جميل حتمل: الغياب بصورة الموت والألم والنسيان، والحضور بمشيئة النص الخالد

08 تشرين الأول 2011

يعتبر جميل حتمل حالة قصصية أدبية فريدة من نوعها في تاريخ القصة السورية وتعود هذه الفرادة بالدرجة الأولى إلى الأسلوبية الإنسانية التي كتب بها والصيغة الواقعية للنص الأدبي حيث ولدت نتاجاته الأدبية كلها من رحم المعاناة والمرض والتشرد.

ويعتبر القاص الراحل حتمل من أهم التجارب في القصة القصيرة في سورية ومن أهم أسماء الكتاب الذين اشتهروا بعد وفاتهم وحققت كتبهم انتشاراً كبيراً بعد مضي مدة طويلة على إنتاجها.

وتعيش شخوص حتمل الأدبية حياة عاشها هو وتعكس تجربة مر بها بكل ما فيها من انكسارات وأزمات من الفشل في الحب إلى المرض الجسدي والمعاناة في المشفى والبعد عن الوطن والزوجة والطفل بكل ما في هذه المعاناة من صيغ إنسانية وجراح استطاع حتمل تصويرها أدبياً بأسلوب غاية في الروعة.

جميل حتمل ابن أسرة أدبية فنية عريقة في دمشق وحوران ولد عام 1956 في دمشق لوالد يعمل فناناً تشكيلياً وهو ألفرد حتمل الذي ساهم في تبني اتجاهات جميل الأدبية التي ظهرت باكراً وبدأت تحمل آلام الفقدان منذ الطفولة حيث توفيت أمه ما ولد لديه شعوراً بالظلم الإنساني القدري ثم اتجه بعد ذلك إلى القراءة وساعده على ذلك خاله حكمت هلال من خلال مكتبته المليئة بالكتب القيمة.

وفي السبعينيات ظهر اسمه ككاتب قصة قصيرة إلا أن صيته لم يلق رواجاً حتى فترة متأخرة وربما كانت التسعينيات هي مرحلة اعتبر فيها حتمل من أهم كتاب القصة القصيرة في سورية وخاصة بعد وفاته في 7 تشرين الأول عام 1994 في مستشفي كوشان الباريسي.

ترك حتمل خمس مجموعات قصصية أولها «الطفلة ذات القبعة البيضاء» التي أهداها إلى والده ثم «انفعالات» وأهداها إلى المرأة التي رمته في بحرها ثم جفت، وتبعها «حين لا بلاد» وأهداها الى والده ايضاً، و«قصص المرض قصص الجنون» إلى النساء اللواتي رتب رحيلهن ليفتقدهن.

المجموعة الأهم والأخيرة هي «سأقول لهم» والتي صدرت بعد وفاته وقامت المؤسسة العربية للدراسات والنشر في عمان بإصدار المجموعات الخمس في مجلد واحد عام 1998 وقدم لها الروائي الكبير الراحل عبد الرحمن منيف.

في تقديمه لأعمال حتمل يقول عبد الرحمن منيف: «إن الصفة الأساسية التي تطبع أبطاله هي الحزن، الحزن الذي يرافقهم ويحرمهم من أبسط الحقوق .. الحب، فبقدر ما يبدو الحزن ذلك النبات الوحشي عاملاً سلبياً يفتق الروح والجسد فإنه حين يستقر في القلب لا يسود نظرة الإنسان للحياة فقط بل يصبح مستساغاً لذيذاً وبعض الأحيان ضرورياً لأنه يخلق توازناً بين النظرة والمعاناة ويصبح انعكاساً للداخل، وهذا ما نجده مبثوثاً في ثنايا القصص الكثيرة التي كتبها جميل حتمل».

يبدع الكاتب المنهك المبدع المنسي جميل حتمل معاناته ويوثقها بشخصيات أكثر ما تنتمي إليه وإلى الحياة المثقلة بتجارب الألم والتي جعلها مادة خاماً لنص لا يبحث عن دواء للخلود ولا يرسم صورة جمالية للحياة إنما يبحث لنفسه عن عدالة إنسانية ما وبيئة يقدر من خلالها على ترميم جراحه بعيداً عن مشفى أوروبي وبعيداً عن طعنات غالباً ما تأتيه من الخلف.


سانا

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

    اسمك

    الدولة

    التعليق