فسيفساء الجامع الأموي
اهتم الأمويون وبخاصة الخليفة عبد الملك وولداه الوليد وهشام بتزيين الأوابد التي أنشأوها بآيات الفن من الفسيفساء والزخارف، والوليد بن عبد الملك هو الذي تابع بناء المسجد الأقصى بعد أبيه وهو الذي أمر بزخرفة آبدته الخالدة جامع دمشق الكبير بالفسيفساء، وهذه الزخرفة تشكل بداية تأسيسية لفن الزخرفة العربي الإسلامي.
لقد تناول مصمم الفسيفساء في الجامع الأموي مواضيع مختلفة في بعض الأحيان ومشابهة للمواضيع التي نُفذت في قبة الصخرة أحياناً أخرى، وهذا التشابه يتجلى في تحوير العناصر النباتية مثل ورق الإكنثة، ولكن الشيء الجديد المختلف في مواضيع الجامع الأموي هو تصوير العمارات والأنهار، أما الأشجار التي تبدو واضحة كشجرة زيتون، أو نخلة فهي موجودة في قبة الصخرة دون أن نرى فيها أثراً لصور العمارات أو الأنهر.
في الجدار الغربي لبوابة الجامع الكبير بقايا رئيسة لأقدم زخارف هذا المسجد، فيها تعبير عن أبنية متنوعة وأشجارٍ ونهرٍ، إلاّ أن قصور الفنان في ذلك العصر عن تطبيق قواعد المنظور لم يكشف بوضوح عما يعنيه بهذا التكوين.
تؤكد الدراسات الأثرية والتاريخية أن جدران الجامع بالكامل كانت مكسوة بزخارف الفسيفساء والتي مايزال قسماً منها قابعاً في أركان مختلفة من جدران الجامع بينما كانت أرضية أروقة الصحن مفروشة بالفسيفساء الأبيض المطعم بقطع الرخام.
أما تفسير العمائر ومشاهد الطبيعة فله عدة مقولات فهناك رأي يقول أن المدينة المصورة على شاطىء النهر لم تكن سوى مدينة دمشق بغوطتها وأبنيتها تطل على نهر بردى، وقد ذهب بعض المفسرون إلى تحليل المشهد على أنه مشهد مستمد من وحي مدينة الفردوس كما جاء في كتابه الكريم:
بسم الله الرحمن الرحيم
وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم.
صدق الله العظيم
أما المقدسي فقد كتب عام 985 قائلاً: لم تكن هناك شجرة أو مدينة شهيرة في العالم إلا وصورت على هذه الجدران.
والرأي الأكثر شيوعاً هو أن هذه الرسوم ما هي إلاّ مجرد تعبير عن اتساع الدولة العربية في ظل الأمويين التي كانت دمشق عاصمتها والمسجد الأموي في دمشق مسجدها: وهي تأكيد للمقولة أن الأمويين لم يكونوا إلاّ رجال دولة وأن قوتهم هي القوة المهيمنة والوحيدة في الأرض آنذاك، ولم يكن هذا الفن الجديد وهذه العمارة الخالدة إلاّ تعبيراً عن النصر والقوة والهيمنة الأموية.