اكتشف سورية يحاور الموسيقار السوري نوري إسكندر

11 09

إنجازات غنية واستشراف للمستقبل

في لقاء خاص، قمنا في «اكتشف سورية» باستضافة الموسيقار السوري نوري اسكندر، قبل ذهابه إلى ألمانيا حيث سيشارك في مهرجان مورغنلاند أوسنابروك، مع مجموعة من الفرق السورية المشاركة بهذا المهرجان، وكانت فرصة لأن نجري لقاءً موسعاً معه حول مشاركته وتجربته الموسيقية ومشاريعه المستقبلية.
وفيما يلي الجزء الأول من جزئي اللقاء، وهو حول المهرجان في ألمانيا.

مهرجان «مورغنلاند» في أوسنابروك
علمنا بمشاركتكم في مهرجان أوزنابروك الدولي للموسيقى الشرقية، نرجو أن تحدثنا عن طبيعة هذا المهرجان، ما نوعية المشاركات فيه، وما مدى أهميته كمهرجان موسيقي؟
«منذ حوالي سبعة أشهر، جمعني لقاء هنا في دمشق مع المدير الفني للمهرجان السيد مايكل درير، ودار بيني وبينه نقاش حول هذا المهرجان المتخصص بالموسيقى الشرقية، ومدى اتصالاته مع الفنانين في العالم الشرقي، ودعواته لفرق إيرانية وتركية وشرقية وعربية للمساهمة في هذا المهرجان، الذي تتلخص الغاية منه، في تعريف الشعب الألماني والجمهور الأوروبي عموماً، والنخبة المثقفة من المؤلفين الموسيقيين والكتاب والإعلاميين على وجه الخصوص، بالاتجاهات الموسيقية في الشرق، عبر نماذج مميزة من الموسيقى الشرقية، تسمح لهؤلاء المؤلفين والمهتمين بالاستفادة من التراث الموسيقي الشرقي الحضاري الكبير، كي يتمكن هؤلاء المؤلفون من إكمال مسيرتهم الموسيقية وتطوير موسيقاهم».
وأكمل الأستاذ نوري: «ثم أبدى السيد درير رغبته في سماع نماذج من أعمالي، وأعطيته بعضها، فسمعها وأبدى اهتمامه بها، ورغبته في أن أشارك في مهرجان أوزنابروك القادم، وأبديت عدم ممانعتي لذلك. ونظراً لظروف المهرجان الذي يجري في مدينة صغيرة، وضمن ميزانية غير كبيرة، فلن أتمكن من اصطحاب فرقة كبيرة ذات تكلفة عالية، بل سأقتصر على فرقة صغيرة (موسيقى الحجرة) تتألف من ستة إلى سبعة أشخاص حتى أقدم بعض النماذج المهمة من أعمالي».
نريد أن ننطلق من هذه المقدمة لنصل إلى نوعية مشاركتك في هذا المهرجان، طبيعة الأعمال التي ستقدمها، هل هي مقطوعات شرقية أم كلاسيكية؟
«لقد ترك لي السيد مدير المهرجان حرية اختيار المقطوعات التي سأقدمها، وارتأيت أن أنسب برنامج يمكن وضعه هو نماذج من أعمال كتبتها منذ حوالي خمسة عشر إلى عشرين سنة، ويتم تنفيذها الآن، منها «كونشيرتو العود»، «كونشيرتو تشيللو»، «الثلاثي الوتري». ويتألف كونشرتو العود من أربع آلات وترية، كمنجة أولى مع كمنجة ثانية وفيولا وتشيللو، ويرافقهم عازفاكتشف سورية تحاور الفنان الموسيقي نوري إسكندر العود كسوليست. وبنفس الطريقة نجد كونشرتو التشيللو، تشيللو سولو مع كمنجة أولى وكمنجة ثانية وفيولا وتشيللو. ثم نجد الثلاثي الوتري من ثلاث آلات فقط كمنجة أولى، كمنجة ثانية وتشيللو، وهذا الثلاثي الوتري شديد الأهمية، حيث سيقوم بعزف مقطوعات قصيرة من ثلاث دقائق إلى خمس دقائق، ولكنها مركزة بحيث يمكن القول عنها بأنها من تجاربي الهامة، بغية الوصول إلى نمطية جديدة للموسيقى المحلية مكتوبة بشكل علمي، ولكنها تحافظ على روح الموسيقى المحلية المعتمِدة على المقامات والأجناس الشرقية، مثل البياتي والرست وغيرها».
هل هناك أية حوارات أو ندوات مدرجة في برنامج المهرجان؟
«ليس هناك من ندوات مدرجة بشكل رسمي في برنامج الدعوة، ولكن وفقاً للحديث الذي جرى بيني وبين السيد مايكل درير، يمكن أن تحدث مثل هكذا نقاشات أو حوارات، حول المشاركات الموسيقية وأسلوب العمل وغير ذلك».
من الممكن طبعاً أن تحدث لقاءات مع فنانين ألمان أو غربيين، في معرض تبادل الأفكار حول الموسيقى الشرقية والموسيقى ومسائل الفن عموماً؟
«رغم أن المهرجان سيقام في مدينة صغيرة، هي مدينة أوزنابروك التي لا يتجاوز عدد سكانها 100 ألف نسمة، ولكن برنامج المهرجان كبير ويمكن اعتباره من المهرجانات القوية في ألمانيا رغم صغر المدينة التي يقام فيها، لأن الانفتاح على العالم الشرقي والحضارة الشرقية في الموسيقى والاستفادة من المعطيات الشرقية في عالمهم الغربي أصبح من المسائل الملحة، فالمؤلفون الموسيقيون الغربيون وصلوا إلى مكان شبه مسدود في الموسيقى، وقد جربوا الأنماط المختلفة من الموسيقى المعاصرة وما بعد المعاصرة والموسيقى الطلائعية والحداثوية، ووصلوا إلى نهاية مسدودة، وقد أمعنوا في التجريب وتجاوزوا كل حدود، وصولاً إلى الموسيقى الإلكترونية التي ليس فيها معاني موسيقية بل هي مجرد أصوات تصدرها آلات في نهاية المطاف. وهناك إحساس عام لدى جمهور المؤلفين والمثقفين في الغرب بأن الموسيقى الشرقية تحمل في أعماقها زخماً روحياً وتعبيرياً هائلاً، وأحاسيس إنسانية رائعة، ويريدون أن يستفيدوا منها ويدرسوها ويطلعوا على مصادرها ومنابعها، ويتفهموا روحية الإنسان الذي أبدعها، لينطلقوا في المستقبل نحو تطوير موسيقى جديدة. هذا ما أحسسته من منظمي المهرجان، وهذا شيء جيد، لأن الثقافات على أنواعها، سواء الموسيقية أوالفكرية وغيرها، يجب أن تتلاقى وتتلاقح وتتحاور حتى تتمكن الإنسانية من الاستمرار في عملية إبداع الجديد».
هل هناك تغطية إعلامية لهذا المهرجان لدينا في سورية أيضاً؟
اكتشف سورية تحاور الفنان الموسيقي نوري إسكندر«هذا موضوع لا أستطيع الحديث عنه، لأنني لا أعرف إذا ما كانت هناك تغطية لهذا المهرجان، ومن سيقوم بهذه التغطية، أتمنى ذلك حقاً، وهذا موضوع مهم، لفتّم نظري إليه. فمن الأهمية بمكان تواجد الصحافة والإعلام السوريين في حدث ثقافي مهم كهذا، وخصوصاً أنه يتعلق بنا وبثقافتنا بالدرجة الأولى. أؤيد دعوتكم لوسائل الإعلام في تغطية هذا الحدث، وذلك من خلال نقاد موسيقيين يستطيعون أن يوثقوا هذه المناسبة ومجرياتها ويستطيعون استخلاص النتائج منها، لأن ذلك فيه مصلحة لنا أيضاً، لنتابع ما يحدث من تطورات في الموسيقى على مستوى العالم، ولكن ليس لدي الصلاحيات أو الإمكانية لأقوم بذلك».
سننشر دعوتك لوسائل الإعلام والمؤسسات الكبيرة لمتابعة هذا الموضوع؟
«أرجو ذلك، فهي مسألة مهمة، ونتمنى من المؤسسات الإعلامية أن تتابع الحدث وتنشر الصور والبرامج ومن شارك ومن كتب حول هذا المهرجان، فهذا لمصلحة الموسيقى وتطورها في بلدنا».

مشاريع مستقبلية

يبقى التساؤل عن جديدك القادم، فيما بعد مهرجان مورغنلاند؟

«بعد مهرجان أوزنابروك في الشهر العاشر (تشرين الأول) وفي السابع عشر منه، سيكون لدينا حفلة في دار الأوبرا تتضمن بعضاً من أعمالي، وأتمنى أن نكون جيدين بأدائنا ويكون التواصل بينا وبين الناس حميماً».
هل يمكن أن نتحدث عن الأسس التي اعتمدت عليها في التأليف الموسيقي، والتي تشكل أسلوباً جديداً في إبداع الموسيقى حاضراً ومستقبلاً «مشروعك الموسيقي»؟
«المشروع هو خلاصة ثلاثين سنة من العمل والبحث والتجارب، ويتمحور حول السؤال الآتي: كيف يمكن أن نصنع موسيقى محلية جديدة تبقى محافظة على روحيتها الشرقية، مع تطويرها بشكل عميق وأصيل، وينسجم مع أحدث ما توصل إليه علم الموسيقى».
نص المشروع:
بعد دراستي للموسيقى بنوعيها الشرقي والغربي، فكرت كيف يمكنني الاستفادة من التأثيرات السحرية الموجودة في العنصر اللحني المركب من مسافات ميكروتونية والموجودة في المقامات والأجناس الشرقية، بالإضافة إلى الاستفادة من معطيات الهارموني والبوليفوني في الموسيقى الغربية ضمن قوالب مفتوحة بأشكالها المختلفة.
لذلك كان لا بد:
1- من التحرر من الفكر المسبق في كيفية التعامل مع المقامات والأجناس بأسلوبها التقليدي.
2- من إيجاد أشكال لحنية جديدة غير تلك التقليدية المعروفة للحصول على مضامين موسيقية جديدة.
3- الاستفادة من القوالب المفتوحة.
4- من خلق علاقات فنية جديدة ومن منطقها الداخلي الخاص وخلق حواريات جدلية وتفاعلية.
5- من إيجاد توليفات هارمونية بما يناسب مفهوم الأجناس الشرقية والمقامات وبما يناسب هذه الأشكال اللحنية الجديدة، وفي نفس الوقت الحفاظ على روحية هذه المقامات بأشكالها الجديدة على قدر الإمكان.
ولم يكن أمامي غير البحث والتجريب باستمرار.
- بالنسبة لإشكالية البوليفوني فقد كان حلها أسهل من غيرها وخاصة بعد الاستفادة من البوليفونية الموجودة في الموسيقى الغربية.
- تكسير سير المقام اللحني التقليدي، فقد استطعت فعل ذلك وأخذت أجول وأصول في المقام كما أريد بحرية كبيرة مما ساعدني في الحصول على مضامين جديدة نابعة من الأشكال اللحنية الجديدة.
وكان أصعب الأمور في هذه الإشكاليات هي إشكالية التوليفات الهارمونية.
جربت الأكورات الغربية الكلاسيكية على المقامات كما جربها أساتذة آخرون قبلي، ولكن هذه التجارب باءت بالفشل لأن هذه التآلفات الغربية لم تستطع استيعاب هذه الألحان الشرقية.
لذلك لم يبق أمامي إلا الرجوع إلى الوراء في تاريخ الموسيقى ودراسة ظاهرة الهتروفونيات المتراكبة والناتجة من تعدد الأصوات أثناء الغناء بالشكل العفوي والبدائي.
كذلك الاعتماد على دوزان آلة البزق والعزف عليها في الموسيقى الفلكلورية الكردية والتركية عبر دوزانات عديدة ومختلفة تستعمل عند كل تعيير لنوع الأغنية أو الملحمة.
وقد لفت نظري أثناء البحث أن قانون الانتقال من المتتابع إلى المتآني أي حدوث شيئين في آن واحد.
يقول آز شيفنر: «وحول هذا الانتقال من المتتابع إلى المتآني حول هذه الواقعة وهي أن كل ما يتغير يمكن أن يتراكب أو على العكس، وحول هذا دار جزء هام من التاريخ الفني التكنيكي أي تاريخ صنعة الموسيقى (جيزيل بروليه: الاستاتيكا، جماليات الإبداع الموسيقي)، ويبدو أن الاستماع المتتابع ينشئ في الروح صورة متآنية وتراكباً ذاتياً للعناصر اللحنية يمهد للتراكب الحقيقي».
جربت العمل انطلاقاً من هذا القانون وحصلت على إدراكات سمعية جديدة، وركبت من درجات الأجناس وبأشكال مختلفة توليفات هارمونية لم تكن هارمونيات طبيعية بل كانت مصطنعة، وكان السؤال دائماً حول كيفية إيجاد علاقات بين هذه التوليفات بحيث تكون لها وظيفة ودور منطقي موسيقي.
كان المعين الأكبر على هذا السؤال هو:
1- منطقية تتابع الألحان وعلاقاتها ببعضها ساعدت على ربط التوليفات بشكل من الأشكال وكانت معقولة مؤقتاً.
2- الاستفادة من مبدأ المحاكاة للتوليفات الهارمونية الطبيعية المعروفة في الموسيقى الغربية الكلاسيكية.
هكذا تابعت التجارب حول كافة الإشكاليات التي جابهتني. لا أستطيع الادعاء أنني أكملت تجاربي ووصلت إلى ما أريده تماماً، إنما أخذت أحس بعد كل تجربة أنني أتقدم خطوة إلى الأمام وآمل أن أتابع حتى النهاية. علني أصل إلى ما أريده وهو إضافة جماليات جديدة وإمكانيات تعبيرية نابعة من مزايا الموسيقى الشرقية والموسيقى الغربية.
أستاذ نوري، نتمنى من الله أن يعطيك الصحة والعافية لتتم هذه الأعمال المهمة، وسندع الحديث عن تفاصيل هذا المشروع وحفلك القادم لما بعد عودتك بالسلامة من أوزنابروك، وشكراً جزيلاً على هذا الحوار الممتع.
«شكراً لهذه المقابلة الجميلة والممتعة».


محمد خضور
محمد الأزن
فؤاد نعوم
تصوير عبدالله رضا

اكتشف سورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

    صور الخبر

    بقية الصور..

    اسمك

    الدولة

    التعليق