الفنان صالح الحايك: عشقنا المسرح فضحينا في سبيله
27 09
الأزمات الكبيرة تحرك في داخلي ملكة الكتابة
صالح الحايك فنانٌ من جيل المخضرمين في بلدنا، وتاريخه الفني حافلٌ بالمحطات الهامة على مستوى الإذاعة والمسرح والتلفزيون وأيضاً في مجال الغناء والتلحين، فهو بحق فنان شامل جمع في نفسه عدة مواهب يفتقد إليها الكثيرون من زملائه الفنانين القدماء والحديثين.
يبدو أن هذا الموسم كان لك ظهور كثيف في مجموعة من الأعمال التلفزيونية. فهل تحدثنا عنها؟
بالفعل هذه السنة كان لي حظ جيد أنني شاركت بعدة أدوار متميزة بالرغم من كوني اعتذرت عن أدوار أخرى كثيرة لم أجد نفسي فيها، فأنا أحب دائماً أن أظهر على الجمهور بالشيء الذي اعتاده علي أي أن تكون إطلالتي محترمة، وفيها الشيء الجديد غير المكرر، لأنني أحرص على الدوام أن أظل فناناً يعشق مهنته لا فناناً يبحث عن الرزق والارتزاق.
وقد سبق لي في بداية هذا العام أن شاركت في مسلسل «خبر عاجل» للمخرج غزوان بريجان وانتاج التلفزيون العربي السوري، ومثلت فيه دور مدير عام يدعي أنه يحب الوطن وهمه الوطن ودمه وأولاده في سبيل هذا الوطن، وهو في حقيقته أكبر فاسق في الوطن، وبعد انتظار طويل جاءني دور آخر خاص بالبيئة الشامية، وأنا كما تعلم ابن حي الميدان، فمثلت شخصية المختار في الجزء الثالث من «باب الحارة» للمخرج بسام الملا، وذلك من خلال «أبو صياح» الإيجابية وفي مسلسل «أولاد القيمرية» الذي أخرجه سيف الدين سبيعي جسدت دور رئيس المخابرات التركي عندما كانت المنطقة محتلة من قبل الأتراك، وهي شخصية مختلفة عن باقي الشخصيات الأخرى التي لعبتها حتى الآن. ومثلت دور «الراوي» في مسلسل «قمر بني هاشم» الذي يتحدث عن السيرة النبوية الشريفة وبداية ظهور الدعوة الإسلامية بدءاً من ولادة الرسول محمد وحتى انتقاله للرفيق الأعلى، وهو من إخراج محمد الشيخ نجيب. والمسلسل الأخير الذي شاركت به هذا العام كان بعنوان «وجه العدالة» ولعبت فيه دور النائب العام وهو من إخراج سيف الشيخ نجيب.
وماذا على صعيد الإذاعة والمسرح؟
على صعيد الإذاعة، أنا من الممثلين الإذاعيين الذين شاركوا في عشرات البرامج الإذاعية الدرامية ولا أزال ومن الأعمال التي أشارك بها بشكل أسبوعي برنامج «من الحياة»، تأليف وإخراج فاروق حيدر، وبرنامج «حكم العدالة» للمخرج محمد عنقا، كما شاركت في برنامج إذاعي يتألف من ثلاثين حلقة خاصة برمضان وتتحدث عن هجمة التتار على منطقتنا العربية وهو من إخراج مروان قنوع. أما بالنسبة للمسرح فبكل أسف أقول لم يعد هناك مسرح في سورية وهذه الحقيقة تحزنني كثيراً، لأنني في الأساس ممثل مسرحي، والمسرح لا بديل له بين الفنون الأخرى، مهما اشتغل الفنان في التلفزيون أو الإذاعة أو السينما تظل متعته الكبرى في المسرح، فهو منبرٌ شعبي ووطني واجتماعي وإنساني يجعلك تحتك مع الجماهير وترى ردّة فعلهم مباشرةً، ولكن كما ترى لم يعد لدينا صالات جيدة للمسرح إلا لدى وزارة الثقافة ووزارة الثقافة محصورة في أعمالها الخاصة، وما تبقى صالات سينما لا تصلح أن تكون خشبات للمسرح، وحتى الصالات القليلة الصالحة أجورها عالية جداًً ودعني أوضح لك نقطة هامة، وهي أننا على زماننا كنا نشتغل في المسرح على مبدأ المساهمة بمعنى أن كل الفنانين العاملين في مسرحية ما كانوا شركاء، وكنا نلم مصاريف المسرحية، وإذا ربحنا نوزعها على عدد الأسهم، فهناك فنان له سهم وآخر ثلاثة وكل حسب موقعه في العرض المسرحي، بهذه الأسلوبية وهذا العشق كنا نعمل في المسرح، وكثيراً ما كنا نخسر بالرغم من عملنا الذي قد يستمر عدة أشهر، ولكن هاجسنا الدائم أننا نقدم رسالة فنية راقية.
أما اليوم فالأمر مختلف كلياً، ولم نعد نجد الفنان العاشق والمحب للمسرح والمستعد للتضحية في سبيله، فهو يشترط في أي عمل مسرحي أن يكون أجره مقطوعاً وعالياً بذات الوقت، وهذا يشكل عبئاً كبيراًً على منتج المسرحية ولاسيما أن أسعار التذاكر باتت غالية جداً.. ولم تعد الأسرة السورية تستطيع أن تتحملها فغاب الجمهور ومعه المسرح.
هل كتبت للمسرح؟
نعم. لي عدّة تجارب في هذا السياق، فقد كتبت للمسرح ثلاث مسرحيات الأولى بعنوان «محطات ممنوعة» وقدمتها على المسرح عام 1987 المدة ثلاث سنوات على التوالي، حيث عُرضت في كل من دمشق وحلب، والمسرحية الثانية كانت بعنوان «حفلة للجميع» ومن سوء حظي رفضتها الرقابة لأن فيها جرأة زائدة على اللزوم ويبدو أننا لا نحب مثل هذه الجرأة لنظل متوازنين دائماً، وكتبت «ليش يا زمن» مسرحيتي الثالثة ووزعت إعلاناتها في الشوارع لمدة ستة أشهر، وعندما جلسنا على طاولة البروفات لم أقتنع بالفنانين الذين اخترتهم للعمل معي في هذه المسرحية، فأزلت ملصقات الإعلانات من الشوارع، اعتبرت نفسي أنني قدمت للمسرح فقط «محطات ممنوعة» وتحملت نتيجة خسارتي.
أيضاً كتبت للتلفزيون مسلسلاً يتألف من 16 حلقة من النوع الاجتماعي البوليسي، وضمنت هذا العمل جزءاً من سيرتي الذاتية وهذا برأيي يشكل قوة في الكتابة عندما تكتب معاناة عشتها ولم تتخيلها وكان بعنوان «طريق الشوك»، وقد حاز هذا المسلسل على موافقة الرقابة، وتم تبنيها من إحدى شركات الإنتاج ولكن هذه الشركة أفلست وطلبت مني شركات أخرى هذا العمل بشرط تحويله إلى ثلاثين حلقة، وبصراحة أنا لا أملك النفس اللازم الذي يجعلني أعيد الكتابة من البداية، فبقي في الدروج ولم أستفد من هذه التجربة.
معروف عنك أنك غنيت وكتبت الأغنية ولحنتها فماذا عن هذه التجربة والمحطة المهمة في حياتك الفنية؟
أنا حامل في صفتي النقابية ممثل ومطرب ومخرج مسرحي ولم أطلب الحصول على صفة ملحن لأنني أخاف على نفسي من الحساد. فتركت الموضوع كنوع من الهواية.
منذ بداياتي الفنية كتبت الأغنية ولحنتها كما أكتب الشعر حسب إحساسي بالموقف العام والخاص، وتأتيني ملكة كتابة الشعر خلال الأزمات الكبيرة، وهي التي تحرك في داخلي أشياء كثيرة تجعلني أمسك بالقلم وأكتب وليس مهماً أن تنتشر هذه الكتابات، بل المهم عندي أنني أكتبها لنفسي، وآخر الأغنيات التي كتبتها قبل فترة أقول في مطلعها الأول:
حبك راح قلبي انكسر لما صار قلبك حجر
بتحب الصبح..بتنسى المسا يا ناس شو تغير بالبشر
وأول مرة غنيت فيها أمام الجمهور كان في منتصف الستينيات بدءاً من سينما فريال والعباسية سابقاً وصالة سينما الخيام وصولاً إلى بعض المتنزهات الليلية في دمشق قبل شعر سنوات ولي مجموعة من الأغنيات مسجلة ومصورة في أرشيف الإذاعة والتلفزيون ولا يذيعون واحدة منها إلا بعد تبويس اللحى.
يتميز صوتك بنبرة جميلة وسؤالي هل فكرت يوماً أن تصبح مذيعاً؟
في ا لحقيقة عرض علي أكثر من مرة أن أعمل مذيعاًً في إذاعة دمشق ولكن هذا الأمر لم يكن وارداً في طموحي لأنني أعلم أن دور المذيع محدود جداً قياساً لعمل الفنان فالمذيع قارئ ورق بينما التمثيل في حالات إبداعية كثيرة وفي المقابل سبق لي أن قدمت العديد من البرامج الإذاعية غير الإخبارية في الإذاعة قبل عدة سنوات.
برأيك ومن خلال موقعك كفنان مخضرم من هو النجم؟
النجم ليس من يظهر على شاشة التلفزيون بل هو الفنان الذي يصل إلى قلوب الناس وهذه التسمية بكل أسف باتت تطلق على ممثلين من درجة كومبارس وعلى أشباه المطربين والمطربات وهناك من المخرجين من يطلقون على بعض الفنانين ألقاباً غريبة عجيبة من أمثال ربيع الشاشة والممثل الأنيق وغير ذلك.
بالنسبة لي لا أحب أن تطلق علي مثل هذه التسمية وأفضل أن يلقبونني بالفنان صالح الحايك أو حتى باسمي حاف وأكون قانعاً وراضياً بذلك.
ماذا عن بصماتك الفنية خلال هذه المسيرة الطويلة؟
بصمتي الحقيقية هي حب الجمهور لي وهذا مبعث فخري واعتزازي ولا يهمني أن أعدد لك أدواراً بعينها فالجمهور وحده صاحب الكلمة الأساسي في ذلك.
أخيراً هل كانت بداياتك الفنية مفروشة بالورود أم واجهتك صعوبات؟
منذ البداية واجهتني كما غيري من زملائي في تلك الأيام التي لم يكن المجتمع السوري يتقبل بعد فكرة الفن واحترافه.. صعوبات قاهرة أولاها كانت من أهلي الذين رفضوا بشكل قاطع فكرة احترافي الفني ثم من مجتمعي الذي كان ينظر للفنان نظرة دونية وغير سوية وكانوا يرفضون تزويجه من بناتهن، وتحملنا كل هذه الصعوبات والمعوقات لأننا كنا نؤمن بأهمية الفن وبرسالته السامية تجاه المجتمع والناس وأحمد لله إنني وصلت إلى هذه الفترة التي بات فيها الفن حاصلاً على شرعية اعترافه من قبل المجتمع والدولة ورجال الدين على السواء وهذا أمر لم نكن نحلم به قبل عقود قليلة من الزمن، حيث تشكلت قناعة عند هذه الجهات مجتمعة بالدور الايجابي الذي يلعبه الفن وردات الفعل الحقيقية عند المتلقين له.
حوار: وليد العودة
تشرين
سارة:
أحلي فنان
ليبيا