التراث والبيئة وجهان للبقاء

05 07

تقليدي شكلي لا إبداعي، متذبذب، عاطفي وسطحي

احتفاءً بـدمشق عاصمة الثقافة العربية لعام 2008 وبالتعاون مع وزارة الثقافة، نظّم مركز تريم للعمارة والتراث في قاعة المحاضرات الرئيسية لمكتبة الأسد، محاضرةً للدكتور رافع إبراهيم حقي -أستاذ قسم الهندسة المدنية والعمارة في جامعة البحرين-، تحت عنوان «التراث والبيئة وجهان للبقاء» في 2 تموز 2008.
تناولت المحاضرة الارتباط الوثيق ما بين التراث والبيئة، والعلاقة الجدلية بينهما، إضافةً إلى مشاكل العمارة المعاصرة في ظلِّ العولمة. كما ناقشت المحاضرة جملةً من المفاهيم من منظورٍ واقعي، على أمل أن تُسهم في لفت النظر إلى خطورة التناول السطحي لقضايا التراث والبيئة؛ لاعتبار أنه من خلال التعامل الصحي والحساس مع التراث والبيئة تكمن حقيقة بقاء أي مجتمع كقيمة إنسانية، وليس كمجرد تجمُّعٍ من الكتل البشرية.
وعن علاقة التراث بالبيئة يقول الدكتور رافع: «يرتبط التراث والبيئة بمحاضرة «التراث والبيئة وجهان للبقاء»بعضهما ارتباطاً وثيقاً ودائماً ومتبادلاً، فكلاهما يُشّكل الآخر ويحدد ملامحه على مدار الأيام. ولذلك لا يمكن أن تتشكل بيئةٌ سليمة مع تراث مريضٍ، ولا يمكن أن يظهر تراث غني من بيئة فقيرة. من هذا المنطلق فإن التراث المعماري المشوه لا يمكن إلا أن ينتج بيئة مشوهة. وهذه هي مشكلة العمران والعمارة المعاصرين، ليس على الصعيد العربي فقط وإنما على الصعيد العالمي أيضاً، حيث تفاقمت مشكلة العمران والعمارة في زمن العولمة، بسبب سهولة وسرعة انتقال الفكرة، والصورة، والمادة، إلى درجةٍ لم يعد هناك متسعٌ من الوقت لتقييم ما يتمّ تبادله وانتقاله من مكان لآخر».
ويجد الدكتور رافع أن عنوان المحاضرة واسعٌ وشاملٌ، ويصعب تحديد ملامحه. مُتسائلاً عن ماهية التراث والبيئة والبقاء المراد التكلم عنهما، راغباً في حصر حديثه في موضوع التراث المعماري فيقول: «قيل أن المعماريون يساهمون من خلال تطويرهم للتراث المعماري بتطوير التراث العام، والثقافة، والبيئة. ولكننا نعاني من بيئةٍ ثقافية متخلفة، وكذلك بيئةٌ معمارية متخلفة؛ ما يشير إلى وجود مشكلةٍ أما بالتراث المعماري، أو بالبيئة الثقافية،رافع ابراهيم في «التراث والبيئة وجهان للبقاء» أو البيئة المعمارية، أو بهم جميعاً».
كما يضيف الدكتور رافع: «في اعتقادي أن المشكلة تكمن في التراث المعماري ليس المحلي وحسب وإنما العالمي، ولو أنه كان يسير في الطريق الصحيح لكان لا بد لنا من الحصول على بيئةٍ جيدة ثقافياً ومعمارياً. ولكن قبل الخوض في ذلك يمكنني القول، هناك حيرةٌ في موضوع التراث، هل هو ما يقدمه المجتمع من منتجاتٍ مادية ومعنوية تحمل قيمة ايجابية فقط، وهل يحق لنا الانتقاء لتشخيص صورته. وبالتالي هل التراث قيمةٌ ذاتية، وليس حقيقة مطلقة لكل واحد منا الخيار في اختيارها وتركيبها. أعتقد أن الإجابة على كل تلك التساؤلات تتأتى من قصتنا التاريخية في الوجود على الكرة الأرضية، وصراعنا معها للسيطرة عليها، وبدءنا باستخدام الكهوف ونحتها ثم التعمير، ومن بعدها ظهرت الحضارات في كل أصقاع الأرض، ومعها ظهر التراث المعماري. وانطلاقاً من كل ما تقدم يمكننا القول بأن التراث هو كل ما يتراكم من خبراتٍ مادية ومعنوية ايجابية وسلبية، تساهم في تشكيل الحاضر والمستقبل والذي يعني بدوره تراثنا».
يتهم الدكتور رافع التراث المعماري بأنه من خلقَ مشاكل بيئية وثقافية من خلال نقاطٍ حددها، بأن التراث المعماري مقلدٌ شكلياً. بمعنى آخر، تراثنا المعماري يعتمد التقليد الشكلي لا الإبداعي، أيضاً قلّد الفنون الأخرى مثل الفن التكعيبي، والتفكيكية وغيرها من الفنون. ثم اتهمه أيضاً بالذبذبة في حين كانت التهمة الثالثة بأنه عاطفي وسطحي.
من جهتها ريم عبد الغني -رئيسة مركز تريم للعمارة والتراث-، تجد بأن مشروع تريم الثقافي يهدف إلى الحفاظ على الهوية التي أخذت معالمها تبهت وتتغير تحت وطأة الضغوطات المختلفة، باسم العولمة، والحداثة، والمعاصرة، والتكنولوجيا، وغيرها.
ريم عبد الغني في محاضرة التراث و البيئةفتقول ريم: «إن مسؤولية المعماريين والمخططين التاريخية في هذه المرحلة، هي تكريس عمارةٍ عربية حديثة، تستمد قيمها ومزاياها من روح العمارة العربية الأصيلة، وتستفيد في الوقت ذاته من تسهيلات التكنولوجيا لتلبي احتياجاتنا العصرية. ونحن كمنظمةٌ غير حكوميةٍ نهتم بقضايا الثقافة والعمارة في الوطن العربي من خلال مشاريع الترميم، والمؤتمرات، والمحاضرات، ومختلف أنواع الأنشطة التي تتعلق بمواضيع العمارة والتراث، ومنها مشروع أربعاء تريم الثقافي الذي يفيد بتذكيرنا بملامح الهوية العربية».
كما تضيف ريم: «أما فيما يتعلق بموضوع التراث والبيئة بمفهومها الواسع، سواءٌ كبيئة معمارية واجتماعية، أو بيئة طبيعية فيعتبر موضوعاً هاماً للغاية حيث البيئة هي المحيط الذي يعيش فيه الإنسان، ومنها يستقي نماذج عمارته. ويحضرني هنا بيت شعرٍ للصنوبري عمره أكثر من ألف سنةٍ عندما رأى شخص يُهدم الآثار ويُتلف البيئة. فقال: "أتتلفها شلت يمنيك خلها لمعتبر أو زائر أو سائلي. منازل قومٍ حدثتنا حديثهم ولم أرى أجمل من حديث المنازل". إذاً نحن كعرب مُهتمين منذ زمنٍ طويل بموضوع الحفاظ على البيئة، والتاريخ، والآثار. واليوم نؤكد من جديد على ضرورة المحافظة على تراثنا وبيئتنا بالتزامن مع مواكبة العصر».
يذكر أن تريم مؤسسةٌ غير حكومية مركزها دمشق، أسستها المهندسة ريم عبد الغني في كانون الثاني عام 2004، تعنى بالتراث والعمارة في العالم العربي، من خلال التوثيق، والدراسة، والنشر، والإنتاج الفني، وتنفيذ مشاريع الحفاظ، والترميم، وتبادل الخبرات مع المؤسسات والهيئات والمراكز المماثلة في العالم.محاضرة «التراث والبيئة وجهان للبقاء»|
أما الدكتور رافع إبراهيم حقي فهو حاصلٌ على بكالوريوس الهندسة المعمارية من جامعة دمشق، والماجستير في عمارة البيئة من جامعة بول ستيت، والدكتوراه من جامعة فرجينية الرسمية ومعهدها التقني. قام بالتدريس في جامعة فرجينية الرسمية في قسم عمارة البيئة، ثم في جامعة الملك فيصل في الدمام في قسم عمارة البيئة، ويعمل الآن كأستاذٍ مشارك في قسم الهندسة المدنية العمارة في جامعة البحرين ودمشق.
تُعقد محاضرات «أربعاء تريم الثقافي» في الأربعاء الأول من كل شهر تلقيها نخبةٌ مختارة من المختصين في شتى مجالات الثقافة العربية، ضمن إطار العلاقة الحيوية لهذه المجالات بالتراث والهوية العربية، وأهمية الحفاظ عليهما، وضمن طرحٍ فكري يناقش الإشكاليات المطروحة، ويتميز بوضوح الرؤيا، والجرأة، والجدية، ومن خلال تجارب المحاضرين وخبراتهم العملية.


رياض أحمد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق