د. كمال الحاج: تطور البرامج التلفزيونية نعمة أم نقمة؟

03 آذار 2014

.

بعد أن كان المشاهد العربي في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات على مواعيد ثابتة مع برامج ومضامين لا غبار عليها، أصبح اليوم يتعرض لكم هائل من البرامج التي ترتقي بذوقه تارة وتنحدر تارة أخرى، فالمتابع للإعلام يلمس التطور الكبير والهائل الذي طرأ على مواضيع ومضامين البرامج التي نراها ونتابعها على مدار الأربع والعشرين ساعة.

وكأن إعلامنا العربي أحدث ثورة في فضاءاته وأقماره، محدثاً فيها تغييرات جذرية وفارضاً أشكالاً برامجية جديدة قد تكون في بعض الأحيان غريبة عن المجتمعات الغربية فما بالنا إذا قدمت لمجتمعنا، كبرنامج «الليلة جنون» و«هيدا حكي»، و«لول»، و«بس مات وطن» و«ما في متلو» و«شي أن أن» و«قربت تنحل» و«كتير سلبي» وغيرها الكثير.

فكان لابد على «الوطن» من النزول إلى الشارع لرصد واستطلاع آراء المشاهد السوري تجاه هذه البرامج.

عادات وتقاليد
ما من شك أن هذه البرامج حققت مشاهدة واسعة من الجمهور، ومن اللافت أنها في الكثير من الأحيان تحمل أشياء وأموراً تتناقض مع عاداتنا وتقاليدنا سواء بشكل مباشر أم غير مباشر، بالإضافة إلى تقارب وتشابه المضامين التي تقدم في هذا البرامج.

فتقول حنان (موظفة): «أنا شخصياً أحب هذه البرامج بما تحمله من تسلية وترفيه، وبشكل عام في ظل هذه الظروف نحن بحاجة إلى مثل هذه البرامج، رغم أنها قد لا تتناسب مع مجتمعنا سواء من خلال اللباس أم الكلام أم الفقرات، فمن المؤكد أنها تناسب أكثر المجتمعات التي تقدم فيها، ولا أرى أن هناك مشكلة في متابعة مثل هذه البرامج، وبالنسبة للبرامج التي تتضمن سكتشات أجد أنها لم تعد تنال إعجاب المشاهدين بمقارنتها بغيرها من البرامج لأنها وقعت في طابع التكرار والتشابه».

في حين رأى سبيرو (تاجر) أن هذه البرامج تجارية تهدف للربح، كما أنها تعتمد في تقديم مضامينها في أغلب الأحيان على الإغراء الجسدي والكلام السطحي، ولها تأثير سلبي على المجتمع في القضاء على الفكر الثقافي المتنور عبر المدى البعيد.

متابعة الأطفال لها
وتقول إباء (موظفة): «تحمل هذه البرامج جرعات كبيرة من الضحك، ولكن الأفضل الامتناع عن مشاهدتها بوجود الأطفال الذين أعجبوا بها وأحبوها ولاسيما برنامج «الليلة جنون»، فتعليقي الوحيد عليها بأنها لا تراعي احتمال مشاهدة الصغار لها، وأجد أن بعض السكتشات التي تقدم تتضمن الكثير من السخرية الأمر الذي يزعجني قليلاً، ولكن في بعض الأحيان تقول وتنقل ما بداخلنا».

أما حنان (مرشدة نفسيةً) أشارت إلى أن الكثير من البرامج التلفزيونية التي تهدف للترفيه أصبحت تميل إلى الابتذال الجسدي واللغوي، إن لم يكن من المذيعين فمن ضيوف البرنامج، من دون مراعاة الآداب العامة الأمر الذي يلقي على عاتق الأهل مهمة إضافية، تتمحور حول مراقبة ومتابعة وتوعية الأطفال بما يناسبهم من برامج.

برامج كوميدية ساخرة
ويقول حسان (صحفي): «بصراحة أنا من متابعي البرامج الكوميدية الساخرة في الوقت الراهن، إذ أصبحنا نفضل مشاهدتها على مشاهدة مسلسل أو فيلم أو حتى النشرة الإخبارية، وشخصياً أنجذب لهذه البرامج بما أنها تتناول الأحداث اليومية والسياسية والأوضاع الأمنية بشكل ساخر، فتلطف الفكرة الموجودة في بالنا حتى لو كانت دموية ومحزنة، وهذا الشيء نحن بحاجة إليه في يومنا هذا ونطالب بوجوده».

وبدورها رشا (ربة منزل) قالت: «رغم أني من متابعي هذه البرامج وأرى فيها نوعاً من الترفيه والتخفيف من الضغوط النفسية، إلا أنها لا تقدم أي فائدة وتتضمن في أغلب الأحيان إيحاءات جنسية تثير حيرة المشاهدين من الصغار، وقد تدفعنا بشكل لا شعوري للأسف لاستخدام مفردات كانت تحظرها فيما سبق أخلاقنا وآدابنا».


الإعلام لا يقيد
وللتحدث أكثر عن هذه البرامج وأهدافها، وهل كانت المضامين التي تقدم فيها تناسب المشاهد السوري، التقت «الوطن» الدكتور كمال الحاج عميد كلية الإعلام سابقاً وكان الحديث التالي: في البداية أشار د. كمال إلى أن الإعلام لا يمكن توحيده في بوتقة واحدة أو نمط واحد سواء كان هذا الإعلام مسموعاً، أم مقروءاً، أم مرئياً، أم خاصاً، أم حكومياً، فالإعلام هو شيء من الإبداع، والإبداع لا يقيد بقيود بشكل عام، وهناك مسألة أخرى فالترفيه واحد من الأهداف الأساسية والمهمة في أي مضمون إعلامي يقدم من خلال الإذاعة والتلفزيون، ولكن المشكلة تكمن في أن بعض المحطات الفضائية وبالتحديد اللبنانية تتجه بشكل أساسي للترفيه لمجرد الترفيه أي التسلية، والتسلية هي أدنى من الترفيه، فالترفيه ممكن أن يقدم معطيات ومعلومات وفائدة وأن يكون له أهداف جيدة، فيقول: «القنوات اللبنانية لم تكتف بأنها تقدم شيئاً تسلوياً غير هادف ولكن في الكثير من الأحيان تتجرأ على الأعراف والتقاليد والأديان، فتتجاوز الخطوط الحمراء، من خلال تقديم مضامين غير لائقة قد تكون جنسية بشكل صريح أو غير صريح، وهذا الموضوع قد يلقى قبولاً من بعض الناس ولكن في الوقت نفسه الكثير منهم يرفضونه ويستهجنونه، وطبعاً لا ألغي الهدف التجاري لأي قناة خاصة، ولكن هنا نضع خطوطاً عريضة أمام المواثيق الإعلامية والمسؤولية الاجتماعية التي تقع على عاتق القنوات الفضائية في الإعلام العربي».

كسر الحياء
ويتابع كلامه إن هذه المحطات كسرت الحياء بين أفراد الأسرة، وبين الطالب والأستاذ، وبين مختلف شرائح المجتمع، وإن التأثيرات السلبية لا عد لها ولا حصر، وبشكل خاص إذا تعرض لها الأطفال والشباب المراهقون بمفردهم أو بصحبة أصدقائهم من دون رفقة الأهل، فمجتمعنا مجتمع شرقي لديه عادات وتقاليد، وهذه البرامج في الكثير من الأحيان بما تقدمه من مضامين قد تنتهك هذه العادات بأسلوب ضاحك أو كوميدي يخترق العواطف وأحياناً يصل إلى العقل.

كما قال د. كمال: «لا مانع من الترفيه، والمشاهد السوري يشعر بفراغ كبير لعدم تقديم مضامين ترفيهية، فوقع فريسة سهلة أمام هذه البرامج، والمسؤولية تقع على المؤسسات الإعلامية الحكومية التي أجد لها مبرراً إلى حد ما لأنها انكفأت في هذه المرحلة إلى تقديم المضامين السياسية، ولكن يجب أيضاً النظر إلى الطرف الآخر وما يعاني منه، نتيجة تلقيه لجرعات عالية من الأخبار والعنف، والذي يعيش في حالة من التوتر والقلق، الأمر الذي يدفعه لمتابعة البرامج التي تقدمها الفضائيات الأخرى للهروب من المضامين القاسية ولتخفيف التوتر والضغط العصبي، فليس محرماً أو عيباً أن تقدم هذه المؤسسات مضامين ترفيهية راقية وبجرعات كافية».

دراسات واستطلاع آراء
وعن أهداف مثل هذه البرامج أكد أنه لا يريد أن يتبع نظرية المؤامرة، وأن هذه البرامج تقدم لتخريب الجيل، قائلاً: «هذه البرامج تقدم في محطات تلفزيونية تملكها شخصيات معروفة في الدول العربية، ولا أشكك في وطنيتهم، ولكنهم اعتبروا أن الوسيلة الإعلامية هي وسيلة للربح فقط، فلا أحد يلغي الربح، ولكن عندما يصبح هو الهدف الأول والأخير هنا تحدث الفجوة، فأي مضمون ترفيهي أو تسلوي أو حتى المبالغ في الترفيه يجب أن يكون له هدف».

وأيضاً ركز على مسألة مهمة، هي أن برامج «التوك شو» التي تقدم قد تناسب المجتمع اللبناني الذي ظهرت فيه واحتياجاته، والمواطن اللبناني يريد ذلك ويسعى لذلك، فاللبنانيون يقدمون ما يحتاجون إليه نتيجة دراسات واستطلاع آراء، وهذه التجربة لا يمكن تعميمها على المجتمع السوري، أو المصري، أو الخليجي... ، مشيراً إلى أن جوارنا مع الدول الأخرى، لا يعني أننا متقاسمون تقاسماً كبيراً في الاهتمامات، فيقول: «كندا وأميركا تجمعهم أكبر مساحة حدود مشتركة، ولهم أصول واحدة، إلا أن كندا تفرض قيوداً كثيرة على المضامين الإعلامية التي تشتريها وتبثها من أميركا بما يتناسب مع طبيعة المجتمع الكندي».

وفي نهاية الحديث، أكد أن الكثير من المضامين تركز على الجنس بشكل كبير جداً، قائلاً: «ليس لدينا عقدة من الجنس ولكن المسألة مسألة احترام، بما أن هذه البرامج تقدم على شاشات التلفاز، التي يجتمع عليها كل أفراد الأسرة، بخلاف المسرح، فالخطر من هذه البرامج هو اختراق القيم، فلا أعتقد أن هناك شخصاً ينزعج من متابعة مضمون ضاحك لمجرد الضحك فهو أمام طيف واسع من البرامج يختار منها ما يريد».

وكأن المطلوب اليوم من هذه البرامج أن تسمح بالحديث عن الكثير من الأشياء والأمور التي لم يكن المشاهد معتاداً عليها، بحجة الجرأة والتحرر.


الوطن السورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق