مهرجان دمشق السينمائي يحتفي بالمخرج الروسي أندريه تاركوفسكي

من أهم رواد سينما الحقيقة الروسية

11/تشرين الثاني/2008


اختصت الدورة السادسة عشرة لمهرجان دمشق السينمائي الدولي بتقديم تظاهرة أفلام المخرج الروسي الكبير أندريه تاركوفسكي وذلك في القاعة المتعددة الاستعمالات في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق، وتضمنت أفلامه طفولة إيفان، وأندريه روبلوف، وسولاريس، والمرآة، والمقتفي، وحنين، والقربان.

ويُعتبر تاركوفسكي من أهم رواد سينما الحقيقة الروسية التي تستخدم الكاميرا السرية والأسلوب التعبيري في التصوير ويعتمد بشكل مباشر على التصوير في الشوارع والبيوت الحقيقية وليس وسط ديكورات الإستديو المتحركة، حيث بدأ أندريه مسيرته الفنية بفيلم «المدحلة والكمان» 1961، ثم تلاه فيلم «طفولة إيفان» 1962، و«أندريه روبلوف» 1971، وتمّ تصويرهما بالأبيض والأسود لينتقل بعدها إلى اللون في فيلمه سوليارس 1972.

وتتجلى في هذه الأفلام نزعة تاركوفسكي في إعادة تكوين الأشياء بالقدر الملموس أي الوقائعية في تصوير الأرضية والملامح الطبيعية للشخصيات.

كما يمكن أن نلاحظ في أفلام تاركوفسكي تلك الرغبة الشديدة التي سميت حينذاك باللادرامية أو الحد من الدرامية، التي تعتمد على البداية والذروة والنهاية، فلا وجود للحبكة في أفلام تاركوفسكي، بل هناك أحداث تجري في وسط معين وتنتهي في النقطة العليا في تطور الأحداث وهي الذروة التي تنهي الصراع دون مقدمات أو استهلالات حوارية أو مطولات في الوجد واللوعة والرومانسية.

وتقوم لغة تاركوفسكي السينمائية على أنّ السينما خلافاً عن الفنون التصويرية الأخرى كالرسم والغرافيك والتصوير قادرة على استرجاع الحركة ولذلك ركز في أفلامه على ديناميكية الشيء وإيقاع حركته كما كان يؤكد دائماً الإيقاع هو العنصر المكون للسينما فإحساس الإيقاعية في اللقطة يشبه الإحساس بالكلمة الصادقة في الأدب.

دخل تاركوفسكي عالم السينما الاحترافية بفيلم «طفولة إيفان» الذي يدل على ثقة المخرج بنفسه وصلابة موقفه الإبداعي لأنه يطرح أفكاراً جديدة وسيلتقي مع فيلمه الأخير القربان ففي الأول يفقد البطل بيته وتنتزع الحرب بيت إيفان، أما في الثاني يحرق ألكسندر بيته بيده كما توجد صلة أخرى بين هذين الفيلمين تتمثل بموضوع المرآة التي ستظهر في كل أفلامه وستكون عنواناً لأحدها ففي القربان وقبل أن يحرق ألكسندر بيته تسجل الكاميرا صورته المنعكسة على المرآة، ونجد مرآة أخرى معلقة فوق سرير ابنه الصغير وكأنها باب إلى عالم آخر.

تعتمد سينما تاركوفسكي على المثال الذي تطمح إليه الشخصية الرئيسة حيث تتواجد شخصياته في وسط قاتم يناقض المثال يسيء إليه وهذا ما عبَّر عنه أندريه بمقال كتب فيه أكثر الشخصيات التي تثير اهتمامي هي تلك الساكنة من الخارج في حين يسيطر عليها من الداخل ولع وطاقة متوترة، كما يؤكد تاركوفسكي أنّ عمل السينمائي يكمن في نحت الزمن المؤلف من ديناميكية المقاطع البصرية المسجلة والتي غالباً ما تقسم إلى زمن تاريخي وزمن وجودي، ومهمة المخرج تأتي في مزج هاتين الطبقتين في إطار بصري ونفسي واحد.

أما تعامل تاركوفسكي مع الزمن في أفلامه فتتجلى في فيلمه أندره روبلوف، حيث اختار وقائع تاريخية حقيقية من تاريخ روسيا في القرن الخامس عشر، وابتدع في الوقت نفسه تاريخه الخاص حيث يمثل احتراق مدينة بطل الفيلم فلاديمير أكثر الأحداث مأساوية في موضوع الفيلم تمكن فيها تاركوفسكي من ضغط المرحلة التاريخية والوصول بها إلى درجة عالية من الكثافة، كما حدث في فيلمه «طفولة إيفان» الذي كتب عنه الكاتب الفرنسي سارتر وحش كامل رائع وشنيع.

في فيلمه سوليارس دخل تاركوفسكي مرحلة إبداعية جديدة تراجع فيها عن الوقائعية التي وسمت أعماله معتمداً على رواية كاتب الخيال العلمي البولوني ستانسلاف ليم ما أثار حفيظة النقاد في نقد لغته الجديدة التي حافظت على وقائعية دقيقة في فيلمه المرآة وظهرت على شكل لقطات وثائقية لها أهميتها في البناء الزمني للموضوع عما كانت عيه في أفلامه السابقة إيفان أوروبلوف ويتحدث سوليارس عن إنسان اسمه كريس كالفن يشعر بالحزن على ماضيه ويرغب في أن يعيشه من جديد حتى يغيره وتدور الأحداث في محطة سوليارس وهي كوكب مختلق يمثل شيئاً شبيهاً بدماغ عملاق تتجسد في باطنه تلك الصور التي أخفاها أبطال الأفلام في أرواحهم.

يمثل فيلم المرآة نقطة مركزية في مشوار تاركوفسكي السينمائي حيث تصبح لغته السينمائية أكثر تقشفاً وأصالة وهو من أكثر الأفلام تعقيداً من حيث الأفكار والبناء الدرامي فالبطل لا يظهر على الشاشة بل نسمع صوته ونرى يده مرة واحدة فقط وهذا يعود إلى تمكن هذا المخرج العبقري من تحديد زاوية النظر خارج التوتر الدرامي البوليسي وحيث توجد ثلاث مراحل من حياة البطل هنا والآن والطفولة المبكرة و الصبا ليبدأ الفيلم بمشهد تكون فيه الأم جالسة على سياج البيت الريفي متحدثة إلى عابر سبيل يتابع بعد ذلك طريقه وتتوالى مشاهد اهتزاز الأعشاب وسقوط إناء الحليب عن طاولة الحديقة.

يُذكر أن المخرج أندريه تاركوفسكي اشتغل في الرسم، والنحت، والموسيقى، ودرس اللغات الشرقية ليصبح بعد الحقبة الستالينية في روسيا واحداً من أهم مخرجي السينما في العالم، ولينتهي به المطاف في إيطاليا حيث أنهى تصوير فيلمه نوستالجيا ليبدأ تشرده وتنقله في الغربة من مدينة لأخرى والذي أدى إلى تفاقم مرضه ليموت بسرطان الرئة في خريف 1986 وحيداً في باريس.




سانا


مواضيع ذات صلة
- الدراماتورجيا في ندوة فكرية لمهرجان دمشق المسرحي
هل رهنية مسرحنا العربي تستدعي أن يكونَ لدينا الدراماتورج؟

- مهرجان دمشق المسرحي يتابع عروضه وسط ازدحام في صالات دمشق
وجود مستوى مهم من الرؤى المسرحية الواعدة يقوم بها جيلٌ جديد

- دمشق تختتم مهرجانها السينمائي
الذهبية للفيلم التشيكي قوارير مستعادة

- تظاهرة أفلام الراحل يوسف شاهين في مهرجان دمشق السينمائي
تكريماً له كمخرج محترف قدم أفلامه بعين مختلفة

- كاترين دونوف: سورية بلد رائع لم يعط أسراره كلها
السينما حاليا تحاول أن تكون أكثر قُرباً من الناس

- فراس إبراهيم باستضافة «اكتشف سورية»
السينما فن الاختزال والجرأة

- صالح أوقروت: السينما السورية متميزة بكوادرها الجادة
هالة محمد: لا يوجد في سورية طقس سينمائي

- مهرجان دمشق السينمائي يختتم اليوم
يتوقع المراقبون ألا تخضع نتائجه لسياسة التسويات

- منال سلامة: استمتعت بحفل الافتتاح
أنا مسرحية بالدرجة الأولى وأدرك أهمية العمل

- سوسن بدر: المهرجان يستحق صفة الدولي
ضرورة إعادة عرض الأفلام بعد المهرجان


تعليقات القراء

المشاركة في التعليقات:

*اسمك:
الدولة:
بريدك الإلكتروني:
*تعليقك:

الحقول المشار إليها بـ (*) ضرورية

ضيف اكتشف سورية
أنطون مقدسي
أنطون مقدسي
حصاد عام 2008
حصاد عام 2008
دمشق القديمة
غاليري اكتشف سورية
غاليري اكتشف سورية
 

 
 


هذا الموقع برعاية
MTN Syria

بعض الحقوق محفوظة © اكتشف سورية 2008
Google وGoogle Maps وشعار Google هي علامات مسجلة لشركةGoogle
info@discover-syria.com

إعداد وتنفيذ الأوس للنشر
الأوس للنشر