حدائق الفنان كرو في صالة السّيد في دمشق

12 04

شقائق نعمان وأشجار عارية في الضوء

«سأرسم جمال الطبيعة، حتى أنافس الطبيعة على جمالها»، بهذا التكثيف، قدم الفنان التشكيلي «كرو سليمان» الطبيعة في تسع وأربعين حالة.
هي لوحات معرضه الأحدث، في صالة السيد في دمشق. هذه الطبيعة التي نافسها في جمالها تشكيلاً، كان كرو لصيقاً بتفاصيلها قبل سبع وعشرين سنة، حيث المناظر في أعلى درجاتها وتنوعاتها اللونية، والضوء يتجلى في أبهى سطوعه رغم ذلك، وفي ذلك الزمن قدَّم الطبيعة بالفحم، أي الغرافيك مقتصراً على لونين فقط!‏
عندما تجبرُ الظروفُ كرو، على أن ينشىء مرسمه في قبو بركن الدين بدمشق، قبو يشبّهه كرو بالقبر، تصير الألوان والمشاهد أقرب إلى الملامح في استعادتها مرة ثانية، ويعيد الفنان هنا تشكيل الطبيعة من جديد بغزارة لونية ووفرة من الضوء، هي الطبيعة التي اندثرت في أمكنتها الأولى بفعل عوامل مختلفة، فكان أن أتى بالطبيعة المُشتهاة ولأنها كذلك فإنها ستكون تحت وطأة أكثر من عامل نفسي واحد: أولها «النوستالجيا» الأمر الذي يفرض تخيلاً، كما أن الاشتهاء والحنين (ربما) كانا وراء هذه اللمسات الحزينة، التي ستأخذ مساحات واسعة من أمداء اللوحات، التي ناسبت بين حجمين: اللوحة الصغيرة واللوحة الكبيرة، وبين الرسم على خامة القماش والرسم على خامة الخشب، فاللوحة عند كرو مشروع مفتوح قابل للإضافة كموضوع مستمر وليس منجزاً، بل رواية قيد الطبع قابلة لأن يضاف إليها فصول أو يحذف أخرى، من هنا تبقى لوحة كرو شهراً لتجف لكثافة الألوان الزيتية وسماكتها.‏
جعل كرو الطبيعة حاملاً لمشاعر بحساسية عالية تشكيلاً، بمعنى أن مفردات الطبيعة في هذه اللوحات ستأخذ بعداً إنسانياً بالدرجة الأولى، وكأن هذه المفردات تجسيد موارب لعلاقات وعواطف إنسانية لكن ليس أنسنته، بل الطبيعة هنا كانت أقرب إلى مشاعر حزن وألم وقليل من الفرح، تجلى ذلك في مساحات هذا الأزرق، الذي يشف غالباً ليصير بنفسجياً وكأنه يشير إلى مواضع الوجع والحزن، حيث يصر كرو على الحزن لا الكآبة -كما يقول- لأن الحزن غالباً ما يولد الإبداع، أو يكون باعثاً له فالألوان هنا تأتي كأنها صوت خارج من ناي مبحوح، أو من تلوينات بزق يعزف على مقام السيكاه.
يكاد ما يقدمه كرو، يشكل معادلاً مضاداً لهذه العتمة، كتعويض عن أشياء مفقودة: الضوء، والأزهار، التي غالباً هي شقائق النعمان، لكن ليس لها من شكلها سوى اللون، أو ما يوحي بها، لصالح الحكاية والميثولوجيا والخلق: هي شقائقه التي هي عند أقدام أشجار عارية، والأخيرةُ التي يصر على عريّها في كل المواسم والفصول هي أيضاً عند أقدام جبال موحشة غالباً في أسفل الوادي كأنها نحن! أي إن الطبيعة لدى كرو بعد ذلك، كان من العبث التجسيد المباشر فيها للإنسان، ذلك أن مفرداتها بما حملته من عواطف إنسانية، إيحاء عوّض عن التشخيص المباشر، فهذه زهرة عباد الشمس التي تتصدر في أكثر من لوحة، ويقول فيها كرو «هذه أنا»!
كرو في معارضه الثلاثة السابقة لم يخرج عن هذه التراجيديا اللونية، وعناوينُها كافية لتصوّر هذه «المونودراما» مثل الصيف المحترق وغيرها، رغم ذلك لا يحمّل لوحته أبعاداً فلسفية أو إيديولوجية، لكنها مفعمة بالأبعاد النفسية التي تتجلى في كل تفصيل وسماكة لونية، وأيضاً هي بحث جمالي، أفرد هذه المشهديات اللونية، موْقعاً متلقيه في فخ الواقعية، لكن مع التأمل والقراءة المتأنية. ستأخذ قراءة الزهرة أو السهل أو الشجرة قراءة أخرى فثمة حكاية إنسانية خلف هذه المفردات والعناصر التي تشكل اللوحة، نصٌ آخر مشفّر بين الفنان والمتلقي واضح لكلا الطرفين، فتذهب الواقعية في اتجاهات أخرى، لنصل ضفاف التعبيرية والانطباعية والتجرد، وتصيرَ في النهاية واقعية سحرية تأتي هذه المرة لوناً وتشكيلاً كنص!


تشرين

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

فارس حسن:

كل الشكر للفنان الكردي كرو

syria