الباحث عيد الدرويش: «كل العلوم ولدت من رحم الفلسفة»

08 كانون الأول 2013

.

تنوعت اهتماماته بين الفن التشكيلي والخط العربي الذي كرس له الكثير من وقته وانتقل لاحقاً بعد دراسته لعلم النفس الى مجال الفلسفة فقدم عدداً من الكتب التي سبر من خلالها معنى الثقافة عبر التاريخ وفي عصرنا الراهن وما يحتويه هذا المعنى من اسس ومضامين يجب أن يتعرف اليها المطلع والمهتم في هذا الجانب من المعرفة .

عاش الباحث والخطاط عيد الدرويش طفولته في الريف وسط واقع بسيط وقرى معزولة عن بعضها البعض وهذا الفراغ جعله مجداً في دراسته وحفظه للمناهج كما أن التقليد للخط والرسم من بطون الكتب جعل له مدرسة بحد ذاتها.

يقول عيد الدرويش في حوار له، «لقد تطورت نظرتي للفن مع بداية المرحلة الإعدادية في المدرسة فكنت أرسم بالألوان المائية وبوسائل بسيطة وفي نهاية السبعينيات بدأت تتغير معالم الريف ودبت فيها الحياة وكانت تلك بداية المرحلة الثانوية التي بدأت تظهر بشكل واضح وجلي اهتماماتي أكثر فأكثر من خلال إطلاعي على الكتب».

ويتابع الدرويش «في عام 1982 انتقلت إلى مدينة الرقة للدراسة ما مكنني من التواصل مع الحراك الفني والثقافي من حيث كثرة الخطاطين والتواصل مع المركز الثقافي»، مشيراً إلى انه في بداية عام 1986 قام بفتح مكتب خاص لممارسة هوايته في الخط والفنون التي تحولت إلى مهنة في الإعلان والرسم.

وقال إنه أسس مسابقة عبد الحميد الكاتب للخط العربي السنوية فكانت هي المسابقة الوحيدة بعد مسابقة أرسيكا التي تجري في اسطنبول كل عامين مرة واحدة.

وبين أن ما دفعه لتأسيس المسابقة هو مهنته وهوايته وتذوقه للخط العربي ورغبته في نشر هذا اللون من الأنشطة الثقافية في مؤسساتنا الثقافية وأن يكرس هذا الفن الجميل في نفوس الناشئة من خلال المسابقة واستقطاب الخطاطين الشباب وإقامة المعارض التي تقام على هامش المسابقة وتشجيع الخطاطين من خلال الجوائز.

والسبب الثاني حسب الدرويش ألا تذهب هذه النفائس من الفنون إلى خارج بلادنا اما الثالث فهو تشجيع أجيال من هذا المجتمع لتذوق هذا الفن الرفيع واعادته إلى الواجهة بعد أن أغفله الكثيرون واستذوقه الغرب والآخرون.

لم يكتف الباحث الدرويش بعمله في مجال الفن والخط فانتقل بحكم دراسته لعلم النفس إلى تقديم عدد من البحوث الفلسفية حيث الف في هذا الباب كتاب سيكولوجيا الثقافة لتكون الدراسة ذات نمطية عامة للمسألة الثقافية لغة ومصطلحاً وما جاء في المصادر وبطون الكتب وأهميتها للإنسان ووظيفتها وخصائصها. أما كتابه الثاني فحمل عنوان الإمام الغزالي بين العقل والنقل توقف فيه عند شخصيات فكرية وفلسفية عربية واسلامية فضلاً عما كان يدور بينهم من جدل ثقافي حول مسألة العقل والنقل.

ورداً على سؤال حول العلاقة بين البحث الفلسفي والادبي والفنون يؤكد الدرويش على وجود علاقة وثيقة بين كل العلوم لأنها ولدت من رحم الفلسفة والفكر.

ويضيف إن كنت خطاطاً فإنك ستكون مبدعاً من خلال سيكولوجيا المعرفة والفن وتستخدم أدوات ومستلزمات جديدة وصورا ونواظم وأشكالا لهذا الفن مجبولة بالذخيرة المعرفية والفلسفية, عندها تستطيع أن تحقق منجزاً والمتطلع إليه يدرك ذلك العمق الفكري له.

وحول مقومات البحث العلمي يلفت الدرويش الى انه يجب أن تكون له منهجية ويجب أن يتسق العنوان مع المتن مع الخاتمة.

ويأسف الدرويش لوجود عناوين بحثية لا علاقة لها بالمتن مشيراً إلى أن منهجية البحث تقتضي وجود عناوين جديدة لم يسبق أن تم طرقها.

ويعتبر أن البحوث المهمة في الساحة الثقافية قليلة مؤكداً على أن البحوث الموجودة حاليا هي بحوث غير ممنهجة مشيراً إلى أهمية البحث في الفكر الفلسفي لأن الفلسفة تبحث في جوهر القيم وتندرج تحت لوائها القيم المادية والروحية وكلاهما له وظيفة فالوظيفة الروحية هي التي تنتج الوظيفة المادية والوظيفة الروحية تحافظ على جواهر القيم الأخلاقية والسلوكية وتنظم القيم المادية ومسائل الحياة العامة.

ويرى أن العالم اليوم أميل إلى المادية على حساب المضمون وهذا سبب اساسي من اسباب تراجع المسألة الفكرية والثقافية موءكداً أن الاعلام ساعد على انتشار ثقافة ضعيفة في حين غاب عن اكتشاف وترويج ابداعات مهمة جداً والاعلام يقوم بالتلقين وثقافة الصورة ما أفقد حتى الذين يسمون أنفسهم بمبدعين التفكير العقلي, ومن هذا القياس يمكننا أن نرى ذلك التراجع مما أدى إلى عرض ثقافي دون منهج في مستويات كثيرة من مستويات المعرفة والتعليم والتربية والإبداع.

وعن تاريخ الخط العربي تحدث الدرويش قائلاً: «شكل الخط العربي نقطة انطلاق منذ صدر الإسلام فأخذت أنواع الخط وأشكاله وفق المكان الذي يتكون فيه فكان الخط المكي في بداية الكتابة العربية بعد الإسلام مع العلم أن الحرف العربي كان موجوداً فالمعلقات كتبت بهذا الخط, ومن ثم اتسعت رقعة الإسلام في المدينة, وسمي الخط المدني نسبة إلى المدينة المنورة, ووصول الدعوة الإسلامية إلى بلاد الرافدين, فسميت خطوط جديدة وأشكال متنوعة كالخط البصري والخط الكوفي نسبة إلى البصرة والكوفة مع تطور في أساليب وتراكيب الحرف العربي, وأول مرحلة تاريخية تطور الخط فيها تطوراً تاريخياً على يد الخطاط ابن مقلة الذي كان وزيراً في العصر العباسي حيث وضع له قواعد وتبارى الخطاطون في ضبط تلك القواعد وازدادت جمالياته وهذا يعود إلى الحركة الفكرية والثقافية التي سادت في العصر العباسي وامتد الخط إلى خارج البلاد العربية مع انتشار الإسلام وازدياد رقعته فكان الخط الفارسي من بلاد فارس, وكذلك الخط العثماني في الدولة العثمانية هذا التطور زاد غنى وثراء للحرف العربي, وبدأت تزين فيه المساجد بأجمل الخطوط والزخارف, لتعطي تناغما فنياً فريداً, فكثر كتابه , كما كثر عشاقه ومتذوقوه, مما ساعد على رواجه بين الأمصار العربية والاسلامية».

وحول مكانة الخط العربي في عصر التكنولوجيا يرى الدرويش ان كل العلوم مفيدة ومتكاملة معتبراً أن الحاسوب يشكل تحدياً للخطاطين ولكن هذا التحدي لا يلغي الانتاج الفني للخط العربي لأن الحاسوب يعطيك حروفاً ولا يعطيك فناً واللوحة الخطية لها السر الخاص من التذوق والجمالية ومهما كانت التقنية المستخدمة في الحاسوب تجد هناك فراغاً جمالياً فيها وهذا هو السر الجمالي في الخط المكتوب الذي لا تجده في الخط المطبوع حاسوبياً.

ويؤكد الدرويش على ضرورة أن تقوم المؤسسات التعليمية والتربوية بتعليم الخط العربي وان تحتوي المناهج بعض نماذج الخط العربي في المرحلة الابتدائية مع وجود اساتذة مختصين بهذه المادة اضافة الى القيام بالمسابقات الفنية لحض الشباب على تعلم جودة الخط وتذوقه بإشراف مختصين وعلى المنظمات التربوية والتعليمية مثل طلائع البعث والشبيبة والطلبة إقامة مسابقات بشكل دوري وإقامة المعارض للنتاج المميز في هذا الفن الرفيع.

يذكر أن الفنان عيد الدرويش يحمل إجازة في الفلسفة وعلم النفس وعضو اتحاد الكتاب العرب جمعية البحوث والدراسات، شغل منصب مدير الثقافة في الرقة، محاضر في الدراسات الفكرية والفلسفية في المراكز الثقافية .. يكتب في الدوريات المحلية والعربية المعرفة الاسبوع الأدبي المعارج، خطاط ورسام، صدرت له عدة مؤلفات سيكولوجيا الثقافة - الإمام الغزالي بين العقل والنقل- فلسفة التصوف في الأديان- الأخلاق في فلسفات الشرق.


اكتشف سورية

سانا

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

    اسمك

    الدولة

    التعليق