إحتلال سورية


في ظل اتفاق سايكس بيكو، ووعد بلفور، وبرغم كل الوعود التي منحها الحلفاء للعرب، وبرغم ما انطوى عليه تقرير لجنة «كنغ-كرين» من توصيات، تتعلق بتأييد وحدة سورية ورغبات سكانها، طبقت بريطانيا إدارتها على فلسطين، واحتلت القوات الفرنسية المنطقة الساحلية وأنزلت العلم العربي عن مدينة بيروت، وتُرك للحكومة العربية في دمشق، وعلى رأسها الملك فيصل بن الحسين، المنطقة الداخلية الممتدة من العقبة إلى شمال مدينة حلب.

وعندما رد السوريون بإعلان استقلال سورية بحدودها الطبيعية في 8 آذار عام 1920 وتتويج فيصل ملكاً عليها، قام الحلفاء، الذين اجتمعوا في سان ريمو في نيسان من ذلك العام باتخاذ قرارات بتطبيق الانتداب على كامل سورية وعلى العراق أيضاً، ووضُع ملحق يتضمن تعهد السلطة المنتدبة على فلسطين بتطبيق وعد بلفور.

لقد كان واضحاً أن تطبيق الانتداب على سورية يتعذر دون القضاء على حكومتها العربية المركزية في دمشق، وهو ما تولته القوات الفرنسية المتمركزة في بيروت والمنطقة الساحلية، حيث زحفت على دمشق ودخلتها بعد موقعة ميسلون في 24 تموز عام 1920، وقضت على حكومتها العربية، وأصبحت فرنسا بالتعاون مع حليفتها بريطانيا، مطلقة اليد في العمل على تجزئة سورية وتمزيقها، وإعطاء أجزاء كبيرة منها لقمة سائغة لتركيا، بينما بدأت بريطانيا التمهيد لتسليم فلسطين، فيما بعد، لقمةُ سائغة للصهيونية.

التمزيق الشامل: لم تقف فرنسا عند الحدود التي رسمتها الاتفاقات السابقة، وصكوك الانتداب، من تقسيم سورية بينها وبين بريطانيا، بل قامت في مستهل حكمها المباشر للبلاد، بتحطيم وحدتها، على النحو التالي:

ـ إنشاء دولة لبنان وتضم: سنجق جبل لبنان وما ضُم غليه من ولاية بيروت (المدينة ولواء طرابلس وقضاء صيدا) والأقضية الأربعة بوادي البقاع (راشيا وحاصبيا البقاع وبعلبك)، التي كانت تتبع ولاية دمشق.
ـ إنشاء دولة العلويين في منطقة اللاذقية.

ـ إعطاء لواء الاسكندرونة نظاماً إدارياً خاصاً به، منفصلاً عن إدارة حلب.

هذا في المنطقة الساحلية من سورية الشمالية الممتدة من خليج الاسكندرونة حتى رأس الناقورة. أما في المنطقة الداخلية، فجعلت من كل من دمشق وحلب دولة منفصلة، كما وأقامت في جبل العرب دولة ثالثة، مقرها السويداء تحت اسم دولة جبل الدروز.

ومع أن فرنسا عادت فجمعت بين ولايتي دمشق وحلب في دولة واحدة، سمتها «دولة سورية»، إلا أنها استمرت في سياسة تجزئة الأرض، والتفريق بين فئات السكان وطوائفهم في جميع المجالات. غير أن أخطر ما قامت به فرنسا من تمزيق لسورية كان على حدودها الخارجية الشمالية، حيث سلمت كيليكية وقسماً من الجزيرة العليا، ولواء الاسكندرونة إلى تركيا، وأصبحت سورية محرومة من حدوها الشمالية الطبيعية الأزلية، التي كانت عليها في العصر العثماني.

كانت سورية أو بلاد الشام عصرئذٍ، تؤلف وحدات إدارية ضمن الإمبراطورية العثمانية، وكانت الوحدة الإدارية الكبرى هي «الولاية»، وتسمى الوحدة الإدارية الأصغر «متصرفية» أو «سنجق».

كانت مدينتا دمشق وحلب، في ذلك العصر، مركزي الولايتين الرئيستين الداخليتين، أما الإقليم الساحلي الرئيسي الأوسط، إلى الغرب من ولاية دمشق، فقد تبدلت عواصمه الإدارية، تبعاً للتطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بين مدن طرابلس وصيدا وعكا وبيروت مع بعض التبدلات في الحدود الإدارية. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر تركزت التقسيمات الإدارية لبلاد الشام مع الجزيرة في خمس ولايات كبرى هي: دمشق، وبيروت، وحلب، وأذنة (أضنة)، وديار بكر، يُضاف إليها ثلاث متصرفيات هي: القدس، وجبل لبنان، ودير الزور.

ويتضح من هذه التقسيمات الإدارية أن الحدود الشمالية لولايات حلب وديار بكر وأذنة ، هي التي كان ينبغي أن ترسم الحدود بين سورية وتركيا، إثر انفصالها عن الإمبراطورية العثمانية، وهي تتماشى إلى حدٍ كبير مع الحدود الطبيعية التاريخية لسورية. غير أن ما طرأ على الحدود السورية من تغييرات كان شيئاً آخر، بعيداً كل البعد عن الواقع الجغرافي التاريخي.

مواضيع ذات صلة: