دير سمعان


واجهة كنيسة سمعان العمودي

هو الآن عبارة عن مبان أثرية في منطقة جبل سمعان من محافظة حلب.

يقع إلى الشمال الغربي من مدينة حلب. سمي بذلك تخليداً لاسم القديس سمعان العمودي المتوفى عام 459م والذي اتخذه متعبّداً له وقضى حياته مقيماً فوق عمود حجري، ويتألف البناء من كاتدرائية بيزنطية فخمة ودير ومضافة وكنيسة للتعميد تعود جميعها إلى عام 476م.

ذاعت سمعة القديس سمعان وانتشرت طريقته في التعبد مما دفع كثيراً من الرهبان إلى إتباع تلك الطريقة. ومن أهم العموديين المعروفين الذين ساروا على نهج سمعان العمودي، القديس دانيال العمودي (409-493م) في القسطنطينية، القديس سمعان العمودي الصغير (517-592م) على جبل بالقرب من أنطاكية، القديس اليبيوس البغلفوني (القرن السابع الميلادي) القديس لوقا (879-979م) في خالقيدونيا، القديس اليعازر (968-1054م) على جبل جاليزيون بالقرب من أفسوس، هذا إلى جانب عدد آخر من العموديين تذكرهم النصوص عاشوا باليونان والشرق الأوسط.

كما وجدت إشارة إلى قديسة عمودية. ولكن أبرز هؤلاء جميعاً كان القديس دانيال العمودي المار ذكره الذي كان أحد تجار القسطنطينية الأغنياء، فترك تجارته ودخل سلك الرهبنة وظل يتدرج فيها حتى نال حظوة كبيرة عند الإمبراطورين ليو وزينون فطالبهما ببناء كنيسة كبيرة تخليداً للقديس سمعان.

بدأ مشروع بناء الكنيسة في عهد الإمبراطور ليو، ولكنه توفي قبل أن يتحقق مشروعه، فتولى الإمبراطور زينون تحقيقه.

بدئ العمل في بناء الكنيسة عام 476م وأنجز في عام 490م أي أنه استمر حوالي الأربع عشر عاماً وتعتبر هذه الكنيسة أحد الإنجازات المعمارية الرائعة التي حققها الإمبراطور زينون في عهده، وقد أنفق في بنائها الأموال الكثيرة.

بنيت الكنيسة على شكل صليب يتوسطه العمود الذي كان يعيش فوقه القديس سمعان (ومن هنا لقب بالعمودي) وفي نهاية القرن الخامس أقيمت بعض الأبنية حول الكنيسة سخرت لخدمتها ومن أهمها بناء المعمودية وبعض المنازل لتكون سكناً للرهبان وطلاب العلم.

في الفترة ما بين 526-528م التي سبقت الزلزال تطورت المنشآت ونمت، وحول هذا التاريخ ضرب سورية الشمالية زلزالاً مدمراً ترك أضراراً كبيرة في المدن الهامة كحلب وأنطاكية وسلوقيا، كما أحدث أضراراً بالغة بكنيسة سمعان الكبرى.

عندما حرر العرب المسلمون سورية أبقوا الكنيسة الكبرى والدير بيد المؤمنين المسيحيين وفقاً لتقاليدهم عند تحرير الأرض وفتح البلدان القائمة على التسامح الديني، كما ابقوا الكنائس والكاتدرائيات بيد أصحابها في حلب والرصافة ودمشق والقدس وغيرها من البلدان.

وعندما ضعفت الدولة العربية الإسلامية وتمزقت استطاع البيزنطيون العودة إلى اغتصاب كنيسة سمعان وحصنوها وبذلك تحولت إلى قلعة منيعة، ومنذ ذلك الوقت أصبحت تعرف باسم «قلعة سمعان».

بقيت القلعة بيد البيزنطيين قرابة القرن تشكل حصناً منيعاً من الحصون الدفاعية أمام حدود إمارة حلب الحمدانية، في أثناء هذه الفترة رصفت الكنيسة بالفسيفساء وأجريت بعض الترميمات، وهذا ما تشير إليه الكتابة التي وجدت على الفسيفساء التي اكتشفت في أرضية الكنيسة إذ تذكر أن الإمبراطور باسيل الثاني (976-1026م) وأخاه قسطنطين الثامن (976-1028م) قد قاما برصف الكنيسة بالفسيفساء وإجراء بعض الإضافات والإصلاحات فيها.

في عام 986م تمكن الأمير الحمداني سعد الدولة ابن سيف الدولة من استعادة قلعة سمعان بعد حصار استمر ثلاثة أيام، وفي عام 1017م نجح الفاطميون الذين سيطروا على سورية الشمالية وقتذاك من السيطرة على قلعة سمعان بعد أن بذلوا جهداً كبيراً في سبيل ذلك.

بعد هذا التاريخ لم يعد للقلعة أهمية عسكرية وهجرت تدريجياً، سكنها في القرن السادس عشر أحد المتنفذين الأكراد وأقام في الضلع الشرقي من الكنيسة الكبرى طابقين، كما سكن المعمودية متنفذ آخر من المناطق المجاورة. إلى أن قامت السلطات الأثرية بإفراغها والاعتناء بها.