فايز فوق العادة

01 07

مقدمة


يقول أنطون المقدسي: «إن القوة المهيمنة على المرحلة التاريخية اليوم، وإلى ما شاء الله، هي العلم بالدرجة الأولى لا التقنية».

ومن هذا المنطلق، لعلنا نلمح كما سمعنا «صوتَ صارخٍ في البرية» نراه الآن متمثلاً في قامة عالِم وسريرة فيلسوف، فهو يطلّ علينا مظهِراً لنا دور الرياضيات، مساهماً في علمها الواسع، وكذلك دور الفيزياء مبحِراً في يمِّها الشاسع، ومن ثمَّ ينطلِق إلى المعلوماتية، ليقفِز إلى الكونيات وعلوم الفضاء مركِّزاً على أهمية علم الفلك في وصولِنا للنهضة أو التقدم المرجوّ لاحقين بركب الحضارة، مذكِّراً إيانا كيف حكَمَت بريطانيا العظمى العالم في القرن التاسع عشر عن طريق أساطيلها البحرية من خلال سيطرتها على البحار، فعلى نفس النحو نجد اليوم أميركا تحكم العالَم من خلال الفضاء وعلوم الفضاء وأولها علم الفلك.

لم يستطِع فايز فوق العادة، وهو قامَة عالِم وسريرة فيلسوف أن يصمُتَ البتّة، وهو «صوتُ صارِخ في البرية»، فكم من مرة أشار في محاضراته إلى المخاطر الهائلة التي تحيق بالبيئة، والإنسان يمضي مدمِّراً إياها. وعلى هذا ففي ثورة يأسه لما يحصَل في البيئة وفي العالم من تدهور للقيَم وانقلاب في المفاهيم، ظلَّ يركّز والدموع في عينيه على أن العلم إلهام كوني، على أن العلم أخلاق، على أن العلم فن وتأمل وذوق ورؤيا، على أن العلم رسالة نستطيع من خلالها أن نصبو إلى الحرية والانعتاق بالمعرفة.


المهندس فايز فوق العادة

سيرة حياته


- مواليد دمشق، 1942.

- كان الأول على الطلاب السوريين في الشهادة الثانوية – الفرع العلمي عام 1959.

- تخرج كمهندس مدني من جامعة حلب عام 1964.

- عمل كمهندس مدني في عدد من المشاريع: الغاب – تحويل روافد الأردن – أوتوستراد دمشق-حلب وغيرها.

- تحول إلى المعلوماتية عام 1974 حيث أدخل الحاسوب إلى وزارة المواصلات، وكانت الوزارة ثاني جهة في سورية تقوم بإدخال الحاسوب بعد المكتب المركزي للإحصاء.

- أسس الجمعية الكونية السورية عام 1980.

- ألقى منذ تأسيس الجمعية مئات المحاضرات في مختلف المحافظات السورية وفي بعض البلدان العربية والأجنبية، تضمنت المحاضرات طيفاً واسعاً من المواضيع مثل: الرياضيات – الفيزياء – الفلك – المعلوماتية – الحاسوب – فلسفة العلوم – تاريخ العلوم.

- نشر في مجلات وصحف محلية وعربية وأجنبية 380 مقالة حول المواضيع المذكورة.

- ألف وترجم 40 كتاباً حول تلك المواضيع.

- قدم وأعد برنامجين تلفزيونيين: بطاقة إلى الكون – مجلة العلوم.

- يقدم ويعد برنامجاً إذاعياً بعنوان: مجلة العلوم.

- أسهم بتأسيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك.

- يعد وينفذ دورات علمية متقدمة لكافة العاملين في الدولة بمعدل دورتين في السنة تتناول المعلوماتية الحديثة وأساليب تطبيقها في العمل، وقد تجاوز عدد هذه الدورات 55 دورة.

- رئيس الجمعية الكونية السورية.

- عضو في اللجنة الخاصة بتطوير علوم الفضاء والفلك في سورية حتى العام 2020م.

- عضو في الجمعية الكوكبية العالمية.

- عضو مجلس إدارة منتدى الشبيبة للعلوم والمعلوماتية.

- أعد بحثاً حول دور الرياضيات في الفيزياء، نشر البحث بعنوان:
Can Topolgy Solve the Elementary Particles Problem
نُشِرَ البحث في المجلة العلمية العالمية المحكمة.
Speculations in Science and Technology
في العدد 19 للعام 1996. وأعيد نشر البحث في
The Proceedings of PIRT – CMS – Kolkata – 2008

- حدد القيود الفيزيائية للحوسبة الالكترونية في بحث بعنوان:
Thermodynamic and Quantum Mechanical Limitations of Electronic Computation
نُشِرَ البحث في المجلة العلمية العالمية المحكمة.
Speculations in Science and Technology
في العدد 20 لعام 1997م.

- برهن أن المشتري وُلِد نجماً في بحث بعنوان:
The Sun and Jupiter as a Binary System
نُشِرَ البحث في المجلة العلمية العالمية المحكمة.
Speculations in Science and Technology
في العدد 21 للعامين 1998/1999م.

- قدم بحثاً بعنوان «كيف نتذوق الرياضيات» عن علاقة الرياضيات بالموسيقى في المؤتمر الذي عقدته اليونسكو لتدريس الرياضيات عام 1996 في تونس.

- برهن معضِلة رياضية تاريخية تُعرَف باسم: فرضية ريمان في بحث بعنوان:
How to Prove the Riemann Hypothesis
نُشِرَ البحث على الإنترنت في المجلة العلمية
General Science Journal
بتاريخ 18/3/2005.
أعيد نشر البحث في:
The Proceeding of PIRT – CMS – 2007 – Kolkata
أعيد نشر البحث في المجلة العلمية العالمية المحكمة.
Spacetime & Substance
في العدد V.7,No1 (31), PP. 1-8 (2006)

- برهن معضلة رياضية تاريخية تتعلق بوجود عدد أولي بين عددين مربعين متتاليين في بحث بعنوان:
There is Always a Prime Between N2 and (N+1)2
نشر البحث على الانترنت في المجلة العلمية
General Science Journal
بتاريخ 17/2/2006م.
أعيد نشر البحث في المجلة العلمية العالمية المحكمة.
Galilean Electrodynamics
في عددها الخاص الثالث لعام 2007 الصادر في خريف العام المذكور.

- قدم برهاناً رياضياً لمعضلة رياضية تاريخية تعرَف بمسألة الألوان الأربعة في بحث بعنوان:
A Pure Mathematical Proof of the Four Colour Problem
نُشِرَ البحث على الانترنت في المجلة العلمية
General Science Journal
بتاريخ 8/8/2006.
أعيد نشر هذا البحث في المجلة العالمية المحكمة:
Global Journal of Pure and Applied Mathematics (GJPAM) Vol (4)
No (4) (2008)

- قدم برهاناً مختصراً ومباشراً لمعضلة رياضية تاريخية تُعرَف باسم نظرية فيرما الأخيرة في بحث بعنوان:
A Simple Short Proof of Fermats Last Theorm
نُشِرَ البحث على الانترنت في المجلة العلمية
General Science Journal
بتاريخ 16/11/2006.
أعيد نشر البحث في:
Proceedings of PIRT – CMS – 2006 – Kolkata
أعيد نشر البحث أيضاً في المجلة العلمية العالمية المحكمة
Advances in Applied Mathe matical Analysis Vol (3) No(1) (2008)
أعيد نشر البحث أيضاً في المجلة العلمية العالمية المحكمة
Global Journal of Pure and Applied Mathematics (GJPAM) Vol (4)
No (2) (2008)

مؤلفاته


1) ارتحال إلى أعماق الكون، وزارة الثقافة، 1984.
2) الأجسام الطائرة المجهولة: دراسة وتحليل، 1984.
3) ما هو الكمبيوتر؟، دار الرشيد، 1985.
4) نحن والرياضيات، دار الفكر، 1987.
5) منعطف الرياضيات الكبير، وزارة الثقافة، 1987.
6) الثقوب الكونية السوداء، دار المعرفة، 1988.
7) علم الفلك وفلسفة النسق الكوني، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، 1992.
8) شرخ في مرآة الفكر البشري، دار المعرفة، 1994.
9) الذاكرة الكونية، أكاديميا، 1995.
10) ما هو الكون؟ شعرية العلم، دار علاء الدين، 2002.
11) المجموعة الشمسية من منظور معاصر، دار الفكر، 2002.

الترجمات


1) الذكاء الصنعي بلغة البيزك، تأليف: مايك جيمس، دار الرشيد، 1988.
2) الاتصال مع النجوم، تأليف: رين هارت بردور، دار الرشيد، 1988.
3) 2500 مسألة محلولة في المعادلات التفاضلية، تأليف: ريتشارد رونسون، أكاديميا إنترناشيونال، 1989.
4) مقدمة إلى نظرية المعلومات: الرموز – الإشارات – والضجيج، تأليف: جون ر.بيرس، وزارة الثقافة، 1990.
5) ما بعد أينشتاين: البحث العالمي عن نظرية للكون، تأليف: ميشبو كاكو، جنيفر تريز، مراجعة: محمد دبس، أكاديميا، 1991.
6) أزمة الطاقة والدراسات الكونية، تأليف: ميكزيسلو توبة، دار المعرفة، 1992.
7) الطرائق المتقدمة في برمجة الكومبيوتر، دار الرشيد، 1992.
8) 3000 مسألة محلولة في الفيزياء، تأليف: ألفن هالبرن، أكاديميا إنترناشيونال، 1996.
9) 3000 مسألة محلولة في حساب التفاضل والتكامل، تأليف: إليوت مندلسون، أكاديميا، 1996.
10) 2000 مسألة محلولة في الكهرومغناطيسية، تأليف: سيد نصر، أكاديميا، 1997.
11) الحضارة المريخية: مدينة على تخوم الأزل، تأليف: ريتشارد هوغلاند، دار الطليعة الجديدة، 1997.
12) 2000 مسألة محلولة في الديناميكا الحرارية (الترموديناميكا)، تأليف: بيتر لايلي.

المهندس فايز فوق العادة في إحدى محاضراته

قراءة في فكر فايز فوق العادة


دراسة الأستاذ موسى الخوري:


الفكر الحر:


يشكل التعمق في العلوم منعطفاً كبيراً بالنسبة للكثيرين من الدارسين والباحثين والعلماء. فالعلم اليوم، تحت خضم الاختراعات التقنية التي لا تحصى، الغث منها والثمين، تطرح تساؤلات كبرى على مستوى الفكر نفسه، وعلى مستوى المعرفة الإنسانية ككل. إن فلسفة العلوم اليوم ترتاد تخوماً لم يصلها الإنسان من قبل على الإطلاق، لا في المجالات الفلسفية ولا في المجالات العقائدية. ويمثل ذلك تحولاً على مستوى الإنسانية ككل، تحول قد يكون بداية أو إشارة إلى بداية تطور عميق في الكائن الإنساني نفسه. إن التعمق في فهم الأفكار العلمية المعاصرة يتطلب بداية وقبل كل شيء القدرة على التخلص من الأفكار المسبقة التي ترسبت في لاوعينا وفي تربيتنا بل وحتى في علومنا القريبة. ومن هنا فإن التعمق أكثر فأكثر في العلم الحديث يتطلب الاختيار بين الانتماء إلى فريق من المفسرين لهذا العلم، أو البقاء بين قلة من النخبة القادرة على حدس الأبعاد الأوسع، والآفاق الأبعد لما تطرحه الفيزياء والبيولوجيا والكونيات والرياضيات والمعلوماتية وغيرها من العلوم من أفكار وتساؤلات.

إن المهندس فايز فوق العادة يعد أحد المتبحرين القلائل في عمق العلوم الحديثة وفلسفتها، ليس في الوطن العربي فقط، بل وربما في العالم كله. فهو عبر متابعته لتطور الأفكار العلمية ونظريات الفيزياء والرياضيات، ومشاركته في وضع حل بعض المسائل الهامة في هذا المجال، يمثل فكراً استطاع فهم الإشكاليات الكبرى في العلم المعاصر، والتساؤلات الكبرى التي يطرحها هذا العلم على العقل الإنساني.

من هنا، فإن فايز فوق العادة يشكل أحد الذين وقفوا وقفة مطولة أمام هذا المنعطف الكبير. والخيار ليس سهلاً بالتأكيد، أو هو بالأحرى ليس خياراً بقدر ما هو موقف وحياة. وهو يعبر دائماً من خلال محاضراته ومقالاته وحواراته عن هذا المبدأ الأساسي، وهو حرية الفكر من كل رأي مسبق ومن كل ما قد يعيق تقبل وتصور وطرح أفكار جديدة. وهو غالباً ما يردد العبارة التالية: «إنه لأجمل أن ننظر إلى السماء والكون، ونتأمل في جماليات الكون وعمقه، من إضاعة الوقت في جدالات هذا العالم التي لا معنى لها ولا طائل منها». وهو يغمز في تتمة لهذا القول فيتابع: «لأن الكون يبقيني حراً من الانتماء لكل مظاهر الفكر التقليصية التي تقيد حرية النظر إلى الطبيعة والكون وتمنع تقبل الأفكار والنظريات الجديدة».

إن الهاجس المعرفي عند فوق العادة هو هاجس مرتبط بالدرجة الأولى بحرية الفكر، فالمعرفة لا يمكن أن تأتي من فلسفات أو مرجعيات لا يمكن مناقشتها وبرهانها، نظرياً وتجريبياً. إنها رؤية عالم بكل معنى الكلمة، لكن هاجسه المعرفي الحر لا يقف عند هذا الحد، فالعلم نفسه لا يجب أن يتحول إلى مرجعية جامدة أو إلى عقيدة قادرة على إلغاء التيارات الفكرية الأخرى. فالعلم هو سبيل إلى اختبار الحقيقة، وإلى اكتشاف أسرار الطبيعة والكون، لكنه أداة لا تظل فعالة إذا غلب العقل العلمي هاجس المنهجية العلمية نفسها. فالعلم يتجاوز نفسه باستمرار، ويجب أن يظل كذلك، أي يجب أن يستمر في طرح الأفكار الجديدة، دون أن يقيد نفسه مسبقاً بفكرة الوصول إلى الحقيقة المطلقة، كما فعلت العقائد في العصور القديمة.

إنه موقف صعب ولا شك، وقلة من الأشخاص تستطيع القبول به. فالإنسان يحتاج إلى ما يريح حاجته النفسية والعقلية على حد سواء في فهم هذا العالم وتعقيده كما وصعوباته وأسراره. فكم بالأحرى يجب أن تكون القوة الداخلية، الفكرية والنفسية، عند من يستطيع أن يقف في مواجهة لا نهاية الكون كما بتنا نعرفه اليوم، دون أن يسقط عليه تفسيراً مسبقاً. إنه لمن الصعوبة بمكان أيضاً الاعتراف بأن العلم لم يقدم حتى الآن، رغم كل النظريات العظيمة التي جاء بها القرن العشرين، سوى الأسئلة، وبعض إجابات تحمل في طياتها الأسئلة الكبيرة أيضاً. وكم هو صعب أكثر وأكثر القول بأن الإنسان لا يزال يفك رموز الشيفرة الكونية، وأنه لم يزل جاهلاً أمام هذا الكون العظيم.


الدكتورة نحوى قصاب حسن -وزيرة الثقافة-
تكرم المهندس فايز فوق العادة

إن القدرة على تمييز الإشكاليات المعاصرة في النظريات العلمية وفي تفسيرها هو ما يشكل بالنسبة لفايز فوق العادة هذه القدرة في الحفاظ على هذه الرؤية المنفتحة على الآفاق المجهولة للكون. فنظرية الأوتار الفائقة مثلاً لا تعد حتى الآن نظرية كاملة رغم آلاف الصفحات التي كتبت فيها. إنه يدرك أن العلم يحتاج إلى أفكار جديدة قبل أن يستطيع بلورة نظرية تجمع بين تفسيري النسبية العامة والميكانيك الكوانتي. وهو بالمقابل ينظر إلى الاكتشافات الباليونتولوجية التي بنيت عليها نظرية التطور، ويدرك أنها تطرح أساساً عميقاً يدل على استمرارية تطور الحياة على الأرض عبر ملايين السنين، لكنه بالمقابل يتساءل محقاً عن الدافع العميق في المادة الذي قاد هذا التطور، وهل تكفي قوانين داروين ومن تبعه من بعده من اصطفاء وبقاء للأفضل لتفسير هذه المظاهر الحية الفائقة التنوع والذكاء والتنظيم؟ من جهة أخرى، فإن مسألة مثل إمكانية لقاء كائنات من خارج المجموعة الشمسية، كائنات ذكية قد لا تشبهنا، أمر يعيد فتح إشكاليات الحياة ومعناها في الكون. وهو عند هذه النقطة لا يغفل دراسة الملفات الكثيرة التي تحدثت عن لقاءات مع كائنات كونية، لكنه بالمقابل يطرح الأسئلة العلمية ثم التساؤلات الأصيلة حول معنى الحياة في الكون، ومعنى اللقاء بكائنات أخرى، وهل نحن مستعدون لمثل هذا اللقاء؟

جانب من حفل تكريم المهندس فايز فوق العادة

إن هذا الفكر المتحرر من كل ما يمكن أن يشكل فكرة جامدة ونهائية، يتقبل ببساطة فكرة تغير كبير سيحصل في العلم خلال السنوات القادمة، ويتقبل كذلك حرية أن يكون للآخر رأي مختلف، شرط ألا يحاول فرضه عليه. وهو في ذلك إنما يحول الفكر الإيماني التقليدي إلى إيمان مبدئي بالحرية الفكرية، التي هي ضرورة حقيقية لكل تطور إنساني في المستقبل.

لمحات من فكر فايز فوق العادة


كتاب «ما هو الكون؟ شعرية العلم» نموذجاً

مدخل
إن الثقافة العلمية ضرورية للحد من الإنتاج العسكري والاستهلاكي ولتحويل العلم إلى أداة لتعميم العلم والرفاهية ولإعادته إلى جذره المعرفي الذي يضفي المعنى على انبثاق الذات الإنسانية.

إن الثقافة العلمية ضرورية كي توفر للمجتمعات البشرية المستلزمات المادية لانتقال الجنس البشري إلى المرحلة الكونية .

إن الثقافة العلمية ضرورية كي يعاد النظر بالعلاقة بين النشاط الاقتصادي والبحث العلمي.

إن الثقافة العلمية ضرورية لجلب احتياجات البقاء من خارج كوكب الأرض ولتطوير حياة كونية على صعيد الكون وحياة كونية على صعيد الأرض.

ولكن ما هي الآلية لفعل ذلك؟

إن تبسيط العلوم هو الآلية الأساسية لتفعيل الثقافة العلمية كي يدخل الفكر العلمي إلى ذهن كل فرد.

يقرر أينشتاين إن الفكر هو صانع الحقائق، ولكن منهم من يقول أن العلم قد نشأ على هامش المستند الحسي، وهذا الرأي لا عيب فيه فالفكر الإنساني في توقه إلى الخلود قد أبدع مثالاً موازياً هو الأسطورة، والأساطير تعد الإنسان بالخلود شريطة الالتزام بممارسات حسية.

لقد تنبه الفكر الإنساني متأخرًا لهذه الحقيقة، فقد صنع أسطورة جديدة توفر ضمانة مادية ومنطقية للخلود هي أسطورة العلم.

لابد من القول إن الأسطورة هي نسغ الحياة وهي الحياة في منظورها الجمالي. لا علم بلا نبوءة إذ إن النبوءة هي القاسم المشترك بين كل الأساطير، ثم إن النبوءة العلمية ترتكز إلى مقدمات. ولكن النبوءة لا تنفع في سياق الاختراقات الكبرى وهنا يأتي دور الوعي الخلاق، فالقفزة هي عطاء من إنسان مبدع يتمثل بتقدم كيفي كبير في النظرية العلمية، وهي معاناة جمالية ووصفة شعرية في حياة ذلك المبدع.

لقد سها الجميع عن صانع الأسطورة فالتركيز انصب على الأسطورة ذاتها ولكن التجربة ليست دائماً ناجعة. أكد لنا ماكسويل منذ القرن التاسع عشر أن الوهم الحسي العلمي لا يتجاوز كونه وهماً فالموجات الكهرومغناطيسية تتخللنا من كل جانب ولا نستدل على وجودها إلا بفضل معادلات ماكسويل، كما أن أينشتاين يثبت وبشكل عقلي بحت بأن المادة هي المسؤولة عن انحناء الفراغ وهذا الانحناء هو بدوره مسؤول عن سلوك المادة، وها هو ذا ميكانيك الكم يقرر أن النتيجة تسبق السببب فالوعي هو الذي يخلق الوجود.

إن الأولوية لصانع الأسطورة، فالعلم في حياة العالِم الحقيقي قصيدة شعرية تقذفها عبقريته إلى ساحة الوعي في لحظة كشف كما في حالة الشاعر أو الموسيقي أو الرسام.


من الجلسات التأسيسية لاتحاد علوم الفضاء
والفلك العربي

محتويات الكتاب
- الكونيات عند جبران.
- العلم والخيال العلمي.
- لو لم يكن القمر موجوداً.
- لو كان القمر أقرب إلينا.
- لو كانت كتلة الارض أصغر.
- لو كانت كتلة الشمس أكبر.
- لو كان محور الأرض منطبقاً على مستوي مدارها.
- لو انفجر نجم بالقرب من شمسنا.
- لو اقترب من الشمس نجم آخر.
- لو اخترق ثقب أسود الأرض.
- لو كان بمقدورنا أن نرى بالأ شعة تحت الحمراء.
- لو انقشعت طبقة الأوزون بشكل كامل.
- الآثار المستقبلية للقاء الكائنات الكونية.
- دور الرياضيات الحديثة في العلم المعاصر.
- المعلوماتية والمشروع المعلوماتي.
- ماهو الزمن؟
- التجول عبر الزمن.
- الحقيقة من منظور العلم.
- ارتحال إلى نهايات الكون.
- الكون الكوانتي.
- الحاسوب الكوانتي.
- كيف نتذوق الرياضيات؟
- خاتمة: الدماغ والكون.
- أعمال أخرى للمؤلف.

الحقيقة من منظور العلم
على الرغم من أهمية مصطلح الحقيقة فإن السبب الكامن وراء اختراعه يتجاوز أهمية المصطلح بحد ذاته.

إن مصطلح الحقيقة قائم على التفسير ولكن لماذا نحن بني البشر ننزع إلى التفسير؟ ألا تكفي التجربة للوصول لليقين. فعندما نلقي السؤال على الطبيعة فالطبيعة تجيب على قدر السؤال دون زيادة، أي دون تفسير.

يقتنع الأداتيون بالتجريب، أما ما تبقى فهو مجرد تخيلات. وحسب الوضعيين، فإن الفلسفة ليست إلا أداة لغوية، عملها ملاحقة العلم وتدوين نتائجه، وبالتالي هي فائض معلوماتي، ولكن إذا قبلنا مع الوضعية أن قصد الاكتشاف هو التنبؤ دون التفسير نكون كمن يخلط الواسطة بالهدف، فلا يعقل أن يتحدد الغرض من إطلاق مركبة فضائية بحرق الوقود.

إن الحلم والحياة الواعية من طبيعة واحدة، فإذا كانت اليقظة حالة عيانية، فإن الحلم حالة تذهنية، فالحلم بهذا المعنى تأكيد على ضرورة الفهم. فالحلم لا يتناول الجزئيات والاستغراق في التفاصيل وإنما يتناول حالة بمجملها.

إن الفهم لا يحدث على خلفية التنبؤ بل على خلفية التفسير، فالنسبية العامة توفر عدداً كبيراً من التنبؤات لكنها تقدم تفسيراً لآلية الجذب الثقالي.

يقول أينشتاين: «إن الجذب الثقالي ينجم عن انحناء الزمكان الذي يسببه التواجد الفيزيائي للكتلة».
ولكن التفسير (لماذا) يختلف عن التعرف (ماذا)، فإذا كان التفسير يقابل البساطة والتماسك والإحكام فإن التعرف يعني التعقيد والشواش والأطروحات غير المبررة.

ولما كان التفسير هو زتة الذهن الخلاق والحر فإن الحلم يوفر ساحة أوسع لتوليد الأفكار بينما الحياة اليومية تساهم في تثبيط الأفكار ولجمها. كما الأرقام الرومانية التي تحولت إلى مصادرة يومية وقفت عائقاً أمام تطور الرياضيات لأنها كانت تنطوي على حجم هزيل للتفسير.

إن التنبؤ يسبق التفسير، وعلى الرغم من أن التنبؤ يصيغ المستقبل وأن التفسير يأتي متأخراً فإنه يضيء الحقيقة. أي أنه أكثر مفهومية ومعقولية.

إن النظريات ليست آلات للتنبؤ بل آلات للتفسير، فقد يحتاج التفسير عدة نظريات تدعم النظرية المفسرة، فالنظرية النسبية نظرية كبرى، أما النظريات التالية الضرورية للتفسير فهي نظريات صغرى.

إن النظريات الكبرى تزداد عمقاً وكبراً عندما تتحدث بلغتها (لغة الرياضيات).

إن التفسير لا ينطوي على الأيديولوجية، فالكليانية خطأ والذرانية خطأ، فنحن نرتكب خطأ عندما نطرح السؤال التالي: هل تنجم قوانين الفيزياء عن البيولوجيا أو إن البيولوجيا هي التي تترتب على قوانين الفيزياء، ولكن ليست الكلية خطأ فهي تبرز عند سوية معينة على خلفية التكوين الذري للكائنات.

هل يعني التفسير أن نقبل بكل الأفكار كما يحدث في الأحلام حيث تجري سلسة تداعيات غير منطقية، رغم ذلك علينا أن نبحث عن الحقيقة في الحلم كما علينا أن نبحث عن حقيقة الحلم.


المجلس الأعلى لاتحاد علوم
الفضاء والفلك العربي في عمان، الأردن

يسعى العلماء إلى صياغة نظرية إجمالية لكل الموجودات يدعونها نظرية لكل شيء، هذه النظرية ستلغي الحاجة إلى أي نظرية أخرى، ولكن نظرية كل شيء لن تكون نهاية المطاف فلا بد أن يعقبها انزياح نحو علم جديد.

نطرح السؤال التالي : هل الاستقراء يبرر النتيجة بشكل دائم؟

الجواب: لا وهذه الأمثلة توضح ذلك:

مثال 1:
نتصور مربياً للدجاج وقد حدد ساعة معينة لتقديم الطعام إلى الدجاج. يقرر الدجاج بعد مدة صحة القانون التالي: حين تحين الساعة المحددة يأتي المربي بالطعام، ولكن المربي يأتي في أحد الأيام عند الساعة المحددة وبيده السكين لقطع أعناق الدجاج.

مثال 2:
إن العدد المربع يكون موجباً على الدوام، وعلى الرغم من ذلك يبحث الرياضيون عن الجذر التربيعي للعدد السالب.

إن الاستقراء مبني على التسلسل التاريخي، ولكن إذا كان التاريخ مجرد متتالية من المشاكل تحل وفق خوارزميات مستقلة، فإن التاريخ يُفَسَّر بشكل لا تاريخي.

إن التفسير ينكر مبدأ الأنانة الذي يقول بأن لا وجود لشيء غير الأنا، فالخارج وفق الأنانة هو الداخل وبالتالي فإن الوجود لحقيقة محلية، فالتفسير متصالح مع أن لكل جملة مادية زمانها ومكانها الخاصين.

إذا آمن شخصان بالأنانة ينهار المبدأ بشكل كلي، ولكن إذا كان هناك كائن وحيد على الأرض ماذا سيكون حال المكان والزمان له.

مازال العلم عاجزاً عن بناء معجل جسيمي بحجم المجموعة الشمسية لمعرفة كيف بدأ الكون. لذلك يلجأ العلم إلى التجربة العقلية والتي هي حلم نوعي متحرر من قيود الزمان والمكان، ولا شك أن الدهشة هي مفعّل الحلم وهي مفعّل الإبداع، ولكن أين تقع جذور الدهشة؟ هل هي دفينة في وجود مبرمج مسبقاً؟ ولكن لو كانت الدهشة مبرمجة مسبقاً لاستنفذتها الكشوف العقلية واستحالت الدهشة.

إن الوجود المبرمج يستنفذ بعدد منته من الخطوات، أما الوجود غير المبرمج فهو المسؤول عن الدهشة.

إذاً المعرفة مرهونة بعدد لا نهاية له من الخطوات، وهذا ما يعني من جهة أخرى أننا لا نستطيع أن نتوقع الخطوة التالية، فالنسبية العامة كانت لحظة خلق غير متوقعة استلت من مخزون اللانهاية.

ينتقل الإلكترون من سوية طاقية إلى سوية طاقية أخرى، أي إنه يختفي من السوية الأولى ليظهر في السوية الثانية.

كما يستطيع الإلكترون أن يمر من ثقبين في نفس الوقت ليحقق تداخلاً مع نفسه كما تفعل موجتان ضوئيتان.

يجري العلماء التجربة التالية، إحداث شقين المسافة الفاصلة بينهما بالغة الصغر (0.2 مم)، ثم يُسْقِطون فوتوناً ضوئياً واحداً فيلاحظون وميضاً على الحاجز، ولكن عندما يضاعفون الشقوق إلى أربعة، لا يمر الفوتون وتبقى الشاشة مظلمة، ويفسر الكوانتيون هذه الظاهرة على أساس تداخل الضوء، فعلى ما يبدو أن هناك فوتوناً ظل يعبر أحد الثقوب ويتداخل مع الفوتون الوحيد تداخلاً هداماً مما يؤدي إلى إظلام الشاشة.

يدعو العلماء الفوتون الوحيد فوتوناً واقعياً لأنهم يستطيعون تحسسه بواسطة التجريب، وبالمقابل فإنهم لا يستطيعون الكشف عن الفوتون الظل بالتجربة فقط، بل إن الطريقة الوحيدة للتعرف عليه هي الطريقة غير المباشرة المتمثلة بمتابعة آثار تداخله مع الفوتون الواقعي. وهذا لا ينطبق فقط على الإلكترونات والفوتونات فحسب، بل ينسحب على كل الجسيمات الأولية.

تشكل الجسيمات الواقعية بمجموعها الكون، أما الجسيمات الظل فتجتمع في أكوان متوازية تتداخل الآن وهنا مع الكون، والعكس صحيح أيضاً، حيث تكون الجسيمات الظل هي جسيمات حقيقية في أكوانها، هذا التفسير هو ما يعبر عن وجهة نظر الميكانيك الكوانتي.

إذا اعتمدنا نموذج الأكوان المتوازية، يكون لكل منا نسخة في كل الأكوان.

إن كل نسخة في كونها هي كائن فعلي وفي كل كون من الأكوان الأخرى هي كائن ظل.

هذه الأكوان تتواجد معاً الآن وهنا ولكنها لا تتكاشف، ولكن ما هو مفيد من نموذج الأكوان المتوازية هو استعادة معلومة ضرورية لشخص ما في كوننا من دماغ إحدى نسخه في كون موازٍ لكوننا عبر آلية تداخل شبيهة بالمرايا، دون أن يتحسس الأصل أو الظل عملية التداخل التي تهدف لاستجرار المعلومة، هكذا تبدو المعلومة في كوننا وكأنها خلقت من العدم.

ولما كانت الفوتونات هي الأكثر غزارة في كوننا والأكوان الموازية، فهي التي تسهم فعلياً في بناء المعلومة في أي دماغ سواء كان فعلياً أم ظلاً. لهذا السبب يكون دماغنا بصرياً.

إن تبدل المعلومات التي تحملها الفوتونات على خلفية البنية الفيزيائية الثابتة (التكوين الفيزيائي والهندسي للدماغ) يدعم نموذج الأكوان المتوازية.

نذكرعلى الهامش أن الحوسبة الكوانتية التي في طريقها إلى التحقق تعتمد الأكوان الموازية، حيث يستطيع الحاسوب الكوانتي أن يحل أية مسألة آنياً، فيما قد تستغرق الحواسيب التقليدية ملايين السنوات.

ما الذي يفعله الحاسوب الكوانتي؟ إنه يزيد عدد الأكوان حسب الضرورة وينسخ في كل كون حاسوباً ظلاً له، تعطي كل الحواسيب الظل مع الحاسوب الفعلي كل الحالات الممكنة للمسألة، وما يهم هو حالة واحدة فقط، وهذه الحالة تكون متوفرة على الدوام.

يحاول الدماغ الإنساني زلق نماذجه نحو الكمال ولكن لا يمكن الوصول إلى الكمال لاستحالة أن تنزلق الأنا إلى اللانهاية، الأنا تنطوي فقط على كمون اللانهاية.

إن الأكوان المتوازية أبعد ما تكون عن الأيديولوجيا، فالأيديولوجيا تقرر خطة محكمة تنظمها علاقات خالدة، ولكن هذا الكلام غير صحيح طالما أن هناك أكواناً تتوالد بشكل مستمر لتستوعب مزيداً من المعلومات المخلَّقة.

إن القانون الثاني للترموديناميك والذي ينص على ضرورة الازدياد التدريجي للفوضى ما هو إلا تعبير عن البدائل الظل الكثيرة في الأكوان المتوازية بالنسبة لحدث ما في الكون.

إن حلم النوم ناجم عن تداخله مع كون أو أكثر من الأكوان المتوازية، من هنا كان القول المأثور لا يخطر ذلك ولو في حلم.

إن الحلم بدون كلام يؤكد على تداخل الأكوان التي تقوم على تداخل الفوتونات (الأضواء) لذلك توصف أدمغتنا بأنها بصرية، كما أن الإسقاط في علم النفس لا يحدث إلا في ذروة تداخل الأكوان.

يكون الإسقاط مألوفاً بالنسبة لعالمنا لأن المعلومات في مختلف الأكوان تكون متقاربة من بعضها البعض والفروقات بينها طفيفة.

نستنج مما سبق أن العالَم هيولى (غير متعين)، وأن ارتطامه بالوعي هو الذي يخلق العالم، أي الأكوان المتوازية.

لا يمكن للإبداع أن يتحقق إلا في الهواء الطلق، عندما يتحرر من أسر القيود الاجتماعية، لذلك يبدأ الحلم في النوم، أي عند غياب الواقع وقد تحرر من قيوده.

وما اللاشعور الجمعي الذي تحدث عنه يونغ إلا تعبير عن الأكوان المتوازية، لذلك كانت الأحلام كما الموسيقى، مستحيلة التفسير في المصطلحات المتداولة.

وهكذا تسهم الأحلام في تحقيق الذات بتوفير المزيد من الأكوان غير المقيدة، أما عالم اليقظة فهو المسؤول عن تغييب الأفكار الجديدة المحتواة داخل أحلامنا والتي هي زتة من زتات الأكوان المتوازية.

ما هي الحقيقة الافتراضية؟
ينقل الشخص لمحيط الحقيقة الافتراضية بواسطة مجموعة من الأدوات المعقدة التي تقودها حواسيب مبرمَجة، تؤثر في حواس ذلك الشخص.

نحتاج تكنولوجيا لكل شخص، ذلك لأن كل جهاز عصبي عتبة إحساس مختلفة وبالتالي لا بد يخلق له عالم خاص، هذا العالم هو الحقيقة الافتراضية.

إن العالَم الطبيعي كما العالَم الصنعي، عندما يصطدم بالجهاز العصبي مع فارق أساسي يبرز عند الحديث عن العالم الصنعي، فهذا العالم متقطع ومنتهٍ، إذ يستحيل أن ينطوي على ذخيرة غير منتهية من الإثارات كما في حال الإثارات التي توفرها الطبيعة، فالإثارات الطبيعية غير منتهية لأن الإثارة التالية غير مبرمَجة وبالتالي غير متوقعة.

إن العالَم الطبيعي مبرمَج ومنظّم وقد يظن المبحِر في محيطه إن دقائق قليلة قد مرت بينما قد يكون الزمن المنقضي عدة سنوات، ويكون السبب بطء الكمبيوتر في تقدير ردود الأفعال، ولكن بالمقابل لا يمكن لحالة انعدام الوزن أن تمثل في العالم الصنعي المرتكز على الحقيقة الافتراضية، ولابد من القيام بتجربة انعدام الوزن بشكل فعلي، نستنتج من ذلك أن الخبرات التي تغطيها الحقيقة الافتراضية هي خبرات محدودة، فالحقيقة الافتراضية توفر فقط الخبرات الخاصة بمحيط فيزيائي محدد، مثلاً في إطار الحقيقة الافتراضية لا نستطيع تجاوز سرعة الضوء، وما يتم استنتاجه إنه على الرغم من وجود بنيوية موضوعية فإن ما نتعامل معه هو حقيقة افتراضية تصنعها حواسنا.

فالتفكير المجرد والرياضيات أنماط لحقائق افتراضية لا يمكن جرها إلى العالم الصنعي لأننا لا نستطيع على سبيل المثال حصر الأرقام بين الصفر والواحد.

تخضع الحوسبة والمعلوماتية إلى مبدأ تورنغ والذي يقوم على وجود حاسوب مجرد يضم مخزونه كل التفاصيل الخاصة بأية عملية حوسبة ينجزها أي تشكيل فيزيائي، وبالتالي يكون مبدأ تيورنغ مولداً للحقائق الافتراضية حيث يستطيع محاكاة كل محيط فيزيائي يبنى على هذا المبدأ، حيث لا توجد فيزياء خاصة بالحياة، فالفيزياء العادية هي فيزياء الحياة، المهم هو بقاء المحيط من أجل استمرار عملية المعرفة.

لنطرح الأسئلة التالية:
1. هل الحياة هي العامل المستقبلي الأهم؟
2. هل الحياة مسؤولة عن خلق البنى الرياضية؟
3. هل يتأثر الإنسان بالرياضيات برد فعل هو البرهان؟
4. هل الكائنات الرياضية موجودة فعلاً وإذا كانت موجودة فأين مكان وجودها؟ وهل نتحسسها بسبب الفعل ورد الفعل؟
5. هل الرياضيات تقدم ما هو أكيد؟

برهن غودل على استحالة برهان صحة كل النظريات الصحيحة ضمن بنية رياضية موضوعاتية معينة، وبالتالي لابد من توسيع البنية الموضوعاتية، وهنا تنشأ مسلمات (موضوعات) جديدة نقبل بها بدون برهان، وبالتالي لابد من توسيع جديد غير مبرمج إلى ما لانهاية، وهكذا تكون عشوائية الوجود ضمان لاستمرار الرياضيات.

إن الحقيقة انفعال من انفعالات المعرفة، فالصح ليس بدوره مطمحاً، إذ لا توجد مرجعية للانفعال إلا مرجعية الآن، ولكن الآن تكرر ذاتها رغم تقدمها.

فالتجديد جزء من طبيعة الآن، فعلينا الانتقال من آن إلى آن؛ إن الفطرة السليمة تعيد صياغة الآن، ولكن - كما يقول أينشتاين - تعجز هذه الصياغة عن تحقيق الرضا الداخلي الذي ينشده الباحث في سعيه إلى التفسير.

إن الطبيعة الاحتمالية للميكانيك الكوانتي تحجب عنا التحديد الدقيق، حيث تقوم الطبيعة الاحتمالية على التداخل المستمر للأكوان، ماذا لو أخذنا قطعة نقد في كوننا وأخذنا نقذفها دون توقف، ستتكاثر الأكوان دون حدود لاستيعاب الأحوال المتتالية لقطعة النقد وهذا ما يؤدي بدوره لعدم التعيين.

إن السببية وهم لأنها تقوم على القطع وباتجاه وحيد في الأكوان المتوازية، إذ تهمل كافة المحتويات الأخرى للكون.

يقول أينشتاين إن المكان والزمان هما نمطان من أنماط الإلهام الذي لا ينفصل عن الإدراك. إذ لم يكن هناك زمن قبل ولادة الكون، وبعد ظهور المادة تخصصت كل هباءة كونية بزمن ذاتي لها، ترافق بروز القوى الكونية بانبثاق زمن لكل قوة، إن زمن القوة تعكس الأزمنة المتباينة للهباءات الكونية.

إن الأكوان المتوازية تفترق عن بعضها بإزاحات طفيفة.

نتخيل إسقاطاً من كون إلى آخر، تنتهي عملية الإسقاط عند لحظة في الكون الأكثر تقدماً أو تخلفاً.

وفي عملية الإسقاط هذه ينتقل الراصد في الكون الأول من زمن إلى آخر، وفق هذه الرؤية يتحول الارتحال عبر الزمن من الخيال العلمي إلى الواقع الفعلي.

إذا كانت الحقيقة انفعالاً فلن يكون هناك رضا داخلي مبرمَج على تفسير نهائي، ذلك لأن التفسير لقطة ضيقة في الكون، أما التكاثر الدائم للأكوان فيكفل بقاء حالة قلق المعرفة.

المعلوماتية
يؤدي هبوط جسم من مكان مرتفع إلى زيادة الطاقة الحركية للجسم. يمكن الاستفادة من هذه الطاقة لتأدية عمل نافع كرفع جسم إلى الأعلى، نسمي هذه الطاقة بالطاقة الكامنة، والتي يمكن تعريفها أنها الإمكانية الأكيدة لتفعيل إنجاز حقيقي.

إن النشاط المعلوماتي الورقي لا يتطلب إلا خبرات تنظيمية محدودة، بمعنى آخر توضيع المعلومة والعودة إليها عند الحاجة.

لقد اختزل النشاط المعلوماتي الحاسوبي حجوم التخزين، وزاد في سرعة الوصول إلى المعلومة.

إن تصميم البنى المعلوماتية مسألة رياضية صرفة، فالمنطق الرياضي هو الذي يقف وراء النشاط المعلوماتي.

يوجد تماثل بين الحيز الحاسوبي والحيز الورقي من حيث الجاهزية، فالمعلومات المخزنة تكون جاهزة في أي وقت لكن المكتبات الحاسوبية أقل حجماً من المكتبات الورقية، ولكن الدماغ شيء آخر.

يستطيع الدماغ تخزين المعلومات على أساس انتقائي، إننا نجهل آلية التخزين ومعاييره وأمكنته، وكل ما نعرفه هو أن تكرار المعلومة يؤدي لحفظها، وإن مراكمة المعلومات تفقدها الجاهزية، فنحن لا نتذكر كل شيء عند أي لحظة، لكن الدماغ يدفع إلى السطح المعلومات الضرورية لدى بروز الحاجة إليها، ثم إن الدماغ قد يطور أساليبه، فبدلاً من حفظ المعلومات يقوم بتخليق المعلومة في اللحظة المناسبة.

لكل ظاهرة فيزيائية كمون خاص بها، كذلك للمعلوماتية كمون خاص بها هو كمون الإنجاز الواعي، فالمعلوماتية هي إمكانية التحكم بكميات كبيرة من المادة والطاقة عن طريق توظيف كميات قليلة من المادة والطاقة، فالصاروخ الذي يحمل المركبة الفضائية يجري تشغيله والتحكم به من قِبَل برامج معلوماتية تُخَزّن في أقراص وأشرطة.

إن التلوث هو المشكلة الكبرى التي تواجه المدنية المعاصرة ولا نستطيع أن نتخلص من هذه المشكلة إلا إذا تحولنا إلى الصناعة الصغائرية، أي الهبوط بحجم المنتجات والآلات إلى حد سويات الذرات والجزيئات.

تستطيع المصانع الصغيرة تأمين المكونات الدقيقة لتلك المنتجات، ولكن المشكلة في تجميع المكونات، نطبق تقنية متقدمة في الأتمتة الصغائرية، في هذه الحالة يبرمج المنتج الكبير وفق سويات طاقية كثيرة العدد، حيث يتم دفع كل منتج صغائري إلى سوية طاقية محددة، وكما تتحرك الإلكترونات من سوية طاقية لأخرى وفق ظاهرة النفقية، أي تختفي من سوية طاقية لتظهر في سوية أخرى، كذلك تتحرك المنتجات الصغائرية وفق السويات الطاقية التي وضعت فيها أثناء عملية إنتاجها إلى السويات التي يجب أن تحتلها، بنفس الآلية يمكن تفكيك المنتجات الكبيرة والمواد الملوثة عند انتهاء الغايات المرجوة من استخدامها.

حتى يحين ذلك الوقت يمكن نقل أدوات الإنتاج الملوثة إلى كوكب المريخ وإدارتها معلوماتياً من كوكب الأرض.

هل تستطيع المعلوماتية أن توحد كل العلوم؟
إن البروتينات هي العناصر الرئيسية التي تتحكم بالنشاطات الطاقية المنخفضة، تتكون البروتينات من الحموض الأمينية، يبلغ عدد الحموض الأمينية عشرين حمضاً أمينياً، وهي الأبجدية الأساسية للحياة، حيث يعرف الأنزيم بأنه البروتين الأكثر أهمية.

تحوي سلسة الأنزيم 300 حرفاً من حروف أبجدية الحياة في المتوسط، يضم الأنزيم فجوة تدعى الموقع الفعال.

يقوم الأنزيم بدور تنشيط تفاعل كيميائي ما يبدو في الظروف العادية مستحيلاً.

إن بعض المركّبات الكيميائية ذات البنى الهندسية الملائمة للتكوين الهندسي للأنزيم تتوضع في فجوة الأنزيم مما يزيد من احتمال التفاعل.

ولكن بعد إنجاز التفاعل تصبح البنى الهندسية للمركّبات التي دخلت في التفاعل غير ملائمة للتكوين الهندسي للفجوة، لذلك تنفصل المركّبات الناتجة عن الفجوة مبتعدة عنها، وتصبح الفجوة جاهزة لاستقبال تفاعل جديد.

إن لكل إنزيم تفاعل خاص به، تحتاج أبسط التشكيلات الحية لإنجاز التفاعلات الكيميائية الضرورية أكثر من ألفي أنزيم، أما في التشكيلات الحية المعقدة كالإنسان فإن عدد سلاسل الحموض الأمينية الضرورية يرتفع نحو مئة ألف.

ماذا لو اجتمعت الأحرف العشرون لأبجدية الحياة من أجل تكوين إنزيمات تضم السلسة منها حوالي 300 حمض أميني، سينتج 10300 أنزيم مختلف، وهذه الأنزيمات تساهم في الإبقاء على التفاعلات الضرورية التي تساعد الخلية على مواجهة الظروف المتبدلة.

ما يمكن استخلاصه أن المحتوى المعلوماتي للكائنات البسيطة 1054000 وللبشر 1027000000.

ولكن ماذا عن المحتوى المعلوماتي للكون؟
إن نسبة المسافة التي تفصلنا عن أبعد مجرة في الكون إلى قطر الذرة هي من القدر 1040، لنلاحظ الفارق بين رقم الكون ورقم الحياة، لنستنتج أن المحتوى المعلوماتي للكون 1040.

تدين الذرة ببقائها لمبدأ هايزنبرغ في الريبة الذي ينص على إنه لا يمكن تحديد موقع الإلكترون وسرعته في آن واحد، إما موقعه أو سرعته. إذا اقترب أحد الإلكترونات من نواة الذرة فإنه يتموضع وبالتالي يزداد اليقين بتأكيد موقعه بينما تنتشر القيم التي يمكن أن تأخذها سرعته على طيف واسع من الأعداد. وهكذا يبتعد الإلكترون عن النواة وتحافظ الذرة على وجودها، ومن جانب آخر يبقي الجذب الثقالي على الترابط القائم بين أجزاء الكون، فالجذب الثقالي ومبدأ هايزنبرغ يلعب دوراً أساسياً في بقاء الكون الفيزيائي واستمراره، هذا الاستمرار تؤكده التجربة الرصدية.

ما هو جدير بالذكر، أن المحتوى المعلوماتي للحياة - أو قل لأبسط أشكال الحياة - هو أهم ما يتفتق عنه الكون الفيزيائي.

هكذا توحد المعلوماتية العلوم بأن تربط كل علم بأرقام وأعداد محددة عوضاً عن صياغة النظريات الخاصة بكل علم، ويمكن نحت قوانين خاصة لمعالجة الأرقام والأعداد المختلفة الممثلة للمحتويات المعلوماتية واستنتاج ما يلزم عنها بما يخص كل علم.

نقبل بالمبدأ التالي: إن ضرورة استمرار الحياة مرتبط بالزاد الكوني ألا وهو الفحم، والذي يقدر بحوالي 1050 غرام من الفحم، إنه رقم صغير جداً أمام المحتوى المعلوماتي للحياة، نعدل الرقم بإقحام عدد البروتينات والنترونات والإلكترونات والكواركات فيصل العدد تقريبا إلى 10100 ويبقى الرقم صغيرًا بالمقارنة مع المحتوى المعلوماتي للحياة.

نظراً لاستحالة متابعة حركة ذرة واحدة، أبدع العلماء قوانين إجمالية لمعالجة فيزياء الحرارة. وبالمثل لعدم وجود معلومة معزولة منفردة، ولأن المعلوماتية ظاهرة شمولية، لجأ العلماء إلى صياغة قوانين إجمالية للمعلوماتية تقابل القوانين الإجمالية الخاصة بفيزياء الحرارة.

القانون الحراري صفر: تنسلب الحرارة من الساخن إلى البارد وتصبح درجة الحرارة واحدة عند بلوغ التجانس الحراري.

النظير المعلوماتي: تؤول أية منظومة معلوماتية إلى التفكك والاندثار، عندما تستقر الكرة على الطاولة تتبدد المنظومة.

القانون الحراري الأول: الحرارة شكل من أشكال الطاقة وهي بذلك تخضع لقانون انحفاظ الطاقة.

النظير المعلوماتي: المعرفة + الفوضى = ثابت.

القانون الحراري الثاني: لا تسمح الطبيعة بتحول الطاقة من شكل إلى آخر إن لم يترافق ذلك التحول مع ازدياد الفوضى، مع العلم أن كل الأجسام الكونية تدور حول بعضها البعض بسبب تنازع هذين القانونين، قانون الجذب الثقالي وقانون ازدياد الفوضى.

النظير المعلوماتي: لا تبلغ أية منظومة معلوماتية حد الكمال فهي تقترن بهامش من الفوضى بسبب ازدياد الأنتروبي.

القانون الحراري الثالث: لا يمكن الوصول إلى درجة الحرارة المطلقة (- 273 تحت الصفر) وتسمى درجة الصفر المطلق.

النظير المعلوماتي: لا يوجد حد فاصل بين المنظومات المعلوماتية وبين المنظومات الفيزيائية.

ماذا نستنتج: يتناقص المحتوى المعلوماتي لمنظومة معينة بمعدل كبير بسبب الازدياد العفوي للأنتروبي في الكون، ولكن يمكن تجاوز هذه العقبة بحقن المنظومة المعلوماتية بالمعلومات على الدوام وهذا ما يتطلب إرادة هادفة لإنجاز عمل بناء.

الكون الكوانتي

يحاول العلماء إسقاط الميكانيك الكوانتي على الكون بأبعاده الكبيرة.

نتطرق إلى التعاريف التالية:

1. دور الموجة هو الفاصل الزمني بين مرور ذروتين متتاليتين.
2. تدعى المسافة الفاصلة بين هاتين الذروتين طول الموجة.
3. طول الموجة = دور الموجة ضرب سرعة انتشارها.
4. كلما زاد طول الموجة انزاح لونها باتجاه الأحمر.
5. ينص قانون هبل على أن الانزياح نحو الأحمر = ثابت ضرب بعد المصدر.

إذا ابتعد مصدر الموجة عن أداة الرصد ازداد دور الموجة وازداد معه طولها بسبب ثبات سرعتها المساوية لسرعة الضوء.

يستطيع العلماء بمقارنة الأطياف حساب الانزياح نحو الأحمر لأية موجة كونية مهما كان مصدرها.

بينت الأرصاد بأن معظم الموجات القادمة من الكون تبدو منزاحة نحو الأحمر، أي أن الكون يتمدد وبالتالي انطلق من انفجار بدئي أولي.

يغير الميكانيك الكوانتي منظورنا عن الذرة فتحل سويات الطاقة محل المدارات وبالتالي يمكن لأي إلكترون أن يحتل أي سوية طاقية وفق احتمال معين.

لا يستطيع الإلكترون أن يتجول بين السويات الطاقية، بل هو مقيد في سوية طاقية محددة، من هنا أتى مفهوم التكميم، لذلك عندما ينتقل الإلكترون من سوية لأخرى فإنه يختفي من سوية المنطلق ليعود إلى الظهور في سوية الهدف بما يعرف بالقفزة الكوانتية.

يقول العلماء بأن الانزياح إلى الأحمر على مستوى الكون يعتبر خاصة فيزيائية تتعلق بالمجرات ذاتها وليست متعلقة بهندسة الكون أو بظاهرة دوبلر.

بينت الأرصاد بأن القفزة في الانزياح نحو الأحمر بين الأذرع اللولبية للمجرة هو 72 كيلو متر في الثانية، فلو كان الانزياح وفق ظاهرة دوبلر يجب أن لا تظهر قفزات على الإطلاق بل يظهر التغير في الانزياح نحو الأحمر مستمراً. ولكن ظهور فكرة القفزات يعني تأكيد فكرة التكميم على مستوى الكون.

إذا كان ذلك صحيحاً، فهل ستختفي مجرة من سوية طاقية لتعود وتظهر في سوية أخرى؟

تأملات

لو لم يكن القمر موجوداً

هناك فرضيات عديدة لتشكل القمر، ولكن أكثر فرضية مرجحة أن الأرض ولدت بلا قمر. بعد حوالي مئتي مليون سنة من ولادتها اصطدمت بجسم بحجم المريخ وتناثر الجسم إلى شظايا واشتعلت الأرض لعدة مئات من آلاف السنين. تجمعت الشظايا بعد ذلك وكونت القمر. كان القمر قريباً جداً من الأرض وأخذ يبتعد تدريجياً.

تتبادل الأرض والقمر التأثيرات بشكل مستمر. فالقمر يبطئ حركة الأرض والأرض تشوط القمر.

لقد كان القمر عند تشكله على بعد حوالي 60 ألف كيلو متر، وهو الآن على بعد 380 ألف كيلو متر، وبعد 60 مليون سنة سيفلت القمر من جاذبية الأرض.

أما الأرض فقد كان يومها ست ساعات، ويومها الآن 24 ساعة وسيصل بعد 60 مليون سنة إلى 68 ساعة.

يعتقد بعض الباحثين إن القمر يوثر في الغدة الصنوبرية، لذلك يلجأ بعض البوذيين للوقوف تحت القمر لكي تشد غدتهم الصنوبرية والتي هي برأيهم مسؤولة عن الذكاء.

يؤثر القمر في حركة الرياح على الأرض وفي حال عدم وجوده تبقى الرياح أفقية كما هو الحال في كوكب المشتري.

إن شدة الرياح كانت ستمنع تطور الأوراق الصفيحية للأشجار وستفسح المجال لنمو الأوراق الأبرية، وستتطور أشجاراً بثلاثة جذوع على الأقل لمقاومة الرياح.

كما إن الغابات لن تعيش بسلام لأن الرياح الأفقية لن تتركها تتجمع كما هو الحال على كوكبنا.
إن الرياح ستمنع النباتات من متابعة الحركة الظاهرية للشمس، لذلك ستبذل النباتات طاقة حركية كبيرة جداً لكي تمتد للأعلى وستستعيض عن ذلك بتطوير أوراق أسطوانية.

كما ستمتلك معظم الكائنات عضلات قوية جداً لتأمين الوظائف المعتادة كالتنفس والطيران، وفي حال الطيران ستلجأ معظم الكائنات إلى تطوير مخالب بهدف التشبث.

لو لم يكن القمر موجوداً، لكان انتقال الحياة من المياه إلى اليابسة بطيئاً لأن القمر هو الذي يسبب حركتي المد والجزر.

إن اليوم القصير على أرض بلا قمر سيؤدي إلى تغيير الساعات البيولوجية وستوزع نشاطات اليوم الواحد على عدة أيام.

إننا قمريون لذلك ساعاتنا البيولوجية موقتة على اليوم القمري، ومنهم من يقول أن الدورة الطمثية عند المرأة مرتبطة بالقمر.

يسيء الهبوب القوي للريح إلى وظيفة السمع لذلك لابد لنا أن نتخيل أذناً تتحرك لقصد معين كما نتخيل دماغاً طور أداة تنقية للضجيج كما في آلات التسجيل. وقد تلجأ الكائنات إلى الإيماء بدلاً من التصويت، ولكن قصر النهار يجعل هذه الآلية غير فعالة، وقد تستخدم الكائنات الإضاءة، يوجد على الأرض كائنات تتبادل المعلومات بواسطة الضوء، ولكن على الأرجح سيتم تطوير حاسة التخاطر التي سوف تتغلب على وظيفة تبادل المعلومات.

لن توجد على الأرض بلا قمر الكائنات التي تحتاج إلى القمر، كما لن توجد كائنات متسلقة لأن الأشجار لن يكون بمقدورها أن تتحمل التسلق، إذ قد تقلبها الرياح القوية.

لن يكون هناك أحداث كسوف وخسوف وستتأخر ولادة العلوم الكونية لأن التسلسل الكوني بدأ من الشمس فالقمر فالزهرة ثم المجموعة الشمسية، وقد يخف الحماس لغزو الفضاء بسبب عدم وجود هدف قريب يمكن الوصول إليه.

ولكن ماذا سوف يحل بفيروز التي ارتبطت أغانيها بالقمر (نحنا والقمر جيران)؟


من إحدى ليالي الرصد الفلكي

لو اخترق ثقب أسود الأرض

تتنازع أي نجم قوتان متصارعتان: الجذب الثقالي من جهة وكل قوى الطبيعة منفردة أو مجتمعة من جهة ثانية، وتحاول هذه القوى وقف الانهيار الثقالي، لكنها تفشل إن كانت كتلة النجم أكبر بثلاث مرات ونصف من كتلة الشمس.

هل نستطيع أن نتصور بأن حجم النجم يمكن أن يصل إلى الصفر، أي تتجمع كميات هائلة من المادة في نقطة أبعادها صفر، أي تصبح كثافة المادة لا نهاية، هذا ما يسمى الثقب الأسود، وأي جسم يدخل أفق الحدث للجسم الأسود يصبح جزءاً من الثقب الأسود لا يمكن الإفلات منه.

إن الكثافة النظرية للمادة داخل الثقب الأسود تصل حتى اللانهاية وسرعة الإفلات منه تساوي سرعة الضوء.

لا يمكن لأي جسم أن يغادر الثقب الأسود ولا حتى الضوء، لذلك فالثقب الأسود لا يعلن عن موقعه.

لا نستطيع اكتشاف الثقب الأسود، ورغم ذلك استطاع العلماء اكتشاف عدد من الثقوب السوداء بشكل غير مباشر في مجرة درب التبانة.

يقع أقرب ثقب أسود من شمسنا على بعد 16000 سنة ضوئية، دليلنا على وجود ثقب أسود هو الأشعة السينية المنطلقة من المادة المتسارعة نحو الثقب الأسود.

تخرج الأرض عن مدارها جراء اقتراب ثقب أسود منها وبعد ذلك تتمزق الأرض تماماً عندما تصبح الأرض على بعد مليون كيلومتر منه.

يستطع الجنس البشري توليد الطاقة من الجسيمات الوهمية في جوار الثقب الأسود والتي تتحول بتأثير هذه الثقوب إلى جسيمات حقيقية، بهذه الطريقة تخسر الثقوب السوداء الطاقة الثقالية وتتبخر في النهاية.

إن الثقب الذي سوف يخترق الأرض هو ثقب من نوع خاص يسمى الثقب الأسود الأولي، وهو إلكترون تعرض أثناء ولادة الكون إلى ضغوط شديدة، فخضع إلى قوة جذبه الثقالي فقط، فإذا اقترب ثقب من هذا النوع من الأرض، فإن العلماء سوف يعجزون لأنه لا يطلق أي كمية من الطاقة، لذلك لن يعلم أحد بوجوده إلا على ارتفاع عدة أمتار من سطح الأرض، في كل سنة ضوئية مكعبة يوجد ثقب أسود أولي واحد.

يصطدم الثقب الأسود الأولي بالأرض ويعبرها في أقل من خمس دقائق فهو لا يستطيع ابتلاعها نظراً لصغر كتلته.

تأخذ شظايا الأرض والقمر بالدوران حول الشمس، وقد يصبح الثقب نفسه تابعاً للشمس.

لو انقشعت طبقة الأوزون بشكل كامل

يتكون جزيء الأوزون من ثلاث ذرات من الأوكسجين، تتوزع جزيئات الأوزون بين الارتفاعين 25 كم و50 كم فوق سطح الأرض.

عندما تسقط دفقة من الأشعة فوق البنفسجية على الأرض، فإن طبقة الأوزون تمتصها، في هذه الحالة تتفكك جزيئات الأوزون ثم تعيد الدفقة التالية من الأشعة فوق البنفسجية تشكيل طبقة الأوزون المفككة وهكذا دواليك.

بالنتيجة فإن الكمية من الأشعة فوق البنفسجية القاتلة التي تصل إلى سطح الأرض تبقى محدودة بسبب تكرار تفكك وتشكل الأوزون.

إن بعض الغازات مثل الكلوروفلوروكربون تساهم في إبطاء تشكل طبقة الأوزون مما يزيد فرصة وصول كميات متزايدة من الأشعة فوق البنفسجية القاتلة إلى الأرض، ونحن نعلم بثقب الأوزون المتواجد فوق القطب الجنوبي.

إذا أصاب الغلاف الجوي نقص بنسبة 25 % من كمية الأوزون، فإن ذلك سوف يدمر السلسلة الغذائية في المحيطات، أما على اليابسة فسوف تكثر الحروق والطفرات وإصابة العيون بالماء الزرقاء كما تنخفض المناعة عند أعداد كبيرة من البشر، يتباطأ التفاعل اليخضوري في النباتات ثم يبدأ الأوزون بالتكون عند سطح الأرض بسبب تسرب الأشعة فوق البنفسجية ويبدأ الطقس بالتغير نحو الأسوأ.

في الأحوال العادية تنخفض درجات الحرارة كلما ارتفعنا إلى أعالي التربوسفير وهي أقرب طبقات الغلاف الجوي إلى سطح الأرض، وعلى العكس تزداد درجات الحرارة في طبقة الستراتوسفير التالية مع ازدياد الارتفاع، بسبب امتصاص الأوزون بشكل كامل يستمر الهواء البارد بالصعود مخترقاً طبقة الستراتوسفير ويؤدي ذلك لإحداث تغيير جذري في طبقة الأوزون.

إن مستقبل الأرض مرهون بالحفاظ على طبقة الأوزون.

خاتمة
الدماغ والكون

لنرصد بنية الضوء وطبيعته، فقد ذهب نيوتن إلى أن الضوء يتكون من حبيبات صغيرة تتحرك وتصطدم فيما بينها خاضعة لقوانين الميكانيك، أما هايغنز فقال إن الضوء هو اضطراب موجي كما في حالة الأمواج التي تنتشر على سطح الماء، وكانت التجارب تأتي بمفارقات كبيرة، فتارة تؤيد نيوتن وتارة تدعم هايغنز.

إلى أن أتى القرن العشرين فخرج دوبريل بنظرية مفادها أن للضوء طبيعتان في آن واحد، الطبيعة الجسمية والطبيعة الموجية معاً.

إن للدماغ طبيعتان:
1 – البنية التشريحية النسيجية المكونة من عصبونات وألياف واصلة وجزيئات كيميائية تنتقل بين فتحات الوصل.
2 – المشاعر والأفكار والوعي.

فكما في نظرية دوبريل، إذا تعاملنا مع الواقع الزماني المكاني المحدود برز أمامنا الدماغ التشريحي، وإذا غصنا إلى العمق الإنساني وجدنا العواطف والمشاعر والأفكار، ولكن لا نعرف ما هي الأبعاد التي تنطوي عليها العواطف والأفكار والمشاعر.

لنطبق مبدأ هايزنبرغ على الدماغ والذي ينص على أننا لا نستطيع أن نحدد مكان وسرعة الإلكترون بنفس الوقت إما سرعته أو مكانه، فنرى إنه من المستحيل أن نتعامل في وقت واحد مع الوظائف الفكرية للدماغ وبنيته التشريحية.

حيث لا توجد مناطق متخصصة بشكل مطلق في الدماغ، وإن الأفكار تتوضع في أي مكان فيه فالكل يؤثر في الجزء والجزء يؤثر في الكل.

إن حواسنا هي إحدى مصادرنا لمعرفة الكون، وهي تغيير من المنبهات الواردة وفق كيانها الخاص، وهي تقدم لأجهزتنا العصبية معلومات مغايرة عن حقيقة العالم كما هو.

إن الازدواجية تشمل جميع الظواهر، فالضوء موجة وجسيم، والكون مادة وطاقة، والدماغ بنية تشريحية وأفكار. إننا نريد معرفة العالم بشكل كامل ولكننا لا نلتقط إلا لقطات قليلة منه، كيف سنعرف العالم بشكل كامل عبر أجزائه التي تظهر لنا بشكل معدل ومخالف لحقيقتها؟ يأتي الحل عن طريق الرياضيات، فعندما نصوغ نموذجاً رياضياً يحاكي حقيقة الظاهرة الفيزيائية فإننا نقترب من جوهرها، فقانون أرخميدس في دفع السوائل نقل الإنسان إلى البحار وجعل منه كائناً مائياً، واكتشاف قانون الثقالة حوّل الإنسان إلى كائن كوني قادر على تخطي جاذبية الأرض وإطلاق المراكب الفضائية لاستكشاف العوالم المجهولة.


المهندس فايز فوق العادة
في إحدى ليالي الرصد الفلكي

ربما يعترض معترض فيقول: لا كمال في النماذج الرياضية، وإن مبدأ هايزنبرغ هو العقبة التي تقف أمام كمال النموذج الرياضي، يفسر بعض المفكرين هذا المبدأ على أنه تعبير عن تغيير هذا العالم، ذلك التغيير الذي نصنعه بأدواتنا عند اقترابنا من الظاهرة الفيزيائية ومحاولتنا معرفته بشكل تجريبي.

إن تعميم مبدأ هايزنبرغ هنا يفشل، فالنماذج الرياضية تستطيع رغم محدوديتها أن تقيس مقدار التغير الذي نحدثه في العالم لدى محاولتنا معرفة العالم، وفي المستقبل ومع تحسن الأدوات الرياضية سيتحسن القياس حيث نستطيع بدقة قياس التغيرات التي نحدثها في العالم عندما نحاول معرفتها.

إن النظرية النسبية العامة تصف ظاهرة التجاذب الثقالي بشكل يصل لحد الكمال من خلال النموذج الرياضي الذي تقدمه، ولكن ماذا سيحل بمبدأ هايزنبرغ إذا استطعنا أن نصبح بحجم الجسيمات الأولية أو بحجم ثقب أسود حيث نواجه إلكتروناً بشكل مباشر، هنا سينهار مبدأ هايزنبرغ.

كتاب «منعطف الرياضيات الكبير»، شذرات من فكره

الرياضيات نهج حتمي في معرفة العالم

هل يمكن أن يشهد العالم عودة إلى الديكارتية (أنا أشك إذاً أنا موجود)، ألا يوجد يقين مطلق أو مراجع ثابتة تكون السلم الذي يصعد عليه الفكر لصياغة القوانين.

هل الرياضيات هي البديل عن الشك، هل هي اللحن المتسامي المطلق في حد ذاته والذي يعزف الأنغام الأزلية الأبدية.

ولكن ما هو الشيء الأسمى من الحقيقة؟ إنه نسبية الحقيقة.

لقد دخل العلم، ومعه المعرفة بشكل أعم، دوامة الشك منذ مطلع القرن العشرين.

فقد قلبت الفيزياء الموازين رأساً على عقب، إذ أن هناك حدوداً تحول دون اكتشافنا الواقع اكتشافاً مطلقاً، وذلك ليس نابعاً من محدودية إمكاناتنا، بل إن تلك الإمكانات إذا تعاظمت يكون أثرها في الواقع أعمق وأعظم، ولكن للأسف إن التدخل بالواقع يغير من ذلك الواقع قبل الولوج إلى جوهره.

إننا نعيش مأزقاً حقيقياً هو أننا لن نستطيع الذهاب بعيداً في الفهم الموضوعي للعالم بشكل مستقل عن ذواتنا، إن الواقع يخرج لنا بصورة ما كلما اقتربنا منه غيَّر من صورته، إن الإلكترون يدور حول النواة ولكن محاولة اللقاء بالإلكترونات تصيبنا بصدمة حقيقية: ليس هناك إلكترون يدور، فقط هناك سحابة حول النواة يحتمل أن يوجد فيها الإلكترون، وإذا أردنا أن نلتقي الإلكترون في تلك السحابة باءت جهودنا بالفشل لأن السحابة هي سحابة رياضية الطابع، وكلما أصررنا على لقاء الإلكترون فإننا بواسطة أدواتنا ندفعه إلى موقع آخر، إن جهودنا مصيرها الفشل، ولن نكاشف الإلكترون في موقعه الحقيقي.

يطرح العلماء السؤال التالي: ما هو الإلكترون؟ هل هو جسيم، إذا كان جسيماً لماذا لا تتدافع أجزاؤه بسبب تماثل شحناته الكهربائية، ونحن نعلم إن الشحنات السالبة تتوزع بشكل متجانس على كل أجزائه، إذاً ليس بجسيم.

ما هو الإلكترون إذاً ؟ يقول بعض العلماء أنه يتألف من ثلاث جسيمات أصغر هي الكواركات، ولكن ما هو الكوارك؟ ولنفرض أننا عرفنا طبيعة الكوارك، ماذا بعد الكوارك؟ ما الذي يقف وراء وجود الكوارك، على ما يبدو إننا نتجه باتجاه اللامعنى.

حسب مبدأ بوهر في الفيزياء الحديثة، لا يملك موضوع البحث أي صفات مستقلة عن الجملة المعدة لسبره. نحن لا نستطيع لقاء الإلكترون ولا ندري ما هو، وإذا حاولنا معرفة طبيعته برزت أمامنا مشكلة أخرى، ما هي طبيعة مكوناته؟

عندما يغادر الإلكترون مداراً من ذرة ليستقر في مدار آخر لا يفعل ذلك وفق سلسلة عمليات، بل يختفي الإلكترون من مداره الأصلي ثم يعود للظهور في المدار الجديد، أما بين المدارين فلن نجد أثراً لحركته.

الإلكترون إذاً ليس جسماً فقط، بل له طبيعة مزدوجة، فالإلكترون والأجسام الأولية الأخرى لها طبيعة موجية وجسيمية في آن واحد.

لنحتكم إلى التجربة، ففي تجربة الثقبين مثلاً نثقب أحد الحائطين بثقبين قريبين من بعضهما ونغلق أحد الثقبين ونطلق رصاصات من الثقب الثاني فنلاحظ أن الرصاصات تجمعت على الحائط الثاني في مقابلة الثقب الأول.

نعيد التجربة باستخدام الإلكترونات فنحصل على نفس النتيجة، أي أن الالكترونات تصرفت كما يتصرف الجسم المادي في حركة الرصاصة.

نعود إلى الحائط الأول ونفتح الثقبين ثم نطلق الرصاصات فنلاحظ ما يلي: لقد تجمع أكبر عدد ممكن من الرصاصات عند النقطة المقابلة لمنتصف المسافة بين الثقبين، وتجمع عدد أقل في النقاط المجاورة.

ندخل عنصراً جديداً في تجربتنا هو الماء. نتخيل أن الحائطين قد غمرا في ماء ساكن، وإننا حركنا الماء خلف الحائط الأول عند الثقبين فتنطلق أمواج الماء من أمام الحائط الأول لترتطم بالحائط الثاني. إن الماء المضطرب الواصل إلى الحائط الثاني سيكون عالياً في عدة نقاط ومنخفضاً في نقاط أخرى تقع بين النقاط الأولى إنه التشكيل الموجي للماء.

نعود الآن إلى الإلكترونات ونطلقها باتجاه الحائط حيث نفتح الثقبين فنلاحظ النتيجة الغريبة التالية: لقد سلكت الإلكترونات سلوك الماء، أي سلكت سلوك موجة ولم تسلك سلوك جسيم.

نعيد التجربة السابقة بفتح الثقبين وباستخدام الإلكترونات، إلا أننا نستعين بضوء قوي نمركزه بين الحائطين، فكلما مر إلكترون ومض الضوء منبئاً بذلك المرور، إلا أن الإلكترونات هذه المرة عادت إلى سلوكها الجسمي وأجهضت سلوكها الموجي، بكلام آخر إن الإلكترونات لا تكشف عن طبيعتها الحقيقية، إننا لا نستطيع تحديد الطبيعة الحقيقية للإلكترون هل هو جسيم أم موجة؟!

يمكن أن نعمم : إن معرفتنا عن العالم محدودة، وإذا حاولنا التعمق في هذه المعرفة ازدادت درجة الريبة والشك في المعلومات التي نحصل عليها، لذلك لابد من تطوير أدواتنا ولكن ذلك التطوير يزيد في عدم إمكان التقرير على الدوام، فالشك إذاً نتيجة تواجهنا على الدوام بينما نحاول تجنبها أبداً، كان الشك الديكارتي بداية لعمل مبرمج يهدف إلى التخلص من ذلك الشك نهائياً.

أين هو المخرج من ورطة الشك وعدم اليقين؟ هل الرياضيات هي المخرج؟

نشرت مجلة ألمانية دورية للرياضيات عام 1931 مقالاً صغيراً بعنوان «القضايا غير المقررة في مبادئ الرياضيات والأمور المرتبطة بها».

أما المؤلف فكان الرياضي النمساوي الشاب كورت غودل وكان له من العمر 25 سنة فقط، وقد كان محاضراً في مادة الرياضيات في جامعة فيينا. انتقل غودل عام 1938 إلى الولايات المتحدة حيث شغل منصب باحث منذ ذلك الوقت في مؤسسة برنستون للأبحاث المتقدمة.

لقد كان مقال غودل نقطة علام حقيقية في تاريخ الرياضيات والمنطق، وقد منحته جامعة هارفارد درجة علمية رفيعة عام 1952.

ما الذي فعله غودل؟

إن علم الهندسة هو علم موضوعاتي استنتاجي، وإن صحة النظريات لا تحتكم إلى الملاحظة والواقع، فهو ليس علم تجريبياً.

لقد طور اليونان بحق الطريقة الموضوعية الاستنتاجية، أي استنتاج صدق قضية منطقية من صدق قضية أخرى، إن الهندسة تقوم على مجموعة من البديهيات وهي في نظرهم لا تحتاج إلى برهان، مثل بديهية إقليدس (من نقطتين يمر مستقيم واحد فقط).

إن البديهيات هي البنية التحتية التي تقوم عليها النظريات والتي هي بمثابة البنية الفوقية للهندسة.

إن صحة أو خطأ البديهيات لم يناقش لأكثر من ألفي عام. وقد ظهر نظام الهندسة كأنه نموذج يحتذى به في طلب المعرفة، لذلك طرح التساؤل التالي: لماذا لا تعاد صياغة نظم المعرفة الأخرى في نسق مشابه للهندسة، فتصبح إذ ذاك متكاملة لا يرقى إليها الشك.

وقد حاول أرخميدس ذلك في مجال الكشوف الفيزيائية ولم يفطن لأن الفيزياء هي مخبر التجربة المباشرة، بينما الرياضيات هي مخبر التجربة العقلية، وأنهما مرتبطتان بقدر انفصالهما.

أكد غودل لكل الرياضيين أن الطريقة الموضوعاتية الاستنتاجية تنطوي على محدودية أكيدة، أما الاستنتاج الآخر لغودل فكان غاية في الغرابة ولفهمه لابد من شرح مفهوم الاتساق في الرياضيات.

نسرد بعض موضوعات الهندسة الإقليدية :
1. من كل نقطتين يمر مستقيم واحد.
2. يمكن مد مستقيم في نهايتيه بالقدر الذي نريد.
3. بمكن من أي نقطة وباستخدام أي طول إنشاء دائرة، باعتبار النقطة كمركز، والطول كنصف قطر.
4. كل الزوايا القائمة متساوية.
5. من نقطة خارجة عن مستقيم لا يمكن إنشاء أكثر من موازٍ واحد لهذا المستقيم.

انطلاقا من هذه الموضوعات وباستخدام طرائق الاستنتاج المنطقي نستطيع برهان أي نظرية من نظريات الهندسة، مثلاً يتطابق مثلثان إذا تساوى ضلعان وزاوية بينهما من الأول مع ضلعان وزاوية بينهما من الثاني.

ولكن ماذا لو استطاع أحد الرياضيين في المستقبل القريب أو البعيد أن يبرهن وانطلاقاً من نفس موضوعات إقليدس، أن النظرية السابقة خاطئة، عندها نستطيع القول إن الموضوعات غير متسقة، أي أننا نستطيع أن نبرهن صحة نظرية معينة وخطأها في نفس الوقت.

وهكذا برهن غودل أن النظم الموضوعاتية الاستنتاجية لا تستطيع إثبات اتساقها، وإذا ما عمد الباحث لتطوير أساليب الاستنتاج المنطقي بهدف إثبات الاتساق المطلوب، فإن الأساليب الجديدة ستكون موضع ريبة وشك.

من الخاتمة
لماذا بقي غودل محصوراً في إطار الرياضيات كنسق علمي متخصص؟

ولماذا لم يتأثر الفكر الإنساني بمعطيات الفيزياء المعاصرة؟ مع العلم أن الفيزياء الحديثة أقرب إلى الواقع وتطبيقاتها تتناول حياة الناس بشكل مباشر.

تكمن الإجابة في أن عصرنا هو عصر التطبيقات وليس عصر صياغة الأفكار العظيمة كما كان القرن التاسع عشر.

إن روح العصر هي روح الاستهلاك التي يوجهها أولئك الجشعون إلى الربح السريع من وراء التطبيق، وبينما عموم الناس يقعون في شرك استخدام كل ما هو ليس بضروري، حتى أصبح عشق الاستهلاك جزءاً من الطبيعة النفسية للإنسان المعاصر. هذا العشق حوَّل الإنسان إلى أداة استهلاك تصادر على الأفكار العظيمة.

إليكم المفارقة التالية :تطبق أفكار عظيمة في خلق أدوات عارية عن أية ضرورة في حين يمنع انتشار أفكار جديدة محتملة.

على أية حال مهما كانت تساؤلاتنا كاملة، تأتي الإجابات متسمة بعدم الكمال وواعدة بعدم كمال أكبر في مرحلة تالية.

في علم الغازات نفتقر للمعلومات التفصيلية عن حركة كل جزيء من جزيئات الغاز وارتطامها ببعضها البعض، ورغم عدم الكمال في معلوماتنا عن الغاز فإن عقولاً عظيمة استطاعت إبداع طريقة فذة تتناول مجمل جزيئات الغاز الموجودة في حيز معين دون النظر لخصائصها الفردية، بما عرف باسم علم الحركة الحرارية. إن الكمال الوحيد هو عدم كمال القوانين.

إن تجربتنا على الغازات تؤكد أننا نستطيع الحديث عن القليل في نفس الوقت حيث تفوتنا معرفة الكثير.

إن النظرية النسبية العامة والتي تشرح ظاهرة كونية شاملة هي الثقالة ولكنها لا تتناولها بشكل مجمل بل تقدم صورة واضحة للآلية التي تقف وراء تفاصيل فعلها مهما كانت كتلة الجسيمات الداخلة في التفاعل الثقالي، وتفسر هذه النظرية التفاعل القائم بشكل يصل إلى حد الكمال.

هل يمكن للعقل الإنساني أن ينجز نظرية لكل شيء (نظرية المجال الموحد)، لقد فكر أينشتاين بنظرية متكاملة تشرح كل آليات الأفعال المتبادلة في الكون.

وقد طرحت نظرية أخرى عن المجال الموحد تقوم على تصنيف منمذج للجسيمات الأولية وفق خواصها. إن هذه النظرية تستنطق الجزيئات الصغيرة عن سلوكها من خلال ذاتها وليس من خلال آلية لا متناهية الصغر عامة في كل زمان ومكان مثل الثقالة.

إن العقل البشري يمتاز بأنه يتحدث عن الكمال، ولن يتحقق هذا الكمال أبداً بل يبقى دافعاً وحسب.

إن البحث عن صيغ مختصرة للتوحيد بين كل جوانب الوجود (جمال الصيغ وبساطتها) إنما هو مطمح نفسي، أما المعرفة الحقة فتتجلى في مواجهة العالم بتنوعه اللانهائي.

يقف وراء نظرية المعرفة ما يسمى بالميتامعرفة، فالميتامعرفة هي شرط المعرفة، كما أن التشكيل النفسي يسبق الواقع ويتنبأ به قبل أن يجرب عليه.

إن الميتامعرفة اختلقت من الأوهام والأساطير عبر التاريخ الطويل للفكر الإنساني ما يكفي وذلك لأن وسائط صياغة الإجابات الصحيحة كانت شبه منعدمة، أما اليوم فلا نستطيع الانجرار وراء نزوات الميتامعرفة إذ اكتشفت الميتامعرفة لنفسها أداة قوية هي العلم.

لقد برهن غودل بشكل قاطع أن هناك عدداً لانهاية له من الحقائق الرياضية التي ترفض الإثبات من خلال أي جسم مطروح من الموضوعات باستخدام جملة مغلقة من طرائق الاستنتاج، وهكذا يستحيل تناول حساب الأعداد برمته من خلال مجموعة محددة من الموضوعات.

لذلك لا نستطيع القول إن عملية البرهان الرياضي تتطابق مع الطريقة الاستنتاجية الموضوعاتية إذ لا يجوز أن نضع حدوداً على المنطلقات ولا نستطيع أن نصادر على منطلقات جديدة يمكن لها أن تظهر.

بكلام آخر لا يوجد تعريف متكامل للرياضيات والمنطق، وكذلك الحقيقة المطلقة كما صورها الأقدمون، إن الرياضيات لا تخترع قضايا بل تكتشفها اكتشافاً.

أي إن القضايا الرياضية موجودة قبل اكتشافها، وإنها نماذج أزلية غير محصورة بأشكال جاهزة وإنها مفارقة للواقع ولا يمكن للفكر المستبصر أن يحيط بها. فالأشكال الدائرية مثلاً التي ندركها بحواسنا لا تندرج في مواضيع الرياضيات، وما الأشكال إلا تجسيدات منقوصة وغير كاملة لدائرة كاملة، وإن هذه النماذج لا تتجلى عبر الظاهرات الطبيعة ولا يدركها إلا الذهن المستكشف لعالم الرياضيات.


عدد من أعضاء الجمعية الكونية في عشاء
مع المهندس فايز فوق العادة
رئيس الجمعية

كيف تنعكس آراء غودل في مجال الحاسبات الالكترونية:
توضع في الحاسبات الالكترونية عادة مجموعة من التوجيهات، تقابل قواعد الاستنتاج في الأنظمة الموضوعاتية الاستنتاجية.

وهكذا تزودنا الحاسبات الإلكترونية بالنتائج التي نصبو إليها، ويجري التحكم بكل خطوة من خلال التوجيهات المبنية داخل الآلة.

وقد علمنا غودل أن هناك عددا لا نهاية له من القضايا الصحيحة تقع خارج إمكانات النظم الرياضية، سواء من حيث جملها الموضوعاتية أو طرائقها في الاستنتاج، وبذلك فإن الحاسبات الإلكترونية بدورها ستقف عاجزة أمام هذه الحقائق مهما كانت سرعتها ودقة بنائها، ويمكن أن نبني حاسباً إلكترونياً يحل مشكلة معينة ولكنه لا يستطيع أن يحل كل المشاكل.

إن عمل غودل ليس دعوة للتعلق بالأساطير والأوهام، وإن غودل يريد أن يبين أنه لا حدود لقدرات العقل الدماغ البشري، وأنه لا يمكن لأية صياغة موضوعاتية مهما كبرت أن تحيط بكل تلك القدرات الكامنة، وسيبقى هناك على الدوام ما يمكن استنباطه من تلك القدرات وتشكيله على هيئة موضوعات وبنى جديدة، وإن أعظم شيء قدمه غودل هو تبيانه الإمكانات غير المحدودة لتلك الآلة العجيبة التي يحملها كل واحد منا، أي آلة الفكر.

إن الفيزياء الحديثة أنصفت الرياضيات، إذ تربط الفيزياء الموجودات بوحدات رياضية مجردة، وفي خطوة تالية تتحدث الفيزياء الحديثة عن الموجودات على أنها الوحدات المجردة.

إن المثال الذي يمكن أن نقدمه هنا عن تجريد الفيزياء في عالم المفاهيم هو النظرية النسبية، إذ استطاعت صياغة بعض المفاهيم المجردة من وقائع بعض التجارب العقلية وثم ربطت بين تلك المفاهيم بعلاقات مجردة من عالم الرياضيات.

ما يمكن قوله أخيراً:
إن تاريخ الرياضيات هو تاريخ كل التركيبات الممكنة استناداً للمنطق المثنى وذاك الذي يعتمد الصحة والخطأ دون إمكانية ثالثة، ولكن لن يستطيع أحد القول باستحالة أنواع أخرى من المنطق، المنطق الثلاثي والرباعي والمنطق المتعدد، فالكائن المستقبلي المرتحل في أعماق الفضاء بعيداً عن الأرض بقيودها الثقالية والجوية وتركيباتها الاجتماعية التاريخية، سيضع يده على المنطق المتعدد فيحل كل مشاكل المنطق المثنى أي الرياضيات.

إن الفيزياء الحديثة هي تجمع من الهموم المريبة والشكوك التي تزداد ريبة كلما ازدادت قدراتها على الكشف، وكذلك الرياضيات بعد غودل، إذ بتقوية أسس استنتاجاتها المنطقية تزداد بدورها ريبة، وهكذا فكأنما أمر المعرفة في نهايته أن تنتهي المعرفة، إنه مجرد منعطف رياضي كبير.

لابد من أخذ هذه النقطة بعين الاعتبار: لن تتولد الأفكار العظيمة في أجواء متشائمة حيث تسود محن الاستهلاك والتهديد بالدمار الشامل، لا بد من انتظار فترة زمنية كي تنمو العقول الرافضة التي تستطيع أن تصيغ الأفكار العظيمة، وإذ ذاك يمكن أن تحل أزمة الفيزياء والرياضيات المعاصرة لنخرج من المنعطف الكبير لندخل في منعطف آخر.

المراجع:


1) الفكر الحر (مقالة)، تأليف: موسى الخوري.
2) ما هو الكون؟ شعرية العلم، تأليف: فايز فوق العادة، دار علاء الدين، 2002.
3) منعطف الرياضيات الكبير، تأليف: فايز فوق العادة، وزارة الثقافة، 1987.


نبيل سلامة
أسعد طربيه

اكتشف سورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

    اسمك

    الدولة

    التعليق

    أحمد مراد:

    احب ان اشكر ادارة الموقع على الجهد المبذول دائما في نشر هذه الدراسات المفصلة والشكر للكاتب طبعا
    ولكن عندي مجموعة ملاحظات وهي وحسب ما ذكرتم في المقال ان فايز قد حل فرضية ريمان في بحث بعنوان:How to Prove the Riemann Hypothesis
    مع العلم انه يوجد اكثر من برهان للنظرية وقد تم في عام 2005 اثبات خطأ الحل الذي قام به فايز ويمكنكم التأكد من خلال الرابط: http://www.wbabin.net/shawa/shawa.htm وقد قبلت اكثر البراهين واول من رفض منها هو برهان السيد فايز فوق العادة

    اما ما ذكرتموه من أنه قدم برهاناً مختصراً ومباشراً لمعضلة رياضية تاريخية تُعرَف باسم نظرية فيرما الأخيرة
    فهو وللأسف الشديد أمر معيب لأنه خطأ قاتل من فايز وقد جابهه الكثير من العلماء بأن الأمر لا يعدو عن كونه تراهات ولا يرقى إلى مستوى الإثبات الخاطئ، ويمكنكم مشاهدة رابط الويكيبيديا التالي:
    http://en.wikipedia.org/?title=Talk:Riemann_hypothesis#Proof_by_Fayez_Fok_al-Adeh
    والذي تم فيه جمع وصلات لمقالات نشرت في أشهر المجلات العلمية العالمية تتدين فايز وتتهمه بالسخافة لنشره هذا الاثبات المدعى.

    ********

    موسى الخوري:

    بداية أحب أن أتوجه بالشكر الجزيل لجميع العاملين في دار الأوس للنشر إدارة وفنيين للجهود الكبيرة والمميزة المبذولة في هذا الموقع، كما وفي جميع الأعمال التي ننتظرها بفارغ الصبر ونعرف أنها جاهزة أو تكاد!

    والشكر الخاص لهذا التقديم والتعريف بأهم الشخصيات السورية التي أدت دورها وقدمت الكثير لبلدنا الحبيب بتفان وإخلاص.

    فمن الرائع في الحقيقة الإشادة بجهود هؤلاء الكبار، وتكريمهم ولو بالإشارة إلى أعمالهم والتعريف بما قدموه، وهو أمر تفرد به هذا الموقع وقام به على أكمل وجه، وهذه مناسبة لأوجه التحية كل التحية إلى الصديق نبيل سلامة الذي أعرف مدى الجهد الذي يبذله في إعداد هذا الباب حول الشخصيات السورية الكبيرة.

    وفايز فوق العادة هو من الأعلام الذين عملوا ولا زالوا بتفاني لا نظير له من أجل بث روح العلم والمعرفة في بلدنا، ولست أغالي إن قلت إنه لم يترك بلدة مهما كانت صغيرة إلا وزارها مقدماً فيها محاضرة وتاركاً فيها وخاصة بين شبابها روح التساؤل والبحث والاكتشاف. وعلى مدى عشرات السنين من العطاء، وقد عرفت فايز خلالها عن كثب، لم يسع إلى منفعة شخصية، ولم يستغل جهوده وما اكتسبه من شهرة لخير ذاتي. بل على العكس تماماً، كان هذا الرجل يقدم كل خبرته ومعرفته بل ويستفيد من صلاته وعلاقاته ليطرح أفكاراً جديدة يمكن أن تفيد نشاطات الجمعية الكونية أو أي نشاط مع الجهات العامة مثل شبيبة الثورة والطلائع ووزارة الثقافة وغيرها، بحيث تتاح الفرصة لأجيال جديدة فتطلع على علوم الكونيات الحديثة أو الأفكار العلمية الحديثة.

    وفي جانب آخر، كان فايز فوق العادة يعمل باستمرار، وقد تابعت جزءاً من عمله هذا، على بلورة أفكار رياضية أو فيزيائية جديدة، ونشر بعض أبحاثه على الانترنت وفي مجلات علمية معروفة كما هو واضح في سيرته. وتلقى التقدير من جهات عديدة على جهوده العلمية.

    ذكرت ذلك كله لأقول للسيد أحمد مراد الذي علق بطريقة غير لائقة على عمل فايز حول مبرهنة فيرما أو حول فرضية ريمان، إنه أجدر بنا أن نشكر من يحاول حل مسألة في الرياضيات المتقدمة جداً بدلاً من أن نهاجمه، وإن أخطأ، فليس من العيب أن نخطئ، بل من العيب ألا نحاول العمل.

    بالمقابل، أعرف أن الكثير من الردود غير اللائقة نشرت على الانترنت عندما نشر فايز برهانه حول فيرما أو ريمان، لكن كنت أتمنى من السوريين بشكل خاص أن يشكروه ويشجعوه ويطلبوا منه المزيد من العطاء والمحاولة والمثابرة بدلاً من مهاجمته، لأنه بذلك نكون معاً في بناء هذا البلد، فما يعيبنا أن نخطئ في الحل بل ألا نحاول الحل.
    كل الشكر مرة أخرى لدار الأوس، وإلى مزيد من العطاء... وتسليط الضوء على أشخاص يعملون بصمت في سورية.

    موسى الخوري

    syria

    متابع:

    مما ذكر في مقدمة الموضوع "أن الأستاذ فايز فوق العادة يَعتبر العلم قبل كل شيء هو "أخلاق"..

    فعندما نتهم الآخر، أو ننتقده، وإن كنّا على صواب، ولكن، على نحو يخلو من "الاحترام"، نكون قد تجردنا من روح العلم التي تتصف بالموضوعية والحيادية، والتجرد من الأحكام المسبقة أو المضمرة، والانفتاح غير المشروط على الآخر، والحوار الدائم الذي قوامه المحبة والسلام. ويصبح النقد هو مجرد تجريح، لا إعطاء رأي، أو مناقشة رأي الآخر.

    نعم يمكن أن يكون الأستاذ فوق العادة قد أخطأ في شيء من دراساته، أو استنتاجاته، ولكن ألم يعمل إينشتاين سنوات وسنوات لتكون نتيجة بعض أعماله التي لم تكتمل، خاطئة؟ وهل خطأ عالم أو باحث يجعل من بحثه أو عمله "تفاهات"؟ ألا يكفيه أنه حاول، وعمل، واجتهد؟ بينما نجد من يُنَّظر ويعتمد على صفحات نُشرت في الويكيبيديا، أو أماكن أخرى هي فقط دلالاته، عوضاً عن أن يعمل ويجتهد، حتى وإن لم يصل إلى النتيجة المطلوبة.

    سورية

    قارئ محب لاكتشف سورية:

    في البداية تحياتي لموقع اكتشف سورية وأشكر الأستاذين الكاتبين على الجهد المبذول في التعريف بأهم الشخصيات السورية في جميع المجالات.

    إن الأستاذ فايز فوق العادة هو من الشخصيات الإعلامية اللامعة التي اهتمت بموضوع بالغ الأهمية يكمن في نشر الثقافة العلمية ومحاولة توسيع الاهتمام الإعلامي بهذا الجانب الذي يحفز الكثير من الشباب إلى الاتجاه نحو الاختصاصات العملية والتطبيقية والتي هي - كما نعرف جميعاً - المحرك الأساسي في حضارتنا المعاصرة.

    وعلى هذا فإنه يستحق الشكر والتكريم فعلاً على نشاطه الكبير والمهم سواء في البرامج العلمية التي يقدمها أو في نشاطات الجمعية الكونية السورية، أو في ترجماته ومحاضراته ومؤلفاته الأخرى.

    ولكن مع ذلك فمن المهم ملاحظة أنه في العلم، هناك فرق شاسع بين محاولة برهان نظرية أو صيغة ما، وبين برهانها فعلاً، فمن المعروف مثلاً أن نظرية فيرما التي وضعها العالم الرياضي الشهير عام 1637 في كتاب له وترك برهانها لغزاً تحدى به عدداً من علماء عصره، بقيت بلا برهان (من أجل الحدين 3 و4) ومنذ ذلك الوقت تقدم عدد هائل من الأشخاص بمحاولات لبرهان هذه النظرية ثبت خطؤها، وبالتالي فإن القول (كما ورد في مقدمة المقال، وهي معلومات مأخوذة عن موقع الجمعية الكونية السورية) بأنه قد برهن كذا وأثبت كذا، كلام غير مقبول - كما تقتضي الأخلاق العلمية، حسبما نوه السيد الذي تابع الموضوع - وإن ادعاء برهان نظرية ما يقتضي أحد أمرين إما أن البرهان صحيح فيسجل الأمر باسم مبرهنه أو أنه خاطئ ولا يعدو كونه محاولة ما، لا قيمة علمية لها، ولذلك فلكلام السيد أحمد مراد أهميته من ناحية تغيير العبارة، وأقول لأستاذنا الكبير موسى الخوري، لا ينتقص من الرجل أنه حاول وأخطأ أو لم تنجح المحاولة، بل يجب تشجيعه على الاستمرار وتوفير المقومات المادية والمعنوية له ليحقق ما يمكنه أن يحققه، ولكن ما ينتقص منه هو ادعاء ما لم يحصل.

    ويمكن قول الشيء ذاته عن نظرية أصل المشتري وعن كونه نجماً وهو مقال منشور في مجلة علمية محترمة وتحت تصنيف «ورقة نظامية regular paper» ولكنه لا يعدو كونه نظرية أما برهانها فشيء آخر، ولو تمكن الأستاذ فايز فوق العادة من إثباته لحصل على نوبل في الفيزياء على أقل تقدير.

    إن إحدى مشاكلنا الأساسية - نحن العرب - هي المبالغة المفرطة فيما نقوم به، وهناك فرق كبير بين الثقة بالنفس وهو ما ندعو له، وبين المبالغة في هذه الثقة إلى درجة تخرج عن المنهج العلمي الصحيح.

    سورية

    تعقيبا على كلام السيد متابع:

    استاذي الكريم اقتبس منك ما قلته:

    " ولكن ألم يعمل إينشتاين سنوات وسنوات لتكون نتيجة بعض أعماله التي لم تكتمل، خاطئة؟ وهل خطأ عالم أو باحث يجعل من بحثه أو عمله "تفاهات"؟ "

    استاذي
    أولا من الغريب مقارنة اينشتاين بفايز فوق العادة فاينشتاين له الكثير والكثير من النظريات التي هي في وقتنا الحاضر اساس لكثير من العلوم ولكثير من الاختراعات التي بنيت عليها اما ان اينشتاين له بعض الاخطاء فهذا امر صحيح وصحيح انه صرح ان بعض نظرياته خاطئة وقد قال انه فشل في ايجاد ما يمكن ان يسمى نظرية كل شيء
    اذا اينشتاين عالم له نظريات مثبتة وقد بنيت عليها الكثير من العلوم وله اخطاؤه

    اما الاستاذ فوق العادة فهو انسان له اخطاؤه وهو امر عادي اما غير العادي ان يسمى عالماً بعد ان تم اثبات خطأ 100% من نظرياته و ابحاثه اي انه لم يأتي باي شيء صحيح او ذو فائدة ومن هنا مأساة مقارنته بعالم كبير مثل اينشتاين

    سورية

    فريد طراف:

    تبا لكل من يحاول الإنقاص من قيمة "فايز فوق العادة" أو أن يسفه من إنجازاته وتفانيه في العمل.

    سورية