أرسطو


الفيلسوف الكبير
أرسطو

ولد أرسطو سنة 384 ق.م في مدينة استاجيرا، إحدى مدن خلقيدونية. وبالرغم من بعد تلك المدينة عن أثينا، وكونها تابعة لملك مقدونية، فقد كانت مدينة يونانية ويتكلم سكانها اليونانية. وقد عاصر أرسطو الخطيب ديموستين، وعاش في حقبة امتدت فيها الهيلينية المقدونية على بلاد الإغريق قاطبة.

كان أبوه نيقوماخوس طبيباً ذائع الصيت، وكان الطبيب الخاص للملك المقدوني أمنتاس الثاني والد الملك فيليب وجد الإسكندر المقدوني الشهير، وكان نيقوماخوس يعتبر نفسه سليل إله الطب إسكليبيوس. أما أمه فكانت من مواليد مدينة خالقيس في جزيرة أوبا، وفيها سيموت أرسطو.

فقد أرسطو والده وهو ما يزال حدثاً، ثم فقد والدته، فرباه وصي عليه يدعى بروكسين، وسيتبنى أرسطو والده نيكانور فيما بعد.

حوالي العام 366 ق.م، وعندما يكون في سن السابعة عشرة، يقصد أرسطو مدينة أثينا ويدخل أكاديمية أفلاطون كطالب، ويبقى فيها حتى وفاة المعلم، أي حوالي عشرين عاماً. كانت مدرسة أفلاطون وقتها في أوج ازدهارها وتعمل كجامعة حقيقية، فلها نظامها، وفيها مساكن للطلاب، وقاعات محاضرات، ومتحف ومكتبة.

عندما وصل أرسطو إلى أثينا كان أفلاطون قد غادرها على سيراكوزا في صقلية، محاولاً إقناع حاكمها بتبني أفكاره، إلاّ أن محاولته باءت بالفشل فعاد إلى أثينا، ثم كرر المحاولة عام 361 ق.م، فلم تكن بأنجح من التي قبلها، فاستقر به المقام نهائياً في أثينا.

تعرف أرسطو في الأكاديمية على أفلاطون، كما تعرف على تلاميذه ومنهم فلاسفة كبار مثل أودوكس وهيراقليدس (اللذين توليا رئاسة الأكاديمية في غياب أفلاطون تباعاً)، كما تعرف على اكزينوقراطيس. وبالتأكيد فإن أرسطو لم يكن طالباً عادياً بل فيلسوفاً متبحراً، أخذ يختط لنفسه اتجاهاً خاصاً في الفلسفة، قد يتناقض مع تعاليم معلمه (يظهر هذا في مؤلفاته اللاحقة).

في عام 347 ق.م يموت أفلاطون في أثينا، ويخلفه على رئاسة الأكاديمية ابن أخته أسبوسيبوس. فيغادر أرسطو أثينا، ومن غير المعلوم هل السبب هو خيبة أمله من تولي غيره رئاسة الأكاديمية أم أنه كلف بتأسيس فرع لها؟!
على كل حال، يذهب أرسطو إلى مدينة أسوس في منطقة طروادة، ويلتقي فيها بهرمياس، العبد المعتوق الذي كان أرسطو قد عرفه طالباً في الأكاديمية، وقد أصبح هرمياس طاغية يحكم أتارنا وأسوس، وكان عليه أن يدافع عن حكمه ضد الفرس. وقد أمضى أرسطو في أسوس ثلاث سنوات، ويبدو أن الأعمال التي تعتبر أقدم كتبه تعود إلى تلك الحقبة.

وفي عام 345 ق.م يقع هرمياس في كمين نصبه رجال الملك الفارسي ارتاكسيركس الثالث ويقتل. فيعجل أرسطو في الفرار مصطحباً معه بيثياس ابنة أخت هرمياس، والتي تصبح زوجته الأولى، وبعد موتها يتزوج أرسطو من هربيليس التي تنجب له ابناً وحيداً هو نيقوماخوس، والذي يموت شاباً بعد فترة وجيزة من انتهاء أرسطو من تدوين كتابه «الأخلاق» والذي كان مهدى إليه.

في عام 343 ق.م استدعى الملك فيليب المقدوني أرسطو ليعهد له بتعليم وتثقيف ابنه الإسكندر، والذي كان في الثالثة عشر من عمره، والذي أصبح فيما بعد الإسكندر الكبير، حيث قصد أرسطو بلاط الملك فيليب في مدينة بيللا (غير البعيدة عن مدينة تسالونيك الحالية)، بيد أنه من غير الواضح مدى التعليم الذي تلقاه الإسكندر من أرسطو.

وفي العام 336 ق.م يقتل الملك فيليب غدراً، ويعتلي الإسكندر العرش ويحضّر لفتح المشرق. فيغادر أرسطو البلاط المقدوني عائداً إلى أثينا، ويؤسس مدرسة في حي يدعى لوقيون، بالقرب من معبد الإله أبولو، حيث تعتبر هذه المدرسة لاحقاً منافسة لأكاديمية أفلاطون. وكان من عادة تلاميذ هذه المدرسة أن يمشوا وهم يناقشون الدروس فشاع اسم «المشائين» على تلاميذ أرسطو.

استمر أرسطو في التعليم في مدرسته اثنتي عشرة سنة، أنشأ خلالها مكتبة ومتحفاً للتاريخ الطبيعي للحيوانات والنباتات، وليس من المستبعد أن يكون الإسكندر قد قدم مساعدة مالية لمعلمه القديم.

بعد موت الإسكندر عام 323 ق.م، نشط الحزب المناهض للمقدونية، واتجهت الأنظار إلى أرسطو كمشبوه، ويقيم عليه ديموفيل دعوى عليه بتهمة الكفر. ويتذكر أرسطو مصير المعلم القديم سقراط، ويشعر بأنه مهدد فيلجأ إلى مدينة خلقيس في جزيرة أوبا، وهي المدينة التي ولدت بها أمه، ويبقى فيها إلى أن يموت عام 322 ق.م وهو في الثالثة والستين من العمر.

مؤلفات أرسطو


اشتهر أرسطو بأنه أنجز ألف كتاب، وقد وصلنا عدد كبير من مؤلفاته سواء التي عرف منها في الغرب أو التي ترجم منها إلى اللغة العربية على يد الفلاسفة العرب الذي اهتموا كثيراً بهذا الفيلسوف الجليل الشأن، ويمكن تصنيف أهم كتب أرسطو وفق ما يلي:

آ- المنطق


لم تعرف هذه الكلمة في عهد أرسطو بل كان يشار إليه بكلمة «الأورغانون» أي الأداة الفكرية.
وأهم مؤلفاته في المنطق هي: 1- المقولات، 2- العبارة، 3- التحليلات، 4- الجدل، 5- الأغاليط (أو تفنيد السفسطة).

ب- المعرفة


ونجد في هذا الباب المؤلفات التالية:
1- ما بعد الطبيعة، 2- الطبيعة (أو السماع الطبيعي)، 3- السماء، 4- الكون والفساد، 5- الآثار العلوية (أو الظواهر الجوية)، 6- النفس، 7- الطبيعيات الصغرى، 8- تاريخ الحيوان، 9- أعضاء الحيوان، 10- توالد الحيوان، 11- مشي الحيوان.

جـ- الأخلاق والسياسية


ونجد في هذا المجال المؤلفات التالية:
1- الأخلاق الكبرى، 2- الأخلاق إلى أوديموس، 3- الأخلاق إلى نيقوماخوس، 4- السياسة، 5- النظم السياسية.
د- الفن: كتب أرسطو تصنيفاً في الفنون لم يصل إلينا، ولم يصل إلينا في هذا المجال سوى كتابين هما:
1- الخطابة، 2- الشعر.

يبقى أن نقول أن أرسطو هيمن بفكره على المعارف البشرية طوال أكثر من عشرين قرناً، وترجمت كتبه إلى معظم لغات العالم، واعتبره العرب المعلم الأول، أما في الغرب فقد ظلت فلسفته هي السائدة كفلسفة إلى القرن السادس عشر، وإلى أرسطو يعود الفضل في وضع أسس علم الأخلاق والسياسية والمنطق، كما أنه أنشأ «المنطق الصوري» الذي لا يزال يلعب دوره إلى الآن في تطور المعرفة البشرية.


قسم الدراسات في «اكتشف سورية» - محمد خضور
المرجع: كتاب «أرسطو واللوقيون»، تأليف: جان بران، ترجمة: جورج أبو كسم، إصدار دار الأبجدية.