سمعان العمودي


بقايا عمود القديس سمعان العمودي
في قلعة سمعان

يذكر الغزي (نهر الذهب، جـ 1 ص 466) أن القديس سمعان العمودي ولد في عام 392م في قرية من قرى كليكيا اسمها «سيسان»، وكان أبواه من رعاة الغنم، وعندما بلغ سمعان الثالثة عشرة من عمره مال إلى الترهب فلازم أحد الأديرة، ثم ما لبث أن انتقل إلى غيره من الأديرة رغبة في المزيد من التقشف وشظف العيش، فيذكر البعض أنه في مطلع حياته الترهبية التحق برهبانية هيليودوروس تل عادة، وبعد حوالي العشرة أعوام لم تعجبه الحياة في تلك الرهبانية فانفصل عنها ليلتحق بدير في بلدة تيلانيسوس (دير سمعان اليوم). وخلال الأعوام الثلاثة التي قضاها في دير تيلانيسوس، روض نفسه على الحياة القاسية والصوم فلفت انتباه الناس إليه مما أثار حفيظة رؤسائه فقرروا عدم صلاحيته لحياة الدير وطلبوا منه مغادرته إلى مكان آخر.

عاش بعد ذلك في كهف صغير قريب، وسرعان ما انتشرت أنباء حياة القديس سمعان القاسية فأقبل الناس عليه للزيارة والتبرك فضجر منهم وأحب الاعتزال مما دفعه إلى إقامة عمود لنفسه وآثر العيش فوقه، ومن هنا جاءت تسميته «بالعمودي» (رباط ص 80، صواف ص 5).

اشتهر القديس سمعان بشفاء المرضى، كما اشتهر بأنه مستجاب الدعاء، ومن هنا جاء إقبال الناس عليه طلباً للشفاء والتوسط للتوسيع عنهم (الغزي ص 466، رباط ص 80-81). ففي مجال شفاء المرضى يورد الهروي (الإشارات ص 5) قصة شفائه لبنات أحد الملوك من مرضى الجذام تتلخص هذه في أن أحد الملوك كانت له ابنة مرضت بالجذام، فأفردها أبوها في الجبل الذي تقوم عليه قلعة سمعان، فمر عليها سمعان وطلب منها أن تسقيه ماء، فأخرجت له الماء وسترت وجهها، وعندما سألها عن سبب ذلك أجابته «إن بي مرضاً» فشرب من الماء الذي قدمته له ورش على وجهها بعضاً منه فبرئت بقدرة الله.

قلت أنه عندما أقبل الناس عليه تضايق منهم وابتنى لنفسه عموداً عاش فوقه بقية حياته. ويبدو أن هذا العمود تغير عدة مرات، فكان كلما أحس بمضايقة الناس يزيد من ارتفاعه، وفي هذا الصدد يذكر الخوري جبرائيل رباط (العاديات، ص 80) أن أول عمود بناه سمعان بلغ ارتفاعه ستة أذرع أقام عليه أربعة أعوام، ثم ابتنى عموداً آخر بلغ ارتفاعه اثني عشر ذراعاً، ثم أقام عموداً ثالثاً بلغ ارتفاعه اثنين وعشرين ذراعاً ورابعاً بلغ ارتفاعه الأربعين ذراعاً، بلغ مجموع ما أقامه من السنين فوق الأعمدة الثلاثة الأخيرة حوالي تسع وثلاثين سنة، وظل على حياة التقشف والحياة فوق العمود حتى أدركته الوفاة عام 459م ـ ونقل جثمانه إلى مدينة أنطاكية ودفن في كنيسة قسطنطين الكبير. (رباط 81) معبِّداً الطريق أمام أسلوب العبادة فوق الأعمدة، قلده فيها كثير من الرهبان الذين أتوا بعده كالقديس دانيال العمودي ـ (صواف ص 8).

لقد كان القديس سمعان العمودي الكبير من بين شخصيات العصر البيزنطي الدينية الهامة فلقد كان يتمتع بنفوذ عالمي، ساعد على ترسيخ ذلك النفوذ أتباعه من بعده، ويعتبره نصارى حلب وغيرهم بأنه سيدهم (حميدة ص 19) كما أن المسيحيين الأرثوذكس يعتبرون يوم وفاته في 26/7/459 ويوم دفنه في 1 أيلول من العام نفسه في أنطاكية عيدين دينيين من أعيادهم.

في مطلع القرن الخامس الميلادي ظهر القديس سمعان العمودي وهو أول العموديين. وظلت هذه الطريقة من التعبد تمارس حتى القرن الخامس عشر الميلادي. وتضيف التقارير المعاصرة معلومات عن حياة القديس سمعان القاسية مما دفع الناس للإعجاب بتلك الحياة القاسية، وقد سبب ذلك انتشار سمعة القديس انتشاراً واسعاً عن طريق العلاقات التجارية الدولية التي كان مركزها أنطاكية في ذلك الوقت. لقد جاء الحجاج من بلاد الغال وانجلترا وإسبانيا وإيطاليا إلى قلعة سمعان، وهنا نود أن نشير إلى أن القديس سمعان قد حظي بإعجاب وتقدير العرب المسلمين والفرس.

==
المصدر: قلعة سمعان العمودي، د. شوقي شعث، منشورات دار القلم العربي، حلب، 1991