فضاء فاتح المدرس

في آخر ندوة عن الفنان الراحل كيف يرى فاتح المدرس؟

فضاء فاتح المدرس

أواخر أيار الماضي وبرعاية من السيدة الدكتورة نجاح العطار وزيرة الثقافة دعت المهندسة سمر حمارنة لحضور ندوة حول كتابها المنجز مؤخراً بعنوان «كيف يرى فاتح المدرس؟...» وذلك في قاعات الصليب-بالقصاع.

شارك في الندوة كل من الدكتور عفيف بهنسي والدكتور غسان السباعي ضيوفاً على المنصة. وكانت أغنت هذه المشاركة كل من مداخلات الأساتذة علي القيم، وطارق الشريف، وسعد القاسم.

هذا النشاط والذي كان من المقرر أن يتضمن حفل توقيع الدكتور فاتح المدرس على الكتاب والذي لم يتم بسبب تغيب الفنان الكبير لحالته الصحية آنذاك...

كانت الدعوة لمناقشة كتاب «كيف يرى فاتح المدرس؟...» والذي حاولت فيه الكاتبة أن تقدم جهداً كبيراً ومشكوراً، كان القصد أن يعبر الأستاذ عن نفسه وآرائه بلسانه هو، «هذا ما سجلته السيدة حمارنة في بطاقة دعوتها» عبر أسئلة طرحتها بعد أن قرأت الكثير عنه واستمعت إليه ساعات طويلة، وترددت على مرسمه أياماً وشهوراً... واطلعت على اللقاءات التي أجريت معه، والمقالات التي كتبت عنه، وقابلت العديد من أصدقائه الكثر، فاختارت منها ما ارتأت أنه يتمم موضوعها.

إلى هنا وللأمانة فقد جاء الكتاب مميزاً وأليفاً ومعبراً إلى حد كبير وخاصة من حيث الأمانة الطباعية للوحات الفنان والتي برأيي تبقى أهم وثيقة عنه. بل أهم من كل ما كتب وما سيكتب عنه لاحقاً.

وكما هو متوقع فقد خرجت الندوة عن ذلك الإطار أو العنوان على أهميته وأهمية الكتاب نفسه، الذي بقي سبباً لانعقاد هذه الندوة الهامة والتي أسهب فيها المنتدون بالكلام والحديث الذي تشعب ليطال فاتح الفنان «كظاهرة» وعلامة مميزة في الحركة التشكيلية السورية، والعربية والعالمية، بالإضافة لاستعراض جوانب هامة من تجربته ومراحل تطورها.

وهنا كان لابد من التكثيف المركز للإحاطة بمعظم ما جاء في محاور الندوة من خلال ما جاء عليه أهم المتحدثين...


كلمة الدكتور عفيف بهنسي:
المدرس بأعماله متحف كامل

من خلال أعماله فقط نستطيع أن نتعرف على من هو فاتح المدرس؟

ليس من السهل أبداً أن نكتشف عمراً طويلاً من خلال لوحة ولكن مع ذلك فإن جميع الفنانين في العالم كانوا قدموا أنفسهم ليس من خلال حوار أو ندوة أو محاضرة أو كتاب وإنما قدموا أنفسهم من خلال أعمالهم التي ما زلنا نطلع عليها بالمطبوعات أو المعارض أو المتاحف.

فاتح المدرس بأعماله متحف كامل، استطاع أن ينتج بغزارة خارقة، نقول هذا ونحن نعتز بهذا الكم الكبير، ولكن ليس السؤال اليوم عن مدى أو عن حدود هذا العمل، بقدر ما نريد أن نتحدث عن عمق هذا العمل، يمتاز الكتاب الذي بين أيدينا بأنه استطاع أن يسلط ضوءاً محدداً على جزء من أجزاء لوحة من لوحات فاتح المدرس. كان هذا عملاً ذكياً، لأنني كما أعتقد أن عملاً ما من أعمال الفنانين يتألف من مجموعة من اللوحات، وليس من لوحة واحدة، إنها مجموعة من الرؤى، من المواضيع، ولذلك فإن الذي استطاع أن يستخلص من عمل من أعماله مجموعة من الأعمال كان ذكياً، بهذا نستطيع أن نقرأ عملاً لفاتح كما نقرأ قصيدة، فالقصيدة لا تقرأ كلها دائماً نقرأ بيتاً بيتاً، ونستطيع أن نستخرج من القصيدة بيتاً ما، نحدد فيه معالم الموضوع، ومعالم الشاعر أيضاً، كذلك فاتح، نستطيع من خلال جزء من أجزاء عمله أن نكتشف الفنان «قلت الفنان» لأن الحديث عن الإنسان أمر آخر، فاتح المدرس الإنسان أمر آخر، لكن نريد اليوم أن نتحدث عن فاتح الفنان، لأنكم على ما أعتقد أتيتم لا لتسمعوا قصة إنسان، فلك منا قصة، ولو أننا سردنا أو لو أراد كل منا أن يسرد قصته لكنّا جميعاً تاريخاً غزيراً جداً حافلاً بالأحداث بالمطبات وبالذروات وبالأهداف... وإن تاريخه محطات، وكانت هذه المحطات فعلاً في الحياة، في المجتمع، في الفن، في الحضارة في هذا العالم المتداخل مع نفسه تداخلاً عجيباً، وخاصة في هذا العصر، وأنتم تعرفون إننا نعيش في عصر ضمن نطاق ما يسمى «الحداثوية»... وفاتح واحد من الفنانين اليوم في هذا القطر وغيره يعيشون عصر الحداثوية.

ماذا الحداثوية؟

يقول الحداثويون: يجب أن ننفصل عن الفن، نحن ندعو إلى اللافني، إذا كان الأمر كذلك، هل فاتح قدم لنا هذا الرمز السيء للحداثوية؟

لكي نتأكد تماماً أن فاتح كان يعيش ظروف الفن الحديث، شارك في المعارض وآفاقها، درس في الخارج، قدم أعماله، سمع رأي النقاد، اندمج بالفنانين، لكن أنا أقول هل كان فاتح يحمل جواز سفره معه إلى أي مكان سافر، في أي حفل حضر، في أي حوار تحدث، هل كان يحمل هويته تماماً، يقول في الحقيقة، يجب أن ندقق في هذا القول. لأنني كما قلت إذا كان فاتح حداثوياً، إذا كان ارتبط بذلك الانقطاع أو الانفصال عن الفن، أو عن أي شيء، طبعاً، لا نعتقد، لأننا عندما نقف عند عمل ما، أو جزء من عمل ما وجدناه في هذا الكتاب أو ذاك. فإني أقول إ فاتح قدم عملاً تجاوز فيه الحداثوية، وسجل كلمة فيما يتعلق بما بعد الحداثوية، لأن تلك المرحلة تيار جديد يظهر، لكي يتحدث عن الخلاص من الحداثوية ومن مطباتها، لكي يتحدث عن الانقطاع، وكيف دعوه إلى الالتحاق أو إلى الانتماء، هل ينتمي فاتح المدرس؟ وإلى أي شيء؟ هل ينتمي إلى القضايا السياسية؟ هل ينتمي إلى المجتمع؟ إلى الفكر.. هل ينتمي للفن؟ وكل هذه أسئلة ويجب عندما نقرأ فاتح أن نضع جدولاً لهذه الأسئلة كي نجيب نحن أو النقاد عن هذه الأسئلة.

فاتح عاش كما تعرفون مع الطبيعة في بداياته، وذكريات هذه الطبيعة التي كونت هذا الإنسان، وهو كائن طبيعي لا يستطيع أبداً أن يكون خارج الطبيعة. وهو كالشجرة، كالغيمة، كالمطر، وكالوردة هكذا الإنسان، وفاتح كذلك كان ينطلق بحرية كاملة من مقهى إلى آخر، ومن مكان إلى مكان يحمل أي ورقة التقطها لكي يرسم عليها ما ريد أن يرسم، ماذا يرسم فاتح؟ كانت الطبيعة بالنسبة له، هي الموضوع الأول، وما زالت على ما أعتقد هي الموضوع الأول والأخير. وفي كل عمل فني له نرى السماء، نرى الغيوم، الشجر، نرى هذا الكون السديمي، ومع التحول؟... ما ذنب هذه الكائنات التي تتحول إلى مسوخ، على كائنات خيالية، إلى كائنات لا نستطيع أن نجد لها بعداً وعمقاً أو حداً.

هكذا إذاً، خطه دائري ونقطتين تعبر عن الطفولة، هاجس من هواجس فاتح المدرس، هاجس قديم، هل كان طفلاً فعلاً؟ نعم إن فاتح ما زال طفلاً، طفلاًَ عابساً، ولذلك قلت في البداية، لا نستطيع أن نلتقط فاتح، لو كان موجوداً، لا أستطيع أن ألمسه، من أي جهة ألمس فاتح، لم يكن محدداً، وما زال غير محدد. هكذا أنا أعتقد أن كبار الفنانين ليس من السهل أن نعرفهم من خلال سطر من السطور، مواكب أعمالهم هي التي تحدد تاريخهم تحدد مفهومهم وحقيقتهم علينا أن نتعلم قراءة أعمال فاتح، نعم، هي قراءة خاصة، وأنا أعتقد اليوم بالنسبة لكبار الفنانين أصبح لكل منهم ناقد مختص، يتعايش مع هذا الفنان، أو مع فنه، أو عرف تماماً ماذا يريد، ماذا يفكر، ماذا يحدث؟ ما هي معالم الكلمات التصويرية التي يقدمها؟... هو الوحيد هذا الناقد يعتقد أنه قارئ جيد لهذا الفنان وأنا أطالب هنا أن يكون لكل فنان ناقد، بل على الأقل أن يكون الناقد قادراً تماماً على قراءة هذا الفنان، قراءة دقيقة بليغة وموضوعية، أكثر من ثلاثة كتب ظهرت، بعضها عن وزارة الثقافة للأستاذ طارق الشريف، وبعضها صدر عن صالة خاصة، وهذا الكتاب الذي بين أيدينا، وهذا يدل على أننا نريد أن نقرأ فاتح، وأننا ممتنين كثيراً لهؤلاء الذين اهتموا بالفن وكان فاتح من أهم همومهم، شاركوا بكتابة هذا الكتاب، إن فاتح يحتاج إلى قراءة جيدة لكي نتعرف على فاتح الإنسان كما قلت، وهذا شيء هام، ولكن حول قضايا الفن في هذا العصر، يتحدثون فعلاً عن «البيكاسية» ليست لأنها ترتبط ببيكاسو، بل لأنها عصر، ولماذا يكون فاتح عنواناً من عناوين هذا العصر.

أعتقد أن فاتح هو في مصاف هؤلاء الكبار في العالم، وإن لم تتوفر له تلك الظروف التي صنعتهم.

كلمة الدكتور غسان السباعي


«فاتح فنان الحضارة السورية»
هذا الكتاب له خاصية متميزة عن الكتابين السابقين لوزارة الثقافة «طارق الشريف» وصالة أتاسي... فخصوصية هذا الكتاب أنه كتب من قبل فاتح المدرس لأن محتوياته هي حوارات معه، بالإضافة لمقولات وكتابات يملأ فيها جدار مرسمه منذ سنوات طويلة، لاحظت ملاحظة من خلال تلك الحوارات أن جميع الأسئلة التي وجهت لفاتح كانت إجابات غير متطابقة مع مضمون أو محتوى الأسئلة، فقد تكون هذه مفارقة عجيبة بين السؤال أو جملة الأسئلة التي كانت هامة جداً، وبين تلك الأجوبة التي كانت هي أيضاً هامة جداً، رغم عدم صلتهما، وأعتقد أن هذه الملاحظة تلخص بشكل ما طبيعة فاتح المدرس، أو عمل أو طريقة تفكير الفنان المدرس، وكيف يتلقى ليس فقط السؤال بل كيف يتلقى فاتح العالم المحيط به، والعلاقات الإنسانية التي تحيط، وكيف يتعامل هذا الفنان مع هذه العلاقات أو ما يحيط به.

فاتح المدرس ضمن جيل معين من جيل الرواد، أمثال محمود حماد، أدهم إسماعيل، نصير شورى، وبعدهم لؤي كيالي، وعدد آخر من جيل كان يمثل الحداثة في سورية، أو هو الجيل الذي نقل إلينا التصوير بشكله المعاصر أو بشكله الفني، لكنه كيف فهم فاتح المدرس الحداثة؟... هو لم ينقل الحداثة من أوروبا، كما نقلها الكثيرون من الفنانين، هناك كما تعرفون مدارس عديدة ومتنوعة بالفن، والفن الغربي، فاتح المدرس في بداياته كان أقرب ما يمكن إلى السيريالية، وكان يقوم بإنتاج عدد كبير من اللوحات مع زميله المرحوم الفنان عدنان ميسر، وللأسف هذه الفترة بقيت مجهولة من حياة فاتح، ولا أعرف لماذا؟ لم يكتب عنها أحد، رغم أهمية تلك المرحلة في حلب والرسومات التي أنتجت في تلك الفترة والتي كانت تميل إلى السيريالية، وكان يرسم الطبيعة، ولكن بطريقته الخاصة، طبيعة ليست نقلاً عنها، حتى الرسوم الأولى كانت ذكريات عن الطبيعة التي عاشها، هو رسم ذكرياته عن الطفولة التي عاشها في سهول شمال سورية، تشكل تلك المرحلة «الطفولة القاسية» إلى حد كبير، لأن فاتح كان وقتها ملتصقاً بشيئين، بأمه وبالأرض، هذا الالتصاق وتلك الذكريات المبعثرة والمشتتة والمضطربة والقاسية أحياناً، احتواها فاتح المدرس وعبر عنها، ليس نقلاً عن الطبيعة، ولوحته الشهيرة التي برزت وعرف من خلالها منتصف الخمسينات «كفر جنة» التي تعبر عن منحى جديد، رؤية الطبيعة بالنسبة لما سبق فاتح المدرس وهؤلاء الذين رسموا قبله الطبيعة، كانوا يتعاملون معها بشكل وصفي تقريري.

فناً ينقل الشكل الإنساني، أو «البورتريه» أو المنظر، نقلاً إلى حد ما حرفياً. فاتح المدرس وخاصة بعد رجوعه من إيطاليا، استطاع أن ينقل إلينا حداثة، لكنها حداثة سورية، متأثراً بكل ما في الحضارة السورية، وهنا أريد أن أؤكد أن هذه الحضارات السورية المصرية، أو المنطقة العربية، ونحن من غير تعصب قومي، أقول نحن أول من وضع يده على مفهوم الفن الحديث ومنذ خمسة آلاف سنة على الأقل، السوريون أو المصريون، وفنانو هذه المنطقة القدماء «ما بين النهرين» وطريقة تعبيرهم عن أفكارهم ومعتقداتهم الفلسفية والدينية، ولو دققنا في نتاجاتهم لرأينا هذه الحلول التشكيلية الخط، اللون، المساحة. كيف فهم فنان هذه المنطقة ربط الخلفية في اللوحة بالمقدمة، وكثير من المفاهيم الحديثة موجودة في لوحاتهم الجدارية التي ما زالت شاهدة على تقدم مفاهيمهم، وفاتح المدرس فهم هذه المسألة وهذه المعادلة البسيطة الواضحة، والتقط طبعاً فنانون آخرون سوريون وعرب، حاولوا بطريقة ما وبمفاهيمهم أن يضعوا أسساً أو يبدؤوا فناً حديثاً، كما في محاولات نعيم إسماعيل، وأدهم إسماعيل، حاول آخرون في العراق ومصر، حاولوا أن يتأثروا باتجاهات مختلفة «الفن الإسلامي، الفن القبطي في مصر على سبيل المثال».

هذه الرؤية للفنون القديمة هي محاولات طبيعية عند الفنانين الذين أرادوا أن يصنعوا أو يقدموا فناً حديثاً، لكن برؤية محلية وليس نقلاً أو تقليداً للفن الأول ارجع لأقول أن فاتح المدرس هو من أوائل من بادر إلى هذا الفهم الجيد والطيب.

هناك نقطة مثيرة للاهتمام، وهي علاقة فاتح بالالتزام بالفن «الفن للفن» هذا المفهوم الذي طرح في الخمسينات وكان وقتها حاداً من خلال المناقشات، وأعتقد أن ذلك الطرح كان متطرفاً وقتها إلى حد كبير وهو غير منطقي ولا فني، فاتح المدرس ملتزم، ولكن أي نوع من الالتزام كان يقوم به، إنه بسبب التصاقه بأرضه ووطنه وذكرياته وبالمجتمع فهو أنتج فناً سياسياً، أقول فناً، لأن البعض ينتج سياسة ولا ينتج فناً، هذا الفهم السيئ كان سائداً إلى حد ما في تلك الفترة، والفنان المدرس أنتج أعمالاً كثيرة نراه من خلالها ملتصقاً بقضايا تهم الأمة العربية، مثل قضية فلسطين والحرب الأهلية اللبنانية، بالكثير من خلال أشكال وحشية، الجنرالات، الأوسمة المزيفة في بعض اللوحات، الوجوه الطيبة المجروحة للأمهات والأطفال الممزقة، حتى الطبيعة عند فاتح هي قريبة من تلك الأجواء، ولكن هذا يبقى كلاماً أدبياً، ما أريد أن أقوله، لقد استطاع فاتح أن يضمن هذا السرد في التشكيل، وهذه قيمة الأعمال الفنية أو لوحات فاتح.

ذكر الدكتور عفيف بهنسي أن فاتحاً شاعر، قصاص، وفعلاً هو شاعر، وفنه أقرب إلى التجريد يحوي قيم البقع، والخطوط وقيمة الغرافيك الموجود في عمله الفني، الذي هو ليس تزيينياً وفاتح من الذين فهموا التصوير كلغة تمتاز بعجينة تصويرية، ومن هنا أريد أن أتكلم عن سطح اللوحة عند فاتح، والتي تشبه الإيقاعات الموسيقية كمن استطاع أن يوجد علاقة بين آلة وترية وإيقاع أو آلة نحاسية، بين أصوات وإيقاعات تلك الآلات، ولكن بلغة لونية وشكلية منسجمة، استطاع أن يتغلب على التناقضات الموجودة في الطبيعة، يعني الخط الدائري، أو الدائرة التي تختلف عن المثلث، لا أقول بمعنى التناقض أو الاختلاف، ولكن كيف استطاع أن يوجد العلاقة ما بينهما، أو اللون الحار مع البارد، أو الملمس الخشن «الإيقاع الصاخب» مع الملمس الناعم، إن هذا التأليف والتوازن الدقيق المحكم والحساس جداً، استطاع من خلاله الفنان وبمقدرة كبيرة وعجينة لونية صحيحة ليست تزيينية، أن يعبر عن جميع أفكاره، وعن ذكرياته، المشتقة أو الممزقة، ويضعها في قالب إنساني، أو شكل إنساني، فتصل إلى الناس.

إن مجمل أعمال فاتح المدرس تطرح علينا سؤالاً أو جملة من الأسئلة وهي أهم من الأجوبة إن وجدت. وهنا تكمن أهمية لوحات فاتح، لذلك لا نستطيع ولو حاولنا أن نضع عنواناً للوحة منها، ولا لزوم لذلك، لأننا نكون هنا قد حددنا ذلك العمل وقيدنا اللوحة، لوحات فاتح المدرس تحاول أن تمسك بما هو مادي وما هو ما وراء المادي، هناك شيء داخلي، والجميل أن يبقى هذا التساؤل، لأنه لو كشفنا كل شيء في العمل الفني لفقد أهميته.


كلمة علي القيم:
«فنان مبدع بكل معنى الكلمة»
إن ما قدمه كل من الدكتور عفيف بهنسي والدكتور غسان السباعي حول تجربة فناننا الكبير فاتح المدرس كانت ممتعة وشيقة، ولكن ما استوقفني فعلاً كانت جملة قالها الدكتور بهنسي حول بعض أعمال فاتح والتي كان يجب أن يعيد النظر فيها وأن واحد من المتابعين لتجربة الفنان المدرس من خلال الكتابات والدراسات النقدية التي قدمت عنه، أن هناك كثيراً من التكرار لمرحلة نجاح ما بين الستينات والسبعينات، وهذا يقودنا إلى نجاح اللوحة عند فاتح تجعله يضعف لمجرد تكرارها؟!

وهذا ما يلاحظه معظم المتابعين لتجربة فاتح والسؤال المطروح برأيي لماذا يلجأ فاتح إلى هذه الطريقة أو هذا التكرار في بعض لوحاته وخاصة في مرحلته الأخيرة، وهو فنان مبدع بكل معنى الكلمة وله سمعة عربية ودولية واحترام كبير من قبل النقاد ومتابعي الفن؟

بدوره أحال الدكتور بهنسي السؤال إلى فاتح ليجيب عنه، لأن السؤال يخصه دون غيره وقد علق على ذلك بأن بيكاسو عندما قام بنقل عمل لـ «ديلاكروا» خمس عشرة مرة، ولكن لم يبق من هذه الأعمال إلا واحداً، وهذا أمر هام جداً، وأنا أطالب الفنان أن يكون شجاعاً والفنان «روو» أحرق 75% من أعماله، وأنا لا أريد أن نحرق أعمالاً، ولكنني أريد أن نكون على الأقل، أن نكون قساة في تقرير ما هو جيد أو ما هو ممكن أن يكون معبراً عن تجربة الفنان...