رحيل الخبير الموسيقي فيكتور بابينكو

12 كانون الثاني 2014

عشرين عاماً في خدمة الموسيقا السورية

ودعت الأوساط الثقافية الموسيقية في روسيا وسورية قبل عدة أيام الخبير الموسيقي الروسي فيكتور بابينكو، الرجل الذي قضى أكثر من عشرين عاماً في خدمة الموسيقا السورية، حيث كان من أوائل المدرسين في المعهد العالي للموسيقى في دمشق أي منذ تأسيسه، ودرس على يديه أغلب الموسيقيين ممن درسوا في المعهد العالي للموسيقا.

وفور إعلان رحيله في مسقط رأسه بروسيا، امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بعبارات تنعي هذه الشخصية المرموقة، وهناك من سرد انجازاته الموسيقية الكبيرة في وطننا سورية، وهناك من تحدث عن فضله في تنمية الشخصية الموسيقية لدينا.

ومن الأشياء الجميلة التي قدمها بابينكو للجمهور السوري هو تعريفه على الأنواع الجديدة من الموسيقا العالمية عن طريق كورال الحجرة الذي أسسه وقاده بنفسه حيث ومن خلاله على أجمل الأغاني الكلاسيكية الأوروبية في القرنين السادس عشر والثامن عشر، وقدمها بتوزيع جديد بهدف إحياء هذه القطع الموسيقية الفريدة، والتي يندر أن تغنى على مسارح العالم الغربي في وقتنا الحاضر.

إضافة إلى الأغاني الشعبية الفلكلورية لأكثر من خمس وعشرين دولة على امتداد القارات الخمس بهدف التعرّف بالثقافات الموسيقية لعدد كبير من شعوب العالم عبر جولة مدهشة في أغانيها ولغاتها المتنوعة، وخلال مسيرته هذه لم ينس بابينكو الأغاني التراثية والفلكلورية السورية والعربية عموماً، حيث عمل على توزيعها هارمونياً إلى أربعة أصوات وأكثر، واستعاض بأصوات المغنين عن الآلات، لتغنى هذه القطع من دون مرافقة الآلات الموسيقية.

وكانت أول مهمة للأستاذ فيكتور أثناء دخوله المعهد هو تحضير كورال المعهد لأول حفل للفرقة السيمفونية الوطنية وذلك في كانون الثاني 1993، ومن ثم تتالت المهام ليشارك بأهم المحطات الموسيقية السورية منها تحضير كورال المعهد لأول عرض أوبرالي في سورية «دايدو واينياس» لبورسيل بقيادة الأستاذ صلحي الوادي، تأسيس وقيادة كورال الحجرة التابع للمعهد العالي كأول جوقة محترفة في سورية، وتحضيرها لحفل افتتاح دار الأوبرا، إضافة إلى المشاركة بالعديد من الاحتفالات الأخرى. وكان له فضل كبير في حفل افتتاح وختام احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008.

كما ألف العديد من الكتب لطلبة المعهد العالي مثل «تمارين هارموني على البيانو، تحليل القوالب الموسيقية، قاموس الموسيقا..».

وبدوره التقى اكتشف سورية ببعض الموسيقيين السوريين حيث عبر الجميع عن فضل بابينكو عليه وعلى الموسيقا السورية بشكل عام، وكانت هذه الكلمات:

رهف شيخاني «عازفة الهارب»
ما يزال صدى صوته يملأ ممرات المعهد، إما ينادي طلابه لتقديم واجبه الدراسي، أو كي لا يتأخروا على الحصة، معبراً بذلك عن محبته لنا بنفس الوقت صارماً جداً خلال التدريس وتدريبات الكورال، وبذلك علمنا أن نعبر عما بداخلنا وأن المشاعر لا تتعارض مع القوة والجدية، أعتبر هذا الموسيقي كنزاً لكل من أخذ فرصته كي يكون طالباً عنده، كنا نرى فيه مثال لمن يحب العمل الذي يتقنه، وتميز بتفانيه، وأعطى لسورية الكثير موسيقياً، وكل ما سنقدمه لموسيقانا هو استمرار لعطائه، أخيراً ابتسامته لن تفارق ذاكرتي وقلبي أبدأ.

بشرى محفوظ «مغنية»
بابينكو أهم موسيقي سوري روسي مر على تاريخ الموسيقا في سورية، محباً لسورية كما أي سوري شريف، قدم انجازات كثيرة للموسيقا السورية على مدى عشرين عاماً، وأعطاها حالة خاصة ستبقى رافداً مهماً لموسيقانا، لدرجة بأن قلبه المريض لم يمنعه التواجد في المعهد أبداً، لن يغيب صوته عنا ولا لحظة، حاضر في غنائنا وموسيقانا، ترك غيابه وجع كبير بداخلنا نحن كل من درسنا تحت يديه.

أمير قرجولي «عازف الكمان»
هو بمثابة الأب الحنون، اإنسان والصديق، علمنا كيف نقدس الموسيقا، بالنسبة لي لن أنسى فضله طالما أقرأ النوتة الموسيقية، وفضله على موسيقا بلدي، غيابه أكبر خسارة لنا بعد صلحي الوادي، غيابه أبكى قلبي واحساسي قبل عيناي، بابينكو لا يوصف بعدد من الكلمات، أعماله هنا بدمشق وسورية عموماً من تصفه.

باسم جابر «عازف الكونترباص»
الأستاذ والأب والأخ والصديق فيكتور بابينكو كان مرجعاً موسيقاً لكل طلاب المعهد العالي وأستاذته، ألف كتاب التحليل الموسيقي الذي مايزال يدرس في المعهد العالي بدمشق وبالمعهد الوطني بالأردن، تميز بأسلوبه المرح في إيصال المعلومة ومحبته الكبيرة للتدريس والذي انعكس إيجاباً لدى الطلاب. ذهب ولكنه سيبقى حياً في عقولنا و قلوبنا، الرحمة لروحه الطاهرة.

وسيم إبراهيم «مؤلف موسيقي»
ارتبط اسم الأستاذ فيكتور بابينكو بالمعهد العالي للموسيقا منذ تأسيسه وكان همه المساهمة في إنشاء جيل موسيقي أكاديمي محترف يقوم على رفع المستوى الموسيقي في سورية, وكان له الفضل في فرض سوية التزام عالية لدى طلاب المعهد وإضافة حياة موسيقية جديدة، وكان لوجوده دور مهم جدا في تطوير وخلق حالة حب وعشق لهذا الفن الغنائي، درست تحت إشرافه خمس سنوات وأعمل معه كمغنٍ في كورال الحجرة منذ سبع سنوات وأستطيع القول إن له الفضل الكبير في تزويدنا بالمعرفة العلمية النظرية والتجريبية, لقد أضاف إلى حياتنا الكثير من المعاني والتجارب الممتعة.

فيكتور بابينكو حائز على وسام الاستحقاق كرجل ثقافة من جمهورية روسيا الاتحادية، درس الكورال بمعهد تشايكوفسكي للمواهب الشابة، ثم انتسب إلى المعهد العالي الوطني للموسيقا في موسكو عام 1968 وتخرج عام 1973 كقائد كورال ومدرس لقيادة الكورال، عمل مدرساً في معهد روسيا الموسيقي وقائداً للكورال في أوبرا «كراسنادار» ثم قائداً رئيسياً لفرقة كبيرة من مئة عازف، قدمت خلالها حفلات في ثماني عشرة دولة بين 1980-1989. حصل على جائزتين دوليتين: بلغاريا 1984، و بولندا 1987، كما حصل على الجائزة الأولى في مسابقة «إشراقة الشمال» من فنلندا، كما عمل قبل مجيئه إلى سورية بعام أستاذاً في المعهد العالي للموسيقا في هافانا، ودرّس العديد من المواد في المعهد العالي للموسيقا مثل «الهارموني»، «تحليل القوالب».

أحب بابينكو سورية وفي حفلة وداعه التي أقيمت في غاليري مصطفى علي بتنظيم من طلابه وأصدقائه قبل ما يقارب عام، حينها قال لي بلغته العربية المكسرة «أنا روخ روسيا، بس قلبي هون في سورية».

عندما حضر آخر حفلة قبل سفره وكانت للأوركسترا وكورال المعهد في دار الأوبرا في دمشق ذرفت عيناه دموعاً غزيرة وهو يحيي الحضور في نهاية حفل، حين قدمت له الدكتورة لبانة المشوح وزيرة الثقافة درعاً تذكارياً ومعه بكى الكثير من الحضور.

بابينكو تحية لروحك التي تحوم دمشق بل سورية، وطنك الثاني الذي أحبك كما أحببته.


إدريس مراد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

خبير الموسيقى الروسي فيكتور بابينكو

بابينكو برفقة مجموعة من طلابه في حديقة المعهد

فيكتور بابينكو مع المغنية ميرنا قسيس

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق