تل بيدر الأثري

29 أيلول 2011

إلى الغرب من مدينة الحسكة يقع تل بيدر الأثري أو نابادا ليروي تاريخاً موغلاً في القدم فهو من أوائل المواقع التي تم تأهيلها سياحياً في محافظة الحسكة حيث بدأت التنقيبات الأثرية فيه عام 1992 عبر بعثة أثرية سورية/أوروبية مشتركة بالتنسيق مع المركز الأوروبي لدراسات الميزوبوتاميا الأعلى.

والموقع عبارة عن مصاطب طبقات كانت محمية بجدارين مزودين بسبع بوابات وبين الدكتور عبد المسيح بغدو رئيس دائرة آثار الحسكة أن التنقيبات الأثرية دلت على أن تاريخ الاستيطان في موقع تل بيدر يعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد أي ما بين عامي2100-2900 قبل الميلاد حيث اكتشفت الوثائق المبكرة المكتوبة في سورية منذ حوالي 2425 قبل الميلاد وذلك في الوقت الذي كانت فيه المدينة بلدة رئيسية لمملكة ناغارا في تل براك وقد تضاءل حجم المدينة بشكل واضح في الفترة الأكادية ما بين عام 2350-2100 قبل الميلاد.

وذكر بغدو أن البعثة الأثرية المشتركة العاملة في الموقع تتابع أعمالها سنويا وقد شملت آخر المكتشفات الأثرية للبعثة التعرف على القصر الشرقي وأجزاء من معبد إضافة إلى الساحة المبلطة باللبن المشوي الواقعة عند المدخل الجنوبي والتي يحيط بها عدد من الغرف وقد عثر ضمن السوية العائدة إلى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد على رقيم مسماري ومجموعة من طبعات الأختام وقد تم اكتشاف قطع أثرية بالغة الأهمية في موقع تل بيدر منذ بداية التنقيب فيه وتتضمن أربعة معابد تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد يتألف كل معبد من مجموعة غرف وساحات مرصوفة باللبن المشوي وقنوات لتصريف المياه إضافة إلى وجود عدد من الزخارف الدينية والممرات والأروقة المرصوفة بالقرميد المشوي.

وأوضح بغدو أن هناك قصر المدينة العلوي الذي يتمركز في الجزء الشمالي ويعود تاريخ بنائه إلى نحو 2500 قبل الميلاد بينما تغير مخطط القصر الأرضي مرتين في القرن التالي حيث استعمل كمركز الإدارة لنابادا وإقليمها وتمركزت فيه سلطات المدينة والزوار كما تم تخصيص أحد الأجنحة لتخزين البضائع القيمة فأصبح مركزا للحكومة المدنية بينما بقيت الإدارة والمقاطعات الخاصة في الطابق الثاني الذي هدمته عوامل الحت والتعرية.

ويعتبر القصر الهلنستي لتل بيدر استمرارا للإرث الميزوبوتامي القديم والذي احتل مكانه في التل خلال السنوات الأخيرة للحكم الإغريقي أو في بدايات الاستيطان البارثي للمنطقة ويدل حجم العمارة التي اكتشفت في مساحة محددة من التل على بناء متماثل رسمي وهام يضم عدة أجنحة فيها ساحة وقاعات وغرف متتالية بينما كانت واجهة المبنى الغربية محصنة بسلسلة من الدعائم والتجاويف المتناوبة.

وأوضح مدير دائرة الآثار أن الموقع شمل بيت الرقم وحي البيت الخاص الذي يتألف من غرف بأحجام متنوعة تتمركز على جانبي شارع مرصوف بالحجارة البازلتية ويتوسط الشارع قناة لتصريف المياه ويوجد عدد من المنازل على جانبي الشارع وكشفت التنقيبات الأثرية حوالي 141 رقيما مسماريا تحت أرضيات ثلاث غرف وتم التوصل إلى اكتشاف حوالي 230 وثيقة مكتوبة ومؤرخة إلى حدود سنة 2400 قبل الميلاد وتم العثور على معظم هذه الرقم المسمارية في بيوت خاصة ووجد بعضها في قصر المدينة العلوي وفي أبنية خاصة بالنشاطات الإدارية وكانت هذه الرقم تستخدم لكتابة الإغراض الإدارية وصناعة كرات طينية تجارية عليها طبعات أختام ووجد من هذا النوع ما يقارب 30 قطعة منتشرة في المدينة وتشهد على استعمال الكتابة في أعمال التصدير والاستيراد.

وأكد بغدو أن من آثار تل بيدر المكتشفة بوابة الاكروبوليس الشارع الرئيسي وتعتبر من أكثر الأبنية أهمية وخصوصاً تلك المرتبطة منها بالقوة المحلية والمتمركزة في أعلى المدينة كالقصر والمعابد والأبنية الإدارية و ورشات العمل المتصلة بالمعابد والمخازن وتأتي أهميتها الوظيفية من كون الأبواب مفتوحة بشكل متتال وموجودة في أعلى الدرج المصنوع من بلاطات بازلتية وتقع البوابة الرئيسة في بداية الشارع الرئيسي للقصر والساحة الأمامية الجنوبية وتعتبر المدخل الرسمي لنابادا حيث ترتبط بالشارع الرئيسي وبمدخل القصر في المدينة العليا أما الشارع الرئيسي فهو يسير بخط مستقيم تتخلله أربع مصاطب مختلفة المساحات ويستمر بالامتداد حتى مدخل القصر وتخترق الشارع الرئيسي في قسمه الأعلى قناة حجرية مرتبطة بشبكة رئيسة للصرف الصحي تغطي المدينة بالكامل إذ تبدأ من ساحة الاستقبال في القصر وتنتهي عند الساحة الأمامية.

وذكر الدكتور أنطوان سليمان رئيس البعثة السورية في تل بيدر أن المنشآت المعمارية المكتشفة في الموقع خلال مواسم التنقيب الأثري السابقة معظمها طينية ولذلك فهي عرضة للتأثر بالعوامل الجوية والطبيعية وقد جاء مشروع الترميم للحفاظ على المنشآت المعمارية واستثمارها سياحيا وثقافيا وتوفير الفرصة المناسبة لزوار هذا الموقع الأثري الهام لكي يتعرفوا على الأوابد الأثرية التي تزخر بها محافظة الحسكة بشكل ملموس ويتمعتوا بما أنجزه إنسان هذه المنطقة قبل ما يقارب خمسة ألاف عام حيث إن نابادا الغابرة لعبت دوراً تاريخياً مهماً في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد.

وقال الدكتور مارك لوبو رئيس البعثة الأثرية الأوروبية في الموقع إن إعادة الكتل المعمارية المكتشفة إلى سابق عهدها يوفر للسائح أو الزائر إمكانية تصور طبيعة الحياة الاقتصادية والاجتماعية لشعوب الألف الثالث قبل الميلاد وخاصة أن موقع تل بيدر الذي تم التعرف على اسم المدينة القديمة المكتشفة من خلال الرقم والألواح المكتشفة والتي جاء فيها بشكل أكيد أن اسمه الموقع كان نابادا وقد تزامن ازدهار هذه المدينة مع ازدهار الحياة في حضارات ماري وماري وبلاد مابين النهرين.

وأكد الدكتور أندريه ستيفنز ممثل منظمة اليونيسكو الذي نفذ المشروع أن ترميم وإعادة تأهيل المعبدين الملكيين الأهم من بين المنشآت المعمارية في تل بيدر واللذين تم اكتشافها في مواسم التنقيب القديمة وأيضا الكشف عن المخططات الهندسية التي بنيت على أساسها هذه المدينة يتضح لنا أن نابادا قد بنيت على أساس مخططات هندسية مسبقة الإعداد.

ومن الجدير ذكره أن الدكتور ستيفنز هو من قام ببناء المجمع السكني للبعثة الأثرية السورية الأوربية المشتركة في تل بيدر وهذا البناء يتقارب كثيرا في هندسته مع أسلوب العمارة الذي كان سائدا في فترة ازدهار المدينة في مملكة نابادا.


الوكالة السورية للأنباء - سانا

Share/Bookmark

صور الخبر

تل بيدر الأثري

تل بيدر الأثري

تل بيدر الأثري

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق