الموت يغيب النحات وليد محمود

26 تشرين الأول 2014

.

لم يمهل الموت النحات السوري وليد محمود ليفتتح معرضه الذي كان سيقدم من خلاله آخر أعماله النحتية ضمن مشروعه المعنون بـ«حلم الحجر» والذي يتسم بخلاصة تجربته الفنية والفلسفية والحامل لفطرية الاحساس لدى النحات المتمرد على كل ما هو نمطي وكلاسيكي.

كان النحات الذي رحل عن واحد وأربعين عاما في سباق محموم مع الزمن وكأنه يدري الموعد الذي خط له مع القدر باكرا فلم يعرف الاستكانة او الراحة يوما بحسب من يعرفوه عن قرب فطاقته الكبيرة كانت تشع كهالة من حوله لتشكل الكتل الصماء من الحجر والخشب أعمالا تضج بالحياة وتجمل الواقع.

امتاز النحات والشاعر الراحل بفطريته الفريدة بالتعامل مع الخامات وخصوصا الحجر الذي اعتبره مادته المميزة القادرة على حمل حلمه فكسر بتقنيته وأسلوبيته الخاصة كل القوالب الأكاديمية والكلاسيكية المعروفة حتى بات المتابع لتجربته يحار في تصنيف أسلوبيته بين الواقعية التعبيرية والتعبيرية التجريدية والتي حملت معها العمق الفكري والفلسفي.

حمل ابن مدينة جبلة رؤية خاصة عن الحياة والجمال فهو انطلق من بيئته الريفية الجبلية في الساحل السوري إلى العالم والحداثة حاملا مورثه الاجتماعي والفكري وحالما بتقديم مادة فنية مجبولة بهذا البعد الفكري بقيمة حداثية ضمن توليفة فريدة بين العمق الحضاري والحداثة الفلسفية فنتج عن ذلك تجربة فنية اسمها حلم الحجر.

وحازت المرأة على النصيب الاكبر من اعمال محمود حيث كانت بجناحين لديه لأنه يراها ملاكا يحمل أعباء الحياة وتعبها بكل رضا وسرور وهو يصور الرجل معلقا بها رغم ثقل احمالها وهي مصدر الجمال والسكينة والهدوء في هذا العالم.

سعى محمود عبر تجربته النحتية لتكوين ثقافة جمالية خاصة وحراكا فكريا مختلفا عن ما هو موروث فهو خاطب العقول كما الكتلة الحجرية التي تعامل معها محاولا اعادة تشكيلها بما يتناسب مع الواقع والتطور والحداثة للوصول الى صورة فنية جمالية فكرية معبرة عن البيئة التي خرجت منها بشكل حضاري سواء كانت كتلة نحتية او عقلا يخاطب العالم.

والأزمة التي تعيشها سورية كانت حاضرة في أعماله الأخيرة فعبر عن حزنه لما يجري بمنحوتات تعبيرية عميقة في دلالتها فصور الإنسان في خرطوم الفيل وجسد الرؤوس على فوهة المدافع مقدما رؤية جريئة وصادمة عن معاناة الانسان السوري الذي كان يعتبره الضحية الاولى للحرب على سورية.

كان لمحمود تواجد مميز في الوسط التشكيلي في لبنان مكان اقامته واستطاع الوصول بأعماله لاهم الساحات التشكيلية العالمية مستفيدا من ذكائه التسويقي ومعتمدا على الفطرية المدهشة لمنحوتاته ولعله شكل في ذلك حالة تدعو لاستغراب الكثير من التشكيليين السوريين وخاصة الاكاديميين كونه امتلك قدرة استثنائية في اقتحام اصعب الاسواق الفنية وان يحقق الشهرة والحضور الذي يحلم به اي تشكيلي يمتلك الموهبة في زمن قياسي وهذا ما أضاف لتجربته الفريدة قيمة اضافية كونه امتلك الذكاء والجرأة والقدرة على تقديم عمله النحتي للعالم بطريقة مدروسة ومجدية.

لم يستطع الكثير ممن عرفوا محمود ان يقدموا شهادتهم به لما شكله خبر وفاته المفاجئ من صدمة كبيرة بفقدان وهج عظيم بلحظة واحدة ولكن التشكيلي الشاب حسين صقور الذي تعرف على تجربة الفنان الراحل النحتية عن كثب يقول..لقد فهم النحات الفقيد الفن كقضية تحتاج الى دينامية خاصة وسعى ناشطا لعرض أعماله في الصالات المعروفة بين الشرائح الاجتماعية التي تقدر العمل الفني وتعطيه حقه فكان محظوظا في ذلك واستحق ما ناله من حضور مميز.

ويضيف صقور سعى النحات محمود دائما لطرح أفكاره والعمل لتجميع التشكيليين السوريين ضمن معارض مرتبطة بالمجتمع كان آخرها معرض سنبلتين وقطرة ماء الذي دعاني اليه الى جانب عدد من الفنانين السوريين والذي ذهب ريعه لأسر الشهداء.

وعن أعمال محمود النحتية الفطرية يوضح صقور ان المنحوتة لديه كانت معبرة عن قيمة الفراغ في علاقته مع الكتلة النحتية فالأنثى عنده جسد يتفوق على الاغراء بحركات راقصة جمبازية ضمن تكوينات شاقولية اراد منها التأكيد على جمالية التوازنات التي تحققها الفراغات وتخلقها أطراف الجسد المتداخلة بما يخدم انسيابية الحركة فيستطيل العنق أحيانا ليتحول العمل بالمجمل إلى ما يشبه آلة او علامة موسيقية توحي بالأنوثة عبر الإنسيابية والانحناءات والى الذكورة عبر المعالجة الحادة في بعض الزوايا.

ويختم صقور أن أعمال المرحوم محمود أشعلت شرارة حلمه الفني الذي سيبقى متقدا ولن يكسر وسيكتب كما اراد له ان يكون معبرا عن روح أعماله النحتية وفكره الخاص حلم الحجر.

يشار إلى أن الفنان وليد محمود توفي يوم الجمعة الماضي إثر حادث خلال طريقه لافتتاح معرضه جباليا في مدينته جبلة.


محمد سمير طحان

سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق