الأتراك والعرب وقافلة الحج

ملخص بحث الأستاذ أحمد المفتي - سورية
في مؤتمر العرب والأتراك.. مسيرة تاريخ وحضارة


الأتراك والعرب وقافلة الحج (الخط الحديدي الحجازي)

شكلت قافلة الحج الشامي دوراً هاماً في تاريخ بلاد الشام عامة ودمشق خاصة، وكان لها الأثر الكبير في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، كما اكتسبت أهمية خاصة في الدولة العثمانية منذ أن دخل السلطان سليم الملقب بياودز حلب سنة (922هـ ـ 1516م) بعد معركة مرج دابق والقضاء على حكم المماليك ومقتل قانصوه الغوري تحت سنابك الخيل، واتخاذه لقب خادم الحرمين الشريفين واقتضى ذلك تأمين طريق الحج وسلامة الحجيج.

كانت قافلة الحجيج المورد الاقتصادي المهم لدمشق حتى أواخر القرن التاسع عشر وكان الوصول إلى مكة عن طريق البر قطعة من العذاب، ولكن تعرضت القافلة للسلب والنهب والسبي من قبل البدو، وفي عام 1112هـ-1700/1701م أبيدت القافلة بكاملها تقريباً، وتعطل الحج أكثر من مرة، وكان لابد لسلاطين آل عثمان أن يفكروا في تأمين الطريق وتسهيل الحجر لأبنائه.

في القرن الثامن عشر اخترع المهندس الانكليزي ستيفنسون المحرك البخاري، وتم صنع أول قاطرة بخارية سنة 1829م، ومد خط قطار الشرق السريع من أوروبة إلى استانبول سنة 1883، وفكر السلطان عبد الحميد حينها في ربط البلدان العربية بشبكة من الخطوط الحديدية، وتأمين طريق الحج بالقطار، فكان مشروع الخط الحديدي الحجازي من دمشق إلى المدينة المنورة.

قرر السلطان عبد الحميد الثاني سنة (1900) بتنفيذ مشروع سكة الحديد التي تصل دمشق بمكة المكرمة، وكان من قبل قد طرح الفكرة الدكتور زامبل الألماني حين اقترح سنة 1864 على الحكومة العثمانية مد خط حديدي يصل دمشق بساحل البحر الأحمر وفي سنة 1880 صرح أكثر المهندسين والجغرافيين بتعذر تنفيذ المشروع، إلا أن السلطان عبد الحميد الثاني قرر في مطلع عام 1900م بتنفيذه لما له من أهمية اقتصادية، فقد كانت إدارة الحج تستنزف من موازنة الحكومة مبلغ 150 ألف ليرة عثمانية على الأقل، وتقدر الهدايا التي توزع على البدو بـ 60 ألف ليرة، كما أن إعمار المناطق الواقعة شرق نهر الأردن وتطوير الزراعة وتنشيط اقتصاد الجزيرة العربية وتسهيل التجارة بين الشام والحجاز وربط الأقاليم ببعضها والسيطرة على حركات القبائل المتمردة سيعود بالنفع على الدولة وسيؤدي ذلك إلى ازدهار وإنعاش الحكومة العثمانية في وقت كانت هي أحوج إليه.

شرع بإنشاء الخط الحديدي الحجازي في شهر أيلول من سنة 1900م مبتدئاً من المزيريب وبين دمشق والمزيريب سكة حديد فرنسية يمكن نقل الحجاج عليها، وافتتح القسم الأول من الخط الحديدي الحجازي سنة 1903، وبعد ذلك بشهر افتتح قسم درعا-عمان، وتيسر لإدارة السكة بمد 223 كيلومتر في اقل من ثلاث سنين وتم انجاز القسم الثالث من الخط الحديدي بين عمان ومعان في أيلول سنة 1904 وبعد معان وصل الخط الحديدي إلى منطقة بطن الغول عام 1906 وتبعد عن معان 114 كيلومتراً، ثم وصل إلى تبوك ثم مدائن صالح ثم المدينة المنورة التي تبعد 1320 كيلومتراً عن دمشق، وقد وصل أول قطار إلى المدينة في 22 آب سنة 1908 وجرى الاحتفال في وصوله وافتتاح المحطة التي شيدت من أجل ذلك.

كان الخط في عهد الدولة العثمانية يعتبر وقفاً إسلامياً ولا يدخل موازنة الدولة، وبعد انسحاب العثمانيين من الشام ودخول الحلفاء اتبع الخط لكل دولة على حده، فقد استولت بريطانيا على فلسطين وسلمت الخط لإدارة الخطوط فيها، وتسلمت الحكومة الفيصلية قسم سورية.

يتضمن البحث مصير الخط الحديدي بعد تقسيم الوطن العربي، ونسف أجزاء منه وتخريبه أثناء الحرب، ثم المعاهدات والمؤتمرات التي عقدت من أجله ثم إصلاحه والنفقات التي بلغته، ثم الخطوط الفلسطينية خط يافا والقدس وحيفا ودمشق، والخطوط العسكرية الفلسطينية، وخط بغداد، والخطوط الحديدية بين الشام ومصر، والكهرباء وخطوط الترام بدمشق.

إن ما أحدثه السلطان عبد الحميد من تطور في الاتصالات والنقل ليدل دلالة كبيرة على الدور الحضاري الذي لعبه في أواخر الحكم العثماني والذي لم يمكنه الغرب من الاستمرار فيه فكان خلعه عن السلطة سنة 1908 تعطيل لكل المشاريع التي كان قد خطط لها.


==
المصدر نشرة مؤتمر العرب والأتراك.. مسيرة تاريخ وحضارة 2010.

مواضيع ذات صلة: