تل محمد دياب

02 آب 2011

مدينة من عصر البرونز

الموقع:
يقع تل محمد دياب في الشمال الشرقي من سورية ضمن منطقة الجزيرة، أي في الجزء الشمالي من بلاد الرافدين القديمة التي عرفت بغناها واستيطانها بكثرة خلال الألف الثالث قبل الميلاد. ويتوضع التل الذي يشكل واحداً من المواقع الرئيسية في المنطقة إلى الجنوب الغربي من المالكية، ويقطعه من الجنوب الطريق الحديث المعبد الذي يصل اليعربية بالقامشلي. يجاوره مجموعة من التلال مثل تل ليلان وتل الرميلان، وإلى الجنوب تل بري وتل براك (الشكل1). يتألف الموقع من تل مركزي وعدة تلال صغيرة محيطة به، وتبلغ مساحة التل المركزي 12 هكتاراً، بينما تصل المساحة الكلية مع التلال الصغيرة المحيطة إلى 59 هكتاراً (الشكل2).


الشكل1: موقع التل الأثري في سورية


الشكل2: مخطط موقع التل المركزي مع التلال الصغيرة المحيطة به

الاكتشاف:
هناك الكثير من المواقع الأثرية التي كان للصدفة دور أساسي في اكتشافها، إلا أن تل محمد دياب لم يتم الكشف عنه بمحض الصدفة، وإنما شكلت الأبحاث والدراسات إضافة للمسوحات الأثرية التي تمت في المنطقة العامل الأساسي ببدء أعمال التنقيب فيه، لا سيما في ضوء العثور على نصوص تأتي على ذكره ضمن الأرشيف الملكي لموقع ماري، حيث أن الأبحاث في المنطقة بشكل عام وضمن الموقع خصوصاً كانت قد بدأت منذ قيام بواديبارد[1] «A.POIDEBARD» بأعمال المسح عن البقايا الرومانية في مثلث الخابور. وقد جرت بعد ذلك العديد من المسوحات الأثرية في المنطقة وترافقت بأعمال تنقيب في مواقع عديدة[2] كان من أهمها في شكر بازار من قبل مالوان «M.MALLOWAN»، كذلك في تل براك، وتل ليلان، وتل بري، وكانت نتائج التنقيب في هذه المواقع مجتمعة هي ما شجع على بدء أعمال التنقيب في تل محمد دياب باعتباره يندرج ضمن سلسلة هذه المواقع التي شهدت تطورات جذرية وجوهرية في مخططاتها المدنية والاجتماعية، وقد أتت النتائج مطابقة لما شهدته المواقع الأخرى من تطورات وتغيرات خلال الألف الثالث والثاني قبل الميلاد.

الشكل3: توضع أعمال التنقيب فوق التل المركزي

بداية الأعمال:
بدأت أعمال التنقيب الأولى في الموقع عام 1987م من قبل بعثة فرنسية[3] برئاسة جان ماري دوران «J.M.DURAND»، وقد بدأت الأعمال في الموقع نتيجة للأبحاث والنتائج الأثرية في المواقع المحيطة التي ذكرناها أعلاه، حيث يتمتع الموقع بأهمية كبيرة في المنطقة بشكل عام لا سيما وأنه شكل المدينة الرئيسية خلال عصر البرونز الوسيط. وتوضعت الأعمال الأولى ضمن منطقة التل المركزي وتم تقسيم العمل إلى ثلاثة قطاعات A وB وC (الشكل3)، واستمرت الأعمال حتى عام 2000م تم خلالها إجراء 17 موسم تنقيبي ضمن الموقع. مع بداية عام 2005م تم تشكيل فريق عمل بإدارة كريستوف نيكول «C.NICOLLE» بالاشتراك مع فريق وطني من المديرية العامة للآثار والمتاحف حيث لا تزال هذه الأعمال مستمرة حتى الوقت الحاضر، وتتركز حول سويات استيطان المدينة بين 2500-2000 ق.م لا سيما ضمن القطاع السكني والقطاع الذي يعتقد بوجود القصر الملكي فيه[4] (الشكل4).

الشكل4: أعمال التنقيب في الحي السكني

استيطان الموقع:
قدمت نتائج أعمال التنقيب رؤية واضحة عن بدايات استيطان الموقع، فقد تم العثور على العديد من الكسر الفخارية المؤرخة على الربع الأول من الألف الثالث قبل الميلاد، إلى جانب العديد من المنشآت المتمثلة بجدران ومصاطب من اللبن، فضلاً عن ذلك تم الكشف عن كرات من الطين المشوي تحمل إشارات مسمارية وهي تشير إلى المحاولات الأولى لبدء النصوص الكتابية في الموقع وأمثلتها مؤرخة على النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد، وهذه الإشارات المسمارية تدل على طير وعبد بالإضافة إلى الأيام والشهور (الشكل5).

الشكل5: الكتابات المسمارية فوق الكرات الطينية

كذلك تم الكشف عن بقايا معبد (الشكل6) وبقايا جدران ومنشآت يعتقد أنها تخص القصر الملكي. أما بخصوص المنشآت التي تشير إلى وجود تنظيم للموقع وتوسّعه فهي مؤرخة على بداية الألف الثاني قبل الميلاد، ويبدو أن هذا الأمر يشير إلى وافدين جدد إلى الموقع ومعهم بدأت عملية تخطيط الموقع: قطاع المعابد وقطاع الحي السكني ومنطقة الأكربول حيث توضع القصر الملكي. وقد شكلت هذه المنشآت بقايا تنظيم المدينة الأولى إلا أن المشكلة الحقيقة تتمثل بعدم التوصل لرؤية واضحة عن هذه المدينة أو الحياة اليومية لسكانها، ولا تزال أعمال التنقيب مستمرة حتى الوقت الحاضر ضمن القطاعات المؤرخة على هذه الفترة بهدف التوصل لصورة كاملة عن كل ما يتعلق بالمدينة الأولى وساكنيها ومختلف النشاطات التي كانت سائدة ضمنها.

الشكل6: مخطط بقايا المعبد من المدينة الأولى

مع الألف الثاني قبل الميلاد تتوضح صورة المدينة الثانية ونجد الكثير من التطورات التي طرأت على مخطط الموقع لا سيما في توسع الحي السكني وظهور قطاع سكني في موقع آخر وتخصيص مكان للمقابر وتوسع القصر وبناء حجرات جديدة[5] (الشكل7)، وهي متشابهة من حيث التخطيط مع المواقع المشهورة في تلك الفترة كموقع ماري أو المواقع المحيطة كموقع تل ليلان، وتشير هذه التنظيمات الجديدة إلى إنشاء مدينة ثانية بقيت مزدهرة حتى النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد، حيث تم هجر الموقع دون أن تعرف الأسباب حتى الآن، إلا أنه ربما يكون لهجران الموقع علاقة بالقبائل العيلامية، فقد تم تدمير الموقع المجاور (ليلان) على يد هذه القبائل. استمر هجر الموقع حتى العصر الهلنستي حيث تم الكشف عن وجود بقايا جديدة أسست فوق البقايا القديمة متمثلة ببقايا تحصينات والتي استمرت أيضاً طيلة فترة العصر الروماني- البارثي فيما بعد.

الشكل7: من بقايا المدينة الثانية

فترات استيطان الموقع:
قدمت نتائج أعمال التنقيب إلى جانب المسوحات الأثرية صورة كاملة عن الفترات التي تم خلالها استيطان الموقع. إلا أن ما تجدر الإشارة إليه أن هذه الفترات لم تكن ضمن منطقة واحدة من الموقع وإنما كانت في جزء من الموقع دون آخر. وقد ضم موقع محمد دياب العديد من الفترات التاريخية توالى خلالها إشغاله وهي:
- الربع الأول من الألف الثالث قبل الميلاد.
- الربع الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد.
- منتصف الألف الثالث قبل الميلاد.
- النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد.
- منتصف الألف الثاني قبل الميلاد.
- العصر الهلنستي.
- العصر الروماني – البارثي.
- العصر البيزنطي – الساساني.
- العصر الإسلامي[6].

وهذه الفترات التاريخية مثبتة من خلال البقايا الأثرية التي تم الكشف عنها أثناء أعمال التنقيب، إلى جانب الكسر الفخارية التي تم التقاطها عن سطح الموقع في الأماكن التي لم تنقب بعد. إن استيطان الموقع حتى العصر الإسلامي يشير إلى أهميته الجغرافية في المنطقة، ومن جهة أخرى يسلط الضوء عن التركيبات والتنظيمات المعمارية وتطوراتها خلال معظم الفترات، والتي كانت قد بدأت منذ الألف الثالث قبل الميلاد، سواء منها الدينية أوالمدنية أو العسكرية.

الحواشي:
[1] راجع بهذا الخصوص:
POIDEBARD, A;
1928, maission archeologique en haute Djezireh, Syria, n 9, Paris, pp. 216-223.
1934, la trace de Rome dans le désert de Syrie, Paris.
2] للمزيد عن نتائج التنقيبات والمسوحات التي قام بها مالوان راجع:
MALLOWAN, M;
1936, The excavations at tell Chaghar Bazar and an archaeological survey of the Habur region, Iraq, n 3, pp. 1-86.
1947, Excavations at Brak and Chaghar Bazar, Iraq, n 9, pp. 1- 259.
3] استمرت أعمال دوران من عام 1987م وحتى عام 2000، وكانت أعماله تتركز على البقايا المؤرخة على الألف الثاني قبل الميلاد ليستكمل الأعمال من بعده كريستوف نيكول باحث في مركز الأبحاث الفرنسية CNRS.
[4] NICOLLE, C; 2006, Tell Mohammed Diyab 3, Paris, p. x.
[5] DURAND, J. M ; NICOLLE C; 1999, Tell Mohammed Diyab l acropole d un centre régional du IIe millénaire, Archéologia, n 353, Paris, pp. 18-27.
[6] NICOLLE,C ; 2006, p. 7,9


إعداد: همّام سعد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

موقع تل محمد دياب على خارطة سورية

تل محمد دياب: مخطط موقع التل المركزي مع التلال الصغيرة

تل محمد دياب: توضع أعمال التنقيب فوق التل المركزي

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق