل التي تهدد الهوية الوطنية، وذلك بمشاركة خبراء من أساتذة جامعات وكتاب ومفكرين وباحثين.
يشار إلى أن مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» مؤسسة بحثية مستقلة تأسست عام 2015 تعنى بالسياسات العامة والشؤون الإقليمية والدولية وقضايا العلوم السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والقانونية والعسكرية.
زين .ص الزين | تصوير عبدالله رضا
اكتشف سورية
من مؤتمر «الهوية الوطنية: قراءات ومراجعات في ضوء الأزمة السورية» |
من مؤتمر «الهوية الوطنية: قراءات ومراجعات في ضوء الأزمة السورية» |
من مؤتمر «الهوية الوطنية: قراءات ومراجعات في ضوء الأزمة السورية» |