الموسيقى السورية والإسبانية متقاربة وفيها الكثير من الجذور المشتركة 27/كانون الثاني/2009
 أحيت فرقة حمص لإحياء التراث بقيادة عيسى فياض وبمشاركة العازفين الإسبان «نورما بيلا»، و«ميغيل انخيل كاسكو»، و«مانويل ايتوريجي» أمسية موشحاتٍ أندلسية مساء الاثنين 26 كانون الثاني، على مسرح صالة الدراما في دار الأسد للثقافة والفنون، بالتعاون مع السفارة الإسبانية والمركز الثقافي الإسباني بدمشق معهد ثربانتس.
وقد عاش الحضور ساعةً ونصف من التناغم الموسيقي الإسباني السوري، ومرواً بين حارات مدينة سالامنكا الإسبانية حيناً ولمسوا أحجار حمص السود حيناً آخر، من خلال 15 موشحاً قدمها العازفون بإتقانٍ رائع مستخدمين آلاتٍ عربية مثل العود وأخرى اسبانية مستوحاة ومجددة من التراث العربي مثل آلة البوكا والسيتولا.
بدأ برنامج الحفل بثلاثة موشحات اسبانية مأخوذة من التراث المحلي لمنطقة كاستيليا، ومدينة سالامانكا، وإقليم الباسك، حازت تصفيق الجمهور وإعجابه، ثم غنى الفنان عيسى فياض أغنية من التراث الاسباني «أمي تريد تزويجي» وبعدها أدى باللغة العربية موشح «لما بدا يتثنى».
وبعد عزفٍ مشترك للموشح الشعبي الاسباني «أغاراو قديمة» قدمت فرقة حمص لإحياء التراث منفردة موشح «الوداع» ثم عزف موشح «ايسباتادانتثا» الذي تميز بتوالي الآلات الموسيقية في الإيقاع نفسه، وشهد توالفاً جميلاً بينها ثم أدى الفنان فياض أغنية لبنت الشلبية وادى باللغة الإسبانية أغنية تكريم للشاعر الأندلسي «غوثمان».
وانفرد الموسيقيون الإسبان بعزف موشح «فاندانغو» الذي أدهش وأمتع السامعين غنى فياض أغنيتي «فوق الناخل فوق»، و«البلبل ناغى غصن البان»، وأدى العازفون مجتمعين موشحين جميلين من التراث الإسباني ختموا بهما الأمسية الموسيقية.
وقال خوان سيرات -السفير الإسباني بدمشق- في تصريح له عقب الحفل: «إنَّ العلاقات الثقافية بين سورية وإسبانيا هي مثل العلاقات السياسية ممتازة وفي أعلى مستوياتها، وذلك بفضل دعم الحكومتين لكلتيهما ونأمل أن ترتقي العلاقات الاقتصادية لهذا المستوى».
وأضاف سيرات: «إنَّ هذا الحفل يؤكد أن الموسيقى السورية والإسبانية ولاسيما في القرون الوسطى متقاربة وفيها الكثير من الجذور المشتركة، وأحياناً نشعر أنها متطابقة»، مضيفاً: «إنَّ التواصل الثقافي بين سورية واسبانيا على المستوى البعيد يحسن العلاقات بشكلٍ أفضل ونأمل أن يزداد دون توقف».
من جانبه أعرب الفنان الإسباني ميغيل انخيل غاسكو عن حبه الشديد لسورية قائلاً: «إنَّها تضم الأصالة القديمة والحضارة الحديثة»، وأضاف غاسكو ما أذهلني في سورية هو الحس الإنساني الراقي وحب المساعدة الذي يتمتع به السوريون ونادراً ما تجد ذلك عند شعوبٍ أخرى، وأكد أن الحوار الموسيقي يختلف عن خطوط الحوارات الأخرى ويسهم في التقارب بين الشعوب لأنه نوع من السياسة الإنسانية ولا يميز بين اللون أو الدين أو غيره، وتحدث غاسكو عن التشابه موضحاً أنه جاء إلى سورية منذ نحو سنتين فقط ليشتري عوداً عربياً ومن ذلك الوقت تولد عشقه لهذا البلد الجميل.
وأضاف بعد ذلك بدأت مع زميلتي في الفرقة نورما بيلا في إدارة تثاقف الموشحات لإيجاد طريقة توثق التواصل مع الموسيقى السورية، وهكذا قدمنا هذا الحفل الذي سيربطني أكثر بسورية وأبقى قريباً منها في قلبي وجسدي.
بدوره أكد العازف الإسباني مانويل إيتوريجي والذي كانت له مقطوعة موسيقية من تلحينه «فاندانغو» أن هذا الحفل يُمثل نوعاً من التمازج الحضاري بين الشرق والغرب، مضيفاً: «إنَّنا نحمل إلى دمشق تراثنا الإسباني لنشارك السوريين عزفهم كما حمل الفنانون السوريون سابقاً مؤلفاتهم الموسيقية وبقيت محفوظة في قلوبنا».
وفيما يتعلق بسوية العازفين السوريين المشاركين وانسجامه معهم قال مانويل: «بالنسبة إلي كان من السهولة أن أنسجم مع فرقة حمص لإحياء التراث لأنهم يمتلكون مقدرةً جيدة على قراءة النوتة الموسيقية»، وأضاف: «هذه الزيارة الثانية لي لسورية بعد أن زرتها الصيف الماضي مدة أسبوعين قد تفاجأت بالتطور الحاصل فيها ولاسيما في الموسيقى وطريقة التعامل مع الناس وسعدت كثيراً بما شاهدته ولمسته».
من جهته قال الفنان السوري عيسى فياض: «إن فكرة الحفل بدأت في إسبانيا العام الماضي عند دعوتي من قبل المركز الثقافي السوري في مدريد لإحياء أمسياتٍ موسيقية، وطرح الفنانون الإسبان مشروع هذا الحفل لرغبتهم بالاحتكاك بالموسيقيين السوريين بالتحديد»، مضيفاً: «إنَّنا بدأنا منذ نحو عام بالتعاون معهم لإنتاج فيلم عن الموسيقى السورية، ثم تطور هذا التعاون لإحياء حفلٍ مشترك إلى جانب الفيلم».
وأشار فياض إلى أنَّ هذا الحفل الذي قدمت قبله ثلاث حفلات في أيلول الماضي باسبانيا يصب في خدمة حوار الحضارات، لإبراز ثقافتنا وغناها ولاسيما في الموسيقى، مشيراً إلى أنَّ مستوى التدخلات في الموشح كانت بسيطة ولم نغير بالميلودي أو النوتة الموسيقية، بل كانت لهذه التغييرات علاقة بالنكهة وعزفنا الموسيقى الإسبانية بآلاتٍ عربية، وكذلك الأمر بالنسبة للموسيقى العربية، مضيفاً: «إنَّني لم أشعر بالاختلاف بين الموسيقيتين لأن الحفل جاء بعد دراسة واستماع جيد إذ إننا حفظناه وأديناه وعزفناه بنكهتنا العربية».
وحول إتقانه للأغاني الإسبانية قال فياض في البداية كانت هناك بعض الصعوبة ولكني تخطيتها لكوني ذهبت إلى اسبانيا مراتٍ عدة، وكنت مصراً على تعلم اللهجة وطريقة الأداء وهذا ما ظهر خلال الحفل، معرباً عن أمنيته بأن يتطور المشروع ويتوسع ليصبح هناك حوار مع دولٍ أخرى وليس مع اسبانيا فقط.
وقد أعطت هذه الأمسية التي قُدمت ضمن إطار مشروع تثاقف الحضارات نوعاً من التآخي الموسيقي بين أنغام وألحان من الشرق والغرب، وأظهرت تصاهر الموسيقى السورية وتماشيها في الكثير من مواضيعها مع موسيقى الأندلس، حيث تطور العود هناك نحو آلات العود الأوروبية وثار على آلات الوتر النابض في كلِّ أوروبا.
وحافظت فرقة حمص لإحياء التراث التي تضمُّ قائد الفرقة عيسى فياض على العود، وإميل عيسى على الإيقاع، وروبير غزال على القانون، وروي عبد النور على الكمان، حافظت على الإرث الموسيقي العربي حياً وطورت بعض المقطوعات الموسيقية الجديدة وقدمت الكثير من المقطوعات الأندلسية القديمة والعربية الكلاسيكية وشاركت في العديد من الحفلات والمهرجانات الموسيقية والغنائية داخل سورية وخارجها.
|