أكثم عبد الحميد: الملتقيات النحتية المشتركة مع الدول الأوروبية هي بصمة سورية ستبقى لآلاف السنين

24 أيلول 2011

انتهى مؤخراً الملتقى الدولي السوري القبرصي الأول للنحت على الرخام في مدينة نيقوسيا بمشاركة خمسة من النحاتين السوريين هم أكثم عبد الحميد محمد بعجانو- سنان محفوض- نسرين صالح ويسرى محمد إلى جانب ثلاثة نحاتين قبرصيين تحت عنوان إبداعات من البحر الأبيض المتوسط.

وشكل النتاج الإبداعي للملتقى نواة لمشروع الحدائق النحتية السورية في قبرص على غرار الحدائق النحتية السورية في إسبانيا التي كانت حصيلة ستة ملتقيات نحتية مشتركة بين نحاتين سوريين واسبان في مدينة مونيكر الإسبانية والتي انتهى آخرها العام الماضي.

وعن أهمية الملتقيات النحتية الخارجية بين النحات أكثم عبد الحميد مدير الفنون الجميلة بوزارة الثقافة والمسؤول عن الجانب السوري في الملتقى في حديث لوكالة سانا.. أن الملتقيات النحتية السورية المشتركة مع الدول الأوروبية أو غيرها من دول العالم هي بصمة سورية ستبقى لآلاف السنين من خلال الأعمال الفنية التي تعرض هناك وهذا يقدم الصورة الحقيقية عن سورية لدى الشعوب الأوروبية ولدى كل إنسان يشاهد نتاج الفنان السوري الحضاري ما يساهم ايضا في تغيير الصورة المغلوطة التي تكرس عنا من قبل الإعلام الغربي المشوه وخاصة في هذه الظروف الحالية التي يمر بها وطننا.

وعن فكرة مشروع الحدائق النحتية السورية قال إن فكرة المشروع جاءت أثناء مشاركتي في ملتقى نحتي بمدينة بافوس القبرصية العام الماضي حيث تعرفت على رئيس جمعية أصدقاء الفن في قبرص واطلع مني على نتاج مشروع الحدائق النحتية السورية في إسبانيا فأعجب بالتجربة وتجشع على تنفيذها في قبرص.

وأضاف.. ان النية كانت في البداية أن يكون هناك ملتقيان في كل عام أحدهما في سورية والثاني في قبرص بحيث يشكل ناتجهما الإبداعي مادة تزيينية للشوارع والساحات والحدائق في كلا البلدين لتأسيس ثقافة مشتركة تحت عنوان إبداعات من البحر الأبيض المتوسط ولكن لم نستطع تنفيذ سوى ملتقى واحد كان في الشهر الجاري نظراً للمعوقات المادية في الطرفين على أن يكون الملتقى مرة في العام بشكل دوري بين سورية وقبرص.

وأوضح عبد الحميد أن هذا المشروع هو عبارة عن مبادرة شخصية غير مدعومة من وزارة الثقافة مادياً متمنياً أن يتم دعمه وتبنيه من قبل الوزارة في السنوات القادمة لأنه سيشكل منتجا إبداعيا سوريا قبرصيا مهما لكلا البلدين ولمنطقة المتوسط عموماً مبيناً أنه من الصعب الاستمرار في هذا المشروع دون دعم مؤسسات ثقافية حكومية.

وحول مشروع الحدائق النحتية في اسبانيا قال مدير الفنون الجميلة.. إن المشروع نفذ من خلال ستة ملتقيات في مدينة مونيكر التابعة لمنطقة غرانادا الاسبانية وهي أول مدينة دخلها عبد الرحمن الداخل مؤسس الدولة العربية في الأندلس والذي تعتبره هذه المدينة أحد أبرز شخصياتها التاريخية فهم في كل عام يحتفلون بمناسبة دخول هذا الزعيم العربي إلى المدينة وشيدوا تمثالا من البرونز له بارتفاع ثلاثة أمتار ونصف المتر ووضعوه على تلة تطل على البحر المتوسط واعتمدوا ختم عمدة المدينة الذي هو عبارة عن رسم لرأس عبد الرحمن إلى جانب الزورق العربي الذي دخل به إلى الشواطئ الاسبانية.

وأضاف.. انه في كل عام وبهذه المناسبة يرفع العلم السوري ويعزف النشيد الوطني السوري أمام التمثال لذلك كان عمدة المدينة السابق مصر على حضور الثقافة السورية في البلدة فتمت دعوتنا لتنفيذ هذا المشروع.

وأوضح عبد الحميد أن المشروع نفذ بستة ملتقيات كانت نتيجة الملتقيات الأربعة الأولى منها تشكيل الحدائق النحتية السورية في أضخم حدائق موجودة في المدينة كما تم توزيع أعمال الملتقى الخامس على شاطئ البحر وتم وضع أعمال الملتقى السادس في ساحة سميت بساحة دمشق مبيناً أن المشروع توقف عام 2010 مع تغير عمدة المدينة.

وعن تعميم فكرة المشروع على بلدان أخرى قال النحات السوري.. إن عدة بلدان أوروبية يتم التحاور معها حالياً بشكل شخصي عبر علاقات الصداقة مع عدد من الفنانين والمثقفين المهتمين بالفن السوري لتوسيع مشروع الحدائق النحتية السورية ولنؤسس لعمل استراتيجي ثقافي يحقق الحضور السوري المشرف في الدول الأوروبية.

وأضاف.. ان هذا المشروع يتطلب دعماً حكومياً على الصعيد المادي لينطلق ويتوسع لما يواجه الفن والثقافة السورية والعربية من محاربة من قبل التيارات العنصرية المناهضة للعرب والسوريين في أوروبا.

وحول مشاريع مديرية الفنون الجميلة قال عبد الحميد.. إنه كان في خطة المديرية لهذا العام بينالي فني عالمي يقام في دمشق لأول مرة ولكن نتيجة الظروف الحالية التي يمر بها بلدنا لم نستطع تنفيذ هذا البينالي لما يحتاجه من تنسيق على أعلى المستويات الثقافية الحكومية مع مختلف الدول في العالم لذا نفذنا جزءا من خطة المديرية من خلال إقامة ملتقى النحت العالمي على الخشب في شهر تموز الماضي.

وأضاف.. ان لدى المديرية حالياً مشروع ملتقى نحتيا للنحاتين السوريين الشباب تحت عنوان إبداعات شبابية للفنانين من عمر الخمسة والثلاثين وما دون لتقديم الفرصة لهم للعمل على مواد خام خشبية كبيرة مبيناً أن التحضير لهذا المشروع يتم من خلال استقبال الأفكار حتى التاسع والعشرين من الشهر الجاري ليقلع المشروع في الخامس من الشهر القادم كملتقى نحتي شبابي هو الأول من نوعه.

وتسعى مديرية الفنون الجميلة حالياً لإقامة ملتقى دولي للرسم وعنه قال عبد الحميد إن هذا الملتقى يتطلب إمكانية مادية مناسبة غير متوفرة حالياً في ميزانية المديرية مضيفا ان معرض الخريف السنوي الذي يعرض أعمال الفنانين من عمر الأربعين وما فوق يتم حالياً التحضير له من خلال استقبال الأعمال حتى التاسع والعشرين من الشهر الجاري ليتم تقرير الأعمال المناسبة للعرض والاقتناء من قبل اللجنة المختصة.

وأشار مدير الفنون الجميلة الى أنه كان من المخطط أن ينتهي هذا العام العمل في البناء الجديد للمديرية في منطقة الدباغات وهو بناء كبير يضم أضخم صالة عرض فنية في الوطن العربي مما كان سيساعد على استقدام أعمال فنية كبيرة وبأعداد أكبر دون الحاجة لشروط مسبقة لأي معرض أو احتفالية فنية محلية أو دولية ولكن العمل توقف نتيجة ظروف مادية تتعلق بميزانية المديرية.

وأوضح عبد الحميد أن لدى المديرية مشاركة حالية بعدة أعمال فنية في معرض الفن المقاوم بإيران وأن هناك مشاركة في الشهر القادم ضمن الأسبوع الثقافي السوري في روسيا حيث سيكون هذا الحدث فرصة لتقديم صورة عن الفن والفنان السوري المبدع.

وعن تطوير عمل مديرية الفنون الجميلة قال..أطلقنا عدة مشاريع استراتيجية على مستوى عمل المديرية منها تطوير أساليب تخزين الأعمال الفنية المقتناة من قبل المديرية بشكل علمي وسليم لحفظ هذه الثروة الوطنية والفنية والثقافية والتي تعود لسنوات منذ نشأة الحركة التشكيلية السورية كما أننا انطلقنا بمشروع توثيق الأعمال التشكيلية المقتناة لدينا بشكل مؤتمت وحديث للوصول إلى نتائج جيدة تحفظ وتعرض الفن السوري للعالم ولكل مهتم أو باحث.

وأوضح عبد الحميد أنه سيكون لدى المديرية في البناء الجديد بعد اكتماله معرض فني مستمر يقدم مقتنيات المديرية من الأعمال الفنية الكثيرة منذ نشأة الحركة التشكيلية وحتى الآن ما سيشكل متحفاً فنياً وطنياً يقدم تاريخ الفن السوري والوجه الحضاري لسورية.

ويتم حالياً تحسين ظروف العمل في مديرية الفنون الجميلة بشكل عام من خلال تطوير العمل الإداري ووضع أسس مادية تخص ميزانية المديرية لتكون مستقلة عن ميزانية وزارة الثقافة لدعم المشاريع الفنية الوطنية ودعم الحركة التشكيلية السورية عموماً.

وعن معوقات العمل قال مدير الفنون الجميلة.. إن هناك عدداً من العقبات التي تواجهنا أهمها ضعف الدعم المادي للمديرية والتي تحد من المشاركات الخارجية أو إقامة ملتقيات فنية كبيرة في سورية ما يحد من فرص الاحتكاك والحوار للفنانين السوريين مع العالم وما يؤثر على التواصل الثقافي والحضاري أيضا مع الثقافات الأخرى لذا يجب أن يتم الوعي تجاه هذا الموضوع و تتكاتف جميع الجهود من حكومة ومؤسسات ثقافية واقتصادية خاصة وفعاليات اهلية ليكون لدينا مشروع فني وطني يعبر عن حضارتنا وثقافتنا أمام العالم.

وأكد عبد الحميد أن ما نحتاج إليه في هذا الوقت هو الوعي على كل الصعد تجاه دور الفنون في المجتمع ككل وبالتالي دعم المشروع الثقافي الوطني الحامل الأساسي لحضارة ورقي أي مجتمع من المجتمعات.

وقال.. في الفترة الأخيرة صار هناك سمعة دولية جيدة للفنانين التشكيليين السوريين من خلال مشاركاتهم الخارجية في الفعاليات الفنية ومزادات الفن العالمية ما حقق أرقاما جيدة لمبيعات الأعمال الفنية السورية على مستوى العالم وهذا يساعد بالتعريف عن سورية والفن السوري.

وحول الأساليب الفنية التي يلجأ إليها الفنانون السوريون حالياً أوضح النحات السوري أن هناك تأثيراً غربياً كبيراً على الفن السوري من ناحية التقنيات والأساليب وهذا نتيجة دراسة أغلب أساتذة الفن لدينا في الغرب ومع عودتهم يهملون دراسة التراث الفني السوري مبيناً أن هناك بعض الفنانين يحملون في أعمالهم هوية الشعب والحضارة السورية وهناك آخرون لا يختلفون عن الفنانين الغربيين وهذه موجة فنية لا يمكن التحكم فيها وفي النهاية الفنان السوري يعبر عن الهوية الفنية السورية من خلال أعماله كونه سورياً.

وقال عبد الحميد إن العالم اليوم صار قرية صغيرة ولم يعد هناك تيارات فنية خاصة ببلد معين إلا بما يخص الفن الشرقي في الصين واليابان وإيران وبعض الدول ولكن الفن العربي عموماً يتفاوت في توجهه من ناحية الأسلوب إلا ما خلا التوجه الحروفي.

وعن مستقبل الفن السوري أكد النحات السوري أنه متفائل جداً بالفنانين الشباب لما يمتلكونه من قدرة إبداعية ولما يقدمونه من أعمال مهمة في مجالي التصوير والنحت مبيناً أن الفنانين الشباب حالياً يمتلكون الشجاعة لاقتحام العمل الفني بأفكار إبداعية جديدة وتقديم خلطات جديدة على صعيد التقنية.

ولفت عبد الحميد إلى أن ما ينقص الفنانين الشباب هو الدعم المادي والمعنوي بشكل أكبر لما لهذا الدعم من أهمية في إطلاق الطاقات الدفينة لديهم موضحاً أن وجود دعم جديد تقدمه الصالات الفنية الخاصة الجديدة من خلال تبني عدد من الفنانين الشباب ودعمهم وإيصالهم للسوق الفني الخارجي يعتبر حالة متوازنة ومفيدة.

وحول عمل صالات العرض الفنية أوضح مدير الفنون الجميلة أنه في كل عام تتلقى المديرية عدة طلبات لافتتاح صالات فنية جديدة وهذا أمر جيد مبيناً أن ما يحدد أهمية الصالة هو مشروعها الخاص في دعم الفن السوري والفنانين السوريين فهناك صالات لديها مشاريع مخططة وتعطي نتائج هامة تدعم عمل مديرية الفنون الجميلة كمؤسسة حكومية مسؤولة عن الفن التشكيلي السوري.

وقال: إن نظام الاحتكار الفني هو أسلوب عالمي وإتباعه من قبل بعض صالات العرض لدينا يعود بالفائدة على الفنان والصالة والفن السوري بالعموم وهو يخضع للاتفاق بين الصالة والفنان وعلينا ألا ننسى أن صالات العرض الخاصة هي مشاريع استثمارية غايتها الربح أولاً وهي تعرف كيف تجنيه من خلال دعمها لعدد من الفنانين الموهوبين والمبدعين القادرين على تحقيق نسبة بيع داخل سورية وخارجها.

وأضاف.. ان الفنان الجيد هو القادر على تقديم أفكاره وأعماله بموجب رؤيته الخاصة أما من ينجرف مع متطلبات صالات العرض والسوق التجاري فيكون فاقداً للقيمة الفنية الحقيقية وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح والتاريخ سيفرز الفن الجيد والحقيقي عن المزيف والتجاري.

وعن فوضى أسعار العمل الفني في سورية أوضح عبد الحميد أن أسعار الأعمال الفنية عموماً لا يمكن التحكم فيها من قبل أي جهة فهي محكومة بالعرض والطلب بين الشاري وصالات البيع وهذا خط بياني يرتفع وينخفض وهو أمر ايجابي ويعود بالخير على الفنانين والفن كما يزيد من تقدير قيمة الأعمال الفنية من قبل المجتمع.

وأكد أن صالات الفن لا تصنع الفنان وإنما تقدم الفرصة له والمناخ الملائم للعرض والبيع وهناك أمثلة كثيرة من الفنانين التشكيليين السوريين الأوائل ممن لم تصنعهم صالات العرض من أمثال فاتح المدرس ولؤي كيالي وغيرهم وفي النهاية الذائقة الفنية والثقافية للمجتمع هي التي تحدد قيمة الفن وتصنفه وتعطيه حقه.

وقال عبد الحميد إن الفن داخل في دورة الحياة ويتأثر بها وبما أن الفن نتاج فردي إبداعي ومستمر فهو منفصل عن المؤسسات من ناحية الاستمرارية ولكنه مرتبط بواقعه الذي يعيشه فيرتقي بارتقائه ويخبو بتدنيه لذا يجب التفاوءل بمستقبل الفن السوري وبالفنانين الشباب لما نشاهده من ظروف عمل أفضل وتقبل شعبي أوسع للعمل الفني ووجود دعم أكبر وفرص للخروج للعالم بأعمالنا الفنية.

وأضاف.. نفتخر بالكادر الشاب من الفنانين في النحت والرسم وخاصة الشابات النحاتات اللواتي يواجهن كتلاً ضخمة من الرخام ويتعاملن معها بكل طواعية ويقدمن أعمالاً فنية بسوية عالية فهذا كله يقدم صورة المرأة السورية بوجه مشرف للداخل والخارج.

والنحات أكثم عبد الحميد من مواليد جبلة عام 1955 تخرج من كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1981 وعمل مدرساً ومن بعدها مديراً لمعهد الفنون التطبيقية ما بين 1987 و2010 ويشغل حالياً منصب مدير الفنون الجميلة في وزارة الثقافة له الكثير من المعارض والمشاركات الداخلية والخارجية في الملتقيات النحتية وحاصل على عدد من الجوائز المحلية والعالمية.


الوكالة السورية للأنباء - سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق