وادي القبور في تدمر

تشكل الصروح الجنائزية القائمة إلى الآن في تدمر والتي يتجاوز عددها المئة وخمسين صرحاً واحدة من أغنى وأوسع المدافن من العصر اليوناني-الروماني في الشرق الأدنى.

ويمكننا التمييز بصورة عامة بين ثلاثة نماذج مختلفة للعمارة الجنائزية في تدمر وهي: المدافن البرجية والمدافن تحت الأرضية والمدافن المنزلية.

وتدلنا الكتابات أنها دائماً ما تكون عبارة عن مدافن عائلية حيث تحتوي في بعض الحالات على حوالي ثلاثمئة معزب توضع فيها النواويس.


مدفن إيلابل البرجي
في تدمر

المدافن البرجية
تمت الإشارة في الكتابات القديمة إلى المدافن البرجية والتي يبلغ ارتفاعها خمسة طوابق بكلمة «نفش» أي «ضريح» أو بكل بساطة «صرح». إن هذه الأبراج ذات الشكل المربع والمشيَّدة من الأحجار الرمليَّة والمثبتة بالمِلاط تنتصب على قواعد أو دكات متدرجة. وقد بقيت هذه المدافن البرجية محفوظة جيداً بفضل البناء المتين لجدرانها، وقد رممت بشكل جزئي.

بدأ تطور هذه الأبنية في القرن الأول قبل الميلاد، حيث نجد مبانٍ هُيّئت فيها المعازب فوق بعضها البعض (تصل حتى العشرين) مما يجعل الوصول إليها متاحاً. ويتيح التواصل السهل مع خارج المدفن وهي طريقة تعطي حماية للمعازب بشكل جيد، وبنفس الوقت تؤمن أماكن ومساحة أفضل لعدد من القبور فوق بعضها البعض.

على الرغم من أنه لم يبق أي برج محفوظ بالكامل إلا أن سقف البرج كان على الأرجح مستوياً (مسطحاً) وفي بعض الحالات بدا أن الدرج يصل مباشرة الى السطح. وعلى الرغم من أن الوثائق المكتوبة تؤكد أنه لم يتم بناء أي مدفن برجي في تدمر منذ عام 128 بعد الميلاد إلا أن بعضاً منها بقي مستخدماً حتى منتصف القرن الثالث بعد الميلاد.

مدفن الأخوة الثلاث
في تدمر

المدافن تحت الأرضية
إن أقدم نموذج لمدفن تحت أرضي يتضمن معازب للدفن فوق بعضها البعض في تدمر هو المدفن المكتشف قرب معبد بعلشمين وهو يعود للقرن الثاني قبل الميلاد؛ ومن ثم فقد تعددت المدافن تحت الأرضية التي تعلوها مدافن برجية وهذه الأبراج هي الأكثر عدداً في المنتصف الأول للقرن الأول للميلاد. ومن المحتمل أنها كانت على هذه الحال في الحقبة الأولى للعمارة الجنائزية في تدمر خلال القرن الأول قبل الميلاد.

تؤكد الكتابات التأسيسية والمؤرخة أن هذه الأبراج قد بنيت ما بين 9 ق.م و129م، إلاّ أن بعضها بقي مستخدماً حتى القرن الرابع للميلاد. وقد توضعت المداخل إما على مستوى الأرض بشكل مائل أو إما بشكل درج نازل.

المدافن المنزلية
غالباً ما أُشير في الكتابات القديمة إلى عامة الصروح والتي يطلق عليها اسم «معابد جنائزية» أو «ضريح-معبد» أو «قبر-بيت» بعبارة «بيت الأبدية» وجعلت الزخرفة الغنية من هذا المدفن النموذج الأغنى والأكثر فخامة في العمارة التدمرية الجنائزية إضافةً لنوع المادة المستخدم (الكلس الأبيض الساطع بدلاً من الحجر الرملي).

حتى وقتنا الحاضر وحسب الكتابات المعروفة فقد شُيّدت هذه المدافن ما بين عام 143 و253 بعد الميلاد عوضاً عن النموذج المتعارف عليه للمدافن البرجية المستخدمة حتى زمن زيارة هادريان لتدمر.

وخلافاً للمدافن البرجية والمدافن تحت الأرضية والتي بقيت محفوظة إلى حدٍ ما وبالتالي مستكشفةً بشكل أفضل فإن المدافن المنزلية لم يبق منها سوى كومة أنقاض ولم يتم التنقيب عنها أو ينشر عنها بشكل منهجي.

مواضيع ذات صلة: