السينما: مقبرة الرواية أم إعلان ولادتها من جديد!

31 تشرين الأول 2013

.

تبقى حلماً يرقص في مخيلة المخرج كلما انتهى من عمل ليفكر بآخر، ومهما بلغ المخرج من مجد في أعماله التلفزيونية يبقى بريق السينما ذا وهج مختلف ولمعان مغر، فنراه يطمح بالوقوع على رواية عالمية يحولها لفيلم تعطي له الخلود والشهرة ذلك أن ديمومة الشهرة السينمائية تفوق التلفزيونية بمراحل، وخاصة مع الكم الكبير من المخرجين الذي دخلوا الميدان وضاعفوا مقدار المنافسة، فأصبح موضوع التحدي والبروز وكسب موقع مرموق في قائمة أفضل المخرجين شأناً ذا أهمية بالغة في تخليد ذكرى ذلك الفنان الذي استطاع يوماً تجسيد شخصية عالمية من رواية كلاسيكية، فكانت الشهرة من نصيب الاثنين.

إلى ذلك تهافت المخرجون يقلبون الروايات ويبحثون في رفوف المكتبات عما يشبع طموحهم ويرضي غرورهم في تحقيق خبطة سينمائية تحلق بهم عالياً وُتسطع نجمهم في عالم الشهرة الفسيح، عديد من المخرجين قاموا بهذه المحاولة فكان النجاح نصيب بعضهم في حين أخفق البعض الآخر في تقديم رؤية واضحة للرواية، فضاعوا في تفاصيل الرواية وتاهوا في القدرة على التماهي معها، فسقطوا في مطب الإبداع الحقيقي وكانت أفلامهم زلة سينمائية حفرت في تاريخهم إلى الأبد.

وإذا ما تجولنا في حديقة السينما العالمية الوافرة بالأفلام المقتبسة عن روايات خالدة نجد زهوراً سينمائية عديدة قطف نجومها شهرة كبيرة بعد نجاحها الباهر، ويأتي في قائمة تلك الأفلام الخالدة الفيلم الأسطوري «ذهب مع الريح» الذي أخرجه الأميركي فيكتور فليمنغ عام 1939، عن رائعة الكاتبة العالمية مارغريت ميتشل التي حملت نفس الاسم، واختاره معهد الفيلم الأميركي ليكون الرابع في قائمة الأفلام الأميركية المئة الأفضل في القرن العشرين، كما أنه حقق المرتبة الثانية في قائمة الأفلام الأعلى إيراداً، الفيلم المستمد من الرواية التي تمحورت حول انعكاسات الحرب الأهلية الأميركية على المزارعين الجنوبيين، ونهوض المجتمع الصناعي وتحرير العبيد، وانهيار الإقطاعية، بإجماع النقاد فإن الفيلم كان خير تمثيل للرواية ولم يكن بالإمكان أن يخرج بروعة وتألق وإبداع أكثر، الإبداع التمثلي كان مثالياً والتقنيات التصويرية التي استخدمت ببراعة أضاءت الفيلم بجمالية قل نظيرها فكان حرياً بالفيلم أن يصنف بأعظم الأعمال السينمائية الروائية، ومن منا لم يشاهد ذهب مع الريح مرات عديدة ليحتفظ بلهفة المشاهدة والحب العظيم المشع من مشاهده الأسرة.

رائعة الكاتب الفرنسي فيكتور هوجو «البؤساء 1962» التي تحكي قصة جان فالجان السجين السابق في سجن طولون لمدة 19 عاماً ثمناً لسرقته رغيف خبز، هي الشخصية المحورية والمركزية في الرواية والتي تطورت مع الزمن ليصبح عمدة لإحدى البلدات الفرنسية، كما نرى جان فالجان يتبنى طفلة يتيمة تدعى كوزيت ورغم توبته عن السرقات المتكررة التي قام بها في الماضي إلا أن المفتش اللئيم جافيرت يبقى طوال الرواية يترصد به ليعيده إلى السجن. تلك الرواية الكلاسيكية الخالدة ضربت الرقم القياسي في عدد المرات التي تربعت فيها عرش الشاشة العملاقة، وإن تراوحت جودة الأفلام فيما بينها إن قورنت ببعضها البعض، فإن جودتها بقيت عالية وموفقة بمقدار طيب، النسخة الأولى للفيلم كانت عام 1935 من إخراج الروسي الشهير ريتشارد بولسلافسكي لتتعاقب الرواية بين أيدي المخرجين بأكثر من عشر نسخ سينمائية طويلة فضلاً عن العديد من نسخ الأفلام المتحركة للأطفال، مروراً بالفيلم المنتج عام 1998 برؤية المخرج بيل أوغست والذي حقق نسبة مشاهدة كبيرة وحقق نجاحات باهرة يعود الفضل فيها إلى الممثل النجم ليان نيسون الذي أبهرنا بدور جان فالجان ليعاد إنتاجها عام 2012 بتوقيع المخرج توم هوبر بروح موسيقية غنائية درامية مستمدة من المسرحية الموسيقية لذات الرواية، وقد فاجأ الفيلم المشاهدين بعمق المعالجة الدرامية التي لم يكن يتوقعها العديد من النقاد خصوصاً مع الصبغة المرحة التي تتخلل مشاهده بين الحين والآخر، والحق يقال إن كلا من المخرجين كان أمينا على الرواية في فيلمه فنقلها بما لا ينقص من أهميتها بل بما يعطيها مزيداً من التألق الذي لم تكن تحتاجه أصلا. فنال كل منهم مكانة في تاريخ السينما العالمية ليس بالإمكان نسيانها بسهولة.

إضافة إلى رواية البؤساء التي نالت من المجد نصيبه الأعظم، تربعت رواية «احدب نوتردام» لفيكتور هوجو على عرش السينما بنسخ متتالية أولها عام 1982 بتوقيع المخرج ويليام ديتيرل وبطولة تشارلز لافتون 1939 من إخراج مايكل تكنر وبطولة الساحر أنطوني هوبكنز بدور كوازيمودو والعديد من النسخ الكرتونية، ولأن تعددت الأشكال والشخصيات فإن قصة أحدب نوتردام تبقى متفوقة بنظر العديد من المتابعين على أفلامها نظراً للعاطفة المنسكبة على صفحاتها، فقد دخلت الرواية في تفاصيل عاطفة كوازيمودو القبيح الشكل لتلك الفتاة الرائعة الجمال أزميرالدا، وما أبعد القبيح عن الجميلة! فيرصد الأديب في روايته مشاعر إنسانية مرهفة بالغة السحر والتأثير تمتع بها قلب كوازيمودو الذي تعرض للعزل الاجتماعي ورفض بسبب بشاعته، عدا أزميرالدا التي استطاعت بعد أن تقبلت الحديث معه إلى الدخول إلى باطن هذه الشخصية التي جمعت التضاد والتنافر ما بين جمال الروح وقباحة الشكل، بين الرواية والفيلم نجد أن القراءة تتيح إمكانية التخيل والتجوال في عوالم يصنعها بنفسه دون أي تدخل من المخرج الذي يرسم عادة الخط العام للرواية بحسب رؤيته الإخراجية الخاصة.

مجرد الإبحار في عالم الرواية العالمية يتيح لنا التعرف على الكثير من الأفلام العالمية التي استمدت أحداثها منها كالرائعة الأخيرة للأديب الروسي ليو تولستوي « آنا كارنينا» ملحمة الحب والأسطورة الخالدة في الأدب الروسي تتحدث قصة «آنا كارنينا» عن امرأة أرستقراطية في أواخر القرن التاسع عشر تعيش حياة مترفه في روسيا ولكن الصخب أحياناً قد يكون مملا حد الضجر ليرمي بها بين أحضان رجل آخر.. تلك الرواية كانت مغرية للمخرجين السينمائيين التواقين للشهرة فظهرت بنسخ بلغ عددها خمس عشرة تعددت بين الروسية أعوام «1911، 1914، 1967، 1953» ونسخة عربية عام 1960 بتوقيع المخرج عز الدين ذو الفقار بعنوان نهر الحب، وغيرها من النسخ كان آخرها عام 2012 بعدسة المخرج الانكليزي «جو رايت» وبطولة «كيارا نايتلي» و«جود لو»، أما الرواية العظيمة التي أدهشتنا بها إيميلي برونتي عام 1847 بعنوان « مرتفعات وذرينغ»، فقد تلقفتها عدسات المخرجين مرات عديدة فظهرت النسخة الأولى عام 1939 من إخراج ويليام وايلر، وعام 1992 بإخراج بيتر كوزمنسكي، إضافة إلى النسخة الموقعة عام 2009 من إخراج كوكي جايدرويس، كل تلك النسخ حققت مبيعات هائلة وسطعت شهرتها عالمياً ولسنين عديدة وإن كانت أشهرها النسخة المنتجة عام 1992.

ويبقى ميدان السينما واسعاً جداً ومفتوحاً لكل المخرجين الراغبين في كسب الشهرة وبلوغ التألق، إلا أنه من المتعارف أيضاً أن تحويل الرواية الكلاسيكية لعمل سينمائي عمل صعب جداً لا يدخله إلا المخرج المتمكن من أدواته وإلا سقط في متاهة الإبداع والتفرد، وخاصة عندما يخضع النص الروائي للكثير من عمليات التجميل السينمائية بغية تحسينه فيخرج الفيلم كالعجوز المتصابية وعلى خلاف المتوقع، ذلك أن الكتابة بعدسة العين الإخراجية والقراءة التصويرية للنص أصعب بكثير من الكتابة على الورق التي تستدعي مخيلة صافية بحتة وكلفة لغوية فقط، بعكس السينما التي تتطلب ميزانية عالية وشروطاً تصويرية مبتكرة ومخيلة إخراجية خصبة وتبقى المفاضلة بين الرواية والفيلم رهناً بميول القارئ أو المشاهد ورغبته بالألفة مع الورق لأيام بين راحتيه أو تقليص المدة لبضع ساعات سينمائية.


اكتشف سورية

الوطن السورية

Share/Bookmark

صور الخبر

السينما: مقبرة الرواية أم إعلان ولادتها من جديد!

السينما: مقبرة الرواية أم إعلان ولادتها من جديد!

السينما: مقبرة الرواية أم إعلان ولادتها من جديد!

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق