سامية حلبي: العرب هم من اخترعوا التجريد

03 05

أنا فنانة قضية ولكن بطريقتي الخاصة

يبقى الفنان أسير همومه التي تظهر جلية وواضحة في اللاوعي في نتاجه الفني، والفنان الفلسطيني حمل القضية وأراد إيصالها للعالم أجمع من خلال فنه، كلٌ حسب مقدرته الإبداعية وحسب أسلوبه والزاوية التي يريد منها طرحها.
إن الفنانة الفلسطينية سامية حلبي شأنُها شأن باقي الفنانين الذين يسعَون دائماً إلى طرح قضيتهم عبر فنهم، لكن على طريقتها، فبالنسبة إليها فلسطين غير موجودة في أي مكان آخر من العالم، وموجودة في كل الأمكنة في عملها، وذلك هو بالضبط ما تريده. كل ما في رسمها حر، ينمو، وينبض بالحياة.
درسَت التاريخ جيداً ووجدت أن العالمية أقدر على طرح القضية حين تقول «عليّ مسؤوليةُ أن أكون عالمية، فالتاريخ ينبغي أن يحفظ شيئاً ذا قيمة، لذلك عندي ثقة بأن المستقبل معنا وليس معهم».
ألوانها حاضرة في لوحاتها الضخمة وهي مليئة بالبهجة والانطباعية وعنها تتحدث: «ألواني هي ملعبي وأفكاري البصرية وخلفها هناك معان خفية، حالَ لوحة "دمروا الجدار" فرغم أنها بألوان الربيع إلا أنها مليئة بالألم والظلم الكبيرين أكثر مما يمكن أن نتصوره ولكن قوة العمل تكمن في أنه من دون هذا العنوان لا يتضح أن اللوحة هي حول الجدار»، وفي لوحة أخرى «دعوا الحياة لخصوبتها» قررت إبراز أن الحياة وفلسطين خصبتان وأن اللوحة احتفاء بالخصوبة والطبيعة.
منزل طفولتها لا يزال موجوداً هناك في القدس ورغم أنه صودر إلا أنه يبقى منزلها، وفي ذلك تقول حلبي «لم أعتبر أن لي وطناً سوى فلسطين وكلما حاولت شراء منزل في أي مكان من هذا العالم أجد صعوبة في ذلك وعدم مقدرة من الناحية العاطفية».
إن من بين الأشياء التي تخلص لها الفنانة سامية أكثر من غيرها هي نفسها والفن، وتجد أن هناك تأثيرات واتجاهات واحدة تؤثر في الفن العربي ومعظمها آت من الحضارات القديمة (المصرية والسومرية والكنعانية)، فتقول «بين صفوف الرسامين العرب هناك تقليد ونفوذ ضاربان للخط العربي وينقسم ذلك إلى نمطين أحدهما يستخدم الخط المتحرر والآخر رسميّ يستخدم شكل الخط ذي القواعد التقليدية الصارمة».
أما في سورية، ثمة حركة غير اعتيادية من رسم الأشكال حول كيفية تفاعل الناس اجتماعياً مع بعضهم البعض، وذلك دفعها إلى إقامة معرضين كان أولهما في منى أتاسي عام 1997 والثاني في غاليري أيام في الثالث من أيار 2008 حيث قدمت الفنانة سامية حلبي ثماني عشرة لوحة من القطع الكبير تحت عنوان «الأمل في مستقبل».
لقد استُمد هذا العنوان من ألوان لوحاتها التي جاءت هادئة مفعمة بالحيوية وتنبض بالحياة، وفيها تقول «كثير من الناس يستغربون من أن ألواني متفائلة كثيراً، ولماذا متفائلة وأنا فلسطينية؟ وأجيب أنني متفائلة لأن المستقبل معنا، وأما لماذا المستقبل معنا فذلك يتطلب من الفنان معرفة في التاريخ جيداً ثم تجريب السير نحو المستقبل».
تتابع حلبي: «عندما أنظر نحو الطبيعة وألوان المدينة والناس وكل الأشياء الملونة أجد أن هناك شيئاً جميلاً جداً فأقوم بتجربة استخدام هذه الألوان، تارة أستخدم فيها ألواناً غامقة قاتمة مثل لوحة "مناضلات" وهي إهداء لمناضلة فلسطينية اسمها دلال المغربي، قمت برسمها في السبعينات عندما استشهدت، وخرجت قاتمة اللون لأن الموضوع مهم ويحتاج إلى شيء فيه قوة ووجود، ولوحة "ليالي المدينة" التي أردتها غامقة اللون أيضاً لأنني وجدت أنه من المهم أن نعرف موادّنا والطرق التي نعمل بها من التظليل والمنظور والرسم وكيف ننظم اللوحة باستخدام الغامق والفاتح وكل التدريج بينهما، لكنني لم أستطع الاستمرار في هذا الأسلوب وقمت بزيادة الألوان في لوحة "هدموا الجدار" التي رسمتها من أجل معرض في طوكيو ومن أجل كل من ينعت جدار الفصل بهذا الاسم بينما أجده جدار القتل والخنق للفلسطيني».
ليس المشهد الفلسطيني موجوداً في لوحاتها بالطريقة الكلاسيكية المتعارف عليها مع العلم أنها تملك موقفاً سياسياً حاداً حيال القضية، ومن جهة أخرى لديها سلسلة من الأعمال المختلفة عما تقدمه اليوم من حيث المباشرة في الطرح والعرض والكلام فيفهم المتلقي جيداً ما تعنيه، إلا أنها في معرضها هذا تقدم فناً تجريدياً، وتقول «أنا فنانة سياسة وفني مسيس بطريقتي الخاصة، على أنني بالدرجة الأولى فنانة ورسامة ومهم جداً أن أقدم في بعض المعارض لوحة فنية لا سياسة، وإن أردنا بوصفنا فلسطينيين أن نكون موجودين علينا أن نكون متميزين ومتقدمين في كل شيء ندرسه ونقوم به، فمن وجهة نظري بصفتي رسامة درست التاريخ جيداً هذه هي الطريق الصحيحة كي يتذكرنا التاريخ».
تتغنى الفنانة سامية بالتاريخ وتجد نفسها قارئة جيدة له ومنه تستمد عبرها وتثبت خطاها، ومنه أيضاً وجدت أن مستقبل الفن سوف يكون باتجاه التجريد، وهو الجزء المتقدم من الرسم، ومن هنا اختارت لنفسها هذا الخط ليس من قبيل التميز بل استمراراً لما بدأه أجدادنا العرب وهم أهل التجريد، تقول «العرب هم من اخترعوا التجريد وقدمنا شيئاً مذهلاً للغاية بين عامي 1000 و1700 وأيضاً قبل ذلك بكثير ويمكنني التأكيد على ذلك من مسجد قبة الصخرة، ومن مساجد المدن القديمة التي سنجد على جدرانها أجمل تجريد عرفه العالم ويمكن أن نراه، فلماذا لا نسميه لوحة؟».
تتابع حلبي: «نحن العرب مشكلتنا أننا لا نملك مقدرة على استيعاب حقيقتنا أحياناً أو نشكك فيها في أحيان أخرى، فالعربي شيء مهم جداً وهذه مسؤولية علينا اليوم فهمها والانطلاق على أساسها».
من جانب آخر الفنانة النحاتة منى السعودي تقول في معرض حلبي «أتيت من بيروت لرؤية معرض الفنانة سامية، وهي صديقة السبعينات واليوم أجدها قد وصلت إلى مستوى تجريدي بعيد جداً وفي الوقت ذاته هي ملونة بارعة كمن يرسم مناظر طبيعية، ألوانها بكامل إشراقات الطبيعة ولكنها تجرد هذه الطبيعة إلى مستوى كبير بعيد، وإضافة إلى اللون والتكوين هناك موسيقى عالية جداً.
تحتاج لوحات سامية إلى تأمل لوقت طويل قبل الحديث عنها، فاللوحة متحركة تنطوي على إحساس بالتاريخ والزمن والإنسان والطبيعة ومستويات عدة لا تنتهي تحتاج إلى قراءة متعددة».
الجدير ذكره، أن الأعمال التي قدمتها الفنانة سامية تنقسم إلى مستويين زمنيين فمنها ما أُنجز أعوام السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم، ومنها ما عكفت الفنانة على إنجازه في السنوات القليلة الماضية.


رياض أحمد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق